أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 أغسطس 2022

الإفادة بطرق حديث (النظر إلى علي عبادة) عبد العزيز بن الصديق الغماري (١٣٣٨ -١٤١٨ هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الإفادة بطرق حديث (النظر إلى علي عبادة)

عبد العزيز بن الصديق الغماري

(١٣٣٨ -١٤١٨ هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب يأتي في بيان فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيه سرد مؤلفه طرق حديث (النظر إلى علي عبادة) وناقش دعاوى من ردَّه أو حكم بوضعه، وبنى ذلك على قاعدة مفادها (أن مدار صحة الحديث إنما يعتمد على ضبط الراوي وعدالته، فبالضبط يؤمن الخطأ والوهم، وبالعدالة يؤمن الكذب).

وصحح الغماري هذا الحديث بناءً على تصحيحه حديث ابن مسعود، من رواية (يحيى بن عيسى الرملي)، عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عنه مرفوعاً، واستند في ذلك إلى توثيق الجمهور له، ووجود المتابع له، وجعل بقية الأحاديث هي شواهد لحديث ابن مسعود، ثم صار في بقية الطرق المروية =بأسانيد موضوعة =يُحيل على رواية عمران بن الحصين، رضي الله عنه، ويقرر أن الحديث ثبت بأسانيد أخرى!!

والحديث -كما لخصنا الكلام فيه-روي من طريق أبي بكر، وعثمان، ومعاذ، وجابر، وأبي هريرة، وأنس، وابن عباس، وثوبان وعائشة، وابن مسعود -رضي الله عنهم أجمعين.

ولم يكن الغماري أول من تبنى تصحيح ابن مسعود، بل سبقة إلى ذلك الحاكم، الذي قال في حديث عمران بن حصين: (هذا حديث صحيح الإسناد، وشواهده عن عبد الله بن مسعود صحيحة)، ومن قبله الشوكاني الذي ذهب إلى أن الحديث من قسم (الحسن لغيره)، ولكن تعقبه المعلمي بقوله: "خفي على المؤلف حال بعض الروايات، فظنها قوية، والأمر على خلاف ذلك كما رأيت"، وبالجملة فالحديث لا يثبت بشيء من هذه الطرق.

وزعم الغماري أن عدداً من الصحابة فضلوا علياً على أبي بكرٍ وعمر، وأن القول بتفضيل الشيخين على عليٍّ -رضي الله عنه -هو كفرٌ بفضل هذا الإمام العظيم! وأن خلافة عليٍّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم هي خلافةٌ باطنة!

ولا شك أن هذا القول من الغماري لا دليل عليه، بل إنه يُشير إلى غلوه الواضح في عليٍّ رضي الله عنه وأولاده، وقد زعم أن مقام الإمام عليٍّ من الله هو مقام القرب، وهو أعلى من مقام الصديقية وأدنى من مرتبة النبوة، وهذا الغلو -أيضاً -أفاده الغماري من الشعراني صاحب "الطبقات" في كتابه "كشف الحجاب والران".

وقد رأينا تحامل الغماري -في مناقشاته -على ابن الجوزي، وغيره كابن معين، وتحامله الشديد على الإمام الذهبيّ الذي ضعَّف طرق هذا الحديث عند الحاكم؛ فتراه يتهمه بسوء النية تجاه أهل البيت (ص ١١٠).

ولم يُخفي الغماري نزعته الصوفية، وموقفه المعادي لمن يسميهم (الوهابية!)، ولكن هذا الأمر لا نريد الاستطراد في الرد عليه.

ومن خلال النظر في الطرق التي أوردها الغماري، نستطيع أن نقول: إن الحديث من قسم الضعيف الذي لا ينجبر؛ فليس هو بالصحيح كما قال الحاكم وتابعه عليه المؤلف، ولا موضوعًا، كما قال ابن الجوزي، بل هو ضعيفٌ جداً وفي متنه نكارة، ومن حكم عليه بالوضع فما أبعد، انظر "السلسة الضعيفة" للألباني (١٠/ ٢٣٩)، والفوائد المجموعة للشوكاني (ص ٣٥٩ -٣٦١).

وجملة القول؛ أن الحديث -مع هذه الطرق الكثيرة -لا تطمئن النفس إلى صحته؛ لأن أكثرها من رواية الكذابين والوضاعين، وسائرها من رواية المتروكين والمجهولين الذين لا يبعد أن يكونوا ممن سرقوا الحديث، وركبوا له الأسانيد، ولذلك فما أبعد ابن الجوزي عن الصواب حين حكم عليه بالوضع.

ولا شك أن هذا الحديث من الأحاديث التي نَشِطَ الوضاعون من الرافضة وغيرهم في الإكثار من طرقه، فيظن من لا دراية له أن للحديث أصلاً، وهو ليس كذلك.

أما بالنظر إلى المعنى؛ فالنظر إلى (عليٍّ رضي الله عنه) مع تقدير حياته فهو عادة وليس عبادة، والله سبحانه لم يتعبدنا بالنظر إلى أحدٍ من الناس، حتى لو ظهرت عليه سيما العبادة وملامح الصلاح، وإنما ورد (النظر إلى الكعبة عبادة)، واشتهر عن السلف: (النظر في المصحف عبادة) وروي ذلك عن ابن مسعود موقوفاً.

ولكن يمكن القول بأن النظر الذي يفضي إلى ذكر الله تعالى، والتفكر في أحوال الآخرة "عبادة" بالمعنى العام، وهذا يشمل النظر في جميع آيات الله الكونية دون تخصيص شيء دون آخر، يشهد لذلك قول الله عز وجل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران: ١٩٠، ١٩١).

وقد ورد في ذلك حديث صحيح، (خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله)، قال القاري: أي: يتذكر برؤيتهم ذكر الله. أهـ. وعليه فكل ما ذكرك بالله وآلائه ونعمه ودفعك إلى ذكره فالنظر فيه عبادة، ما لم يكن محرماً أو مكروهاً، وعلى فرض صحة هذا الحديث، فهو ليس مخصوصاً بعليّ بن أبي طالب ولا ذريته إن قلنا ذلك يشملهم، بل النظر إلى جميع الصحابة وأحوالهم يكون عبادة.

وفي هذا المقال:

١-ترجمة الشيخ عبد العزيز الغماري (كما في الكتاب).

٢-موجز سيرة الإمام علي بن أبي طالب (صفة الصفوة)

٣-كثرة الفضائل لا تدل بمجردها على حقيقة التفضيل.

٤-مذهب أهل السنة في تفضيل أبي بكر وعمر على عليٍّ (وهي مسألة اجتهادية في التفضيل، اتفاقية في الخلافة).

٥-الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب والحكم عليها.

٦-طرق حديث (النظر إلى علي عبادة).

٧-سرد الأئمة الاثنا عشر عند الشيعة.

٨-علي بن أبي طالب والتصوف.

أولاً: ترجمة الشيخ عبد العزيز الغماري:

هو العلامة المحدث المفيد الناقد البصير السيد الشريف أبو اليسر، جمال الدين، عبدالعزيز بن محمد بن الصديق بن أحمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن محمد بن عبدالمؤمن، الحسني الإدريسي الغماري المغربي.

ينتهي نسبه الى إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط عليه السلام. ولد في شهر جمادى الأولى سنة ١٣٣٨ هـ، بثغر طنجة من بلاد المغرب الأقصى من والدين شريفين كريمين. 

أما والده؛ فهو السيد محمد بن الصديق المولود سنة ١٢٩٥ هـ، والمتوفى سنة ١٣٥٤ هـ، كان من أعلام المغرب المشاهير، واسع الاطلاع، حسن البيان والتعليم والتبليغ، تاركاً للدنيا، متجرداً عن علائقها. وكانت له حلقات علمية يدرس فيها رسالة ابن أبي زيد القيرواني وصحيح البخاري وغيرهما.

وقد أفرد أخلاقه السنية وأحواله الزكية ومآثره العلمية جماعة، منهم: ولده الأكبر السيد أحمد بن الصديق في (سبحة العقيق)، وفي (التصور والتصديق)، والفقيه محمد العياشي في (نبذة التحقيق) ومحمد بن الأزرق الفاسي في (حادي الرفيق) وغيرهم، وله ترجمة في (موسوعة أعلام المغرب)

وأما أمُّه: فهي حفيدة الإمام العلامة أحمد بن عجيبة الحسني المتوفى سنة ١٢٢٥ هـ، صاحب التفسير و(شرح الحكم)، و(الفهرسة) وغيرها من المصنفات.

أسرته العلمية:

ترعرع المترجم له في أحضان أسرة علمية عريقة مما هيأ له ذلك الارتقاء الى أعلى مراتب العلم.

فمن أعلام أسرته والده الذي تعاهده منذ صغره، فبعد قراءة القرآن الكريم اشتغل بالطلب عليه، وكان مهتماً به غاية الاهتمام.

ومنهم: شقيقه الحافظ أبو الفيض شهاب الدين أحمد ابن الصديق المولود سنة ١٣٢٠ هـ، والمتوفى سنة ١٣٨٠ هـ بالقاهرة، وقيل: بلغت مصنفاته أكثر من ٢٠٠ مصنف أكثرها في علم الحديث، منها (المداوي لعلل المناوي) و(الهداية في تخريج أحاديث البداية) لابن رشد و(فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب) للقضاعي، وغيرها.

وله ترجمة في (تشنيف الأسماع) و(موسوعة أعلام المغرب)، ومقدمة كتابه (البرهان الجلي)، و(مقدمة البداية).

ومنهم: شقيقه المحدث الأصولي أبو الفضل عبد الله بن الصديق المولود سنة ١٣٢٨ هـ، والمتوفى سنة ١٤١٣ هـ وله مصنفات كثيرة منها (الكنز الثمين) وشرحه و(بدع التفاسير) و(الابتهاج في تخريج أحاديث المنهاج) وأجزاء حديثية. 

له ترجمة في (تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع).

ومنهم: محمد الزمزمي، والسيد عبد الحي المتوفى سنة ١٤١٥ هـ، ومن مؤلفاته (الجواب المداوي لسؤال السلاوي).

وللسيد عبد العزيز شقيقان ّ آخران أصغر منه سناً،هما العلامة الأديب السيد الحسن والعلامة المشارك السيد إبراهيم.

نشاطه العلمي والثقافي: 

بدأ السيد عبدالعزيز الغماري دراسته وطلبه للعلم منذ الصغر، وبعد أن تجاوز بعض المراحل الدراسية في مسقط رأسه (طنجة) سافر إلى القاهرة سنة ١٣٥٥ هـ، فأخذ عن أكابر شيوخها كالشيخ عبدالمعطي الشرشيمي - من كبار علماء الهيئة - والشيخ محمود إمام، والشيخ عبدالسلام غنيم الدمياطي، والشيخ محمد عزت، وغيرهم

واستفاد أيضاً من شقيقه الحافظ السيد أحمد بن الصديق في شتى العلوم، لا سيما علم الحديث وفنونه الذي تضلع فيه وبرع، وأصبحت له اليد الطولى في صناعته، فألف فيه المؤلفات الكثيرة، وصار من كبار المشايخ المحدثين الذين يستجاز منهم. ولذلك استجازه في الحديث كثير من طلبة العلم في مختلف الأقطار والبلدان لوفرة طرقه وعلو إسناده.

وله في ذلك (معجم الشيوخ)، كما وضع الأستاذ محمود سعيد ممدوح ثبتاً صغيراً لطرقه سماه (فتح العزيز بأسانيد السيد عبد العزيز)، ونشر أبحاثاً ّ علمية جمة طوال عشرات السنين، بدأها بمجلة (الإسلام) عندما كان بالقاهرة الى (البلاغ)، و(الخضراء الجديدة) الأسبوعية اللتين تصدران بطنجة وقد بلغت المئات.

 وترجمت مقالاته إلى عدد من اللغات وخاصة الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، ومنها ما أعيد نشره في جرائد عالمية، منها جرائد تصدر من باريس ولندن.

 ولما عاد الى طنجة سار على ذلك النهج الذي رسمه لنفسه، فكان يجيب على أسئلة السائلين، ويثقف الناس ويعظهم من خلال كتاباته في الصحف والمجلات وخطب الجمعة.

وبالجملة: فقد كان عالماً عاملاً، وواعظاّ متعظاً، ترسخت عظاته ونصائحه في قلوب السامعين لحسن سريرته وطيب طويته. هذا، مع سعة اطلاعه وقوة نظره، وجودة استحضاره للمسائل، ومسايرته مع التطور الحضاري والتفتح العصري شأن كل مرشد واع

سيرته وجهاده: لقد قضى السيد العلامة عبدالعزيز بن الصديق حياته في خدمة العلم والدفاع عن كلمة الحق، والوقوف إلى جنب الضعفاء والمقهورين والعمل على إسعاد  الناس، وحل مشاكلهم.

كان آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، شجاعاً في انتقاد كل ما يجب انتقاده، لا يخشى في الله لومة لائم، يقول الحق ولو في أقرب الناس إليه، كما كان يتقبل بصدر رحب أي انتقاد يوجه إليه ما دام هذا النقد في طريق الحق. وله في ميدان الجهاد عن العقيدة الإسلامية الصحيحة.

وردود دامغة كشف بها الستار عن الحقائق، كما هو ديدن كل مصلح كبير، ولكن لا يسع المقام لذكرها.

مؤلفاته: كان المحدث ابن الصديق من الذين كان لهم سهم وافر في إغناء المكتبة العربية ولا سيما الحديثية المؤلفات القيمة المتنوعة، ونذكر هنا بعضاً منها.

١- تسهيل المدرج إلى المدرج.

٢- التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس.

٣- بلوغ الأماني من موضوعات الصغاني.

٤- إتحاف ذوي الفضائل المشتهرة بما وقع من الزيادات من نظم المتناثر على الأزهار المتناثرة.

٥-الباحث عن علل الطعن في الحارث.

٦- التحفة العزيزية في الحديث المسلسل بالأولية.

٧- جزء في بيان حال حديث: أحبب حبيبك هوناً ما.

٨- التعطف في تخريج أحاديث التعرف.

٩-جلاء الدامس عن حديث: لا ترد يد لامس.

١٠- الجواهر المرصوعة في ترتيب أحاديث اللآلئ المصنوعة.

١١-الجامع المصنف لما في الميزان من حديث الراوي المضعف.

١٢- وثبة الظافر لبيان حال حديث: أترعوون عن ذكر الفاجر.

١٣-المشير الى ما فات المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير.

١٤- أزهار الكمامة في صحة حديث الغمامة.

١٥- جني الباكورة في طرق حديث: لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة.

١٦-جزء في طرق حديث: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد.

١٧-الجواهر الغوالي في الاستدراك على اللآلي.

١٨-التهاني في التعقب على موضوعات الصغاني.

١٩- تذكرة الأحاديث الموضوعة والتي لا أصل لها.

٢٠-التبيين لحال حديث: أنا ابن الذبيحين.

٢١-المقتطف من حديث المخصوص بكامل العز والشرف.

٢٢- الفتح الوهبي في الكلام على محمد بن السائب الكلبي.

٢٣- الإفادة بطرق حديث: النظر إلى علي عبادة. وهو الكتاب الذي بين يديك، وقد تم تأليفه عام ١٣٦٥ هـ، بالقاهرة.

وفاته: وبعد عمر مبارك مديد قضاه محدث المغرب السيد عبدالعزيز الصديق في إعلاء كلمة الحق وخدمة العلم وأهله لبى نداء ربه يوم الجمعة ٦ رجب، ١٤١٨ هـ، بعد صلاة العصر.

 وشيع جثمانه يوم السبت - بعد أن غسل بماء زمزم - في موكب عظيم شارك فيه عشرات الآلاف من المشيعين، وكان هذا أكبر تشييع تشهده طنجة، فحمل نعشه من داره إلى المسجد الأعظم، وتقدم للصلاة عليه ولده الأكبر الدكتور محمد بن الصديق، ثم ولده عبدالمغيث بن الصديق، ثم حمل الى الزاوية الصديقية حيث مثواه الأخير، فدفن هناك ظهر يوم السبت.

ثانياً: موجزٌ من سيرة الإمام علي رضي الله عنه (منتخبة من صفة الصفوة):

١-هو  علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أول من أسلم من الصبيان، وأول فدائي في الإسلام، وهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته فاطمة، وابن عمه، وأبا الحسن والحسين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأمه فاطمة بنت أسد بن عبد مناف، ويُكنى أبا الحسن، وأبا تراب.

٢-أسلم وهو صغير، وهو ابن سبع سنين، وشهد المشاهد كلها ولم يتخلف إلا في تبوك فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم خلّفه في أهله، وكان غزير العلم.

٣-كان آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، أقرب إلى القصر من الطول، ذا بطن، كثير الشعر، عظيم اللحية أصلع، أبيض الرأس واللحية، لم يصفه أحد بالخضاب إلا سوادة بن حنظلة فانه قال: رأيت علياً أصفر اللحية، ويشبه أن يكون قد خضب مرة ثم ترك.

٤-وأشهر زوجاته: فاطمة بنت رسول الله وله منها ولدان وبنتان (الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى)، وخولة بنت جعفر الحنفية، وله منها ولد (محمد الأكبر)، وليلى بنت مسعود، وله منها ولدان (عُبيد الله =قتله المختار، وأبو بكر =قُتل مع الحسين)، وأم البنين بنت حزام، وله منها أربعة أولاد (العباس الأكبر، وعثمان، وجعفر، وعبد الله =قتلوا مع الحسين)، وغيرهم، وله من الأبناء والبنين ١٤ ذكراً، و١٩ انثى.

٥-وهو الذي أشار إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأن الله ورسوله يُحبانه، وخصه بحمل الراية يوم خيبر، وقال له يوم تبوك (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، وقال له يوم غدير خُم (من كنت مولاه فعليًّ مولاه)، وكان زاهداً ورعاً، مجاهداً، عابداً، صاحب وعظٍ.

٦- ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان، سنة أربعين فبقي الجمعة والسبت، ومات ليلة الأحد وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر، وصلى عليه الحسن ودفن في السحر.

 ثالثاً: كثرة الفضائل لا تدل بمجردها على وقوع التفضيل:

وقد مال الغماري إلى تفضيل علي بن أبي طالب على سائر الصحابة، وهو مذهب الشيعة المفضلة، وزعم الغماري (ص ٢٢- ٢٣) أن تفضيل عليٍّ -رضي الله عنه -على سائر الصحابة هو مذهب سلمان، وأبي ذرٍّ، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن الأرقم، وأبي الطفيل عامر بن واثل!

يقول الغماري (ص ٣١): "وقد تتبعت فضائل الصحابة، فلم نجد لأحدهم قطرةً من بحر ما ورد في علي عليه السلام من الأحاديث الصحيحة الشاهدة بفضله على الصحابة جملة، لا فرق بين الخليفة الأول ولا غيره"

والجواب على هذه الشُّبهة، هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "رسالة في الخلفاء الراشدين"، ذكر فيها قاعدة مهمة، وهي: "أن الفاضل هو من له خصائص لا توجد في المفضول ألبتة، فإذا استوى اثنان أو أكثر في الفضل، وكان لأحدهما خصائص تزيد على الآخر، كان هو الأفضل منهما".  

وكذلك "فإن الخصائص العامة المشتركة، لا توجب تفضيل إنسان على غيره"، ولا تعد من خصائصه، بل هي (مناقب، وفضائل، ومآثر) له، ولكن لا توجب تفضيله"، وقد بسط الكلام على ذلك، وبين أن جميع الخصائص الثابتة لعليٍّ رضي الله عنه، هي ثابتة لأبي بكر وعمر من وجهٍ آخر، وما ثبت للشيخان -أبي بكر وعمر -يزيد على ما ثبت لعليٍّ، وهذا الأمر يُوجب تفضيلهما عليه.

وما أوردناه على كلام الغماري، ورددنا به شبهته في تفضيل علي -رضي الله عنه -يورده هو علينا، ولكن دون تفصيل للأدلة، أما نحن فقد بين ابن تيمية تفصيل ذلك في كتابه الذي أشرنا إليه، وقد لخصناه بفضل الله وكرمه، فانظره.

وقد تناقض الغماريُّ في كلامه، فالإجماع الذي أنكره يُقرُّ به (ص ٤٢)؛ فيقول: وتقديم الثلاثة على علي عليه السلام في الخلافة وكون الإجماع على هذا الترتيب حق لا شك فيه، ولكن لا يدل على فضلهم عليه، لا من قريب ولا من بعيد، لأن الأسبقية في الترتيب لا تفيد الأفضلية مطلقاً. انتهى.

رابعاً: مذهب أهل السنة والجماعة في تفضيل أبا بكر وعمر على عليٍّ:

يُلخص لنا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مذهب أهل السنة في ذلك، فيقول في العقيدة الواسطية (ص ١١٩): (وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر، ثم عمر. ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي رضي الله عنهم؛ كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة. 

مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي -رضي الله عنهما -بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل؟ 

فقدم قوم عثمان: وسكتوا، أو ربعوا بعلي، وقدم قوم عليا، وقوم توقفوا. لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان، ثم علي. 

وإن كانت هذه المسألة ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة. 

لكن التي يضلل فيها: مسألة (الخلافة)، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، وعمر، ثم عثمان، ثم علي. ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء؛ فهو أضل من حمار أهله.

خامساً: الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب والحكم عليها إجمالاً

١-حديث (علِيٌّ سيِّدُ العرَبِ): 

قال محمد الغزي في "إتقان الإحسان" (١/ ٣٠٢): طرقه كلها ضعيفة، وقال العجلوني في "كشف الخفا" (١‏/٥٦١): له شواهد كلها ضعيفة، وقال الألباني في "الضعيفة" (٥٦٧٨): موضوع.

أ- عن جابر رضي الله عنه بلفظ "ادعوا لي سيد العرب"، صححه الحاكم في "المستدرك" (٤٦٢٦)، وقال له شاهد آخر من حديث عائشة. وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (٢٩٣): ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة" (١٧‏/٣٣٢):  فيه الحسين ضعيف وفي الإسناد خلل.

ب- وعن عائشة رضي الله عنها ضعفه العجلوني في "كشف الخفا" (١/ ٥٦١)، وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (٣/ ٦٣٥):  غريب وروي من وجهين، وقال الوادعي في "الرسالة الوازعة": فيه خارجة هو ابن مصعب، قال يحيى: خارجة ليس بثقة وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به. وروُي عن سلمة بن كُهيل مرسلاً، قال الذهبيُّ في "تلخيص العلل المتناهية" (٧٤): مرسل فيه محمد بن حميد متهم.

ج- وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (٢٩٣) ضعيف.

د- وعن عروة بن الزبير، قال السخاوي: حديث ضعيف.

هـ -وعن الحسين بن علي بن أبي طالب، رواه أبو نُعيم في "الحلية" (٥/ ٤٣)، وقال: غريب من حديث زبيد تفرد به قيس.

و-وعن أنس بن مالك نحوه، رواه الطبراني في "الأوسط" (٢/ ١٢٧)، ثم قال: لم يرو هذا الحديث عن حميد إلا خاقان ولا عن خاقان إلا عمر بن عبد العزيز تفرد به عبيد الله الجبيري، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٩/ ١١٩): فيه خاقان بن عبد الله بن الأهيم ضعفه أبو داود‏‏.

ي-وعن عبد الله بن عباس، قال الذهبيُّ في "ميزان الاعتدال" (٣/ ١٨٥): باطل، وقال ملا علي القاري في الأسرار المرفوعة (٢٢٣):  قيل لا أصل له أو بأصله موضوع 

٢-حديث (عليٌّ سيد المؤمنين):

روي من حديث أسعد بن زرارة، قال الحافظ في "إتحاف المهرة" (١/ ٣٤٤): ضعيف جداً، ومنقطعٌ أيضاً، وروي من حديث عبد الله بن عكيم، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٩/ ١٢٤): فيه عيسى بن سوادة النخعي وهو كذاب‏‏، وقال المعلمي اليماني في "أوهام الجمع والتفريق" (١‏/١٩١) فيه مجاشع بن عمرو عن عيسى بن سوادة ومجاشع كذاب وضاع وعيسى قريب منه، وقال الألباني في "الضعيفة" (٣٥٣): موضوع.

٣-(من كنتُ مولاه؛ فعليٌّ مولاه):

أخرجه الترمذي في "سننه" عن زيد بن أرقم، أو حُذيفة بن أسيد، وقال الترمذي (٣١٣٧): حديث حسن صحيح، وابن ماجة في سننه: ١١٦، وصححه النووي في "فتاويه" (٢٥٢) صحيح. وصححه الذهبيُّ عن زيد بن أرقم في "تاريخ الإسلام" (٣/ ٦٢٩)، وصححه الألباني، وغير واحدٍ من أهل العلم، وقال ابن الجزري في "مناقب الأسد الغالب": وهو حديثٌ صحيحٌ متواتر.

ورُوي هذا الحديث عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمر، ومالك بن الحويرث، وبريدة الأسلمي، وقال ابن القيسراني في "ذخيرة الحفاظ (٤‏/٢٣٩٧) عن أبي هريرة من طرق فيها إما ضعيف أو كذاب أو واهي الحديث وعن ابن عمر فيه متروك وعن مالك لم يتابع عليه وعن بريدة فيه منكر الحديث، وقال الخطيب في "تاريخ بغداد" (٣/ ٩٤): حديث طائر.

وأخرجه أبو نُعيم في "الحلية" (٤/ ٢٦) عن بُريدة بن الحصيب الأسلمي، وقال: غريب من حديث طاوس. ورواه الطبراني في "الأوسط" (٨/ ٢١٣) من حديث أبي سعيد الخدري، وقال: لم يرو هذا الحديث عن فضيل إلا حفص بن راشد.

٤-قول سلمان الفارسي (ما كنتُ أحسب أن الأمر منصرفٌ..) يعني أمر الخلافة من عليٍّ إلى أبي بكر، وأن ذلك تم يوم السقيفة!.

لا يثبت أصلاً، وقد رواه الرافعي في "أخبار قزوين" (١/ ٧٨)، قال: أنبأنا علي بن عبد الله، نبأ أبو زرعة عبد الكريم بن إسحاق بن سهلويه نبأ أبو بكر الدينوري إجازة سمعت أبا منصور عبد الله بن علي الأصبهاني ببرو جرد سمعت أبا القاسم الطبراني ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، عن أشياخه قال: لما كان يوم السقيفة اجتمعت الصحابة على سلمان الفارسي.. به.

وفيه أبو بكر الدينوري هو محمد بن يعقوب (ت ٦٦١ هـ)، قال عنه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (٤/ ٧٠): يُحدث بالمناكير والعجائب. وفيه انقطاع كبير ومجاهيل، وهو ضعيفٌ جداً، بل ذكر اليعقوبي في "تاريخه" (٢/ ١٢٤) أن ذلك من قول عتبة بن أبي لهب!

٥-حديث (أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى، غيرَ أنَّه لا نبيَّ بعدي)، والحديث متفقٌ عليه، رواه البخاري: ٣٧٨٩، ومسلم: ٢٤٠٤ في صحيحيهما.

٦-حديث: ("لا يبغضني إلا منافق ولا يحبني إلا مؤمن)، رواه مسلم.

سادساً: طرق حديث النظر إلى علي عبادة:

ورد هذا الحديث عن أحد عشر (١١) صحابياً، فقد ورد من حديث أبي ذر، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجابر، وثوبان، وأبي بكر، وعثمان بن عفان، وأبي هريرة، ومعاذ ابن جبل، وعمران بن حصين، وأنس، وعائشة.

١-حديث أبي ذر:

أخرجه محمد بن الحسن الطوسي في "أماليه" (١٠١٦) أخبرنا جماعة عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبو الليث محمد بن معاذ بن سعيد الحضرمي بالجار، قال: أخبرنا أحمد بن المنذر أبو بكر الصنعاني، قال: حدثنا عبد الوهاب بن همام، عن أبيه همام بن نافع، عن همام بن منبه، عن حجر - يعني المدري، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم (النظر إلى عليٍّ عبادة..).

ورواه الديلمي في "مسند الفردوس" (٤/ ٢٩٣) من طريق أخرى!.

٢-حديث عبد الله بن مسعود:

روى الطبراني في "الكبير" (١٠٠٦)، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن بديل اليامي، ثنا يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النظر إلى وجه علي عبادة».

(حديث ضعيف =رواية تؤيد صاحب بدعة)، وقال الغماري: هذا الحديث حسن لذاته صحيح لغيره! وردَّ على ابن معين كلامه في (يحيى بن عيسى) بأن جرحه مبهم غير مُفسَّر، وبأن ابن معين اضطرب في تضعيفه، وأن من عدله أكثر ممن جرحه، وردَّ على ابن عديّ جرحه -أيضاً -في قوله (عامة ما يرويه لا يُتابع عليه) لا يُفهم منه أن الحديث الذي تفرد به موضوع! بل تفرد يحيى بهذا الحديث دليلٌ على عناية يحيى بن عيسى بالأثر كما يقول الغماري! وأنه ليس كل من قيل فيه بدعة يُطرح حديثه، وأن ذلك الرد مختصٌّ بالداعية، ولم يكن يحيى بن عيسى داعية إلى بدعته.

الكلام على هذا الحديث:

هذا الحديث أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (٣/ ٦٠/ ١) : حدثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة: أخبرنا أحمد بن محمد اليامي

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٩/ ١١٩): "وأحمد بن بديل اليامي؛ وثقه ابن حبان، وقال: مستقيم الحديث. وقال ابن أبي حاتم: فيه ضعف، وبقية رجاله رجال (الصحيح)".

وأقول: محمد بن أبي شيبة ليس من رجال "الصحيح"، ثم هو متكلم فيه، لكن الراجح أنه ثقة؛ كما بينته في مقدمة رسالة "المسائل"، يسر الله نشرها.

قلت: وبالجملة؛ فعلة هذه الطريق يحيى بن عيسى، فقد أورده العقيلي في "الضعفاء" (٤٦٥) - وروى تضعيفه عن ابن معين. وابن عدي في "الكامل" (١/ ٤٢١)، وقال: "وعامة رواياته مما لا يتابع عليه".

ثم روى تضعيفه عن ابن معين أيضاً؛ من طريق الحافظ الدارمي عثمان بن سعيد قال: "قلت: ليحيى بن معين: فيحيى بن عيسى الرملي؛ ما تعرفه؟ قال: نعم، ما هو بشيء. قال عثمان الدارمي: هو كما قال يحيى: هو ضعيف". وضعفه جماعة آخرون. 

وأما العجلي فقال: "ثقة، وكان فيه تشيع"! وذكره ابن حبان في "الثقات"! 

وقال مسلمة: "لا بأس به، وفيه ضعف". وقال أحمد: "ما أقرب حديثه". 

ولخص هذه الكلمات الحافظ ابن حجر في "التقريب" على عادته فيه، فقال: "صدوق يخطىء، ورمي بالتشيع". وقال الذهبي في "الضعفاء": "صدوق يهم. ضعفه ابن معين. وقال النسائي: ليس بالقوي".

قلتُ: فمثله لا يحتج به، لا سيما فيما يؤيد تشيعه.

نعم؛ ذكر السيوطي أن له متابعين اثنين في "اللآليء المصنوعة":

(الأول): منصور بن أبي الأسود عن الأعمش به.

أخرجه الشيرازي في "الألقاب" (الآلئ المصنوعة: ١/ ٣٤٣) من طريق أحمد بن الحجاج بن الصلت: حدثنا محمد بن مبارك عن منصور بن أبي الأسود، عنه. 

قلت: وأخرجه ابن عساكر أيضاً (١٢/ ١٥١/ ٢)، وسكت عليه السيوطي! وليس بجيد؛ فإن ابن الصلت هذا اتهمه الذهبي بوضع حديث بإسناد "الصحاح"؛ فلا قيمة لهذه المتابعة.

(والآخر): عاصم بن عمر البجلي عن الأعمش به.

أخرجه أبو نعيم في "فضائل الصحابة" (الآلئ المصنوعة: ١/ ٣٤٣): حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحسين: حدثنا أحمد بن جعفر بن أصرم: حدثنا علي بن المثنى: حدثنا عاصم بن عمر البجلي

قلتُ: سكت عليه السيوطي أيضاً! وهو إسناد مظلم، لم أعرف أحداً منه؛ البجلي فمن دونه؛ غير علي بن المثنى: فإن كان الطهوي؛ فقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وأشار ابن عدي إلى ضعفه. وإن كان الموصلي والد أبي يعلى الحافظ؛ فهو مجهول.

يقول الغماري: عاصم بن عمرو البجلي: من رجال ابن ماجة، قال الذهبي: لا بأس به إن شاء الله، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: صدوق. كذلك قال ابن حجر: صدوق رمى بالتشيع، وحديثه حسن، ولكن بقية الرجال مجهولين عدا علي بن المثنى، وعاصم البجلي.

وعليه فالحديث ضعيف.

وذكر الحاكم في "المستدرك" (٣/ ١٤٢) متابعاً للأعمش؛ فقال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى القاري: حدثنا المسيب بن زهير الضبي: حدثنا عاصم بن علي: حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم يه.

قلتُ: سكت عليه هو والذهبي! 

وفيه علل:

  • الأولى: اختلاط المسعودي، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله.

  • الثانية: عاصم بن علي؛ وإن كان من رجال البخاري؛ فقد تكلم فيه بعضهم، فضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما. وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق ربما وهم".

  • الثالثة: المسيب بن زهير الضبي: هو المسيب بن زهير بن مسلم أبو مسلم التاجر، ترجمه الخطيب (١٣/ ١٤١) ، وذكر أن وفاته سنة خمس وثمانين ومئتين، ولم يحك فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ثم وجدت له متابعاً ثالثاً عن الأعمش، فقال: حماد بن المبارك: أخبرنا أبو نعيم: أخبرنا الثوري عن الأعمش به.

أخرجه أبو القاسم إسماعيل الحلبي في "حديثه" (٢/ ١١٣) ، وعنه ابن عساكر (١/ ١٥٢/ ١٢) وحماد هذا مجهول لا يعرف.

٣-حديث ابن عباس:

وأما حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- فأخرجه ابن الجوزي أيضاً (١/ ٣٥٩) من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، به مثله.

وهذا الحديث ضعيف-بهذا الِإسناد؛ قال ابن الجوزي: يحيى الحماني، تقدم أنه يسرق الحديث. وقال أحمد وغيره: كذاب (يعني لتفرده وإتيانه بالغرائب، وهذا الحديث تفرد به)، ولكن وثقه ابن معين، وقال: لم أر في مُسْنَده وأحاديثه أحاديث مناكير. وأرجو أنّه لا بأس به، وقال الرمادي: قال: هو أوثق عندي من أبي بكر بن أبي شَيْبَة، وما يتكلّمون فيه إلّا من الحسد، وبالتالي فالجمهور على قبول روايته. 

وفي إسناده أيضًا: يزيد بن أبي زياد، نقل ابن الجوزي عن النسائي، قوله فيه: متروك (وهذا وهم من ابن الجوزي واختلط عليه الأمر، فإن ذلك المتروك شامي دمشقي، وأما هذا فكوفي). وقد قبل أهل العلم حديثه، قال عنه الهيثمي في "المجمع": لين، وقال فيه ابن حجر في "التقريب": ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن ، وكان شيعياً، وقال الذهبي: صدوق عالم فهم شيعى، ردىء الحفظ لم يترك.

 ٤-حديث جابر رضي الله عنه.

  أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (١/ ٣٥٩- ٣٦٠) من طريق أبي سعيد العدوي، عن العباس بن بكار الضبي، عن أبي بكر الهذلي، عن أبي الزبير، عن جابر، به مثله.

وأخرجه الدارقطني، من طريق أبي سعيد العدوي، وهو الحسن بن علي بن زكريا -عن جابر مرفوعًا.

وفيه أبو سعيد العدوي كذاب يضع الحديث، قال الذهبيُّ: أحد الكذابين، ونقل الحافظ في "اللسان" إجماع الأئمة على تضعيفه.

وفيه العباس بن بكار الضبي كذبه الدارقطني، وعبّاد بن كثير.

وهو موضوع بهذا الِإسناد؛ والمتهم به العدوي.

 ٤-حديث ثوبان رضي الله عنه.

وأخرجه ابن عدي أيضًا في الكامل (٧/ ٢٦٥٤)، ومن طريقه ابن الجوزي (١/ ٣٦١): عن ثوبان مرفوعًا، وفي إسناده: يحيى بن سلمة ابن كهيل، وهو: متروك، كما قال النسائي والدارقطني.

وقال السيوطي في اللآلئ: هو من رجال الترمذي.

وقد روى أحمد بن أبي خيثمة عَنِ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: ثقة.

وقال الذهبيُّ في الميزان: وقد قواه الحاكم وحده، وأخرجه له في المستدرك فلم يصب، واضطرب ابن حبان فيه، فذكره في "الثقات"، وذكره في "الضعفاء".

وعليه فإسناده ضعيفٌ جداً. 

 ٥-حديث أبي بكر رضي الله عنه:

أما حديث أبي بكر -رضي الله عنه-، فروى من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن أبي بكر، وله عن عبد الرزاق طريقان:

(الأول): طريق الحسن بن علي بن زكريا العدوي، عن أبي الربيع الزهراني، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، كلاهما عن عبد الرزاق، به نحوه.

أخرجه ابن حبان في المجروحين (١/ ٢٤١)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (١/ ٣٥٨)، والحسن بن علي بن زكريا العدوي تقدم أنه كذاب يضع الحديث، فالحديث موضوع بهذا الِإسناد لأجله.

ولذا قال ابن حبان عقبه: "هذا شيء لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع، ما روى الصديق هذا الخبر قط، ولا الصديقة روته، ولا عروة حدث به، ولا الزهري ذكره، ولا معمر قاله، فمن وضع هذا على الزهراني، والصنعاني، وهما متقنا أهل البصرة، لبالحريِّ أن يهجر في الروايات". اهـ.

(الثاني) طريق محمد بن عبد الله الجعفي، عن أبي الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم، عن محمد بن الحسن الرقي، عن مؤمل بن إهاب، عن عبد الرزاق، به مثله.

أخرجه ابن الجوزي في الموضع السابق، ثم قال (ص ٣٦١): "إن أحد الكوفيين الغلاة سرقه، فرواه، والله أعلم، هل هو الجعفي، أو شيخه".

وشيخ الجعفي هو أبو الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم المقرىء، قال حمزة السهمي في سؤالاته (ص ١٠٨ رقم ٦٨): "سألت أبا محمد بن غلام الزهري عن أبي الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم المقرىء، حدث بالأبلة، فقال: ضعيف. 

وسألت الحسن بن النضر بن زوران الصغاذكي في شط عثمان عن أبي الحسين بن مخزوم، فقال: كان في عقله شيء، وكان يعبث بلحيته، واختلط عقله. 

وسألت أبا الحسن التَّمَّار عنه، فقال: كان يكذب". اهـ. وانظر معه تاريخ بغداد، والميزان، واللسان. 

وعليه فالحديث موضوع بهذا الِإسناد لأجل أبي الحسين هذا.

 ٦-حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه:

وأما حديث عثمان؛ فأخرجه أبو الحسين الأبنوسي في "الفوائد" (١/ ٢٣)، وعنه ابن عساكر (٢/ ١٢/ ١٥١)، وابن الجوزي في الموضوعات (١/ ٣٥٨- ٣٥٩)، ثم قال (ص ٣٦٢): "رواته مجاهيل"، وهم من دون جد المنصور.

أما رواته، فيرويه محمد بن غسان الأنصاري عن يونس مولى الرشيد عن المأمون: سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت ابن عباس يقول عن عثمان مرفوعاً به.

وهذا الحديث ضعيفٌ جداً بهذا الإسناد.

٧-حديث أبي هريرة -رضي الله عنه:

وأما حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-فأخرجه ابن عدي في الكامل (٢/ ٧٥٠)،

وابن الجوزي في الموضوعات (١/ ٣٦٠)، كلاهما من طريق أبي سعيد العدوي المتقدم آنفاً أنه كذاب يضع الحديث، يرويه عن شعبة، وسفيان، كلاهما عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

وهذا الحديث آفته الحسن بن علي العدوي -أيضاً، الذي وضع له ثلاثة أسانيد افتعلها - عن الأعمش عن أبي صالح عنه، أخرجها ابن عدي (٢/ ٩٢) - مع إسناد رابع له عن أنس؛ ثم قال: "وهذه الأحاديث بهذه الأسانيد باطلة، والحسن بن علي يضع الحديث"، وله طريق أخرى عن أبي هريرة: عند ابن عساكر (٢/ ١٢/ ١٥١) .

وعليه، فالحديث إسناده موضوعٌ أيضاً، فيه العدوي الكذاب، ويظهر أن البعض من هذه الأسانيد سرقه من غيره، والبعض الآخر وضعه من عنده.

٨-حديث معاذ بن جبل-رضي الله عنه:

 وأما حديث معاذ؛ فأخرجه الخطيب في تاريخه (٢/ ٥١)، ومن طريقه ابن الجوزي (١/ ٣٥٩)، والذهبي في الميزان (٣/ ٤٨٤- ٤٨٥)

ويرويه محمد بن إسماعيل بن موسى الرازي، قال: نبأنا محمد بن أيوب قال: نبأنا هوذة بن خليفة قال: نبأنا ابن جريج عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: رأيت معاذ بن جبل يديم النظر إلى علي بن أبي طالب.. الحديث.

قال ابن الجوزي: "محمد بن أيوب؛ لا يعرف أنه سمع من هوذة ولا روى عنه. قال ابن حبان: يروي الموضوع، لا يحل الاحتجاج به". وفي "الميزان": "قال أبو حاتم: كذاب".

وأما الخطيب؛ فأعله بالراوي عنه، فقال: "وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل، لا أعلم جاء به إلا محمد بن إسماعيل الرازي، وكان غير ثقة، على أنا لا نعلم أن محمد بن أيوب روى عن هوذة بن خليفة شيئاً قط، ولا سمع منه".

وتبعه الذهبي؛ فقال في ترجمة ابن إسماعيل هذا: "المتهم بوضعه: الرازي".

وله طريقٌ أخرى عن أبي صالح عن معاذ به، أخرجه أبو بكر بن خلاد في "الثاني من حديثه" (٢/ ١١٤): أخبرنا محمد بن يونس: أخبرنا عبد الحميد بن يحيى: أخبرنا سوار بن مصعب، عن الكلبي عنه.

والكلبي: اسمه محمد بن السائب بن بشر، متهم بالكذب. وسوار بن مصعب متروك. ومحمد بن يونس هو الكديمي وضَّاع.

قال الألباني: وحديث معاذ هذا فيه التصريح بالتحديث بين محمد بن أيوب، وهوذة، فمقتضى ما ذكر الخطيب، يكون الرازي قد كذب في هذا،  وهذا ما أراده الخطيب فإنه ذكر أن الرازي هذا ادعى السماع من موسى بن نصر المقانعي صاحب جرير سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال الخطيب: "فذكرت ذلك لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الحافظ، فقال: موسى بن نصر شيخ قديم حدث عنه كبار الرازيين، وأنكر أن يكون محمد بن إسماعيل (هو الرازي) أدركه، وكذّبه في روايته عنه"، وروى الخطيب عن حمزة السهمي قوله: "سمعت أبا محمد بن غلام الزهري يقول: محمد بن إسماعيل بن موسى الرازي المكتب: ضعيف".

وقال الذهبي في الموضع السابق من الميزان بعد أن روى الحديث: "المتهم بوضعه الرازي، ثم إن محمد بن أيوب بن الضرَيْس لم يدرك هوذة، ولا ابن جريج (أبا صالح)، وقد ساق الخطيب في ترجمة هذا عدة أحاديث من وضعه، وعاش إلى بعد الخمسين وثلاثمائة، وذكر أنه سمع من موسى بن نصر الرازي صاحب جرير، فما صدق، ولا لحقه".

وعليه، فالحديث إسناده موضوعٌ أيضاً،والمتهم به محمد بن إسماعيل الرازي، وقرينة ذلك أن ابن محمد بن أيوب لم يسمع من هوذة.

٩-حديث عمران بن الحصين -رضي الله عنه:

ولحديث له عن عمران -رضي الله عنه- ثلاث طرق:

(الطريق الأولى): طريق الحاكم (٣/ ١٤١) هذه التي أخرجها من طريق علي بن عبد العزيز بن معاوية، عن إبراهيم الجعفي، عن عبد الله العجلي، عن شعبة، عن قتادة، عن حميد، عن أبي سعيد، عن عمران، به. 

وأخرجه ابن مردويه من طريق محمد بن يونس الكديمي، عن إبراهيم الجعفي، به مثله -كما في الموضوعات لابن الجوزي (١/ ٣٦١).

والحديث بهذا الإسناد صححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: "ذا موضوع"، ولم يذكر علة الحكم عليه بالوضع، وفي سند الحديث عبد الله بن عبد ربه العجلي، لم نجد من ذكره، وحكم عليه الشيخ عبد الرحمن المعلمي -رحمه الله- بالجهالة في تعليقه على الفوائد المجموعة (ص ٣٦١).

والراوي عن العجلي هذا هو إبراهيم بن إسحاق الجعفي، النهاوندي، ثم الأحمري، أبو إسحاق، قال الحافظ ابن حجر في اللسان (١/ ٣٢ رقم ٥٧): "ذكره الطوسي في رجال الشيعة، وقال: كان ضعيفاً في حديثه"

والراوي عن الجعفي هذا هو علي بن عبد العزيز بن معاوية، ولم نجد من ترجم له، وقال الشيخ المعلمي في الموضع السابق: "لم يتبين لي من هو".

وقد تابع علي بن عبد العزيز هذا محمد بن يونس الكديمي، عن إبراهيم الجعفي عند ابن مردويه كما سبق، لكن لا يفرح بمتابعته؛ فإنه -أي الكديمي -متهم بوضع الحديث .

(الطريق الثانية): طريق أبي نجيد عمران بن خالد بن طليق، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت عمران بن حصين يُحِدُّ النظر إلى علي، فقيل له، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "النظر إلى علي -رضي الله عنه- عبادة".

أخرجه الطبراني في الكبير (١٨/ ١٠٩- ١١٠رقم ٢٠٧)،  قال الهيثمي في المجمع (٩/ ١١٩): "فيه عمران بن خالد الخزاعي، وهو ضعيف".

وأخرجه يعقوب الفسوي -كما في الميزان (٣/ ٢٣٦)، قال الذهبي بعد أن ذكره: "هذا باطل في نقدي"، فتعقبه ابن حجر في اللسان (٤/ ٣٥٤) بقوله: "قال العلائي: الحكم عليه بالبطلان فيه بعيد (كذا، ولعل الصواب: بعد)، ولكنه كما قال الخطيب: غريب".

وهذه الطريق في سندها عمران بن خالد بن طليق بن عمران بن حصين الخزاعي، وهو متروك الحديث، قاله الِإمام أحمد، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال ابن حبان: روى عنه أهل البصرة العجائب، وما لا يشبه حديث الثقات، فلا يجوز الاحتجاج بما انفرد من الروايات./ الجرح والتعديل (٦/ ٢٩٧)، والمجروحين (٢/ ١٢٤)، والميزان (٣/ ٢٣٦)، واللسان (٤/ ٣٤٥)

وأبوه خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي، ضعيف، قال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال الساجي: صدوق يهم. الضعفاء والمتروكون للدارقطني (ص ٢٠٠)، ولابن الجوزي (١/ ٢٤٦)، والميزان (١/ ٦٣٣)، واللسان (2٢/ ٣٧٩)

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في اللسان أن ابن حبان وثق خالداً هذا، والذي في ثقات ابن حبان (٦/ ٢٥٨): "خالد بن طليق، من أهل الشام، يروي عن يزيد بن خمير اليزني، عن عبد الرحمن بن شبل، روى عنه الزبيدي".

وليس خالد هذا بالخزاعي، وقد فرق بينهما ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٣/ ٣٣٧)، والخزاعي بصري، وهذا شامي.

وطليق بن عمران بن حصين، ويقال: طليق بن محمد بن عمران بن حصين، مقبول -كما في التقريب (١/ ٣٨١) -، وانظر ثقات ابن حبان (٤/ ٣٩٧).

الطريق الثالثة: طريق محمد بن زكريا الغلابي، عن العباس بن بكار، عن أبي بكر الهذلي، عن أبي الزبير، عن جابر، نحوه.

أخرجه ابن أبي الفراتي في جزئه -كما في اللآلئ للسيوطي (١/ ٢٤٥- ٣٤٦).

وفي سندها محمد بن زكريا الغلابي، عن العباس بن بكار الضبي، والأول يضع الحديث، والثاني كذبه الدارقطني، وقد تقدم.

وعليه، فالحديث ضعيف جداً بإسناد الحاكم للعلل المذكورة في دراسة الإسناد. والطريق الثانية، ضعيفة جداً أيضاً، لشدة ضعف عمران الخزاعي، وضعف أبيه، وجهالة حال جده طليق. والطريق الثالثة موضوعة، لنسبة الغلابي لوضع الحديث، وما رمي به شيخه الضبي من الكذب.

١٠-حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه:

وأما حديث أنس -رضي الله عنه-، فله ثلاث طرق:

(الطريق الأولى) عن أبي سعيد العدوي، عن الحسن بن علي بن راشد، عن هشيم، عن حميد، عن أنس، به نحوه. أخرجه ابن عدي في الكامل (٢/ ٧٥٠)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات.

(الطريق الثاني) أخرجها ابن الجوزي أيضاً من طريق ابن عدي، عن مطر بن أبي مطر، عن أنس، به نحوه.

والحديث بهذا الإسناد ضعيف جداً، مطر بن أبي مطر هو ابن ميمون المحاربي، أبو خالد الكوفي، وهو متروك، قال البخاري، والنسائي، وأبو حاتم، والساجي: منكر الحديث، وقال الأزدي: متروك، وقال ابن حبان: "كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، يروي عن أنس ما ليس من حديثه، في فضل علي بن أبي طالب، وغيره، لا تحل الرواية عنه".

وذكر الذهبي هذا الحديث وحكم عليه بالوضع، وذكر معه بعض الأحاديث، وقال: "المتهم بهذا وما قبله مطر".

 المجروحين (٣/ ٥)، والميزان (٤/ ١٢٧ -١٢٨)، والتهذيب (١٠/ ١٧٠)، والتقريب (٢/ ٢٥٣).

(الطريق الثالث) قال ابن الجوزي في الموضع السابق: "رواه أبو بكر بن مردويه، من طريق محمد بن القاسم الأسدي، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس".

ومحمد بن القاسم الأسدي، الكوفي وهو كذاب، كذبه الإِمام أحمد والدارقطني، ونقل عبد الله بن أحمد عن أبيه قوله: محمد بن القاسم أحاديثه موضوعة ليس بشيء. 

وقال أبو داود: غير ثقة، ولا مأمون، أحاديثه موضوعة.

وقال الأزدي: متروك، وقال النسائي: كوفي متروك الحديث.

وقال ابن عدي: عامة أحاديثه لا يتابع عليها، الكامل (٦/ ٢٢٥٢)، والتهذيب (٩/ ٤٠٧)، والتقريب (٢/ ٢٠١).

وعليه فالحديث بهذا الِإسناد موضوع.

١١-حديث عائشة-رضي الله عنها:

وأما حديث عائشة -رضي الله عنها، فيرويه عباد بن صهيب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به نحوه. 

أخرجه أبو نعيم في الحلية (٢/ ١٨٢- ١٨٣)، ومن طريقه ابن الجوزي، وقال أبو نُعيم: "غريب من حديث هشام بن عروة، ولم نكتبه إلا من حديث عبادة". 

وسنده ضعيف جداً؛ عباد بن صهيب أبو بكر الكليبي، البصري متروك؛ قال البخاري، والنسائي: متروك، وتركه ابن المديني، وقال: ذهب حديثه.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: تركنا حديثه قبل أن يموت بعشرين سنة. 

وقال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث، تُرك حديثه.

وقال الساجي: كتبه ملأى من الكذب، وقال ابن معين: ما كتبت عنه شيئاً، وقال ابن حبان: كان قدرياً داعية، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدىء في هذه الصناعة شهد لها بالوضع.

 الجرح والتعديل (٦/ ٨١)، والكامل (٤/ ١٦٥٢)، والميزان (٢/ ٣٦٧)، واللسان (٣/ ٢٣٠).

وعليه فالحديث بهذا الإسناد ضعيفٌ جداً، تفرد به عبّاد، وهو متروك، كما قال ابن الجوزي، فالحديث منكر.

سابعاً: الأئمة الاثنا عشر (عند الشيعة)

أما الأئمة الذين يتخدهم الشيعة أئمةً، فيتسلسلون على النحو التالي:

١-علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين، وقد مات غيلةً على يد الخارجي (عبد الرحمن بن ملجم)، في مسجد الكوفة في ١٧/ رمضان سنة ٤٠ هـ، ويلقبونه بالمرتضى.

٢-الحسن بن علي، ويلقبونه (بالمجتبى).

٣-الحسين بن علي، ويلقبونه (بالشهيد).

٤-علي زين العابدين بن الحسين (ت ١٢٢ هـ)، ويلقبونه (بالسجاد).

٥-محمد الباقر بن علي زين العابدين (ت ١١٤ هـ)، ويلقبونه (بالباقر).

٦-جعفر الصادق بن محمد الباقر (ت ١١٤٨ هـ)، ويلقبونه (بالصادق).

٧-موسى الكاظم  بن جعفر الصادق، ويلقبونه بالكاظم.

 ٨-علي الرضا بن موسى الكاظم (ت ٢٠٣ هـ)، ويلقبونه بالرضا.

٩-محمد الجواد بن علي الرضا (ت ٢٦ هـ)، ويلقبونه بالتَّقي.

١٠-علي الهادي بن محمد الجواد (ت ٢٤٥ هـ)، ويلقبونه بالنَّقي.

١١- الحسن العسكري بن علي الهادي (ت ٢٦٠ هـ)، ويلقبونه بالنفس الزكية.

١٢-محمد المهدي بن الحسن العسكري (....)، ويلقبونه بالحجة، والقائم، والمنتظر.


    ثامناً: علي بن أبي طالب والتصوف:


    ويزعم المتصوفة أن طريقهم مستمدةٌ من علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي ذلك يقول الغماري (ص ٣٩): ولهذا لا تجد صوفياً مُدبراً عن علي ّ عليه السلام، لأنه لا يصل الى ربه من غير طريق، فيجب عليه الانقياد والخضوع لخلافته الباطنية!! وقد بينت ذلك في كتابي (التصوف في التاريخ العربي والإسلامي).








السبت، 27 أغسطس 2022

مناقب الأسد الغالب مُمزِّق الكتائب، ومُظهر العجائب، ليث بني غالب أمير المؤمنين، أبو الحسن، عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه للإمام شمس الدين محمد بن محمد الجزري المقرئ (ت ٨٣٣ هـ)

مناقب الأسد الغالب 

مُمزِّق الكتائب، ومُظهر العجائب، ليث بني غالب

أمير المؤمنين، أبو الحسن، عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه

للإمام شمس الدين محمد بن محمد الجزري المقرئ (ت ٨٣٣ هـ)

 تحقيق: طارق طنطاوي، مكتبة القرآن- القاهرة.
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لا ريب أنَّ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان شخصيَّة عظيمة، جمع بين الفروسية والبيان، والجلال والهيبة، والمعرفة والزهد، أضف إلى ذلك قرابته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم نسباً وصهراً، وقد هلك فيه الرجال ما بين مُحبٍّ مُغالٍ، ومُبغضٍ قالٍ، وحتى لا نقع في الغلو والتقصير؛ فإنه لا بُدٌّ لنا من التحاكم إلى ما بين أيدينا من الأحاديث والآثار، والأخبار التي جاءت في مناقبه وسيرته مما صح أو حسن، ونترك ما دون ذلك، ونختار الأقرب للصواب..

وهذا الكتاب هو جزءٌ لطيف مفيد جـدًا، جمع فيه الإمام الجزري جملة كبيرةً من فضائل سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -وما جمعه من جليل الصفات، وكرم الشمائل، وما حواه من علوم القرآن والحديث، والفقه والقضاء، والزهد، والورع، والتقوى، والشجاعة، والولايـة، والكرم، وحسن الخُلق، وكمال العـقل، وإصابة الرأي، ولكل هذه الصفات، فقد أجمعت القلوب السليمة على محبته، والفطر المستقيمة على سلوك طريقته، فكان حبه علامة السعادة والإيمان، وبغضه محض الشقاء والنفاق والخذلان.

قلتُ (محمد حنونة) وقد اختصرتُ هذا الكتاب اختصاراً شديداً، نافعاً، اقتصرتُ فيه على ذكر الراوي الأعلى، مع تخريج أحاديثه، وبيان درجتها باختصار شديد.

وقسمت هذا المختصر إلى قسمين:

القسم الأول: ذكرتُ فيه الصحيح من الأحاديث في فضائل الإمام علي بن أبي طالب، وقد بلغت عدتها (١٠) عشرة فضائل مجموعةً في اثني عشر (١٢) حديثاً مرفوعاً وأثراً موقوفاً من مجموع أحاديث الكتاب.

القسم الثاني: أعقبت ذلك بذكر الضعيف من الأحاديث والواهي والموضوع، وقد ذكرتُ فيه ستة وعشرون (٢٦) حديثاً وأثراً واهياً من مجموع أحاديث الكتاب، والتي تضمنت سبعة (٧) أحاديث من المسلسلات كالمسلسل (بالمصافحة، وبالأسودين، وبقص الظفر يوم الخميس، وبالعد، وبوضع اليد على الكتف، وبالسادات، وبالقضاء: ١٨ -٢٤)، وختم بحديث في ذم الرافضة.

القسم الثالث: ذكر بعض اللطائف الإسنادية، والمسلسلات الحديثية، التي هي نافلة في الكتاب، ومنها: (رواية المرأة عن عمتها) واكتفيتُ بذلك.

_________________________________

أولاً: الأحاديث الصحيحة الواردة في مناقب الأسد الغالب (علي بن أبي طالب):

١) هو أكثرُ الصَّحابةِ فضلاً ومَنقبَةً بعد الخلفاء الثلاثةِ الفضلاء:

● قال الإمام أحمد: "ما جاء لأحد من أصحاب النَّبيِّ ﷺ من الفضائل ما جاء لعليِّ بن أبي طالب".

٢) دعا له النَّبيُّ ﷺ يوم غدير خُم، في (١٢/ ذي الحجة، سنة ١١ هـ)، عند عودته من حجة الوداع؛ بقوله: "من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهُمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصُر من نصره، واخذُل من خذله"، وهو حديثٌ صحيحٌ متواتر.

(رواه ابن ماجة في سننه: ١١٦، والترمذي في سننه: ٣٧٣١، وصححه الألباني)

٣) ولمَّا خرج النبيُّ ﷺ إلى تبوك سنة (٩هـ)، خلَّف عليَّاً على المدينة، فتحدَّث النَّاسُ بذلك، فبكى عليٌّ، وقال: "أتخلِّفني مع الخوالف!"؛ فقال ﷺ: "أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى، غيرَ أنَّه لا نبيَّ بعدي".

(متفقٌ عليه، رواه البخاري: ٣٧٨٩، ومسلم: ٢٤٠٤)

٤) لا يُحبُّ عليَّاً إلا مؤمن، ولا يبغضُه إلا منافق:

● قال عليٌّ: "والله إنَّه لمِمَّا عهدَ إليَّ رسول الله ﷺ أنَّه لا يبغضني إلا منافق،
ولا يُحبُّني إلا مؤمن". (رواه مسلم في صحيحه: ٧٨)

● وفي رواية، قال: "والذي فلق الحبَّة،  وبرأ النسمة، إنَّه لعهدُ النبيِّ الأميِّ إليَّ،  أنَّه لا يُحبُّني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق". (صحيح، رواه ابن ماجه في سننه: ١١٤)

● وعن أبي سعيد الخدريّ، قال: "كُنَّا معشر الأنصار نعرف المنافقين ببغضهم عليَّ بن أبي طالب" (الحلية: ٦ /٢٩٤).

● وعن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه، قال: "ما كُنَّا نعرف المنافقين إلا بتكذيب الله ورسوله لهم، والتخلف عن الصلاة، والبُغضُ لعليِّ بن أبي طالب". (صحيح، رواه أحمد في فضائل الصحابة: ٩٧٩).

٥)  من آذى عليَّاً، فقد آذى رسول الله ﷺ: 

عن أمِّ سلمة، قالت، سمعتُ رسول الله ﷺ، يقول: "من سبَّ عليَّاً فقد سبَّني" .

(رجاله ثقات، رواه أحمد في مسنده: ٢٦٧٤٨، والحاكم في المستدرك: ٤٦١٥، وقال الذهبيُّ: صحيح)

٦) عليٌّ رجلٌ يُحبُّه الله ورسوله:

فعن سهل بن سعد، أن رسول الله ﷺ، قال يوم خيبر ٧ هـ: "لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيُّهم يُعطاها، فلما أصبح النَّاسُ، قال: "أين علي بن أبي طالب، فأعطاه الراية".

(متفقٌ عليه، رواه البخاري: ١١١، ومسلم: ٢٤٠٦).

٧) أنَّه لم يَرمَد، ولم يُصدَع رأسه، منذ مسح عليه رسول الله ﷺ:

عن أم موسى، قالت: سمعتُ علياً، يقول: "ما رمِدتُ ولا صُدعتُ منذ مسح رسول الله ﷺ وجهي، وتفل في عيني يوم خيبر". 

(حسن، رواه أحمد في مسنده ١/ ٧٨، وله شواهد)

٨) عليٌّ أقضانا:

وعن حبيب بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال عمر رضي الله عنه: "عليٌّ أقضانا، وأُبيٌّ أقرؤنا". 

(إسناده صحيح لولا عنعنة حبيب، وأخرجه الحاكم (٣/ ١٣٥)، عن ابن مسعود،
وقال: صحيح ولم يُخرجاه، وهو صحيح)

٩) علي بن ابي طالب إمام هاد، مهدي:

عن فضيل بن مرزوق، ثنا أبو إسحاق، عن زيد بن يثيع عن علي، قال: قال رسول اللهﷺ: "إن تُولوا أبا بكر، تجدوه زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، وإن تُولوا عمر، تجدوه قوياً أميناً لا تأخذه في الله  لومة لائم، وإن تولوا علياً، تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الصراط المستقيم، ولن تفعلوا". 

(حسن الإسناد، قال ابن الجزري: رواه البزار في مسنده (١٥٧١)، وإسناده صحيح الرجال، كلهم ثقات على شرط مسلم، إلا زيد بن يثيع، روى له أصحاب السنن، وذكره ابن حبان في الثقات. ورواه عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع به. وقال ابن الجزري: كذا رواه أحمد  في مسنده (١/ ١٠٩)).

١٠) وعن أسماء بن الحكم، وكان ثقةً، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: سمعتُ من رسول الله ﷺ حديثاً نفعني الله  بما شاء منه، وإذا حدثني غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وأن أبا بكر حدَّثني، وصدق، قال: "ما من رجلٍ يُصيبُ ذنباً، فيتوضأ، ثُمَّ يُصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر الله له".

(صحيح، رواه أحمد (٢، ٤٧، ٥٦)، والطيالسي (ص٢)، كلاهما في مسنده، وغيرهما).
_________________________________

ثانياً: الأحاديث الضعيفة الواردة في مناقب الأسد الغالب (علي بن أبي طالب):

١) ما رُوي عن عُبادة بن الصَّامتِ، وأبي ذرٍّ أنَّهما قالا: 

"كُنَّا نبور -نختبر- أولادنا بحُبِّ علي بن أبي طالب، فإذا رأينا أحدهم لا يُحبُّ عليَّاً، علمنا أنه ليس منّا، وأنه لغيرِ رشده -يعني ولد زنا-".

(موضوعٌ، فيه حصين بن مُخارق مُتَّهم بالوضع، ولا يصحُّ بحال).

٢) ورُويَ عن شريك بن عبد الله (وكان سيِّئ الحفظ)، أنه قال: 

"إذا رأيتَ الرَّجُلَ لا يُحبُّ عليَّ بن أبي طالب، فاعلم أنَّ أصله يهوديٌّ". 

(وهذا لا يصحُّ أيضاً).

٣) وما روي عن أبي سعيدٍ، وجابر، عن النَّبي ﷺِّ أنَّه قال لعليٍّ: 

"كذب من زعم أنه يُحبُّني ويبغضك".

(رواه الطبرانيُّ، ولا يصحُّ أيضاً، وضعف إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد (٩/ ١٣٢- ١٣٣)).

٤) وما جاء في حديث المؤاخاة،وقول النَّبيِّ ﷺ لعليّ: 

"أنت أخي في الدُّنيا والآخرة"

(ضعيفٌ؛ رواه الترمذي (٣٧٢٠)، وفيه حكيم بن جبير: ضعيف، وطرقه معلولة، ولا يصحُّ بحال).

٥) وما رُوي عن عائشة مرفوعاً: 

"أنا سيِّد ولد آدم، وعليٌّ سيِّدُ العرب"

(موضوع، رواه الحاكم في المستدرك (٣/ ١٢٤)، وفيه عمر بن الحسن متهمٌ بالوضعِ).

٦) وحديثُ زيد بن أرقم: كان لأصحاب النبيِّ ﷺ أبوابٌ شارعةٌ إلى المسجد، فقال النبيُّ ﷺ يوماً: "سُدُّوا هذه الأبواب إلا باب عليّ".

(ضعيف، رواه أحمد في مسنده (٤/ ٣٦٩)، وفيه ميمون بن عبد الله ضعيف).

٧) وما رُوي عن أبي سعيد، أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال لعليّ في مرضه: 

"لا يحلُّ لأحدٍ يُجنِبُ في هذا المسجد غيري وغيرك" -يعني: يستطرقه!

(ضعيف، فيه عطية العوفي: ضعيف مُدلِّس). 

٨) وفي رواية لأم سلمة، عنه أنه قال: "لا يحلُّ المسجد للجنب، ولا للحائض، إلا لمحمَّد، وأزواجه، وعليٌّ، وفاطمة بنت محمَّد".

(وفي إسناده: عطية العوفي، وكثير النواء ضعيفين).

٩) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان أبي يسهر مع علي رضي الله عنه، وكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف؛ فقيل له: لو سألته!، فسأله، فقال: دعا لي النَّبي ُّﷺ يوم خيبر: "اللهمَّ أذهب عنه الحرَّ والبرد". 

(ضعيف، رواه أحمد في فضائل الصحابة (٩٥٠)، وابن ماجه (١١٧)، وغيرهما من طريق ابن أبي ليلى، وهو ضعيف؛ لسوء حفظه).

١٠) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن فاطمة الصغرى، عن الحسين بن علي، عن فاطمة بنت محمد ﷺ، قالت: خرج علينا رسول الله ﷺ، فقال: "إن الله عز وجل باهى بكم، فغفر لكم عامَّة، وغفر لعليٍّ خاصَّة، وإني رسول الله إليكم غير هائبٍ لقومي، ولا مُحابٍ لقرابتي، هذا جبريل يُخبرني أن السعيد كل السَّعيد، حقَّ السعيد من أحبَّ علياً في حياتي وبعد وفاتي"، قال ابن الجزري: حديث غريب.

(وقال المُحقِّق: فيه من لم أعرفه، ورائحة النكارة تفوح منه).

١١) عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن علي، قال: دعاني رسول الله ﷺ؛ فقال: "يا علي إن فيك من عيسى مثلاً، أبغضته اليهود حتَّى بَهَتوا أُمَّه! وأحبته النصارى حتَّى أنزلته بالمنزلة التي ليس بها". 

(ضعيف الإسناد، باطل المتن، رواه أحمد في الفضائل (١٢٢١)، والنسائي في خصائص علي (١٠٠)، وابن الجوزي في الواهيات (١/ ٢٢٧)، وفيه الحكم بن عبد الملك، وهَّاه ابن معين، وتوبع بمحمد بن كثير الملائي، وهو منكر الحديث. وفيه: ربيعة بن ناجد، قال عنه الذهبيُّ: لا يكاد يُعرف، وفيه عيسى بن عبد الله يروي الموضوعات عن آبائه).

١٢) وروى عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحيُّ، عن علي، قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها". 

(رواه الترمذي (٣٧٢٣)، وأحمد في فضائل الصحابة (١٠٨١)، ورواية ابن عباس عند الحاكم (٣/ ١٢٦)، والخطيب (١١ / ٤٨- ٥٠) بلفظ: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها؛ فمن أراد العلم، فليأتها من بابها"، ورواه جابر بن عبد الله ولفظه: "فمن أراد العلم فليأتِ الباب"، وفيه جماعةٌ من الضعفاء، وانظر ما قاله المعلمي اليماني في تعليقه على الفوائد المجموعة للشوكاني (ص ٣٤٩)).

١٣) عن أحمد بن عمران بن سلمة عن سفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنتُ عند النَّبيِّ ﷺ؛ فسُئل عن علي؛ فقال: "قُسِّمت الحكمة عشرة أجزاء، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء، والناسُ جزءاً واحداً"، قال ابن الجزريّ: كذا رواه الحافظ أبو نُعيم في الحلية، وهو مُنكرٌ مُركَّب على سفيان، والله أعلم.

(وهذا الحديث باطلٌ، وآفته من روى عن الثوري، وهو أحمد بن عمران بن سلمة، قال الذهبيُّ: "لا يُدرى من ذا"، وقال الأزدي: "مجهولٌ منكر الحديث"، انظر اللسان (١/ ٢٥٤- ٢٥٥)).

١٤) عن عبيدة، عن شقيق، عن ابن مسعود، قال: "إن القرآن نزل على سبعة أحرف، ما منها إلا له ظهر وبطن، وإن عليَّ بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطل". 

(ضعيفٌ جداً، وإسحاق بن محمد بن مروان ليس مما يُحتجُّ بحديثه. انظر اللسان (١/ ٤١٧)).

١٥) عن أبي شيبة الجندي سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن تستخلفوا علياً، وما أراكم فاعلين، تجدوه هادياً مهديَّاً، يحكملكم على المحجة البيضاء"، قال ابن الجزري: حديثٌ حسن الإسناد، رجاله موثقون، ورواه أيضاً إبراهيم بن هراسة عن الثوري به. 

(قال المُحقِّقُ: وفيه من لم أهتدِ إليه)

١٦) وروى عن شريك عن أبي اليقظان، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قالوا يا رسول الله، ألا تستخلف علينا؟ قال: "إن استخلف عليكم، فتعصون خليفتي، ينزل عليكم العذاب". قالوا: ألا تستخلف أبا بكر؟، قال: "إن تستخلفوه تجدوه ضعيفاً في بدنه قوياً في أمر الله"، قالوا: ألا تستخلف عمر؟، قال: "إن تستخلفوه تجدوه قوياً في بدنه، قوياً في أمر الله"، قالوا: ألا تستخلف عليَّاً؟، قال: "إن تستخلفوه ولن تفعلوا يسلك بكم الطريق المستقيم، وتجدوه هادياً مهدياً". 

(ضعيف، قال ابن الجزري: رواه البزار (١٥٧٠- مسنده)، وقال: لا نعلمه روي عن حذيفة إلا بهذا الإسناد، وأبو اليقظان هو عثمان بن عمير، قد ضعفوه، وقالوا: كان شيعياً.. وقال الهيثمي في المجمع (٥/ ١٧٦): فيه أبو اليقظان عثمان بن عمير ضعيف).

١٧) عن يونس، عن الحسن، عن قيس بن عباد، قال: قلتُ لعلي: أخبرنا عن مسيرك هذا، أَعهدٌ عهده إليك رسول الله ﷺ أم رأيٌ رأيته؟ قال: ما عهد إليَّ رسول الله ﷺ بشيٍ، ولكنه رأيٌ رأيته.قال ابن الجزري: "وهذا إسنادٌ صحيحٌ، لا شك فيه، فرضي الله عنه وأرضاه،  لم يأْلُ فيما قال عن الحقِّ، ومحضُ الصدق، وهذا هو المظنون به رضوان الله عليه".

(قلتُ: ضعيف، فيه تدليس الحسن، ويونس مدلسان).

١٨) المسلسل بالمصافحة:

وبإسناده: عن عيسى القصَّار، قال: صافحتُ الحسن، قال: صافحتُ عليَّ بن أبي طالب، وقال: صافحتُ رسول الله ﷺ، قال: "صافحت كفِّي هذه سُرادقات العرش". 

(وفي إسناده مجاهيل، ومن لم نقف عليه)

١٩) المسلسل بالأسودين:

وبإسناده: عن الحسين بن علي، قال: أضافني عليُّ بن أبي طالب على الأسودين: التمر والماء، وقال: "من أضاف مؤمناً فكأنما أضاف آدم، ومن أضاف اثنين؛ فكأنما أضاف آدم وحواء، ومن أضاف ثلاثة، فكأنما أضاف جبريل وميكائيل، وإسرافيل".

قال ابن الجزري: "وهو حديث غريبٌ جداً، لم يقع لنا من هذا الوجه إلا بهذا الإسناد، والله أعلم".

(قلتُ: موضوع، أخرجه أبو الفيض الفاداني المكي في (العجالة في الأحاديث المسلسلة: ص 14- 15/ ط دار البصائر -من طريقه عن علي بن الحسن الواعظ به).

٢٠) المسلسل بقصِّ الأظافر يوم الخميس:

وبإسناده: عن الحسين بن علي أنه كان يُقلِّم أظفاره يوم الخميس، ويقول: رأيتُ علياً يُقلِّم أظفاره يوم الخميس، قال: رأيتُ رسول الله ﷺ يُقلِّم أظفاره يوم الخميس؛ ثم قال:
"يا عليّ، قصُّ الظُّفرِ، ونتف الإبط، وحلقُ العانةِ يوم الخميس، والغُسل والطيب واللباس يوم الجمعة".

(موضوع، أخرجه التيميُّ في مسلسلاته، والديلمي في مسنده؛ كما في العجالة؛ لأبي الفيض المكي (ص ٣٠)، وضعفه السخاويُّ في الجواهر، وصرح بأن رجاله لا يُعرفون، وقال ابن حجر: لم يثبت في استحباب قصِّ الأظفار يوم الخميس شيء).

٢١) المسلسل بالعدِّ:

وبإسناده: عن الحسين بن علي، أن عليَّ بن أبي طالب حدَّثه بهذه الكلمات، وعدَّها في يده؛ فقال: حدثني رسول اللهﷺ، وعدهنَّ في يدي، قال: "عدهُنَّ في يدي جبريل، قال جبريل: هكذا نزلتُ بهنَّ من عند رب العزَّة عز وجل، اللهمَّ صلِّ على مُحمَّد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وبارك على مُحمَّد وعلى آل محمد؛ كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. اللهمَّ وتحنَّن على مُحمَّد وعلى آل محمد؛ كما تحنَّنتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
اللهمَّ وسلِّم على مُحمَّد وعلى آل محمد؛ كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد".

(قال السَّخاويُّ في (القول البديع ص ٤٨- ط. الريان): "ورجال سنده فيهم من اتُّهم بلكذب والوضع، فالحديث بسبب ذلك تالف").

٢٢) المسلسل بوضع اليد على الكتف:

وبإسناده: عن الحارث الأعور، قال: حدثني عليُّ بن أبي طالب ويده على كتفي، قال: حدثني رسول الله ﷺ ويده على كتفي، قال: "حدثني الصادق الناطق، رسول ربِّ العالمين، وأمينه على وحيه، جبريل عليه السلام، ويده على كتفي، قال: سمعتُ إسرافيل، يقول: سمعتُ اللوحَ، يقول:  سمعُ الله عز وجل من فوق العرش، يقول للشيء:  كُن! فلا يبلغ الكاف النون، حتى يكون ما يكون".

(قلتُ: باطلٌ، وقد صرَّح ببطلانه الحافظ السَّخاويُّ، كما في العُجالة للفاداني، (ص ٩٥- ٩٦)، وفيه روى هذا الحديث بإسناده).

٢٣) المُسلسل بالسَّادات:

وبإسناده: عن أبي حامد أحمد بن محمد بن هاشم البلاذري، حدثنا محمد بن الحسن بن علي إمام عصره، حدثنا أبي الحسن بن علي السيد المحجوب، حدثنا ابن علي بن موسى الرضا، حدثنا أبي موسى بن جعفر الكاظم، حدثنا أبي جعفر بن محمد الصادق، حدثنا أبي محمد بن علي الباقر، حدثنا أبي علي الحسين زين العابدين بن علي، حدثنا أبي الحسين بن الحسين ابن سيد الشهداء، حدثنا أبي علي بن أبي طالب سيِّد الأولياء، أخبرني سيِّدُ الأنبياء مُحمَّد ﷺ، قال: "أخبرني جبريلُ سيِّدُ الملائكة، قال: قال الله -سيِّدُ السادات- إني أنا الله لا إله إلا أنا، مَن أقرَّ لي بالتوحيد، دخل حِصني، ومن دخل حِصني، أمن عذابي!".قال ابن الجزريِّ: "كذا وقع هذا الحديث بهذا السياق من المسلسلات السعيدة، العمدة فيها على البلاذري، والله أعلم".

(قلتُ: فيه من لم أقف على حاله، والحديث أخرجه الشيرازي في الألقاب؛ كما في
(التحافات السَّنيَّة بالأحاديث القُدسيَّة)؛ للمناوي برقم (٤٥)).

٢٤) المسلسل بالقضاة:

وبإسناده عن القاضي شُريح، قال: حدثنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: "شُمُّوا النرجس ولو في اليوم مرَّة، ولو في الشهر مرة، ولو في السنة مرة، ولو في الدهر مرة، فإن في القلب حبة من الجنون والجذام والبرص، لا يقطعها إلا شمُّ النرجس". قال ابن الجزريِّ: "رويناه هكذا مسلسلاً بالقُضاةِ، من هذه الطريق، بهذا اللفظ، ورواه الحافظ أبو منصور شيرويه الديلمي مسلسلاً أيضاً بالقضاة، متصلاً بالقاضي أبي القاسم محمد بن محمد الخلال".

(منكرٌ جداً، قالها ابن عساكر، وانظر (تنزيه الشريعة)؛ لابن عراق: (٢/ ٢٧٦- ٢٧٧)، وفردوس الأخبار للديلمي (برقم: ٣٤٠٦)).

٢٥)  حديثُ الرَّافضة:

وعن علي بن أبي طالب، قال: قال النَّبيُّ ﷺ: "يظهر في آخر الزمان قومٌ يُسمَّونَ الرافضة، يرفضون الإسلام" قال ابن الجزريّ: "رواه الإمام أحمد في (مسنده)، عن محمد بن جعفر الوركاني، عن يحيى بن المتوكل به، ويحيى الوركاني ضعفوه، وفيه كثير النواء شيعيٌّ وثقوه، وقد رويناه من حديث ابن عباس مرفوعاً، بلفظ: "يكونُ في آخر الزمان قومٌ يُسمَّونَ الرافضة، يرفضون الإسلام، فإذا رأيتموهم، فاقتلوهم فإنهم مشركون"، وفي رواية: "ينبذون".

(ضعيف جداً، أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (١/ ١٠٣)، وفيه يحيى بن المتوكل منكر الحديث، وكثير ضعيف).

٢٦) وعن علي بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي، قال: حدثني أخي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ أخذ بيد حسنٍ وحُسين؛ قال: "من حبَّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمُّهما كان معي في درجتي يوم القيامة".قال ابن الجزري: "حديثٌ حسن الإسناد، رواه الترمذي، عن نصر بن علي، فوافقناه بعلو، ولله الحمد، وقال الترمذي: لا نعرفه من حديث جعفر إلا من هذا الوجه".

(رواه الترمذيُّ (٣٧٢٣)، وقال الذهبيُّ في (الميزان ٣/ ١١٧) عن هذا الحديث: مُنكرٌ جداً).

_________________________________

ثالثاً: ذكر اللطائف الإسنادية الواردة في كتاب مناقب الأسد الغالب:

١- المسلسل برواية البنت عن عمتها:

روى الإمام ابن الجزري بإسناده (ح ٥، ص ١٤)، عن بكر بن أحمد البصري، قال: حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا، قالت: حدثتني فاطمة، وزينب، واُم كلثوم بنات موسى بن جعفر، قلن:َ حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق، قالت: حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن علي،قالت: حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين، قالت: حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي، عن اُم كلثوم بنت فاطمة بنت النبيّ ﷺ ورضي الله تعالى عنها، قالت: "أنسيتم قول رسول الله ﷺ يوم غدير خم : مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه" وقوله ﷺ: "أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى" قال ابن الجزري: وهذا الحديث روته خمس بنات أخوة، كل واحدة تروي عن عمتها.





الجمعة، 26 أغسطس 2022

تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره والرد على من ضعَّفه تأليف محمد ناصر الدين الألباني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره 

والرد على من ضعَّفه

تأليف محمد ناصر الدين الألباني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه الرسالة ألفها العلامة الألباني رداً على كلمة كتبها الشيخ عبد الله الهرري في كتابه (التعقب الحثيث) تعقب فيها الشيخ الألباني في تصحيحه لحديث أنس رضي الله عنه، أنه أفطر في بيته قبل إرادته الخروج للسفر، وأخبر أنس أنه (سُنة) يعني عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا يجعله في حكم المرفوع.

ولا شك أن هذا الحديث يُفيد جواز إفطار الصائم في بيته قبل سفره، وقد نُشر مقال الألباني في مجلة التمدن الإسلامي، ثم رأى الألباني أن يُفرده في هذه الرسالة المستقلة، فجزاه الله خيراً.

وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة وهي إفطار الصائم قبل سفره، بناءً على تصحيح هذا الحديث وتضعيفه، مع وجود روايات أخرى تعضد ما ذهبوا إليه، وبيان تلك المذاهب المشهورة، فيما يلي:

١-ذهب أكثر أهل العلم، ومنهم الشافعية، والمالكية، الحنفية، إلى أن من أصبح صائماً ثم سافر، فعليه أن يُتم صومه، وليس له أن يفطر في ذلك اليوم ألبتة. بخلاف ما لو خرج قبل الفجر، فله الإفطار؛ لأنه لم يتلبس بالعبادة بعد.

واستدلوا بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (البقرة: ١٨٧)، مع تركهم العمل بحديث أنس الآتي، وأخذهم بالأحوط.

٢-وذهب الحنابلة إلى أن له الفطر إذا برز عن البيوت، وهو قول المزني من الشافعية، واحتجوا بالحديث الصحيح: (أنه صلى الله عليه وسلم أفطر في رمضان حين بلغ الكديد، وهو في طريقه إلى مكة).

والاستدلال بهذا الحديث لا يصح، فقد قال الحافظ في الفتح: "ومن قال كذلك، قاله ظناً منه أنه صلى الله عليه وسلم أفطر في اليوم الذي أخرج فيه من المدينة، وليس كذلك، فإن بين المدينة والكديد عدة أيام" انتهى.

٣-وذهب داود الظاهري، وغيره إلى أن له الفطر إذا وضع رجله في الرحل، وهو مخالف لرواية أنس أنه أفطر، ثم ركب رحله.

٤-وذهب جمع من الصحابة والتابعين والعلماء إلى أن له الفطر في بيته يوم يريد السفر، قبل أن يخرج.

وهو قول أنس بن مالك الموافق لروايته، والحسن البصري، وعدد من الصحابة والتابعين (كما سيأتي في الوجه السادس، وهو مذهب ابن العربي من المالكية في "عارضة الأحوذي"، وتبعه عليه القرطبي في "تفسيره"، والحافظ ابن عبد البر في "التمهيد"، وهو ما استظهره الصنعاني في "سبل السلام"، والشوكاني في "نيل الأوطار".

وبناءً على ذلك يصفو لنا مذهبان:

(أحدهما) وهو قول أكثر أهل العلم، وهو المنع في الفطر بعد الفجر لمريد السفر. 

(والثاني) إباحة الفطر بعد الفجر لمريد السفر، وهو قول أنس والحسن، ومن وافقهما من المعاصرين كالإمام الألباني الذي ذهب إلى تصحيح هذا الحديث في هذه الرسالة.

________________________________

ويمكن تلخيص كلام الألباني في هذه الرسالة في أربعة أمور:

الأول: الجواب على الاعتراضات الموجهة إلى حديث أنس.

الثاني: تأكيد صحة حديث أنس، والجواب على من ضعف.

الثالث: الاستدلال بحديث أبي بصرة الغفاري.

الرابع: فقه الحديث ومن قال به.

_________________________________

أ- حديث أنس رضي الله عنه:

وهذا الحديث حسَّنه الترمذي، ثم قال: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، وقال: للمسافر أن يُفطر في بيته قبل أن يخرج، وليس له أن يقصر حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية، وهو قول إسحاق.

أما حديث الترمذي (799 -باب من أكل ثم أخرج يُريد سفراً)، فقال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن زيد بن أسلم، عن محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب، أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً،  وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ قال: سنة ثم ركب.

وقال (800): حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثني زيد بن أسلم قال: حدثني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب، قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان، فذكر نحوه.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن، ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير هو مديني ثقة، وهو أخو إسماعيل بن جعفر، وعبد الله بن جعفر هو ابن نجيح والد علي بن عبد الله المديني، وكان يحيى بن معين يضعفه".

________________________________

أولاً: الاعتراضات الواردة على حديث أنس رضي الله عنه (أربعة):

الأول: ترجيح أبي حاتم لرواية الدارودي، بلفظ: (ليس بسنة)، على الرواية الأخرى عن عبد الله بن جعفر: (نعم سنة)، وعبر عنها "برواية الإثبات".

الثاني: تضعيف الحافظ العراقي للرواية الأخرى.

الثالث: عدم جزم بعض الرواة بها.

الرابع: الاختلاف في متنه على سعيد بن أبي مريم، فذكر بعضهم عنه: أن اللفظ كان من أجل السفر، وبعضهم أنه كان من أجل يوم الشك.

______________________________________

ثانياً: بيان هذه الاعتراضات والجواب عنها:

وقد ضعَّف حديث الترمذي اثنان من العلماء، وهما:

١- أبو حاتم الرازي، كما في العلل لابنه (ص 240).

٢-والحافظ الزين العراقي كما في "شرحه على الترمذي" (مخطوط).

ولكن هذا التضعيف مُعارض بتصحيح غيرهما، وهم جماعةٌ من العلماء والمحدثين، منهم: الترمذي، وابن العربي، والضياء المقدسي، وابن القيم في "الزاد"، وأبو المحاسن المقدسي في "مختصر أحاديث الأحكام"، ويمكن أن يُضمَّ إليهم إسحاق بن راهويه والإمام أحمد، فإنهما أخذا بهذا الحديث وعملا به، وهذا دليل على أن الحديث ثابتٌ عندهم.

_______________________________________

-أما الجواب على تضعيف أبي حاتم لهذا الحديث: 

فقد قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب: أنه أتى أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً، فوجده قد رحلت راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلنا: أسنة؟ قال: ليس بسنة.

ثم ذكر الرواية الأخرى الموافقة لما في "الترمذي"؛ فقال: ورواه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر، عن ابن المنكدر، عن محمد بن كعب: أنه أتى أنس بن مالك ... فذكر الحديث؛ قال: فقلت: سنة؟ فقال: نعم، سنة. 

ثم قال أبي: حديث الدراوردي أصح. انتهى.

قال المعترض (الهرري): الظاهر أن أبا حاتم رجح رواية النفي على رواية الترمذي التي فيها الإثبات.

وأجاب الألباني على هذا الاعتراض من وجهين: 

الوجه الأول: أن ترجيح أبي حاتم إنما هو محصور بين روايتين (رواية الداروردي، ورواية ابن مجبر) وليس منهما الترمذي، ثم هو ترجيح صحيح، لأن الداروردي ثقةٌ على ضعفٍ يسير في حفظه. خلاف الحديث الآخر الذي فيه ابن مجبر، فإنه ضعيف اتفاقاً. ويُفهم من هذا ترجيح رواية الداروردي على رواية الترمذي.

أما رواية الترمذي، فلم يرد لها ذكرٌ في كلام أبي حاتم، لا تصريحاً ولا تلويحاً، بل لعله لم يقف عليها أصلاً .. ثم هي أقوى من رواية الدارودي، كما سيأتي.

الوجه الثاني: أن قول الدارودي في روايته (ليس بسنة) منكر، أو على الأقل شاذ، لسببين:

أ- مخالفته لمن هو أوثق منه ألا وهو محمد بن جعفر بن أبي كثير، وهو ثقة كما قال الترمذي، .. بل احتج به الشيخان وجميع أصحاب السنن وغيرهم، فروايته هي الراجحة عند التعارض على رواية الداروردي؛ لأنه مختلف فيه.

ب-أن رواية الدارودي لا متابع لها، ولا شاهد، خلافاً لرواية محمد بن جعفر، فإن لها متابعاً، وشاهد. أما المتابع فهو ما روي عن عبد الله بن جعفر (وهو ضعيف، يكتب حديثه) ولا بأس به في المتابعات. وأما الشاهد فهو حديث ابن مجبر) ولا يضر ضعف لأنه في الشواهد.

_______________________________________

-أما الجواب على تضعيف الزين العراقي لهذا الحديث:

فهو كما يلي: فقد ضعف الزين العراقي حديث الترمذي بعبد الله بن جعفر، وقال صاحب "الميزان": متفق على ضعفه. 

وبين أن الترمذي إنما حسَّن رواية عبد الله بن جعفر بن نجيح التي فيها الإثبات برواية محمد بن جعفر بن أبي كثير، وهو لم يسُق رواية الأخير، وإنما قال فيها: نحوه.

قال العراقي: وقوله (بنحوه) لا يقتضي أنه بلفظه، أي بلفظ الإثبات. 

وأيد العراقي قوله برواية أخرى عند إسماعيل بن إسحاق القاضي في "كتاب الصيام"، فذكر فيها رواية محمد بن جعفر، وفيها: عن محمد بن المنكدر، عن محمد كعب، قال: فقلت أهو سُنة؟ قال: فلا أحسبه إلا قال نعم!

وقوله (لا أحسبه إلا قال نعم) هذه اللفظة محتملة، ويرد عليها الشك.

ثم إن رواية الترمذي عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر (مضطربة)، ذلك أن رواية سعيد بن أبي مريم، ذلك أن السياق جاء في صيام يوم الشك، كما في رواية الطبراني عند في الأوسط. مع مجيء ما يعضد رواية سعي بن أبي مريم، فقد تابعه خالد بن نزار على روايته من هذا الوجه، وهي عند الطبراني -أيضاً -في الأوسط.

وأجاب الألباني على هذا الاعتراض من وجوه: 

الوجه الأول: أن رواية محمد بن جعفر التي لم يجزم فيها بكون الفطر بعد الفجر سنة، لا تعارض الرواية التي جزم فيها بأنه سنة، وغاية ما في الأمر أنه لم يصرح بالإثبات، ولكنه لم ينفِ، وعليه ترجح رواية الإثبات؛ لأن المثبت لديه زيادة علم.

الوجه الثاني: أن الرواية التي لم يجزم فيها بكون ذلك سنة، تفرد بها عيسى بن مينا، عن محمد بن جعفر، وعيسى بن مينا: ضعيف في الحديث. ثم قد روى الضياء المقدسي في "المختارة" هذا الحديث من طريق عيسى بن مينا، بلفظ الإثبات. والظاهر أن إسماعيل القاضي -الذي يروي عن ابن مينا -لم يضبط الرواية عنه، فقال: (أحسبه قال).

الوجه الثالث: أن رواية الترمذي لحديث محمد بن جعفر من طريق شيخة محمد بن إسماعيل البخاري، وإحالته على حديث عبد الله بن جعفر الذي قبله، وقوله (بنحوه) يُفيد إلى أنه مثله في المعنى، و"نحوه" وإن كانت لا تفيد المماثلة إلا أنها تفيد المشابهة، والاتفاق في بعض الألفاظ.

الوجه الرابع: أن رواية يحيى بن سعيد العلاف عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر أن القصة (يوم يشكون) لم يوافقه عليها أحدٌ ممن روى هذه القصة عن سعيد بن أبي مريم، كما أن العلاف ضعيف، وإذا كان ثقةً فروايته شاذة، فكيف وهو ضعيف، فلا شك أن روايته منكرة، وروى هذا الحديث الدارقطني من طريق سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، فذكر أنه قال: هو سنة، ولم يشك. ولذا قال ابن العربي: حديث أنس صحيح، ولم يقل به إلا أحمد بن حنبل (انظر ص 26).

الوجه الخامس: أنه يشهد لحديث أنس القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: ١٨٤)، وهذا يشمل من كان في السفر، ومن تأهَّب للسفر.

ويشهد له ما رواه أحمد في مسنده (٢٧٢٣١): عن دحية بن خليفة، أنه خرج من قريته إلى قريب من قرية عقبة في رمضان، ثم أنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يفطروا، قال: فلما رجع إلى قريته قال: «والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أن أراه، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه» ، يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: «اللهم اقبضني إليك» وهذا حديث صحيح.

الوجه السادس: أنه ثبت عن عددٍ من الصحابة والتابعين العمل به، مثل: عمر بن الخطاب، وأبو موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن شرحبيل، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري.

_______________________________________

ثالثاً: بيان حديث أبي بصرة الغفاري:

قال أبو داود في سننه (٢٤٢١): حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثني عبد الله بن يزيد، (ح) وحدثنا جعفر بن مسافر، حدثنا عبد الله بن يحيى، المعنى حدثني سعيد بن أبي أيوب، وزاد جعفر، والليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن كليب بن ذهل الحضرمي أخبره، عن عبيد، قال: جعفر ابن جبر، قال: كنت مع أبي بصرة الغفاري -صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط -في رمضان، فرفع ثم قرب غداه، قال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، قال: اقترب قلت: ألست ترى البيوت، قال أبو بصرة «أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال جعفر في حديثه: فأكل.

وقد ذكر المعترض أنه لا يكفي سكوت أبي داود على الحديث في تصحيحه، وإنما ينبغي النظر في أقوال الأئمة بعده.

الوجه الأول: أن رجال أبي داود وأحمد كلهم ثقات محتج بهم في الصحيحين، عدا كليب بن ذهل، وقد وثقه ابن حبان، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول، ووثقه يعقوب بن سفيان، والعجلي، وهو صحيح على شرط هذا المعترض، كما أنه صحيح في نفس الأمر.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث هو اعتبارٌ ثانٍ لحديث أنس المتقدم، لمجيئه بنفس معناه، لأن أقل أحواله أنه حسنٌ لغيره.

الوجه الثالث: أن حديث أبي بصرة موافق لحديث أنس في المعنى، بدلالة ترجمة أبلي داود له، بقوله (باب متى يُفطر المسافر إذا خرج؟)، وترجمة الإمام البليهقي له، بقوله (باب من قال يُفطر وإن أخرج بعد طلوع الفجر)، وبقرينة اعتراض عُبيد بن جبر في الرواية على أبي بصرة، بقوله (ألست ترى البيوت؟). أما قول عُبيد بن جبر: "ثم قرب إليه غداءه" والغدوة عندهم ما بين الفجر إلى طلوع الشمس، وليس الغداء المعروف في وقتنا المعاصر الذي يكون بعد الظهر.

____________________________________

خلاصة كلام العلامة الألباني في رسالته رداً على الهرري:

١-خطأ الهرري في تضعيف حديث أنس، وهو صحيح كما تقتضيه قواعد علم الحديث.

٢-إعراضه عن تقليد من صححه مع أنهم أكثر ممن ضعف، وهذا خلاف المفروض في المقلدين ومنطقهم، الذي من العادة أن يحتجوا بالكثرة والسواد الأعظم!

٣-تضعيفه لحديث أبي بصرة خطأ، بل إنه صحيح على مقتضى نهج المعترض في التصحيح، حيث أنه يقبل توثيق ابن حبان.

٤-إعراض المعترض عن الاستشهاد بحديث أبي بصرة مع أنه صالح لذلك عنده.

٥-كتم المعترض لحديث دحية، مع أنه صحيح أيضاً على منهجه، وما ذلك إلا لأنه صريح الدلالة على خلاف مذهبه.

٦-غفلته عن تأييد القرآن للأحاديث الثلاثة.

٧-غفلته أيضاً عن الآثار المؤيدة لها، وبعضها عن عمر الفاروض، رضي الله عنه.