أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 1 أغسطس 2020

الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة الوسطى


الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة الوسطى

دراسة حديثية موضوعية

إعداد الطالب: صالح دحدي

بحث مقدم لنيل درجة الماستر في علوم الحديث
2017/ 2018
جامعة الشهيد حمه الأخضر الوادي -الجزائر

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة 

تمهيد/ إن الصلاة هي ركن الإسلام العملي الأعظم بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وقد توعد الله من يتركها بالعقوبة والخزي في الدنيا والآخرة، وقد أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليها؛ فقال: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} (البقرة: 238).
واختلف العلماء في تعيين الصلاة الوسطى إلى عدة أقوال قد جمعها بعض أهل العلم في سبعة عشر قولاً، وهناك من أوصلها إلى عشرين قولاً، وما هذا إلا دليل على عظم مكانتها وعلو شأنها، وقد ذكر الباحث الأحاديث الصحيحة المُصرحة بأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، من كلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتفسيره أيضاً، وهو قولٌ قويٌّ مُعتبرٌ إلا أنه يُشكل عليه:
ما رواه مسلمٌ في صحيحه (630)، عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية: {حافظوا على الصلوات وصلاة العصر}؛ فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله فنزلت: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}؛ فقال رجل: هي إذاً صلاة العصر؟ قال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله تعالى، والله أعلم. 

قلتُ: فكأنه بعد تعيينها نُسخ ذلك التعيين؛ وهذا ما يُشتِّتُ قول من قال إنها صلاةُ العصر؛ ولذلك نفهم كيف أن العلماء طلبوا تعيينها بعد أن ثبت نسخ تعيينها، ونفهم أيضاً قول من قال: الصلاة الوسطى: هي كلُّ واحدةٍ من الخمس، أو هي مُبهمةٌ في الخمس، وهذين القولين أبلغ في المحافظة على الصلوات كلها، وهو ثمرة هذا الخلاف.
قال الإمام القُرطبيُّ في "تفسيره" (3/ 212): "فلزم من هذا -يعني حديث البراء -أنها بعد أن عينت نسخ تعيينها وأبهمت فارتفع التعيين، والله أعلم. وهذا اختيار مسلم، لأنه أتى به في آخر الباب، وقال به غير واحد من العلماء المتأخرين، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لتعارض الأدلة وعدم الترجيح، فلم يبق إلا المحافظة على جميعها وأدائها في أوقاتها، والله أعلم"، وهو قول الإمام ابن عبد البر، وغيره.

ولم يغفل عن هذه النُّقطة الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح"؛ حيث يقول: "نعم جواب البراء يشعر بالتوقف لما نظر فيه من الاحتمال، وهذا لا يدفع التصريح بها في حديث علي"، فكأنَّ الحافظ رحمه الله جعل توقُّف البراء في تعيينها لاحتمال وقع عنده، ومفاده: أن الأمر يحتمل أن تكون غير العصر هي الصلاة الوسطى، وهذا مدفوعٌ بالرواية التي صرَّحت في تعيينها، وهو قولٌ قويٌّ أيضاً، يصلح لدفع هذه الشُّبهة، وبذلك يثبت أ الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وهو الصَّحيح إن شاء الله تعالى.

ولي أن أنقل هنا بعض أقوال الفقهاء في هذه المسألة ممن قال أنها صلاة العصر:

1- قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 274): "وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى، في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، منهم: علي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وأبو أيوب، وأبو سعيد، وعبيدة السلماني، والحسن، والضحاك، وأبو حنيفة، وأصحابه". 

2- وقال ابن حيان الأندلسي في "البحر المحيط" (2/ 546):" والذي ينبغي أن نعول عليه منها هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: أنها صلاة العصر".  

3- ونقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/ 198) عن الحافظ صلاح الدين العلائي: "ويترجح قول العصر للنص الصريح المرفوع، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره، فتبقى حجة المرفوع قائمة. ثانيها: معارضة المرفوع بورود التأكيد على فعل غيرها؛ كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء، وقد تقدم في كتاب الصلاة وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك صلاة العصر".

4- وقال الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 293): "وأرجح الأقوال وأصحها ما ذهب إليه الجمهور من أنها العصر، لما ثبت عند البخاري، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم من حديث علي".

5- وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1/ 456): "المذهب الذي يتعين المصير إليه ولا يرتاب في صحته هو أن الصلاة الوسطى هي العصر". 

6-وقال الإمام النووي ــ رحمه الله تعالى في "المنهاج" (5/ 126): "والصحيح من هذه الأقوال قولان: العصر، والصبح، وأصحهما العصر".  

وبعد كل هذه النُّقولات تبقى هذه المسألة مثار بحثٍ ونقاش، والله تعالى أعلم.

* أهمية هذا البحث:
1-جمع الأحاديث والآثار الواردة في موضوع الصلاة الوسطى مع بيان درجتها صحة وضعفاً.
2-بيان ما هي الصلاة الوسطى التي أمر الله تعالى بالمحافظة عليها بما ترجح في المسألة بحسب نظرة الباحث، والنقاش في هذه المسألة يطول.
3-بيان وتوضيح فضل الصلاة وخطورة وعقاب تاركها. 

* أهم النتائج والتوصيات:
1-أن الصلاة هي عمود الدين والركن القويم، ولقد عظَّم الله عز وجل شأن الصلاة؛ فقد وردت في القرآن مئة آية بلفظ الصلاة ومشتقاتها، وكذا ما أوردته الأحاديث في خطورة تركها وعقاب تاركها.
2- أن الصلاة الوسطى التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالحفاظ عليها -كما يرى الباحث -هي صلاة العصر، وهذا لقوة الأدلة التي وردت فيها.
3-إن الاختلاف الحاصل في الصلاة الوسطى بين العلماء، ما هو إلا دليلٌ على عظم شأن الصلاة الوسطى.


الأربعاء، 29 يوليو 2020

كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى



كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى
للإمام الحافظ عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن
المعروف بالدمياطي الشَّافعي
(613 -705 هـ)
دراسة وتحقيق: مجدي فتحي السيد
دار الصحابة للتراث -طنطا، الطبعة الأولى، 1989 م.

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ اختلف الصحابة والتابعون، والعلماء من بعدهم في الصلاة الوُسطى المذكورة في قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} (البقرة: 238)، على أقوالٍ كثيرة، ذكر الإمام النوويُّ (ت 676 هـ) في "شرح مسلم" فيها سبعة أقوال، وبلَّغها الإمام أبو محمد المنذريُّ (ت 656 هـ) إلى عشرة أقوال، وذكر الحافظ الدمياطي (ت 705 هـ) أنها سبعة عشر قولاً، وأوصلها الحافظ ابن حجرٍ (ت 852 هـ) في الفتح" إلى عشرين قولاً
وذكر الإمام النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (5/ 129): أن جميع الأقوال فيها ضعيفةٌ إلا قولين حصل فيهما التنازُع؛ القول الأول: أنها صلاة العصر، والقول الثاني: أنها صلاة الفجر، ورجَّح الأول يعني صلاة العصر؛ وقال في "المجموع" (3/ 61): "والصحيح منها مذهبان العصر والصبح والذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر وهو المختار"، ولكلٍّ أدلته واعتباراته.
وقد قسَّم الإمام الدمياطي كتابه هذا إلى ستة أبواب، وذكر في كل بابٍ ما يُقيم به الحجة، ويُزيل الشُّبهة، ويردُّ على المخالف، وله فيه عباراتٌ قوية، وردودٌ معتبرة، وسيأتي بيان تلك الأبواب باختصار.

* أهمية هذا الكتاب:
1-بيان أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر بالنقول الصحيحة من الكتاب والسنة، وقول أكثر الصحابة.
2-ذكر ما ورد في صلاة العصر من الفضائل ترجيحاً لهذا القول، وهي تُضاف إلى الأدلة النظرية المؤيدة للقول بأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
3-الجواب على حديث عائشة في "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر".
4-الجواب على مسألة القنوت ودلالتها.
5-بيان ما رُوي عن الشافعي من تمسُّكه بالحديث والسُّنن والآثار.
6-ذكر مذاهب الأئمة في هذه المسألة وما هي صلاة العصر عندهم ؟، وأن أكثر استدلالهم إنما هو من باب المعنى.
7-أن هذا الكتاب يُعتبر من كتب التخريج المعتبرة، ويظهر فيه إتقان المؤلف للصنعة الحديثية، حيث يسوق الأحاديث المرفوعة والموقوفة بإسناده، ويُخرج الحديث من مظانِّه، ويُبين اختلاف ألفاظه، ويتكلم على بعض رجاله توثيقاً وتضعيفاً، وما فيه انقطاعٌ أو إرسالٌ أو إعضال، ويحكم على متن الحديث صحةً وضعفاً.
8-اشتماله على بعض التراجم المقتضبة والتي تُفيد في موضع البحث، مع ضبط بعض أسمائهم، وذكر طرفاً من سيرهم وأخبارهم.
9-اشتماله على بعض اللطائف الحديثية من ذكر العالي والنازل، (انظر: ص 56، 87) كذلك تفسيره لغريب الحديث.

سبب تأليف الإمام الدمياطي هذا الكتاب:
يذكر الدمياطي رحمه الله في "مقدمة كتابه" أنه جرت بينه وبين أحد علماء حلب من الشافعية بحثٌ ونقاش حول تعيين الصلاة الوسطى، وكان الدمياطيّ يُرجح أنها صلاةُ العصر.. فرأى أن يضع هذا الكتاب لينتفع من أراد الوقوف على هذه المسألة؛ ثُمَّ ألحق به بعض الأحاديث والمسائل في "رجب، ورمضان".

وهذا الكتاب قرأه على الدمياطي:  تلميذه: الإمام الذهبيّ (ت 748 هـ).
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية (14/ 40): "إنه مُفيدٌ جداً".
وقد أشار إليه ابن حجر في "الفتح" (8/ 196)؛ فقال ابنُ حجر: "جمع الدمياطي في ذلك جزءًا مشهورًا، سمّاه: كشف الغطا عن الصلاة الوسطى، فبلغ تسعة عشر قولًا"؛ والصحيح أنه جمع: سبعة عشر قولاً كما صرَّح هو هو (أي الدمياطي في كتابه: ص 150، 155).
وقال ابن تغري بردي (7/ 372): "صنَّفه بحلب، ثم لما دخل بغداد غيَّرَهُ فنقص منه وزاد، وحرَّره، وهو كتابٌ نفيسٌ".

وإليك بيان ما جاء في الكتاب باختصار:
الباب الأول: ذكر الأحاديث الدالة بنصوصها دلالةً تقتضي القصر على أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر.
وذكر فيه الأحاديث المرفوعة الثابتة، التي تؤيد أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر: عن عليِّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وحُذيفة بن اليَمان، وابن عباس، وابن عمر، وسمرة بن جُندَب، وأبي هريرة. وأتبع ذلك بالأحاديث الموقوفات عن عليّ، وعائشة، وأُبي بن كعب، وابن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي سعيد الخدريّ…
ثم شرع بعد ذلك في ذكر بعض القصص والحكايات التي يستأنس بها في الدلالة على أن الوسطى هي العصر، عن عبيد الله بن محمد بن عائشة، وعلي بن الموفق العابد.
وذكر فيه تخريج هذ الحديث في كتب السُّنة، وصراحته في الدلالة على الصلاة الوسطى، وبيَّن من أخرجه من الأئمة، والأبواب المخرجة فيه، مع بيان صحتها، وماوقع له من علو إسنادٍ فيه.

وينبغي التنبيه هنا: إلى أن المحقق وضع في هامش الصفحات بعض الحواشي للمصنف على الكتاب الأصل.

الباب الثاني: ذكر ما ورد فيها من الاختصاص والفضل الدال على شرف وقتها في شرعنا وشرع من قبلنا.
وفيه ذكر الأحاديث والآثار من المرفوعات والموقوفات والمقطوعات التي تدلُّ على فضيلة صلاة العصر، وأن من تركها فكأنما وُتر أهله وماله، وأنها الصلاة المُحببة لدى المسلمين، وتعتبر هذه الآثار من القرائن المقوية نظرياً لمن قال أن الوسطى هي العصر، ولم يخل هذا الباب من ذكر بعض الأحاديث الضعيفة بل والباطلة الموضوعة.

الباب الثالث: ذكر حديث عائشة المعارض به، والجواب عنه.
وفيه أجاب عن حديث عائشة عند مسلم من سبعة أوجهٍ، فأعمل جانب الترجيح بينه وبين حديث عليٍّ المتفق عليه، واختلاف الرواة عن عائشة باثبات الواو وحذفها، وأن قراءة عائشة منسوخة، وأجاب على تكرار العطف؛ بأن العطف الأول {والصلاة الوسطى} للتخصيص، والعطف الثاني {وصلاة العصر} للتأكيد، وليس للمغايرة.

الباب الرابع: ذكر تفسير قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين}.
وفيه بيان أن المراد بالقنوت هو الطاعة الذي يشمل الدعاء وطول القيام والقراءة، لأنه لو أُريد به قنوت الفجر خاصَّة لكان مقتضى الآية الوجوب، ولا قائل بوجوب قنوت الفجر.

الباب الخامس: ذكر ما روي عن الشافعي رضي الله عنه من رجوعه إلى الحديث، وذهابه وما نُقل من قطع القول عليه بذلك في كتب مذهبه، عن أئمة أصحابه رضي الله عنهم.
وقد ذكر الماوردي عن الإمام أنه قال: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي"، وقد صحَّ الحديث أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر؛ فوجب أن تكون مذهباً له، وقد ذكر التقي السُّبكي جملةً صالحةً من الأمثلة في كتابه "معنى قول المطلبي إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي". وكذلك جاء في كتاب "النظر فيما علق الشافعيُّ القول به على صحة النظر"؛ لسعيد بن عبد القادر باشنفر. وذكر جملةً صالحةً مما علق الشافعي القول به على صحة الحديث.

الباب السادس: ذكر الأقوال الأخرى.
وذكر سبعة عشر قولاً في الصلاة الوسطى عن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم، وعن العلماء المتقدمين من صدر هذه الأمة، ومن نسب إليهم القول، وأجاب عن جميعها، وختم بأنَّ تحديد الصلاة الوسطى بالعصر مُستفادٌ من الأدلة الصحيحة الصريحة وليس من مجرد النظر والمعنى، قال: وهو الصحيح.