أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 15 يناير 2022

منظومة ابن العماد في المعفوات للإمام الفقيه المحرر العلامة ابن العماد الأقفهسي، شهاب الدين أبي العباس أحمد بن عماد بن محمد المصري الشافعي

منظومة ابن العماد في المعفوات

للإمام الفقيه المحرر العلامة ابن العماد الأقفهسي

شهاب الدين أبي العباس أحمد بن عماد بن محمد المصري الشافعي

(ق 750 -808 هـ)

تحقيق: قصي محمد نورس الحلاق

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تميزت شريعتنا الغراء عما قبلها من الشرائع بأنها شريعةٌ سمحةً سهلة وسط، وقد نسخت التشديدات التي فُرضت على الأمم السابقة، والتي كانت عقوبةً لهم على تعنتهم مع أنبيائهم، ولكثرة سؤالهم عما لا ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم.

 وقد منَّ الله تعالى على الأمة المُحمَّدية، فسهَّل لها شريعتها، ورفع عنها الآصار والأغلال التي كانت على الأمم قبلها، حتى ذمَّ نبيُّ الإسلام -عليه السلام -التنطع في الدين، والغلو فيه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ هذا الدِّينَ يُسْرٌ ولن يُشادَّ أحدٌ إلا غلبَه)، وقال: (هلَك الْمُتَنَطِّعونَ)، وقال: (إنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)، وقد كان الغلو في دائرته الواسعة ظاهرة كبرى في تاريخ الديانات من قبلنا.

ومن جملة التيسير على العباد أن الشارع الحكيم عفا عن بعض النجاسات التي يعسر الاحتراز منها، أو يشق على المكلف اجتنابها، توسعةً على الناس، فما ضاق أمرٌ إلا اتسع، والمشقة تجلب التيسير، وكل ذلك حتى لا يدخل الناس في باب الوسوسة.

وتعتبر هذه المنظومة درةٌ شافعية كريمة، تضمنت الأمور التي عفا عنها الشارع، على أن صاحبها لم يلتزم المذهب تماماً، لأنه جرى في بعض هذه النجاسات المعفو عنها على ضعيف المذهب، وفي بعضها على مذاهب أخرى.

وقد ذكر ابن العماد في هذا النظم (66) ستةً وستين نجاسةً عفا عنها الشارع الحكيم، وبقيت ثلاثاً لم يذكرها، وهي: جرّة البعير، وما تلقيه الفئران في بيوت الأخلية، وما خُبز بسرجين، والإنفَحةِ، وغير ذلك وبهذا توفي على تمام (70) السبعين.

وتمثل هذه المنظومة القاعدة الفقهية (إذا ضاق الأمر اتسع)، كما في قوله:

ما جاوز الحدَّ يُعطى ضدَّه أبداً … ويُعكسُ الحُكم فيه وِفقَ حكمته

وعلى كُلٍّ؛ فهذه المسائل أو أكثرها، لا ينبغي لمسلمٍ أن يجهلها، وقد نظمها ابن العماد بأسلوب سهلٍ ومُيسَّر، على البحر البسيط، وعلى قافية واحدة، في (290) مائتين وتسعين بيتاً، أشار إليها ابن العماد بقوله:

أبياتُها قد أتت بالعدِّ قائلةً … (صِر) بي نبيهاً وقُم في شُكر نعمته.

و(صِر) في نظام العد مئتان وتسعون؛ لأن الصاد يقابلها تسعين، والراء مائتين.

وقد قابلها محققها "قصي الحلاق" على اثنتي عشرة نسخةٍ خطية، وتولت دار المنهاج طباعتها، وهي طبعةٌ قيِّمة نفيسة، موشحة بتعليقات مختصرة للأئمة الرملي، والجمل، والدمياطي، والرشيدي، والترميناني من شروحاتهم.

وقد نالت هذه المنظومة شروحات كثيرة، منها: 

1. شرح الإمام الرملي "فتح الجواد".

2. شرح العلامة أحمد بن عبد الكريم الترمانيني (ت 1293 هـ).

3. حاشية الإمام حسين بن سليمان الرشيدي (ت: بعد 1215 هـ).

4. حاشية العلامة محمد بن عبد الغني الدمياطي (كان حياً بعد 1214 هـ) "منن من عليه الإعتماد".

5. تقريرات العلامة سليمان بن عمر بن منصور العجيلي، المعروف بالجمل (ت بعد 1204 هـ).


ذكر النجاسات المعفو عنها التي ذكرها ابن العماد في منظومته، وفصلها العلامة الترمانيني، والدمياطي، كما يلي سرداً:

14/ دم الدماميل، ودم الفصد، ودم الجروح، وماء القروح المتغير، ودم القمل، ودم البراغيث، وجلدها، والبق، وونيم الذباب، وبول الفراش، وروث النحل، وونيم البعوض، ودم مُصلٍّ أُصيب بسهمٍ مثلاُ، وماءٌ متغيرٌ أخرج من فم نائمٍ.

17/ ودمٌ في لحم، ودم سيف مجاهد، ونجاسة وطئها مُصلِّ في نحو شدة الخوف، ودم أُذنٍ بُحرت ثم التصقت به، وعظم نجسٍ جُبر به، ووشمٌ، ونجسٌ حُشي به جرح بالشروط، وذرق الطيور، وطين شارعٍ نجسٌ يقيناً، وماءٌ رُشَّ كذلك، وبول الخفاس، وزبل الفأرة في أثواب المهنة عند الإمام أبي حنيفة، وقليل دخانٍ نجس، وقليل شعر نجس، وقليل غبار نجس، وفم نحو هرة، وفم طير، وفم نحو صبي متنجسان على ما يأتي.

14/ وثوب مرضعةٍ بال عليه صبيٌّ عند الإمام مالك، وثوب الصبي النجس عنده أيضاً، وبخار الروث على قول، والريح الخارج من الدبر على قول، وما على منفذ حيوان غير آدمي، إذا وقع في ماء قليل، وبول سمكٍ في ماء دو القلتين، وبول بقرٍ حال دياسته، وبولٌ تحت قلفة أقلف، ودمٌ أخرج من الذكر على قول، ودم استحاضة، وبول سلسل، وورق فُرش في حال رطوبته على آجر نجس، وأثر استجمار.

14/ ونجسٌ لا يدركه الطرف المعتدل، وما علق بنحو رجل ذبابٍ، وعضة الكلب على قول، ورطوبة الفرج على قول، ونجس على سيف وكان الغسل يُفسده عند الإمام مالك لكن يمسح، وما تنجس من الدنِّ بارتفاع الخمر ثم هبوطه، وقليل شعر جلد ميتةٍ دُبغ، وميتة ما لا نفس لها سائلة، ودود نحو فاكهة، وما في جوف سمكٍ صغير، وما دون القلتين في حوضٍ طُلي بنجسٍ على قول، وذرقُ عصفورٍ على قول، وكوارةٌ عُجنت من الروث، وبعرٌ وقع في حلب.

7/ والأواني المعمولة بالنجاسة، ودخانٌ قد عُجن بالخمر، وطوبُ مسجدٍ عُجن بالروث، ولونُ وريحُ نجسٍ عَسُر زوالهما على قول، والخرزُ بشعر الخنزير على ما سيأتي، ونجسٌ قدر درهمٍ بغلي عند الإمام أبي حنيفة، والخارج الملوث من القبل والدبر على قول.

ترجمة العلامة ابن العماد

اسمه ونسبه: هو الإمام العلامة، الفقيه الشافعي، شهاب الدين أحمد بن عماد بن يوسف بن عبد النبي، أبو العباس، الأقفهسي ثم القاهري، ويُنسب إلى قرية (أقفهس) وتُعرف اليوم بـ(أفقاص) بلدة بصعيد مصر الأدنى، معروفةٌ ومشهورة.

نشأته: ولد قبل عام (750 هـ)، ونشأ في القاهرة نشأةً علمية متميزة، وكان كثير الاطلاع، كثير الخشية، سريع الدمعة، وفي لسانه بعض حبسة. 

شيوخه: وأشهر شيوخه هو الإمام عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي، جمال الدين، وسمع منه كتباً عديدة، وسراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان البُلقيني، والإمام زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، وقرأ على العلامة شمس الدين ابن الصائغ الحنفي، وسمع الحديث على خليل بن طرنطاي الداوادار الزيني كتبغا، وعلى الشمس الرفاء، وعلى ابن الصائغ، والجمال الباجي، وآخرين.

تلاميذه: ومن أشهر تلاميذه برهان الدين الحلبي، الإمام المحدث المعروف، والإمام الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، والعلامة خليل بن محمد الأقفهسي.

وفاته: توفي رحمه الله تعالى سنة (808 هـ).

*** ومن روائع تصانيفه:

1 - أحكام الاواني والظروف وما فيها من المظروف.

2 - آداب الأكل

3 - أرجوزة في طبقات الأنبياء

4 - التبيان فيما يحل ويحرم أكله من الحيوان = مختصر أحكام الحيوان، وقد وضع فيه أحكام الحيوان، ونظمه في (400) أربعمائة بيت.

5 - تسهيل المقاصد لزوار المساجد - في الفقه الشافعي

6 - التعقبات على المهمات -في الفقه الشافعي، وقد أكثر فيه من التعقبات على شيخة الإسنوي، وكان قرأه عليه إلى باب الجنايات، وقد أكثر في كتابه هذا من تخطئة الإسنوي، وربما أقذع عليه في بعض ذلك، ونسبه إلى سوء الفهم وفساد التصور.

7 - توقيف الحكّام على غوامض الأحكام - في الفقه

8 - التوضيح، أو الشرح الصغير على منهاج النووي، في مجلدين، وله عدة شروحٍ عليه، و"التوضيح" أصغرها، ووجد له قطعةٌ كبيرة شرح فيها المنهاج إلى صلاة الجماعة في ثلاثة مجلدات، أطال فيها النفس، وأكثر من الاستمداد من "شرح المهذب".

9 - الأحمدية = حاشية على شرح ديباجة المصباح

10 - الذريعة إلى معرفة الأعداد الواردة في الشريعة

11 - رسالة في بيان النجاسات المعفو عنها لزوار المساجد = أرجوزة في المعفوات - في الفقه الشافعي، وسماها الحافظ السخاوي والعلامة الميناوي "بالدر النفيس".

12 - شرح الأبيات من كتاب رفع الإلتباس عن وهم الوسواس، وهو مؤلف المنظومة، وقد بحث في شرحه هذه المسألة، أعني: النجاسات المعفو عنها بحثاً موسعاً، وقد رجح المحقق أن يكون كتاب "رفع الالتباس" هو أصلٌ لمنظومة "النجاسات المعفو عنها"

13 - شرح المقصود - في التصريف

14 - شرح قصيدة البردة للبوصيري - في الأدب

15 - منظومة في آداب الأكل والشرب والنوم واليقظة، وله شرح عليها، كما شرحها العلامة المناوي.

16 - الفرق بين الحياة المستمرة والمستقرة وحياة المذبوح

17 - الفوائد في شرح زوائد المنهاج للبيضاوي -في أصول الفقه الشافعي.

18 - القول التام في أحكام المأموم والإمام.

19 - القول التام في آداب دخول الحمام -في الفقه.

20 - كتاب النكاح - في الفقه الشافعي.

21 - كشف الأسرار عما خفي عن فهم الأفكار.

22 - منظومة ابن عماد في مخارج الحروف.

23-  القول المفيد في النيل السعيد.

24-شرح الأربعين النووية، وسماه "منثور الدرر من كلام خير البشر".

25- الدرة الفاخرة، ويشتمل على أمور تتعلق بالعبادات والآخرة، وفيه الكلام على قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط}.

26-نظم التبيان في آداب حملة القرآن، والمسمى "بتحفة الإخوان في نظم التبيان للإمام النووي"، وتزيد هذه المنظومة على (600) ستمائة بيت، وقد تعرَّض فيه لمؤدب الأبناء.

27-نظم الدرر من هجرة خير البشر، نظم فيها حوادث الهجرة النبوية.

28-نظم تذكرة ابن الملقن في علوم الحديث، ووضع عليه شرحاً.

29-الاقتصاد في كفاية الاعتقاد، وتزيد على خمسمائة بيت، وله شرحٌ عليها مختصر.

30-منظومة في المواطن التي تُباح فيها الغيبة، وهي عشرة أبيات، وقد بلَّغها عشرين موضعاً.

31-منظومة في المواضع التي تؤخر فيها الصلاة عن أول الوقت، وبلَّغها نحو أربعين في نحو اثني عشر بيتاً، وشرحها.

32-منظومة في الدماء المجبورة، في نحو أربعين بيتاً، وبلَّغها ستاً وثلاثين موضعاً.

33- الإبريز فيما يُقدم على مؤن التجهيز.


الفوائد المنثورة في هذا الكتاب:

الفائدة الأولى: 

قال علماؤنا: ليس لنا من الحيوان شيءٌ يؤكل فرعه ولا يؤكل أصله إلا خمسة:

1-لبنُ الآدمي.

2-وبيضُ ما لا يؤكل لحمه.

3-وعسل النَّحل.

4-وماء الزُّلال.

5-والزباد، ويؤخد من سنور برّي.

حاشية الرشيدي على نظم ابن العماد، ص ٧١.

الفائدة الثانية:

 يحلُّ أكل بيض جميع الحيوانات والطيور، ما لم تكن سامَّةً.

قال العلامة الجمل في "تعليقاته" (ص 68): "اعلم أن البيوض كلها طاهرةٌ مأكولةٌ ولو من حيوانٍ غير مأكول، إلا بيض السُّميات".

وقال العلامة الدمياطي في "منن من عليه الاعتماد" (ق/ 55) معقباً: "أشار الجمل إلى أن جميع البيوض طاهرةٌ، ولكن يحرمُ أكلُ ما يضرُّ ..كبيض الحيَّةِ..

فائدة: كلُّ البيوض بالضاد، إلا من النمل فبالظاء المُشالة".

وسمّوا الظاء مشالة؛ للتفرقة بينها وبين الضاد، ولفظ "المشالة" مأخوذ من "الشول"، وهو الرفع، يقال: شالت الناقة بذنبها، إذا رفعته.

قال ابن العماد في نظمه (ص 124):

بيضُ الحُدى وبيضُ الصَّقر حلَّ فكُل …  بيض الغُراب وكُل من بيض بومته

والسُّلحُفاةُ كذا التمساحُ مع ورلٍ … حُكم الغُراب وكُل من بيضِ لقوته

كذا النَّواويُّ في "المجموع" صنَّفه …  وفي الجواهر لا يُقضى بحُرمتِه

والَّلقْوَة: أنثى العُقاب. والجواهر للإمام القُمُولي.

الفائدة الثالثة: في أحكام الرُّخص:

واجبة: كأكل الميتة للمضطر.

مندوبة: كفطر مسافرٍ سفراً يبلغ به ثلاث مراحل.

مباحة: كالسَّلم.

خلاف الأولى: كفطر مُسافرٍ لا يجهده الصوم.

[ومحرمة أيضاً: كفطر العبد الآبق في السفر].

حاشية الرشيدي على نظم ابن العماد، ص 78

الفائدة الرابعة:

جاء في الحديث الصحيح (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، قال ابن دقيق العيد في شرحه على "الغاية" يُستثنى من الرضاع ست مسائل، يقع الوهم فيهنَّ، وهي:

الأولى: يجوز للرجل أن يتزوج جدة ابنه من الرضاع، ولا كذلك في النسب.

الثانية:  يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع، ولا كذلك في النسب.

الثالثة: يجوز للرجل أن يتزوج أم أخته من الرضاع، ولا كذلك في النسب.

الرابعة: يجوز للرجل أن يتزوج أم عمته من الرضاع، ولا كذلك في النسب.

الخامسة: يجوز للرجل أن يتزوج أم خاله وأم خالته من الرضاع، ولا كذلك في النسب.

السادسة: يجوز للمرأة أن تتزوج أخا ابنها من الرضاع، ولا كذلك في النسب.

الفائدة الخامسة:

 من صدر عنه الجُشاء: هل يستغفر الله أم يحمده ؟

الجُشاء: هو ريحٌ له صوت يحصل في الفم عند حصول الشبع، وهو طاهرٌ مع أنه خارجٌ من المعدة التي هي معدن النجاسة، وكذلك الفُساء.

والجشاء بحضرة الناس، ورفع الصوت به: مخالفٌ للأدب، وهو مذمومٌ؛ لدلالته على جشع صاحبه، وقد جاء في الحديث، عن ابن عمر، قال: تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: (كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) (حسن، رواه الترمذي).

ويُسنُّ كتم الجُشاء، وخفض الصوت به، وتغطية فمه بظاهر يده اليُسرى قياساً على التثاؤب.

فائدة: هل المطلوب لمن تجشأ أن يستغفر الله أو يمده؟ وهو مبنيٌّ على جواز الشِّبع وكراهته، فمن قال بالأول.. قال: يحمد الله لأنه نعمة، ومن قال بالثاني.. ذهب إلى أنه يستغفر؛ لأنه منهيٌّ عنه شرعاً، والمعتمد الأول، انتهى من "منن من عليه الاعتماد" (ق/ 34).

الفائدة السادسة:

ولو أُخذ منه مالٌ وهو في الصلاة .. جاز له صلاة شدَّة الخوف في طلبه إن خاف ضياعه عند الإمام الرملي، وله وطء نجسٍ لا يُعفى عنه مع القضاء.

ولا يجوز ذلك عند الإمام ابن حجر الهيتمي، لأنه غير خائف بل طالب، ويجوز قطعها عنده ليتبعه.

بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم، ص 411.

وأيد ذلك ابن العماد في نظمه؛ فقال:

وتابعُ اللِّص إن يعدو على نجسٍ … له الصَّلاةُ كخوفٍ عند شدَّتِه

كخاطفٍ نَعله حال الصَّلاة له … في سعيه خلفَه إتمامُ لقُربتِه

الفائدة السابعة:

الحيلة في تطهير العسل "المتنجس": 

هو أن تطعمه للنحل، فإذا أكلته ومجَّته عسلاً في الخلايا، يخرج منها طاهراً لاستحالته، كاستحالة اللبن في الضَّرع، ويُعفى عما حملته قوائمها؛ لمشقة التحرز عنه.

قال ابن العماد في منظومته:

والنحل إن أكلت عُسيلةً نجست … كُلْ ما تمَجُّ من الحلوى بشمعته

قال الشهاب الرملي في "فتح الجواد" (ص 38): (عُسيلةً) بالتصغير، (نجست) أي تنجست، (كُل) أنت، ما تمجُّ النحل، (من الحلوى) أي العسل، (بشمعته) لأنه طاهرٌ حينئذٍ.

الفائدة الثامنة:

الحاصل: أن النجاسة أقسام:

1- قسم لا يعفى عنه مُطلقاً (لا في ثوب ولا ماء)؛ وهو الأصل الكثير الظاهر؛ كالبول والروث ونحو ذلك.

2-وقسم يعفى عنه مُطلقاً (في الثوب والماء)؛ وهو ما لا يدركه الطرف المعتدل؛ كرذاذ البول، وما حمله نحو  ذباب         بشرط ألا يكون من مغلظ عند الشيخ ابن حجر.

3-وقسم يعفى عنه (في الثوب فقط) دون الماء، مثل أثر الاستنجاء، فيعفى عنه في البدن وفي الثوب الملاقي إذا

تضمخ به بواسطة عرق ولم يجاوز محل الاستنجاء، ولا يعفى عنه إذا نزل في ماء قليل.

4-وقسم يعفى عنه (في الماء فقط) دون الثوب؛ وهو كالميتة التي لا دم لها سائل حيث ماتت في الماء، أو سقطت

ميتة فيه لا بفعل فاعل، أما لو حملها في صلاته أو كانت على بدنه.. بطلت.

5-وقسم يعفى عنه (في المكان) دون الثوب ودون الماء؛ وهو ذرق الطير الجاف الملاقي لبدن المصلي أو ثوبه.

وحكم البدن حكم الثوب.




الأربعاء، 12 يناير 2022

سلم المناجاة شرح سفينة الصلاة للسيد عبد الله بن عمر بن يحيى الحضرمي الشافعي تأليف: محمد بن عمر البَّنتني التناري الجاوي

سلم المناجاة شرح سفينة الصلاة

للسيد عبد الله بن عمر بن يحيى الحضرمي الشافعي

تأليف: محمد بن عمر البَّنتني التناري الجاوي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب النفيس هو أحد الكتب الفقهية المؤلفة في بيان أحكام الصلاة خاصة على مذهب السادة الشافعية، وفيه بيان ما يجب على المسلم معرفته في أحكام الصلاة بالإضافة إلى الفوائد المتناثرة في اللغة والفقه والحديث.

 وقد تضمن المتن وشرحه: مقدمةً، ثم بيان أول ما يجب على المكلف (من معرفة الشهادتين)، ومعرفة شروط الصلاة (وذكر الماتن اثني عشر شرطاً)، ومعرفة فروض الوضوء (الستة)، وفروض الغسل (من النية والتعميم)، وأركان الصلاة (التي بلَّغها تسعة عشر ركناً)، وقسَّمها إلى "أركانٍ قولية" (وعدها خمسة) وأركان فعلية (وعدها ثلاثة عشر)، وذكر (اثني عشر) مُبطلاً من مُبطلات الصلاة، وختم ببيان بعض أذكار الصلاة وشرحها.

وقد ذكرتُ في هذا المقال مبحثين:

الأول: في ترجمة الشيخ محمد عمر نووي جاوي.

الثاني: في بيان بعض الفوائد الفقهية.

أولاً: تعريف موجز بالشيخ محمد بن عمر جاوي:

هو الشيخ محمد بن عمر بن علي نووي الجاوي البنتني إقليماً، التناري بلداً، أبو عبد المعطي (...-1316 هـ /…-1898 م): 

مفسر، فقيه، متكلم، من فقهاء الشافعية. 

ولد في إندونيسية، وقدم مكة صغيراً، وجاور بها سنين عديدة، ونشأ بها، وصار ذا ثروة، واقتنى كتباً كثيرة، وأقبل على المطالعة، وأكب على كسب العلوم على عدة مشايخ وتحصيلها، واجتهد حتى صار إماماً في المنطوق والمفهوم.

وقد درس ورَّس بجاوة، وتخرج به كثيرٌ من الطلبة، وكان تدريسه بداره، وكان يجلس عنده أكثر من مئتي طالب، وكان متواضعاً، منكسراً، سخيَّ النفس، وتكررت منه رحلات إلى مصر والشام، وأخذ عن أفاضلها. ولم يكن له اشتغالٌ إلا بالتدريس والإفادة والتأليف والعبادة، مع طبعٍ رقيق.

مشايخه:

-السيد أحمد الدمياطي المكي الشافعي (ت 1270 هـ).

-السيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الحسيني النحراوي الشافعي (ت 1291 هـ).

-الشيخ علي بن أحمد الرَّهبيني المصري المكي الشافعي (ت 1293 هـ).

-الشيخ محمد بن سليمان حسب الله المكي الشافعي (ت 1335 هـ).

-الشيخ يوسف بن عبد الله أو عبد الرحمن بن منصور السَّنبلاويني الشرقاوي الشافعي (ت 1285 هـ).

وفاته: وتوفي بمكة سنة (1316). 

مصنفاته:

1-(مراحُ لبيد لكشف معنى القرآن المجيد) ويسمى أيضا "التفسير المنير لمعالم التنزيل المسفر عن وجوه محاسن التأويل"، طبع، مجلدان

2-(ومراقي العبوديّة) وهو شرح "بداية الهداية" لأبي حامد الغزالي، فرغ من تأليفه سنة 1289 هـ، وهو مطبوع.

3-و(قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان).

4- و (قطر الغيث في شرح مسائل أبي الليث) في التوحيد.

5-و (عقود اللجين في بيان حقوق الزوجين)، وهو شرح على رسالة متعلقة بحقوق الزوجين لبعض الناصحين. 

6- و (نهاية الزين في إرشاد المبتدئين بشرح قرة العين بمهمات الدين) في الفقه.

7- و (شرح فتح الرحمن أو حلية الصبيان على فتح الرحمن) تجويد.

8- و (نور الظلام) في شرح نظم (عقيدة العوام) وهو شرح لمنظومة السيد أحمد المرزوقي المالكي (ت 1262 هـ).

9- و (مرقاة صعود التصديق) في شرح (سلم التوفيق) لابن طاهر، المتوفى سنة 1272 .

10- و (كاشفة السجا، في شرح سفينة النجا) في أصول الدين والفقه .

11-و (سلم المناجاة في شرح سفينة الصلاة) للشيخ عبد الله بن يحيى الحضرمي، في الفقه الشافعي.

12- (أساور العسجد على جوهر العقد) أو (مدارج الصعود إلى اكتساء البرود) وهو شرحٌ على مولد البرزنجي.

13-(الإبريز الداني في مولد سيدنا محمد السيد العدناني).

14-(بغية العوام في شرح سيد الأنام) وهو شرح على مولد ابن الجوزي.

15-(بهجة الوسائل بشرح المسائل) وهو شرح على (الرسالة الجامعة بين أصول الدين والفقه والتصوف) له أيضاً، في الفقه الشافعي، والمعروف أن الرسالة الجامعة للحبيب أحمد بن زين العلوي.

16-(ترغيب المشتاقين لبيان منظومة السيد البرزنجي في مولد سيد الأولين والآخرين).

17-(التوشيح على شرح ابن قاسم الغزي أو قوت الحبيب الغريب)، وهي حاشية على "فتح القريب المجيب شرح التقريب لأبي شجاع" لابن قاسم الغزي، في الفقه.

18-(تيجان الدراري على شرح رسالة الباجوري) في التوحيد.

19-(الثمار اليانعة في شرح الرياض البديعة) في أصول الدين وبعض فروع الشريعة.

20-(الدرر البهيَّة في شرح الخصائص النبوية) وهو شرح لقصة الإسراء والمعراج للبرزنجي.

21-(الرياض القولية) و (الفصوص الياقوتية) على الروضة البهية في الأبواب التصريفية. في الصرف والنحو.

22-(سلالم الفضلاء على المنظومة المُسمّاة هداية الأذكياء إلى طريق الأولياء) للشيخ زين الدين بن علي المليباري (ت 928 هـ).

23-(سلوك الجادة على الرسالة المُسماة: "لمعة المفادة في بيان الجمعة والمُعادة") في الفقه الشافعي.

24-(شرح على منظومة الشيخ الدمياطي في التوسل بأسماء الله الحُسنى).

25-(شرح على أخصر مناسك العلامة الخطيب أو فتح المُجيب بشرح مختصر الخطيب) في الفقه.

26-(العقد الثمين شرح منظومة الستين مسألة، المسماة: الفتح المُبين) في الفقه.

27-(فتح الصمد العالم على موائد الشيخ أحمد قاسم).

28-(فتح غافر الخطيَّة على الكواكب الجليَّة في نظم الآجروميّة)، وله أيضاً (كشف المروطية عن ستار الأجرومية) في النحو.

29-(فتح المجيد في شرح الدُّر المجيد) للشيخ أحمد النحراوي، في التوحيد.

30-(قامع الطغيان على منظومة شُعب الإيمان) وهو شرحٌ على "منظومة شعب الإيمان" لزين الدين بن علي المليباري (ت 928 هـ).

31-(لُباب البيان) وهو شرحٌ على رسالة الشيخ حسين المالكي في الاستعارات "بلاغة".

32-(مصباح الظلم على النهج الأتم في تبويب الحكم) للمتقي الهندي.

33-(النهجة الجيدة لحل نقاوة العقيدة) وهو شرحٌ على منظومة في التوحيد.

ثانياً: بعض الفوائد المنتقاة من كتاب سُلَّم المناجاة:

-الفائدة الأولى-

الحكمة من تخصيص «العظيم» بالركوع، و«الأعلى» بالسجود: أن الأعلى أفعل تفضيل، والسجود نهاية التواضع لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام، ولهذا كان أفضل من الركوع، فجعل الأبلغ مع الأبلغ؛ كما أفاده الرملي.

سلم المناجاة، شرح سفينة الصلاة، ص 154

-الفائدة الثانية-

« فلو سجد على شيء خشن يؤذي جبهته مثلا، فإن زحزح جبهته عنه من غير رفع لم يضر، وكذا إن رفعها قليلا ثم أعادها ولم يكن أطمأن، وإلا بطلت صلاته؛ أما لو رفعها من غير عذر وأعادها، بطلت صلاته مطلقاً، سواء كان اطمأن أولا أم لا».

 سلم المناجاة شرح سفينة الصلاة، ص  ١٣٤.

-الفائدة الثالثة-

فالمحرمية ثنتان وعشرون: 

«ستة أمية»: الأم من النسب، والأم من الرضاع، وأم الزوجة، وأم الموطوءة بملك اليمين ، وموطوءة الأب: بالنكاح أو بملك اليمين. 

«وستة بنتية»: البنت من النسب، والبنت من الرضاع، وبنت الزوجة إذا دخل بالأم، وبنت الموطوءة بملك اليمين، ومطوءة الابن بالنكاح أو بملك اليمين.

«وثنتان أختية»: الأخت من النسب، والأخت من الرضاع.

 «وثنتان خالية»: الخالة من النسب، والخالة من الرضاع.

«وثنتان عمية»: العمة من النسب، والعمة من الرضاع.

«وأربعة بنتية من الإخوة»: بنت الأخ من النسب، وبنت الأخ من الرضاع ، وبنت الأخت من النسب، وبنت الأخت من الرضاع.

 سلم المناجاة شرح سفينة الصلاة، ص 78، 79.

-الفائدة الرابعة-

● أركان الصلاة: 

○ ركن قلبي ( =وهو النية).

○ ركن معنوي ( =هو الترتيب).

○ أركان قولية ( =وهي خمسة):

١- تكبيرة الإحرام.      

٢- قراءة الفاتحة.

٣- التشهد الأخير. 

٤- الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير.

٥-التسليمة الأولى.

○ أركان فعلية ( =وهي ستة): 

١-القيام مع القدرة =ولو في صلاة جنازة، أو منذورة.

٢-الركوع.  

٣-الاعتدال من الركوع.

٤-السجود مرتين.   

 ٥-الرفع من السجدة الأولى.

٦-الجلوس للتشهد الأخير. 

○ وهيئة تابعة للركن أو ركن ( =وهي الطمأنينة)،

 وهي في أربع مواضع:

١- الطمأنينة في الركوع  

 ٢-الطمأنينة في الاعتدال منه

٣- الطمأنينة في السجدتين.  

٤- الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين.

○ إذا عددنا الطمأنينة: هيئة تابعة لركنها يكون عدد الأركان (١٣) ركنا، وإذا اعتبرناها ركنا واحدا كان العدد (١٤)، وإذا عددنا كل طمأنينة ركنا كان العدد (١٧) ركنا.

○ وزاد بعضهم إلى نية الإحرام بالصلاة= نية الخروج منها عند السلام، وفي "الروضة" و"التحقيق": الأصح أن نية الخروج لا تجب.

•• وقال أبو شجاع: وأركان الصلاة ثمانية عشر.

•• وقال الخطيب في "الإقناع": 

وأركانها ثمانية عشر كما في "التنبيه"، 

وفي "المنهاج" و"المحرر" ثلاثة عشر، 

وفي "الحاوي" أربعة عشر... والخلف بينهم لفظي.

سفينة النجاة، سالم الحضرمي ص ٣٢، والإقناع: ١/ ١٢٨، والزبد، ص ٨١.

-الفائدة الخامسة-

[ نية الصلاة ]

يا سائلي عن شروط النيّة  …   القصد والتعيين والفرضيّة

1. إذا كانت الصلاة فرضاً: 

- قصد الفعل: 'أُصلي'

- التعيين: مثلاً 'صلاة الظهر، العصر'

- الفرضيّة: 'فرض'

2. إذا كانت نافلة مؤقتة: 

- القصد: 'أُصلي'

- التعيين: مثلاً 'صلاة عيد الأضحى، صلاة الكسوف'

3. إذا كانت نافلة مطلقة:

- القصد: 'أُصلي'

-الفائدة السادسة-

يكره رفع اليدين بعد تكبيرة الإحرام؛ لأنه تلاعب.

السبحة الثمينة، ص 178

ومن صلى في سفينة، ولم يتمكن من الركوع والسجود مع قدرته؛ لميلانها، وجبت عليه الإعادة.

السبحة الثمينة، ص 181

-الفائدة السابعة-

المعتمد عند الشافعية، وهو الجديد: أن الصلاة على الآل بعد التشهد الأخير «سنة»، وفي القديم أنها واجبة، وما رجحه باعطية الوجوب، خلافا للمعتمد في المذهب.

شرح السبحة الثمينة، ص 164

-الفائدة الثامنة-

ينقسم كل وقت من أوقات الصلاة إلى مراتب، وإليك بيانها بالتفصيل:  

صلاة الظهر: ينقسم وقته إلى سبع مراتب: 

1.وقت فضيلة: وهو أول الوقت بمقدار إقامة الصلاة ومقدماتها من وضوء وخلافه مما يحتاج إليه من أجل الصلاة، ويعتبر ذلك بالوسط المعتدل من غالب الناس. 

2.ووقت اختيار: ويدخل بأول الوقت إلى أن يبقى من الوقت ما يسع الصلاة. 

3.ووقت جواز بلا كراهة: وهو مساو لوقت الاختيار، وليس للظهر وقت جواز  بكراهة. 

4.ووقت حرمة: وهو آخر الوقت بحيث يبقى منه ما لا يسعها بتمامها. 

5.ووقت ضرورة: وهو آخر الوقت إذا زالت الموانع والباقي من الوقت قدر تكبيرة الإحرام.

6.ووقت عذر: وهو وقت العصر لمن يجمع الظهر معها جمع تأخير في السفر. 

7.ووقت إدراك: وهو الوقت الذي طرأت الموانع بعده بحيث يكون قد مضي من الوقت ما يسع الصلاة والطهارة لها.

-الفائدة التاسعة-

صلاة العصر: وينقسم وقته إلى ثمانية أوقات: 

وقت فضيلة: وقد علم مما تقدم. 

ووقت اختيار: ويدخل بأول الوقت إلى أن يصير ظل الشيء مثليه بعد ظل الاستواء. 

ووقت جواز بلا كراهة: ويدخل بأول الوقت، ويستمر إلى اصفرار الشمس.

ووقت جواز بكراهة: إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها. 

ووقت حرمة، ووقت ضرورة: وقد علا مما تقدم. 

ووقت عذر: وهو وقت الظهر لمن يجمع العصر معها جمع تقديم. ووقت إدراك كا تقدم.

-الفائدة العاشرة-

صلاة المغرب: وينقسم وقته إلى ثمان مراتب:

وقت فضيلة وهو أول الوقت بمقدار الزمن الذي يسع تحصيل ما تقدم في وقت الفضيلة للظهر.

ووقت اختيار، ووقت جواز بلا كراهة: وهما مساويان لوقت الفضيلة، فهذه الثلاث تدخل معاً بأول الوقت، وتخرج معا زمن الاشتغال بما مر. 

ووقت جواز بكراهة: ويدخل عقب خروج الثلاثة إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها. 

ووقت حرمة، ووقت ضرورة: وهي كا تقدم في وقت الظهر.

 ووقت عذر: وهو وقت العشاء لمن يجمع المغرب معها جمع تأخير.

 ووقت إدراك وهو كما تقدم.

-الفائدة الحادية عشر-

صلاة العشاء، وينقسم وقته إلى ثمان مراتب:

وقت فضيلة: أوله بقدر ما يسعها ومتعلقاتها.   

ووقت اختيار: ويدخل بأول الوقت إلى تمام الثلث الأول من الليل. 

ووقت جواز بلا كراهة: ويدخل بأول الوقت، ويستمر إلى الفجر الكاذب، وهو: ما يظهر قبل الصادق مستطيلا ثم يذهب وتعقبه ظلمة. 

ووقت جواز بكراهة: بعد الفجر الكاذب ويستمر إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها. 

ووقت حرمة، ووقت ضرورة.

ووقت عذر: وهو وقت المغرب لمن يجمع العشاء معها جمع تقديم. 

ووقت إدراك: وهو الوقت الذي طرأت الموانع بعده بحيث يكون قد مضى من الوقت ما يسعها ويسع طهرها.

-الفائدة الثانية عشر-

صلاة الصبح؛ وينقسم وقته إلى سبع مراتب:

وقت فضيلة: كما تقدم. 

ووقت اختيار: ويدخل بأول الوقت ويستمر إلى الإضاءة.

ووقت جواز بلا كراهة: ويدخل بأول الوقت، ويستمر إلى الاحمرار. 

ووقت جواز بكراهة: وهو من الاحمرار إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها.

ووقت حرمة: وهو آخر الوقت بحيث يبقى منه ما لا يسعها.

 ووقت ضرورة: وهو آخر الوقت إذا الاحرار. 

ووقت جواز بكراهة: وهو من الاصفرار إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها. 

ووقت حرمة: وهو آخر الوقت بحيث يبقى منه ما لا يسعها.

 ووقت ضرورة: وهو آخر الوقت إذا زالت الموانع وقد بقي من الوقت قدر تكبيرة الإحرام. 

ووقت إدراك: وهو الذي طرأت بعده الموانع بحيث يكون قد مضى من الوقت ما يسعها ويسع طهرها. 

انتهى نقلا من كتاب (الجواهر النقية).

-الفائدة الثالثة عشر-

الحمد لله. يكثر السؤال عن أفضل المتون والشروح التي تصلح للترقي في الفقه، ويركّز السائلُ طالبًا أو قارئًا على التدرّج فيها.

والجواب المختصر المفيد: 

إنّ خير المتون ما وطـّئت أكنافها بكثرة الشروح والحواشي، وكثر الغوص في ألفاظها، وسُبرت مراميها، وحُرّرت معانيها؛ فالعبرة في أمرين مهمّين: 

١- كثرة الشارح لها  والمختصِر والمعارض والمنتصر، فزيادة بعض المتون المتأخرة على متن أبي شجاع -مثلًا- في كثرة المسائل لا يعني أفضليته عليه؛ لأنّ هذا المتن مخدوم والمخدوم ليس كالخادم.

٢- اعتماد المعاهد والفقهاء لهذا الكتاب في التدريس؛ لأنهم رأوا في حُسن تصنيفه ما يصلح لإقرائه وتدريسه؛ فشرح الخطيب ( مغني المحتاج ) -مثلًا- خير ما يُدرّس من شروح المنهاج، وإن كانت التحفة والنهاية مقدمةً عليه في الفتوى، فلكل مقال مقام،  فما اعتمد فقيهٌ شيئًا من هذا لهوى نفسه 

وكما يقول المثل: ( لأمرٍ ما جدعَ قصيرٌ أنفَه ).

وإن شئت أن تعلم أشهر المتون والشروح وخصائصها إلى أن تصل إلى المنهاج وشروحه؛ فشرطي هو الدعاء لي ولوالديّ وعدم التشغيب عليّ؛ لأنّ الآراء كُثر فخذ منّي ما صفا ودع ما كدر: 

متن أبي شجاع مبتدا كلّ فقيه ( وقدّم بعضهم للمبتدي قبله سفينة النجا ) وهذا بحسب استعداد كل طالب.

وشرحه للمبتدي: شرح الغزي.

والزبد نظمًا أعلى المنظومات علمًا.

وعمدة السالك وسطٌ بينهما وبين المنهاج.

وتحفة الطلاب يعلّم الطالب دقة عبارة الفقهاء وجمع المسائل المتفرقات.

وكفاية الأخيار كثرت فروعها ومسائلها وسهلت عبارتها فإذا استشكل عليك شيءٌ من غيره فاستعن بحُسن تفصيله.

والمنهاج غاية مراد الطالب وأكثر شروحه تدريسًا مغني المحتاج.

والمنهج وشرحه وحواشيه يفتح لك أبواب الفقه وأشهر حواشيه الجمل، وهو المقدّم.

واعْتُمد في سلّم التفقه لدى العجم وكثير من العرب (قرة العين) وشرحه ثمّ يُتوسع في حاشية إعانة الطالبين عليه، وهو مقصدٌ حسن لسهولة مأخذه وتفرّده وحاشيته بفوائد لطيفة.

وأما البجيرمي فأتقن وأحسن في حاشيته على الإقناع للخطيب الشربيني.

وكلّ هذا لا يكون به الطالب فقيهًا بل يقف على باب الفقه بعد أن رقيَ الدرج؛ فباب الفقه عالٍ.

وقد نظمت هذه السبائك نظمًا رجوت به الاندراج في تلك المسالك:

(غايتي) أنت (صفوةَ الزبدِ)   واعتمادي يا (عمدة) العُمَدِ

فمتى (تحفة) الوصال فما      في سـواه  (كفاية)  الكبِدِ

حبّكم  لي  (منهجٌ)  وأنا          (جَمَلُ) صابرٌ على الكَبَدِ

(فأعينوا طالبًا)   لكـمُ          (قرة العين) أخذكُم بيدي

وعلى ( منهاجِ ) سيركمُ          (غَنَيَ المحتاجُ)   للرَشدِ

         انظر كيف مهّد لك الفقهاء الطريق، وجعلوا لهذا العلم مرقاةً لا تخطئها عين البصير، فاتبّع تسَلم واحفظ تفهم؛ فإذا علمت وفهمت فاقرأ بعدها ماشئت، والله ينفع بك ويكتب أجري وأجرك، والسلام.