حاشية الجرهزي على المنهاج القويم
عبد الله بن سليمان بن عبد الله الجرهزي
(١١٢٨ -١٢٠١ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا الكتاب هو حاشية نفيسة على كتاب المنهاج القويم شرح مسائل التعليم للإمام ابن حجر الهيتمي، للعلامة الجرهزي رحمه الله تعالى، أما مسائل التعليم فهو المتن الذي صنفه العلامة بافضل الحضرمي في فقه العبادات على مذهب الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى -.
والمقصود بالحاشية، في اصطلاح العلماء، هي: إيضاحات زائدة على الشروح، وقد تكون مطولة أحياناً، وقصيرة أحياناً أخرى، والقصد منها تحرير ما استغلق من كلام الشارح، وفك عباراته الغامضة، وتيسير ما عسر فهمه، وتفصيل ما أجمله في بعض المواضع، واستدراك ما فاته، والتنبيه على أخطاء قد يقع فيها، وزيادة الإضافات النافعة، والفوائد النادرة، وزيادة الأمثلة والشواهد، وتلخيص المسائل العويصة.
وقد ذكر العلامة الجرهزي في حاشيته على المنهج القويم لابن حجر (ص 46) نقلاً عن ابن شيخ العيدروس في كتابه "النور السافر" في ترجمة (عبد الرحمن بن عمر العمودي) أنه هو الذي طلب من الشيخ ابن حجر الهيثمي شرح مختصر الفقيه عبد الله بافضل. فلبى طلبه، وشرحه.
وكتبت حواشي أخرى -على هذا المتن من أهمها: (حاشية الشيخ محمد سليمان الكردي)، وله ثلاثة حواشي على الكتاب. وحاشية الجرهزي، وكذلك حاشية الترمسي وهي من أوسع الحواشي وأكبرها.
وفي هذا الملخص:
أولاً: ترجمة موجزة للإمام الشافعي.
ثانياً: ترجمة موجزة للعلامة الجرهزي.
ثالثاً: بعض المزايا التي انفردت بها هذه الحاشية عن غيرها من الحواشي.
رابعاً: خصائص حاشية الجرهزي.
خامساً: انتشار المذهب الشافعي في أقطار العالم الإسلامي (لمحة تاريخية).
سادساً: بعض مصطلحات العلامة ابن حجر الهيثمي في كتبه.
أولاً: ترجمة الإمام الشافعي
أ- هو الإمام أبو عبد االله محمد ابن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد االله بن عبيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ، يلتقي نسبه برسول االله -صلى الله عليه وسلم -في عبد مناف، وهو أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة.
ب- ولد الشافعي عام (150هـ) مائة وخمسون للهجرة، بغزة وقيل بعسقلان، وقيل إن ولادته يوم وفاة أبي حنيفة فقال الناس: "مات إمام وولد إمام"، ثم نقل إلى مكـة وهـو طفـل صغير ابن سنتين بعد وفاة والده خوفاً من ضياع نسبه، فأقام عند أقاربه، وكانت أمه من الأزد وليست من قريش واسمها "فاطمة بنت عبد االله الأزدية".
ج- وشب الشافعي فقيراً رقيق الحال، ضيق العيش، حتى احتاج وهو يطلب العلم إلى جمع قطع الخزف (الفخار) وقطع الجلود، وسعف النخل، وعظام الجمال، ليكتب عليها.
د- ولقد عاش الشافعي عمره في العصر العباسي وهو عصر ازدهرت فيـه الثقافـة، واتسعت الترجمة، ونقلت الفلسفة، ودونت العلوم، وظهرت الاتجاهـات الفكريـة المختلفـة، ونشأت جماعات المتكلمين والمفندين لأقوال الخارجين على الملة، وظهـرت ملامـح التمييـز الواضح بين مدرسة الحديث والنقل، ومدرسة الرأي والعقل وكان الشافعي أقرب إلى المدرسـة
الأولى منه إلى الثانية.
هـ- علمه:
وكان الشافعي -رحمه الله -فصيح اللسان ناصع البيان، تأدب بأدب البادية وأخذ العلوم والمعارف عن أهل الحضـر، وظهرت علامات النبوغ عنـد الشافعي صغيراً فحفظ القرآن وهو ابـن سـبع سنين، وأخذ يحفظ الأحاديث ويكتبها فحفظ موطأ مالك وهو ابن عشر سنين، وعني بتعليم قواعد العربية وكتابتها، ورحل في سبيل ذلك إلى البادية وعاشر قبيلة هذيل نحو سبع عشرة سنة ليتعلم من كلامها ويأخذ طبعها، وكانت هذيل من أفصح العرب، وحفظ الشافعي أشعار هذيل وأخبارها ولعل ما يعزز ذلك أن الأصمعي صحح أشعار هذيل عليه.
و- ولقد كان بصيراً باللغة حجـة فيهـا،وفي ذلك قول هشام بن عبد الملك: "الشافعي بصير باللغة يؤخذ عنه ولسانه لغـة فاكتبوه"، ولقد كان منصرفاً إلى الشعر والأدب وأيام العرب، ولكن االله هيأ له من الأسباب ما صرفه إلـى علم الفقه والحديث، فتتلمذ على جماعة من أهل العلم، منهم: مسلم بن خالد الزنجي المكي وأجازه بالإفتاء وعمره خمسة عشر عاماً، ثم رحل إلى الإمام مالك بالمدينة وهو في سن العشرين مـدة للاستفادة من فقه إمام دار الهجرة، وأخذته هيبة الإمام مالك فلما التقاه قرأ عليه الموطأ، فأعجب الإمام به، فقال له: "يا فتى إن االله تعالى قد ألقى في قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية".
ي- وظل الشافعي ملازماً للإمام مالك حتى توفاه االله عام (179هـ)، والشافعي يقترب من الثلاثين، ثم قدم بغداد سنة ثمان وأربعين ومائة للهجرة فأقام بها وأخذ عن محمـد بـن الحـسن الحديث والرأي، وكتب ما أخذه، وكان يجل أستاذه ثم اسـتفاد مـن دراسـته للفقـه العراقـي ومناظرته لفقهائه؛ لأن ذلك هيأ له الجمع بين فقه المدينة وفقه العراق، أو بين فقـه النقـل وفقـه العقل، وساعده ذلك تأصيل الأصول وفق القواعد.
ح- ثم عاد إلى مكة وبدأ يضع المنهج الجديد لمدرسته خاصة وأن رحلاته تلك جمعت لديـه عدداً لا يستهان به من الأحاديث والآراء الفقهية المختلفة، فعمل على ترجيح تلك الأحاديث مـن حيث السند والناسخ والمنسوخ، ثم يستنبط المحكم منها ويدرسه بجانب أحكام القرآن وأدلته، وعندها بدأت شخصية الشافعي وفقهه بالظهور والتميز عن أهل الحجاز وأهل العـراق وكـوّن مدرسته الخاصة، وما أن عاد إلى العراق عام (195 هـ) خمس وتسعين ومائة فأقبل عليه العلمـاء والمحدثون وأهل الرأي وألف كتابه "الرسالة" التي وضع بها الأساس لعلم أصول الفقه ثم انتقل إلى مصر عام تسع وتسعين ومائة فلم يزل بها ناشراً للعلم ملازماً للاشتغال بجامعها العتيق وأعاد الشافعي تأليف كتاب الرسالة بعد رحيله إلى مصر.
ط- وأقام بمصر أربع سنين ونيفاً، وقيل أن العباس بن عبـد االله والـي مـصر استدعى الشافعي فاستجاب له، وصنف مذهبه الجديد الذي ذهب إليه في مصر بسبب تغيـر الأوضـاع وضمنه كتابه"الأم".
ك- وبهذا فقـد جمع الشافعي بين أهل العقل والرأي، وفقه أهل النقل والحديث، فهو الفقه الذي يتمثل فيـه ضبط السـنة والقياس والرأي... كما أنـه الفقـه الذي حـدد طرق الفهم للقرآن والسنة وقواعد الاستنباط والتخريج ولذلك يعتبر الشافعي بحق واضع علم الأصول.
ل- وقد أبدع الشافعي في الفقه والأصول وكان عالماً بالعربية فصيح اللسان حجة في اللغة، وهـذا ابن هشـام إمـام أهل مصر في اللغة والنحو يقرر أن الشافعي حجة في اللغة... ويقول يـونس ابن عبد الأعلى: " كان الشافعي إذا أخذ في العربية قلت هو بهذا أعلم، وإذا تكلم فـي الـشعر وإنشائه قلت هو بهذا أعلم، وإذا تكلم في الفقه قلت هو بهذا أعلم ".
م- وكانوا يقولون "لسان الشافعي أكبر من كتبه"، ولذلك يرى الشافعي أن تعلـم العربيـة واجب علـى كـل مسـلم؛ فقال: إن لسـان العربية يجب أن يكون مقدماً على كل لسان، لأنـه لسان القرآن ولسان الرسول -صلى الله عليه وسلم -ولا يجوز أن يكون لسـان المؤمنين تابعاً لأي لسان، بل يجـب أن يكـون كـل لسان تبعاً للسان العرب القرآني المبين، ويقول : فعلى كل مسلم أن يتعلم مـن لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا االله وأن محمداً عبده ورسوله ويتلو به كتـاب االله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح... ".
ن- ولذلك أجلَّه العلمـاء، وأُعجبـوا بـه إعجاباً شديداً، قال الإمام أحمد " لولا الشافعي ما تعلمنا فقه الحديث"، وقال: كان الفقه مغلقاً على أهله حتى فتحه االله بالشافعي... ".
وقال فيه إمام الجرح والتعديل يحيى بن سعيد القطان : "والله ما رأيت أعقل ولا أفقه من الشافعي"، وقال الإمام العلم أبو القاسم عبيد االله بن سلام : " والله ما رأيت أفقه ولا أفهم من الشافعي".
ويقول الجاحظ مظهراً بلاغته وحسن نظمه: " نظرت في كتب هؤلاء النابغة الذين نبغوا في العلم، فلم أر أحسـن تأليفـاً من المطلبي (الشافعي) كأن كلامه ينظم دراً على درٍ".
س- شيوخه وتلاميذه:
تتلمذ الشافعي على عدد من الشيوخ منهم الذي عني بالحديث، ومنهم الذي عني بالفقه ومنهم الذي عني بالرأي، ومنهم المعتزلي، وتنوعت أماكن سكناهم بين مكة والمدينة والعراق واليمن. فمن شيوخ الشافعي في مكة: مسلم بن خالد الزنجي، وسفيان بن عيينة، وسعيد بن سـالم القداح، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعبد الحميد بن عبد العزيز ابن أبي داود.
ومن شيوخه في المدينة: مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الأنصاري، وعبد العزيز ابن محمد، وإبراهيم بن يحيى الأسامي ومحمد بن سعيد بن أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ. ومن شيوخه في اليمن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف قاضي صنعاء، وعمـر ابن أبي مسلمة صاحب الأوزاعي، ويحيى بن حسان صاحب الليث بن سعد.
ومن شيوخه في العراق: محمد بن الحسن، ووكيع بن الجراح الكوفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي، وإسماعيل بن عطية البصري، وعبد الوهاب بـن عبـد المجيـد البصري.
ع- وكما كثر شيوخه -كثر تلاميذه:
فمن تلاميذه في مكة: أبو بكر الحميدي، وإبراهيم بن محمد العباس، وأبو بكر محمد بن إدريس، وموسى بن أبي الجارود. ومن أشهر تلاميذه فـي مكة الإمام أحمد بن حنبل.
ومن تلاميذه في بغداد: الحسن الصباح الزعفراني، والحسين بـن علي الكرابيسي، وأبو ثور الكلبي، وأحمد بن محمد الأشعري البصري.
ومن تلاميـذه فـي مصر: حرملة بن يحيى، ويوسف بن يحيى البويطي، وإسماعيل بن يحيى المزني ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، والربيع بن سليمان الجيزي.
ف- شعره:
عاش الشافعي من البادية سبعة عشر عاماً يحفظ لغة العرب وأشعارهم، فحفظ عـشرة آلاف بيت من شعر الهذليين، وهو شعر جاهلي وإسلامي فصيح، فيـه كثيـر مـن الحماسـة والفضائل والحكمة.
ص- من أقوال الإمام الشافعي:
تناثرت أقوال الشافعي في الكتب التي كتبها أو التي كتبت عنه، وسأذكر بعـضاً منهـا جمعها الأستاذ أحمد الشرباصي في كتابه الأئمة الأربعة ومنها:
- (ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته).
- (تفقه قبل أن ترأس، فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه).
- (من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم).
- (من طلب العلم فليدقق وإلا ضاع دقيق العلم).
- (من لم تُعِزه التقوى فلا عز له).
- (صحبة من لا يخاف العار عار يوم القيامة).
- (من ولي القضاء ولم يفتقر كان لصاً).
- (من نَم لك نم بـك، ومن إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيـك، وإذا أغضبته قال فيـك مـا ليس فيك).
ح- إنها أقوال لا تصدر إلا عن شخص حاضر البديهة، قوي الإدراك، عميـق الفكـرة، واسع العقل، فصيح اللسان، موفور البيان، قوي الجنان.
سـأل بعض الأئمة الإمـام الشافعي عن ثمانية أشياء ، فقـالوا : مـا رأيـك فـي (واجـب وأوجب، وعجيب وأعجب، وصعـب وأصعـب ، وقـريـب وأقــرب)؟ فــرد عليهم بقوله: من واجب الناس أن يتوبوا، ولكن ترك الذنوب أوجب، والدهر في صرفه عجيب، وغفلة الناس عنه أعجب، والصبر في النائبات صعب، ولكن فوات الثواب أصعب، وكلُّ مـا ترتجي قريب، والموت من دون ذلك أقرب.
إنه الذكاء والبديهة وقوة الإدراك التي جعلت بشر المريس يقول: (هذا رجل معه نصف عقل أهل الدنيا).
ط- ومع كل هذا العطاء إلا أن لكل أجل كتاب، فمرض الشافعي كما يقال بالبواسير الـذي كان ينزف الدم منه حتى توفي.
وكانت وفاته بمصر في الفسطاط سنة أربعٍ ومائتين من آخر ليلةٍ من شهر رجب، وعمره أربعةٌ وخمسون عاماً، ودفن يوم الجمعة التالي ليوم وفاته، ودفنه بنو عبد الحكم في مقابرهم.
ثانياً: ترجمة الإمام الفقيه الشارح
عبد الله بن سليمان بن عبد الله الجرهزي
(١١٢٨ -١٢٠١ هـ)
[بقلم البحاثة: محمد أبو بكر باذيب]
اسمه ومولده:
هو الشيخ الفقيه العلامة عبد الله بن سليمان بن عبد الله، الجرهزي، الزبيدي، الشافعي. ولد رحمه الله -بزبيد سنة ( ١١٢٨ هـ ) في غرة رمضان.
نشأته وطلبه للعلم:
نشأ رحمه الله بزبيد نشأة طيبة ، ودفع به إلى علمائها الأكابر، فتهل من علومهم صغيراً، وشب في طلب العلم حتى برز على الأقران.
شيوخه:
أ- بزبيد:
١ـ الشيخ العلامة، المقرىء الفقيه: محمد بن علاء الدين المزجاجي، الحنفي، الزبيدي، (١١٠٢ -١١٨٠ هــ)، قرأ -رحمه الله - القرآن الكريم عليه كاملاً حتى ختمه سنة (١١٣٨ ه)، وبعد أن ختم القرآن الكريم عنده، أخذ في تعلم المبادئ الفقهية والنحوية على يديه؛ تمهيداً لانتقاله إلى حلقات العلم عند غيره من شيوخ زبيد.
٢- السيد العلامة، الجهبذ الفقيه، المحدث المُسنِد: يحى بن عمر مقبول الأهدل، الحسيني، الزبيدي، (١٠٧٣ -١١٤١ هـ)، أخذ الجرهزي رحمه الله عنه، وقرأ عليه، وأجيز منه.
٣-العلامة الجليل، السيد المحدث، الفقيه: أحمد بن محمد شريف مقبول الأهدل، (١١٠٩-١١٦٣ هـ)، عليه تفقه الجرهزي رحمه الله، وابن خاله السيد سليمان الأهدل، وعبد الخالق المزجاجي صاحب "النزهة"، وغيرهم.
٤- العلامة الفقيه، المحقق المسند: عبد الخالق بن أبي بكر بن الزين المزجاجي الحنفي، الزبيدي، (١١٠٣ -١١٨١ هـ)، ومن أجل تلامذته: الحافظ مرتضى الزبيدي، والإمام الجرهزي، والسيد سليمان الأهدل، وأخوه أبو بكر بن يحيى الأهدل، وغيرهم.
شيوخه بالحرمين الشريفين:
ب - بمكة المكرمة.
٥- الشيخ العلامة : عطاء الله بن أحمد المصري، الأزهري، ثم المكي، الشافعي، من علماء مصر، جاور بمكة المكرمة، أخذ عن شيوخ مصر.
٦ - العلامة الشيخ: علي الشامي، نزيل مكة المكرمة، ( ت١١٩١هـ)، أخذ عنه علامتنا الجرهزي كما نص عليه الحافظ الزبيدي في "معجمه".
٧-العلامة الفقيه الشيخ: إبراهيم الزمزمي، الريس، الشافعي ، المكي، (١١١٠ -١١٩٥ه).
ج- بالمدينة المنورة:
٨ -الشيخ العلامة: محمد بن الطيب محمد بن محمد بن موسى الفاسي، الشرقي، المالكي، (١١١٠-١١٧٠ هـ).
٩-العلامة، المحدث الشيخ: محمد حياة بن إبراهيم السندي الأصل، المدني، الحنفي (ت ١١٦٣هـ).
١٠- الإمام العلامة، الجهبذ المتفنن، العارف بالله: عبد الرحمن بن مصطفى بن شيخ العيدروس، العلوي، الحسيني، التريمي، ثم المصري، الشافعي. (١١٢٥-١١٩٤ هـ).
١١ - السيد العارف بالله، الولي الصالح: مشيخ بن علوي بن عبد الله باعبود، العلوي، الحسيني، البوري، الحضرمي، الشافعي، ( ت ١١٦٩ هـ).
أقرانه وزملاؤه في الطلب:
زامل الشيخ المترجم عدداً من طلاب العلم في القراءة على الشيوخ والعلماء من أهل زبيد أو الواردين، وكان من بين أبرز زملائه:
١- السيد العلامة المفتي: سليمان بن يحيى بن عمر الأهدل، ابن شيخ الشيوخ، العالم بن العالم، (ت ١١٩٧ هـ).
٢- والشيخ العلامة، المفيد الفقيه: عثمان بن علي الجبيلي، أحد علماء زبيد آنذاك، وقد كان من أعز أصدقاء الجرهزي.
٣- العلامة عبد الله عمر الخليل الزبيدي.
فقد كان هؤلاء العلماء يأنسون ببعضهم، ويعقدون جلسات علمية مفيدة في مساجد زبيد، يتبادلون فيها الأحاديث العلمية، والسير العطرة الزكية.
سخاؤه وكرمه وعبادته
كان رحمه الله كريم الكف، لا يقع في يده شيء من الدنيا إلا تصدق به، وكان كثير البكاء من خشية الله، ولا سيما عند تلاوة القرآن الكريم، وفي الصلاة لا يرى إلا في تقطير دموع، وتصعيد أنفاس.
تدريسه:
اتفق المترجمون له من تلامذته على أن الجرهزي -رحمه الله -كان مرحولاً إليه من الآفاق، مقصوداً من طلاب العلم للتلقي عنه والأخذ مته، وكان منزله مثابة لهم، يأتون إليه زرافات ووحدانا، حتى يغص بهم المجلس، ثم يتعاقبون عليه، وهكذا ديدنه من ضحوة النهار إلى وقت العشاء الآخرة.
ولم يكن تدريسه محصوراً على منزله، بل كان له درس في المجد المعروف حاليا باسم (مجد مغفرة)، الواقع في حارة العلي بشرقيها، الملاصق لمدرسة الجعامنة من الشمال، وهو مسجد قديم، من آثار الدولة النجاحية - القرن الخامس الهجري وفي غربيه سقاية للماء.
وعرف المسجد في العصور الأخيرة: بـ (مسجد المزجاجي)، نسبة للعلامة محمد بن أحمد المزجاجي، الذي درس فيه مدة من الزمان، ثم صار يعرف بـ(مسجد الجرهزي)، وسعى بعضهم - ولعله صاحب الترجمة - إلى إيجاد وقف للمسجد، فوقفت قطعة تسمى (الزرقانية) ضمن (شريح الجرهزي)، فكان النظر لأل الجرهزي، ولما توفي الشيخ المترجم. . انتقل الوقف إلى رجل يسمن عمر الجرهزي، أما في أيامنا هذه. . فالمسجد يعرف بمسجد مغفر.
ثم تولى رحمه الله التدريس في الجامع الكبير بزبيد حلفا لليد العلامة عبد الله علي شريف، الذي خلف السيد يمان الأهدل . إلى أن توفي.
وقد كانت القاعدة القديمة في زبيد أن يكون المفتي هو المتولي للتدريس في الجامع الكبير ، لكن هذه القاعدة خرمت أيام السيد سليمان؛ فإنه اعتذر عن ذلك، وشرط على علماء البلد أن لا يعولوا عليه في التدريس، فجعل مكانه السيد عبد الله علي المذكور آنفاً، ثم لما مات هذا تولاه الجرهزي إلى أن توفي.
تلامذته والراوون عنه:
لا مجال لنا في سرد أسماء تلامذة العلامة الجرهزي رحمه الله تعالى؛ لأن عالما مثله يتوافد عليه طلاب العلم من كل حدب وصوب للأخذ عنه. . يعسر معه أن يتصدى أحد لحصر أسماء تلامذته والوافدين عليه، فلم يبقى معنا سوى النظر في فهارس الأثبات والكتب؛ لنرى ونقف على أسماء بعفى الآخذين عنه لنعددهم؛ لأن في معرفتهم إظهاراً لمكانة الشيخ، وإعلاماً بعلو شأنه، ولأن التلاميذ هم ذخر الأساتيذ؛ فمنهم:
١ -السيد العلامة، الإمام المحدث المسند، وجيه الدين، مفتي زبيد: عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر الأهدل الحسيني ، (١١٧٣ -١٢٥٠٠ هـ).
٢- السيد العلامة، الإمام المحدث، شارح «القاموس والإحياء»: محمد مرتضى بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني البلكرامي الزبيدي، ثم المصري، الحنفي، (١١٤٥ - ١٢٠٥ ه). قال في معجمه عند ذكر شيخه الجرهزي: (وكنت ممن شملته عنايته، ولاحظته رعايته، فحضرت في دروسه الفقهية والأصولية، وأجازني لفظاً وخطاً) انتهى.
٣-السيد العلامة، الأديب المسند الرحالة: زين العابدين بن علوي باحسن جمل الليل المدني، (١١٧١- ١٢٣٥هـ).
٤- العلامة المحدث، مسند عصره، الشيخ: صالح بن محمد بن نوح الفلاني، العمري، المدني، المالكي، ( ١١٦٦ - ١٢١٨ ه).
٥- العلامة الفقيه الصالح، السيد: يوسف بن محمد بن علي البطاح الأهدل، (ت ١٢٤٦ هـ).
٦ -العلامة الفقيه الصالح، الشيخ: عبد الله بن أحمد باسودان، الكندي، الدوعني، الحضرمي، الشافعي، (١١٧٨ - ١٢٦٦ هـ).
هؤلاء أبرز الآخذين عن العلامة الجاهزي، وهم أثمة علماء أعلام، ولهم صيتهم ومؤلفاتهم.
مؤلفاته
كان العلامة الجرهزي رحمه الله تعالى -مكثراً من التأليف، متفرغاً للعلم، منقطعاً للتعليم، شأنه شأن جمهرة السلف الصالح من علماء هذه الأمة.
وكان له اليد الطولى في الفروع الفقهية على مذهب السادة الشافعية، وألف الرسائل العديدة، والجوابات المحررة المفيدة.
قال تلميذه الوجيه الأهدل: (ذكر لي رحمه الله أن مؤلفاته تقارب الخمسين) انتهى.
وقد أحسن الحافظ مرتضى الزبيدي -رحمه الله -جداً في ترجمة شيخه الجرهزي. . فذكر عددا من مؤلفاته، منها:
١- المواهب السنية شرح الفرائد البهية نظم القواعد الفقهية في الأشباه والنظائر على مذهب السادة الشافعية.
٢- المسالك الواضحة في آداب المصافحة.
٣- فتح القوي شرح حزب الإمام النووي.
٤- حاشية على المنهج القويم بشرح مسائل التعليم، للفقيه الإمام ابن حجر الهيتمي المكي. وهو هذا الكتاب.
٥- حاشية على "بداية الهداية" للإمام الغزالي.
٦ - معين الإخوان بشرح فتح الرحلن. كذا سماه العلامة المنوني في "فهارس مكتبة الرباط"، بينما اسمه عند الحافظ الزبيدي: (فتح المنان).
٧-شرح على الأربعين النووية.
٨- الفجر الأنور في شرح خطبة تحفة ابن حجر.
٩- فتح الرحمن بشرح إعانة الإخوان بتعليم الصبيان، على منظومة للشمس الرملي.
١٠ - القول المنتخب في بيان أن الخروج من الخلاف مستحب.
١١ - البيان في مسألة الأوان.
١٢ - القول المعاني في الرد على الجلال الدواني، وهو رد على قوله بإيمان فرعون.
١٣ - المتجر الربيح في شرح صلاة التسبيح.
١٤ - القول الصحيح في شرح غرامي صحيح.
١٥ - القول المنصور في الذب عن أهل القبور.
١٦ - سد المدارج عن المعارج.
١٧ - التنقير عن التطهير.
١٨ - جواهر الأحلاك في شرح منظومة السواك، والأصل منظومة تسمى (تحفة النساك في فضائل السواك، للعلامة السيد أبي بكر بن أبي القاسم الأهدل.
١٩ - جالب السلو في شروط الوضو.
٢٠- البدور الطوالع في اختلاف المطالع.
٢١ - تحفة السعداء تعداد الشهداء.
٢٢- الإنصاف في نية الاغتراف.
٢٣ - التجريد في مسائل التقليد.
٢٤ و٢٥- شرحان على "نظم السنوسية" للناشري.
٢٦- فتاوى.
٢٧- فتح الكريم الماجد في السنن التي يستحب فعلها في المساجد.
٢٨ - قواعد التحفة.
٢٩- فتح الإله في أذكار الصلاه.
٣٠- شرح الزبد.
وفاته:
كانت وفاته رحمه الله تعالى في زبيد، في عام (١٢٠١ ه)، عن عمر ناهز (٧٣) عاماً، قضاه في طلب العلم وبذله وتعليمه والتأليف فيه. رحمه الله تعالى رحمة الأبرار.
ثالثاً: بعض المزايا التي انفردت به هذه الحاشية
عن غيرها من الحواشي للإمام علي البكري
عن [ط. دار المنهاج]
ويذكر الإمام علي البكري بعضاً من مزايا هذه الحاشية في مقدمته على الحاشية (ص ١٢):
١-خلوها عن الحشو والاستطرادات التي كانت موجودة في كتب السابقين مع فائدتها نفعها لديهم، والدقة في التعبير، ومراعاة ما يرد على المنطوق والمفهوم، وما تحتمله النصوص المكتوبة، وهذا ما تميزت به كتب السابقين عن كتب المعاصرين.
٢-شرحه للكلام الذي يعرض له، فهو مثالٌ للشرح المثالي من حيث النفع، لا الجمع والإغراق في النقول، سيما مع عدم الحاجة إليها، وعليه فلا يصدق فيها قول القائل: (من تتبع الحواشي، فما حوى شي).
٣-عدم التعقيد في العبارة الذي انتشر في كتب متأخري الفقهاء وغيرهم، فقد كان التعقيد ظاهرةً في مرحلة زمنية مرت حيث كانت سوق العلم نافقةً، ثم بادت، وكان من سلبياتها هذا الكم الهائل من الشروح المحتاج أكثرها لشروح وحواشي، والتي ربما تحتاج إلى حواشي أخرى، وهكذا.
٤-حرصه على الاستدلال لما يحتجُّ به في بحثٍ أوقولٍ، فتراه يسوق الاعتراض والإيراد، ويختمه بالجواب المقنه، وفي كثيرٍ من المواضيع يقول: (ولم أرَ من تعرض له)، إشارةً إلى نفاسة البحث وانفراده به.
٥-جمع هذا الكتاب بعض تلك الفوائد التي لا تكاد توجد في غيره مع توسط حجمه؛ فهو لا يذكر المسائل المشهورة الواضحة والبحوث المتداولة غالباً، بل إن منهجه ذكر الفرائد والبحوث الشوارد؛ فهو يُشبه كتاب "القلائد" للعلامة باقشير -رحمه الله تعالى، وعدم اشتهار هذه الحاشية لا يدل إطلاقاً على قلة أهميتها، فكم في الخزائن من ضنائن.
٦-ثم إن مثل هذه الكتب المذهبية ينبغي أن يتعلم منها أدعياء الفقه في عصرنا الشيء الكثير مما يزعمونه موجوداً لديهم، وأنهم في غنى عنه.
رابعاً: خصائص حاشية الإمام الجرهزي -رحمه الله تعالى-
[عن ط: دار المنهاج]
قد علمنا مما سبق مكانة هلذا الإمام الكبير، وفضله وسعة علمه، وعلو كعبه في العلوم، وقد انعكس هذا كله على حاشيته هذه، فجاءت بما لم يأت به غبرها من الحواشي، بل كثير من الكتب التي تضاهيها في الحجم، ولو أنها برزت للناس من زمن بعيد. . لآثروها وتعلقوا بحبالها؛ لما تتسم به من إفادات نفيسة، ومباحث لامعة، تنبئ عن رسوخ كعب مؤلفها في هثذا الفن المبارك، وامتازت عن غيرها بأشياء؛ منها:
١ -وفرة الفوائد المنتقاة، والتعليقات القيمة، والأبحاث التي لا توجد في غيرها، وتحقيق المسائل، حتى يكاد يكون بعضها رسالة مستقلة في موضوعه؛ كتعلقه على قول المنهج (ص ٩٩): (لم يثبت مطلقا عند ابن عبد السلام) ، وكمسألة الاجتهاد بين مشتبهين مع تعدد المالك (ص ٧٩). وكإثبات الخلاف في وجوب التعميم في الاستنجاء بالحجر الذي نفاه بعضهم ( ص ١٥٨)، وكمسألة الاستدلال على القبلة بواسطة القطب (ص ٣١٤ -٣١٥)، وكمسألة العود للتشهد الأول بعد النهوض منه (ص ٣٦٠) .
٢- سلوك الإمام الجرهزي في "حاشيته" مسلك التنكيت والتعليق على المسائل المهمة والدقيقة، والتي لا يتطرق إليها أرباب الحواشي غالباً؛ ومن جراء ذلك كانت جُلُّ التعليقات والحواشي في غاية الأهمية، مما يصيرها من أنفع الحواشي على "المنهج القويم"، وأحيانا يترك الفصل والفصلين بلا تعليق لعدم وجود ما يتطلب ذلك؛ كفصل (ما يحرم بالحدث) (ص ١٤٥)، وفصل (ما يندب له الوضوء) (ص ١٤٦).
٣-كثرة وجود المسائل النفيسة التي يندر وجودها في غيرها من الشروح والحواشي، والتي لم يسبق إليها كقياس الباقي من الكحل على الرَّمص (ص ١٠٩)، ومسألة تشبيك الأصابع (صن ١٢١)، ومسألة الزورق التابع للسفينة (ص ٣٠٧)، ومسألة الدعاء بعد التشهد بعد خروج المسيح الدجال (ص ٢٧٦).
٤ - إيراد الإشكالات المهمة؛ كما في سياق شروط المزكي لزكاة الفطر (ص ٥٨٣)، وكما في سياق الحديث عن ابتداء الحول الثاني من تمام الأول (ص ٥٨٩) .
٥- مناقشته لبعض العلل، والتحقيق فيها، وإبداء الإشكالات التي تدعو الطالب لشحذ ذهنه فيها؛ كما في (ص١٠٦- ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١١٥ ، ١٢٠ ، ١٤٠ ،١٦٩، ٢٠٧، ١٤١) .
٦- تفصيله لكثير من المسائل المهمة، وكثيرة الوقوع مع بيان الخلاف فها» كمافي (مى ٩١، ٩٢، ٩٣، ١٠٨، ١٠٩، ١٢١، ١٧٧، ٢٢٤، ٢٧٠-٢٧١، ٣٢٦) .
٧-ترجيحه بين المسائل والأقوال عند تعارفها مع بيان الدليل والتعليل؛ كما في حديثه عن ملاقاة المغلظ في ماء كثر (ص ١٧٥)، وكما في الكلام على مراتب النية في التيمم (ص ١٨٨ - ١٨٩).
٨- مناقشة رأي ابن حجر، وقوة اعتراضه ودليله؛ كما في (باب التجاسة) عند قوله: والمتولد منهما (ص ١٧٢ ).
٩- استدراكه على كثير من عبارات الإمام ابن حجر في "التحفة" و"المنهج"، وهي علئ قسمين:
(الأول): استدراكات لبعض العلماء غير الإمام الجرهزي، لكن لا توجد في شيء من الحواشي المطبوعة؛ كما في ( ص ٢٦٩)، فبذلك قد حفظت لنا هذه الحاشية تلك التقول المهمة في المذهب مع الاستدراكات التي لا نجدها في غيرها من الحواشي.
(الثاني): استدراكات للإمام الجرهزي نفه لم يسبق لها، مما يدل على قوة مدركه رحمه الله كما في ( ص ٦٩ ) على قول «المنهج»: (وليس نشؤها منه)، و(ص ١٣١) على قوله : (نعم، قول الشيخ. ..). وكذلك فيه بعض الاستدراكات على عبارات الشيخ أبي مخرمة رحمه الله كما في (ص ٦٣) .
١٠ - عناته بتخريج الحديث وذكر رتبته، وقد يتعرض لخلاف المحدثين، وربما اعترض على الفقهاء في تضعيف وتوهين ما ليس كذلك؛ كما في (ص٨٩، ٩٢، ١١٣، ١١٥، ١٢٦، ١٢٧ -١٢٩، ١٢٨، ٢٦٥، ٢٧٤ -٢٧٥، ٢٨١).
١١ - تعقبه على كثير من الأحاديث التي حكم عليها الإمام ابن حجر الفقيه بالضعف أو الصحة، وعدم موافقته على الحكم فيها؛ كما في (ص ٨٥) على قول "المنهج": (للخبر الصحيح) ، و(ص ٨٩ ، ١١٠) على قوله: (وخبر الأذنان من الرأس: ضعيف)، و(ص ١١٣ ، ١١٧) و (ص ٣٨٣- ٣٨٤ ).
١٢ - شدة احترازه عن العبارات الموهمة في مقام النبوة مما لا يليق، وأصرح ما يكون عليه تعقبه الشديد على كلام الإمام ابن حجر لما رأى فيه ما يوهم ما لا يليق في حفرة الجناب الوي ؛ كما في (ص ٣٧٢) .
١٣ - من فوائد هلذه الحاشية حفظها لنا كلام كثير من علماء اليمن وغيرهم، وأقوالهم، ونقولات عن بعض الكتب النادرة:
فمن العلماء الذين تكرر التقل عنهم: أبو مخرمة، أبو قشير، عبد العزيز الزمزمي، محمد البابلي، أحمد الرداد، علي بن عمر الحريري، يحى بن عمر مقبول الأهدل، عمر الفرساني، محمد البوابلي، الناشري، القاضي طه السادة، التمازي (ص ١٥٠)، وغيرهم الكثير.
ومن الكتب : "فتاوى البلقيتي"، "فتح المعين" للأصبحي، "شرح العمدة" لابن جعمان، "كشف الأسرار" لابن العماد. وغير هذا كثير جداً مما سيدركه المطلع على هذه الحاشية.
خامساً: انتشار المذهب الشافعي
عن كتاب [المذهب الشافعي لمحمد طارق مغربية]
قامت حركة نشيطة لنشر علم الشافعي رحمه الله تعالى، اضطلع بها تلاميذه في العراق ومصر، كدأب المذاهب الفقهية التي يتعبد بها المسلمون.
وفي الفصول التالية، أحاول تبيين توزع المذهب الشافعي، ومن قام بنشره على سبيل الإيجاز، فبسط هذا يحتاج بحثا مستقلا، ونظرة على كتاب: "طبقات الشافعية الكبرى" كفيلة بالاطلاع على الجهود الجبارة التي قام بها هؤلاء الأعلام فمن حمل علم الشافعي وطاف به الآفاق.
لمحة تاريخية عن المذهب وتوزعه اليوم:
استقر المذهب الشافعي في مصر عن طريق تلاميذ الإمام الشافعي رحمهم الله تعالى، وقد قال الربيع للزعفراني لما التقاه في الحج: أنت بالمشرق وأنا بالمغرب ننشر علم الرجل أي الشافعي.
ويجب التنبيه أن الأمر في الصدر الأول كان واسعا، فالعلماء متوافرون وباب الاجتهاد مفتوح، وحلقات العلم والمناظرة تملأ المساجد والمجالس، فكان في مصر مذهب الليث بن سعد ومذهب مالك و مذهب أبي حنيفة، فلما أتى الشافعي وسمع الناس من علمه ورأوا من سمته وهديه بدأت حلقته بالتوسع.
وظل مذهب الشافعي يتوسع في مصر حتى صار الغالب على أهلها وخصوصاً في الريف أوما يسمى (الوجه البحري)، فلما أتت دولة الفاطميين تراجع أثره، حتى أتى صلاح الدين الأيوبي رحمه الله فأعاد للمذهب الشافعي اعتباره، وجعل له الحظ الأوفر من عنايته وعناية من جاؤوا بعده من الأيوبيين، فقد كانوا جميعاً شافعية إلا عيسى بن العادل فإنه كان حنفياً متعصباً لمذهبه.
ولما خلفت دولة المماليك البحرية دولة الأيوبيين لم تنقص حظوة المذهب الشافعي، فقد كان سلاطينها من الشافعيين إلا سيف الدين قطز رحمه الله فقد كان حنفياً، ولم يكن له أثر في مذهب الدولة لقصر مدته.
وظل القضاء على مذهب الشافعي إلى أن أحدث الظاهر بيبرس فكرة تولية قضاة أربعة من كل مذهب قاض؛ فصار كل قاض يقضي بموجب مذهبه، لكنه جعل للمذهب الشافعي مكانا أعلى من سائر الأربعة؛ وذلك بأن كان له وحده الحق في النظر في أموال اليتامى والأوقاف، فكان له المرتبة الأولى في الدولة.
واستمر الأمر على ذلك حتى أتى بنو عثمان فحصروا القضاء في المذهب الحنفي، لكن بقيت للمذهب الشافعي حظوته عند الناس، وخصوصا في العبادات، وخصوصا في الوجه البحري.
ومن الجدير بالذكر أن مشيخة الأزهر الشريف انحصرت في علماء الشافعية من سنة (١١٣٧ ه) إلى سنة (١٢٨٧ ه) ثم لم تنحصر بعد ذلك في مذهب من المذاهب.
* يذكر علي باشا مبارك في كتابه الخطط التوفيقية: أنه لما كان الأزهر كثير الطلبة والمدرسين كان من اللازم إقامة من يسوس أمورهم، ويفصل في قضاياهم، ويضبط مرتباتهم، ويقيم شعائرهم، وهو في الحقيقة شيخ فقهاء القطر بتمامه. وبدات المشيخة رسميا بإسنادها للشيخ محمد عبد الله الخراشي المالكي.
* ومن الجدير بالذكر أن المشايخ الشافعية بلغوا عشرين شيخاً من أصل أربعين تولوا مشيخة الأزهر الشريف. وليس المقصود التعصب لمذهب فكلهم على الحق والهدى إن شاء الله، إنما قصدت بيان غلبة الشافعة بالنسبة لغيرهم في مصر. ينظر: الأزهر في ألف عام، أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب بمناسبة العيد الألفي للأزهر الشريف ص ٢٣٧ وما بعد.
كما انتشر المذهب الشافعي في العراق بفعل تلاميذ الإمام العراقيين وصارت له فيها صولة وجولة، حتى زاحم مذهب الحنفية.
ومع أن المذهب الحنفي مذهب الدولة لكن هذا لم يمنع من تقليد بعض الخلفاء للشافعي كما فعل المتوكل، وهو أول خليفة عباسي قلد الشافعي.
وكذلك كان المسترشد شافعياً، كما ذكر السبكي في الطبقات.
ويقلد المذهب الشافعي اليوم المنطقة الغربية في العراق أو ما يسمى بالأنبار، كما ينتشر أيضا في الموصل وتكريت وكركوك. أما بغداد فالسنة فيها إما شافعية أو حنفية.
أما الشام فكانت أولا على مذهب الإمام الأوزاعي رحمه الله حتى ولي القضاء أبو زرعة عثمان الدمشقي، فشجع الناس على تقليد الشافعي حتى كان يهب لمن يحفظ مختصر المزني مثة دينار.
وفي العهد الأيوبي تمحضت الشام للشافعية حتى قال فيها وفي مصر التاج السبكي رحمه الله تعالى: "وهذان الإقليمان مركز ملك الشافعية، منذ ظهر مذهب الشافعية، اليد العليا لأصحابه في هذه البلاد لا يكون القضاء والخطابة في غيرهم".
وفي فترة الحكم العثماني صار الحكم والإفتاء على مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى، لكن بقي للمذهب الشافعي مكانته بين الناس لا سيما في الريف.
وأهل الشام بأقاليمه الأربعة يغلب عليهم المذهب الشافعي ويليه المذهب الحنفي والحنبلي.
كما انتشر المذهب الشافعي في اليمن وخصوصاً بلاد حضرموت، وخرج منها علماء كبار في المذهب. وتعد مدينة زبيد من أهم مراكز تدريس المذهب الشافعي في اليمن.
وهو منتشر بقوة في الحجاز والحرمين وبلاد عسير، كما يوجد منه علماء في الأحساء وشرق الجزيرة العربية وعمان.
والمذهب الشافعي مذهب الأكراد، وخرج منهم علماء أجلاء خدموا المذهب الشافعي بخاصة والعلوم الإسلامية بعامة.
كما ينتشر في الشيشان والداغستان، ومن الداغستان خرج العلامة الشرواني صاحب الحاشية المشهورة على تحفة المحتاج لابن حجر.
أما بلاد فارس وما وراء النهر فقد بقي المذهب الشافعي فيها قريبا من ألف عام لا ينازعه منازع، وكان للمدارس النظامية التي أسسها نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقي دور كبير في تثبيت مذهب الشافعية وعقيدة الأشاعرة دهوراً متطاولة، كنظامية نيسابور ونظامية بغداد.
يقول الدكتور راغب السرجاني في معرض حديثه عن نظام الملك: وقد أسدى هذا الوزير للحضارة الإسلامية ما خلد ذكره، وفاق كل أعماله في دنيا الحكم والسياسة، بإنشائه عددا من المدارس في أنحاء الدولة نسبت إليه، فسميت بالمدارس النظامية، وهي تعد أول نوع من المؤسسات العلمية والمدارس التعليمية النظامية ظهر في تاريخ الإسلام، ونتيجة لتحمس نظام الملك، فقد ترتب على ذلك أن امتلأت بلاد العراق وخراسان بعشرات المدارس.
ومن أهم المدارس التي أنشأها نظام الملك: المدرسة النظامية ببغداد وبلغ من اهتمام الخليفة العباسي بها أنه كان يعين الأساتذة بنفسه، وقد درس فيها مشاهير الفكر والثقافة مثل حجة الإسلام الغزالي، في الوقت الذي كان يدرس في نظامية نيسابور أبو المعالي الجويني.
وقد أسهمت هذه المدارس التي انتشرت في بغداد وأصفهان ونيسابور ومرو في تثبيت قواعد المذهب السني والدفاع عنه ضد مختلف البدع والمذاهب المنحرفة التي انتشرت في ذلك الوقت، وقد بلغ ما ينفقه نظام الملك في كل سنة على أصحاب المدارس والفقهاء والعلماء ثلاثمثة ألف دينار، فلما راجعه السلطان السلجوقي ملكشاه في هذا الأمر قال له الوزير: قد أعطاك الله تعالى وأعطاني بك ما لم يعط أحدا من خلقه، أفلا نعوضه عن ذلك في حملة دينه وحفظة كتابه ثلاثمئة ألف دينار .
حتى أتى الغزو المغولي فدمر البلاد وأهلك العباد.
قال ابن خلدون: أما الشافعي فمقلدوه بمصر أكثر مما سواها، وقد كان انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر، وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار، وعظمت مجالس المناظرات بينهم، وشحنت كتب الخلافيات بأنواع استدلالاتهم، ثم درس ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره.
وأغلب سنة إيران اليوم شافعية.
وهو المذهب الرسمي في أندونيسيا أكبر بلد إسلامي من حيث العدد، وماليزيا والملايو والفلبين.
ومسلمو جزيرة سرنديب (سيلان) وجاوة وما جاورها من الجزائر، ومسلمو سيام شافعية أيضاً.
كما أن الساحل الشرقي لإفريقيا كأرتيريا والصومال وجيبوتي وما قابلهم من جزائر كجزر القمر؛ شافعية أيضاً.
أما بلاد المغرب العربي وإفريقيا الغربية فقد ساد فيها عبر التاريخ مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى.
والهند على كون مسلميها يتعبدون بمذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلا أن هذا لم يمنع وجود بعض الشافعية، ونبغ منهم علماء كثروا.
وكذلك الحال في الأندلس، باستثناء فترة قصيرة من حكم يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن صاحب المغرب والأندلس؛ فإنه بعدما تظاهر بمذهب الظاهرية مال إلى الشافعية في آخر أيامه واستقضاهم على بعض البلاد، ثم لم يلبث أن عاد الأمر إلى المالكية.
أول من أدخل المذهب:
لما توفي الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عام أربعة ومائتين للهجرة خلفه في حلقته الإمام أبو يعقوب البويطي، وقام جماعة أصحابه يروون كتبه وينشرون علمه في الآفاق.
روى الإمام البيهقي بسنده عن الربيع: وجه الشافعي الحميدي إلى الحلقة؛ فقال: الحلقة لأبي يعقوب البويطي، فمن شاء فليجلس ومن شاء فليذهب.
وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه: كان لأبي يعقوب البويطي من الشافعي منزلة، وكان الرجل ربما يسأله عن المسألة قيقول: سل أبا يعقوب. فإذا أجابه أخبره فيقول: هو كما قال، قال الربيع: ما رأيت أحدا أنزع لحجة من كتاب الله تعالى من أبي يعقوب البويطي ومن أجل أصحاب الإمام وأعلمهم الإمام أبو إبراهيم المزني رحمه الله، ومن أثبتهم في النقل والرواية عنه الربيع بن سليمان المرادي رحمه الله تعالى.
وحج الربيع بن سليمان سنة أربع ومائتين فالتقى مع أبي علي الحسن بن محمد الزعفراني بمكة فسلم أحدهما على الآخر، فقال الربيع: يا أبا علي أنت بالمشرق وأنا بالمغرب نبث هذا العلم (يعني علم الشافعي).
وقد أخذ عن تلاميذ الشافعي فن خلق كثير من أشهرهم الإمام أبو القاسم الأنماطي عثمان بن سعيد بن بشار الأحول. قال السبكي: هو الذي اشتهرت به كتب الشافعي ببغداد، وعليه تفقه شيخ المذهب أبو العباس بن سريج.
قال أبو عاصم: "الأنماطي لأهل بغداد كأبي بكر بن إسحاق لأهل نيسابور، فإنه أول من حمل إليها علم المزني".
ومن معاصريه أيضا الإمام محمد بن أحمد بن نصر الشيخ الإمام أبو جعفر الترمذي، شيخ الشافعية بالعراق قبل ابن سريج، ولم يكن للشافعية بالعراق أرأس منه ولا أورع ولا أكثر تقللاً، ثم ظهرت في بغداد شخصية لها أكبر الأثر في نشر المذهب الشافعي في الآفاق، وهي الإمام أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي.
فقام بنشر فقه الشافعي والدفاع عنه حتى عد فهرست كتبه فبلغ أربعمئة مصنف، وله مع ابن داوود الظاهري مناظرات مشهورة، وكان متسعا في العلم جداً يأتيه علماء المذاهب الأخرى فيفتيهم في مذاهبهم.
قال الإمام الشيرازي عنه: كان من عظماء الشافعيين، وعلماء المسلمين، وكان يقال له : الباز الأشهب. وولي قضاء شيراز، وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني، ثم تتايع العلماء في إدخال المذهب إلى البلاد.
ويروي لنا الإمام السبكي في طبقاته بعض من أدخلوا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى لبعض البلاد. قال الإمام السبكي:
١-أحمد بن الحسين بن سهل أبو بكر الفارسي. ذكر محمود الخوارزمي أنه أول من درس مذهب الشافعي ببلخ برواية المزني
٢-عبدان بن محمد بن موسى، الإمام الحافظ أبو محمد المروزي. كان إمام أصحاب الحديث في عصره بمرو، وهو الذي أظهر بها مذهب الشافعي، وعليه تفقه أبو إسحاق المروزي.
وقال فيه أبو بكر بن السمعاني والد الحافظ أبي سعد: إنه الإمام الزاهد الحافظ إمام أصحاب الحديث بمرو، وهو أول من حمل مختصر المزني إلى مرو، وقرأ علم الشافعي على المزني والربيع، وكان فقيها حافظا للحديث.
قال الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى: وأول من أدخل مذهبه دمشق أبو زرعة محمد بن عثمان بن إبراهيم الثقفي الدمشقي، بعد أن كان الغالب عليها مذهب الأوزاعي، فكان أبو زرعة يهب لمن يحفظ مختصر المزني مئة دينار... وعن الإمام محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي الكبير انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر.
٣- وأبو عوانة يعقوب بن إبراهيم بن زيد النيسابوري الإسفراييني صاحب الصحيح المستخرج على مسلم: أول من أدخل مذهب الشافعي وتصانيفه إلى إسفرايين، وهو ممن أخذ عن الربيع والمزني ومات سنة ست عشرة و
ثلائمائة.
٤-وأبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي الترمذي، هو الذي حمل كتب الشافعي من مصر، فانتسخها إسحاق بن راهويه وصنف عليها الجامع الكبير لنفسه.
وعن ابن سريج انتشر مذهب الشافعي في أكثر الآفاق.
٥-ويرجح الباحث الأستاذ محمد بن أبي بكر باذيب أن أول من اشتهر بالتمذهب للشافعي رحمه الله في اليمن الحافظ موسى بن عمران المعافري المتوفى بعد (سنة ٣٠٧هـ) فيكون المذهب موجودا في اليمن أوائل القرن الرابع.
وبعد انتشار مذهب الشافعي بدأت مدرستان بالتمايز في التدريس والتأليف، كان لهما دور في تطور الفقه الشافعي وبلورة مصطلحاته، وبقيت المدرستان تؤديان دورا بارزا على مدار ثلاث مشة سنة، قبل أن يبدأ طور الترجيح والاستقرار هما مدرستا العراقيين والخراسانيين. فما هاتان المدرستان وما حقيقتهما؟ هذا ما سأحاول تجليته في الفصل التالي.
* ينظر كتاب: "تراجم علماء الشافعية في الديار الهندية" للأستاذ عبد النصير أحمد الملياري الشافعي، إصدار دار الفتح عمان.
* ينظر في توزع المذهب الشافعي والمذاهب عموماً: نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الأربعة وانتشارها للعلامة المرحوم أحمد تيمور باشا. ومقال جغرافية المذاهب الفقهية للدكتور أسعد عبد الغني الكفراوي ضمن موسوعة التشريع الإسلامي، إصدار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، ص ٣٣٣ وما بعد.
* ينظر: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، تأليف محمد بن أبي بكر بن عبد الله باذيب.
سادساً: بعض مصطلحات العلامة ابن حجر في كتبه
عن كتاب [رسالة التنبيه للشيخ مهران كُتّي]
نقلاً عن الفوائد المدنية للعلامة الكردي -رحمه الله تعالى-
قال الكردي ما نصه: «خاتمة في ذكر نبذة من مصطلح الشيخ أحمد بن حجر في تحفته وغيرها، وكذا غيره من المتأخرين.
اعلم أن الشيخ أحمد بن حجر إذا قال «شيخنا» يريد به شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وكذلك الخطيب الشربيني". وأما الجمال الرملي فإنه يعبر عنه بقوله «الشيخ» بالتعريف بالألف واللام.
** يطلق «شيخنا» في ١ - «فتح المعين» للشيخ زين الدين الملياري، فيراد به الشيخ ابن حجر الهيتمي، وفي ٢ - «حاشية القليوي على شرح المحلي»، فيراد به الشمس الرملي، وفي ٣ - احاشية الشرواني على التحفة، فيراد به الإمام الباجوري ، وفي ٤-«حاشية الجمل على شرح المنهج»، فيراد به الشيخ عطية الأجهوري، وفي ٥- «حاشية البجيرمي على شرح المنهج»، فيراد به الشيخ محمد العشماوي.
** ويطلق «شيخي» ١- الشبراملسي فيريد به الحلبي، كذا وجدت بعض المعاصرين قاله استقراء منه، والله أعلم، و٢ - إمام الحرمين ، فيريد به والده الإمام الشيخ أبا محمد الجويني.
** ويطلق «الشيخ» في االنجم الوهاج في شرح المنهاج» للدميري مراداً به الإمام تقي الدين السبكي؛ كما صرح به في «النجم» أج: ١، ص: ١٨٧.
وإذا قالوا «الشارح» أو «الشارح المحقق» فمرادهم جلال الدين المحلي". نعم، ابن حجر في «الإمداد شرح الإرشاد» يريد بـ«الشارح» الشمس الجوجري شارح «الإرشاد».
وإذا قالوا «الإمام» يريدون به إمام الحرمين، وإذا أطلق «الإمام» في كتب الأصول فهو الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله.
وإذا قالوا -يعني في كتب متأخري الخراسانيين، كـ.«النهاية» و«التتمة» و.«التهذيب» وكتب الإمام الغزالي ونحوه: .«القاضي» يريدون به القاضي حسين.
ومتى أطلق «القاضي» في كتب متوسطي العراقيين فالمراد به القاضي أبو حامد المروزي، ويطلق «القاضي» في كتب الأصول فيراد به القاضي أبو بكر الباقلاني، قاله الإمام النووي في «تهذيب الأسماء واللغات».
وإذا قال في «التحفة»: «شارح» بالتنكير يريد به شارحاً من شراح المنهاج أو غيره، هذا هو التحقيق ، كما أوضحته في تأليف مستقل، فاحفظه ولا تغتر بمن يقول: إنه ابن شهبة أو غيره.
وإن قال: قال «بعضهم» مثلاً فمراده به ما هو أعم من قوله «شارح»، كما أوضحته في ذلك المؤلف إذ المراد بعض العلماء، سواء كان شارحا أم لا .
وإن قال: «كما قاله بعضهم» أو «اقتضاه كلامهم» أو نحو ذلك، فتارة يصرح باعتماده، وتارة يصرح بضعفه، والحكم حينئذ واضح، وإن أطلق ذلك، ولم ينبه على اعتماده وضعفه، فيكون ذلك معتمد «التحفة»، كما أوضحته في ذلك المؤلف.
ومثل «كما» في ذلك «لكن» الاستدراكية، فيجري فيها التفصيل في «كما».
وقد يجمع في «التحفة» بين «كما ولكن»، فيتردد النظر في الترجيح بينهما، وقد بينت في ذلك المؤلف ما يفهم التعارض في الترجيح بينهما، لكن مقتضى ما نقلته ثمة عن ابن حجر نفسه ترجيح ما بعد «كما» فراجع ذلك المؤلف إن أردته (انظر سلم المتعلم المحتاج للأهدل).
وإن قال في «التحفة»: «على ما اقتضاه كلامهم» أو «على ما قاله فلان» أو «كذا قال فلان» ونحو ذلك فهذه صيغة تبرٍّ كما صرحوا به، ثم تارة يرجح ذلك، وهو قليل، فيكون هو معتمد «التحفة»، وتارة يضعفه، وهو أكثر في «التحفة» مما قبله، فيكون مقابله هو المعتمد، وتارة يطلق ذلك ولم يرجح شيئا، وجرى غير واحد حينئذ على أنه ضعيف، والمعتمد خلافه، وتوقفت في ذلك المؤلف في ذلك، وأنه لا يلزم من تبرئه اعتماد مقابل ذلك، فينبغي حينئذ مراجعة بقية كتب ابن حجر، فما فيها هو معتمدها، فإن لم يكن ذلك فيها، فما اعتمده معتمدو متأخري أئمتنا الشافعية يتليين، فحرر ذلك المؤلف إن أردت تحقيق ذلك. وهذا بحسب ما ظهر للفقير، والله أعلم بحقائق الأحوال، وتفصيل المعتمد من الأقوال، انتهى كلام العلامة الكردي في ((الفوائد المدنية)).
ويظهر من ((تذكرة الإخوان)) للعليجي أن اصطلاح الشمس الرملي والخطيب الشربيني كاصطلاح الشيخ في هذه الألفاظ المذكورة عن الكردي، اهـ «الفوائد المدنية».
وقال الكردي في فتاواه (ص ٢٨): "من أثناء، في ترجيح جواب سؤال ما نصه: وتقرر أيضاً أن ما بعد «لكن» هو المعتمد في «التحفة»، إما مطلقا أو بقيده. فقد رأيت نقلا عن تقرير العلامة البشبيشي في درسه أن ما بعد «لكن» في «التحفة» هو المعتمد، سواء كان قبلها «كما» أو غيره، لكن الذي تلقاه الشيخ إدريس بن أحمد المكي، بسنده إلى ابن حجر عنه أن ما قبل «لكن» إن كان تقييداً لمسألة بلفظ «كما» فما قبل «لكن» هو المعتمد، وإن لم يكن لفظ «كما» فما بعد الكن» هو المعتمد.
وظاهر أن محل هذا إما لم يصرح بخلافه، وإلا فالمعول عليه لا على ما في هذه القاعدة، كما لا يخفى. وقد وقع ذلك لابن حجر في مواضع من تحفته، منها: ما في صلاة الخوف، وفي صفة الصلاة من «التحفة»، وفي مبحث الاستخلاف في صلاة الجمعة، وفي الكفاءة من النكاح ، وفي مبحث بيان المثلي في الغصب، وفي القراض.
فراجعها إن أردتها، وقد أوردها بتمامها في المنقول عنه، اهـ كلام الكردي في فتاواه.
وفي «الفتاوى الكردي» (ص: 51) ما نصه: "سئل -رحمه الله: إذا سجد، ثم رفع من السجود، وشك: هل وضع يده أو رجله، واطمئنت يده أو رجله هل يضر ذلك أو لا ؟ أفتونا.
الجواب: يجب عليه العود للسجود فورا، مطلقا، على المعتمد في «التحفة»، إن قلنا: قاعدتها حيث لم يكن في العبارة «كما» أن ما بعد «لكن» فيها هو المعتمد، وهو ما ذكرناه من وجوب العود. وإن قلنا بما ملت إليه في كتابي «الفوائد المدنية»، من أن محل تلك القاعدة حيث لم يُردَّ ما بعد «لكن»، وقد ردَّه في مسألتنا فى التحفة، فيكون المعتمد ما قبل «لكن»، وهو عدم وجوب العود، وهو الذي يظهر للفقير، ويؤيده اعتماده في غير «التحفة»، كـ«الإيعاب» و«شرح الإرشاد» وغيره، والله أعلم"، اهـ كلام الكردي في فتاواه.
وفي «تذكرة الإخوان» للعليجي، تلميذ الشيح محمد بن سليمان الكردي المدني: قال شيخنا في الفوائد والعقود: اعلم: أن الشيخ أحمد بن حجر إذا قال «شيخنا» يريد به شيخ الإسلام، وأن الشيخ محمد الخطيب الشربيني يعبر عنه بـ «شيخنا» أيضا، وأن الشيخ محمد الرملي يعبر عنه بـ«الشيخ. وإذا قال الشيخ محمد الرملي «أفتى به الوالد» مثلا فمراده أبوه الشهاب أحمد الرملي، ويعبر عنه الخطيب «بشيخي»، والشيخ ابن حجر يعبر «بالبعض»، كما عبر به عن غيره، وإذا قالوا «شارح» بالتنكير فمرادهم به واحد من شراح «المنهاج» وغيره.
وإذا قالوا «كما قال بعضهم» أو لكما اقتضاه كلامهم» أو نحو ذلك بذكر «كما» فتارة يصرحون باعتماده، وتارة يصرحون بضعفه، فالأمر حينئذ واضح، وإن أطلقوا ذلك فهو أيضا معتمد، ومثله في ذلك التفصيل «لكن» الاستدراكية،
وقد يجمعون بين «كما ولكن»، فالمنقول عن الشيخ ابن حجر ترجيح ما بعد «كما». وإذا قالوا «على ما اقتضاه كلامهما، أو على ما قاله فلانه»، بذكر «على»، أو قالوا «وهذا كلام فلان» فهذه صيغة تبرٍّ -كما صرحوا به، ثم تارة يرجحونه، وهذا قليل، وتارة يضعفونه، وهو كثير، فيكون مقابله هو المعتمد، أي إن كان.
وتارة يطلقون ذلك، فجرى غير واحد من المشايخ على أنه ضعيف، والمعتمد ما في مقابله أيضا، أي إن كان، كما سبق، انتهى
وقال الشيخ محمد باقشير: وقد تتبع كلام الشيخ ابن حجر، فإذا قال «على المعتمد» فهو الأظهر من القولين أو الأقوال ، وإذا قال «على الأوجه» - مثلاً - فهو الأصح من الوجهين أو الأوجه، انتهى .
وقال السيد عمر في «الحاشية»: وإذا قالوا: «والذي يظهر» - مثلاً - أي بذكر الظهور فهو بحث لهم، انتهى. قال السيد عمر في «الحاشية» في الطهارة: كثيرا ما يقولون في أبحاث المتأخرين: «وهو محتمل»، فإن ضبطوا بفتح الميم الثاني -فهو مشعر بالترجيح لأنه بمعنى قريب. وإن ضبطوا بالكسر فلا يشعر به لأنه بمعنى «ذو احتمال» ، أي قابل للحمل والتأويل، فإن لم يضبطوا بشيء منهما فلا بد أن تراجع كتب المتأخرين عنهم حتى تنكشف حقيقة الحال، انتهى.
وأقول: والذي يظهر أن هذا إذا لم يقع بعد أسباب التوجيه، كلفظ «كل» - مثلا ـ أما إذا وقع بعدها فيتعين الفتح، كما إذا وقع بعد أسباب التضعيف، فيتعين الكسر"، انتهى كلام العليجي.
وفي «الفوائد المكية» لصاحب «الترشيح» *: اعلم: أن الاصطلاح هو اتفاق طائفة على أمر مخصوص بينهم. فمن ذلك أنهم يطلقون «الإمام»، يريدون به إمام الحرمين الجويني ابن أبي محمد، ولاالقاضي، يريدون به القاضى حسين، أو «القاضيين»، فالمراد بهما الروياني والماوردي. وحيث قالوا «قال الشيخان» ونحوه يريدون بهما الرافعي والنووي، أو «الشيوخ» فهما والسبكي. =
**والسر في وصف السقاف بــ(صاحب الترشيح) هو أن كتاب السقاف «ترشيح المستفيدين حاشية على فتح المعين من الكتب المشهورة في مليبار».
**وإذا أطلق «الشيخ» في غير النهاية فالمراد به الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: صاحب «التنبيه والمهذب»، انتهى من "موهبة ذي الفضل" للترمسي، ج: ١، هى: ٢٩٩.
= وإذا قالوا: «لا يبعد كذا» فهو احتمال، وحيث قالوا «على ما شمله كلامهم» ونحو ذلك فهو إشارة إلى التبري منه، أو أنه مشكل كما صرح بذلك ابن حجر في «حاشية فتح الجواد»، ومحله حيث لم ينبه على تضعيفه أو ترجيحه، وإلا خرج عن كونه مشكلاً إلى ما حكم به عليه.
وحيث قالوا «كذا قالوه» أو «كذا قاله فلان» فهو كالذي قبله، وإن قالوا «إن صح هذا فكذا» فظاهره عدم ارتضائه كما نبه عليه في الجنائز من «التحفة».
وقول ابن حجر: "على نزاعٍ فيه" تبرٍّ من النواع لا من الحكم، ومثله "على خلافٍ فيه" أهـ من "الفوائد المكية" (ص ٤١، ٤٢).