الأحاديث والآثار الواردة في الصلاة الوسطى
دراسة حديثية موضوعية
إعداد الطالب: صالح دحدي
بحث مقدم لنيل درجة الماستر في علوم الحديث
2017/ 2018
جامعة الشهيد حمه الأخضر الوادي -الجزائر
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ إن الصلاة هي ركن الإسلام العملي الأعظم بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وقد توعد الله من يتركها بالعقوبة والخزي في الدنيا والآخرة، وقد أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليها؛ فقال: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} (البقرة: 238).
واختلف العلماء في تعيين الصلاة الوسطى إلى عدة أقوال قد جمعها بعض أهل العلم في سبعة عشر قولاً، وهناك من أوصلها إلى عشرين قولاً، وما هذا إلا دليل على عظم مكانتها وعلو شأنها، وقد ذكر الباحث الأحاديث الصحيحة المُصرحة بأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، من كلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتفسيره أيضاً، وهو قولٌ قويٌّ مُعتبرٌ إلا أنه يُشكل عليه:
ما رواه مسلمٌ في صحيحه (630)، عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية: {حافظوا على الصلوات وصلاة العصر}؛ فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله فنزلت: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}؛ فقال رجل: هي إذاً صلاة العصر؟ قال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله تعالى، والله أعلم.
قلتُ: فكأنه بعد تعيينها نُسخ ذلك التعيين؛ وهذا ما يُشتِّتُ قول من قال إنها صلاةُ العصر؛ ولذلك نفهم كيف أن العلماء طلبوا تعيينها بعد أن ثبت نسخ تعيينها، ونفهم أيضاً قول من قال: الصلاة الوسطى: هي كلُّ واحدةٍ من الخمس، أو هي مُبهمةٌ في الخمس، وهذين القولين أبلغ في المحافظة على الصلوات كلها، وهو ثمرة هذا الخلاف.
قال الإمام القُرطبيُّ في "تفسيره" (3/ 212): "فلزم من هذا -يعني حديث البراء -أنها بعد أن عينت نسخ تعيينها وأبهمت فارتفع التعيين، والله أعلم. وهذا اختيار مسلم، لأنه أتى به في آخر الباب، وقال به غير واحد من العلماء المتأخرين، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لتعارض الأدلة وعدم الترجيح، فلم يبق إلا المحافظة على جميعها وأدائها في أوقاتها، والله أعلم"، وهو قول الإمام ابن عبد البر، وغيره.
ولم يغفل عن هذه النُّقطة الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح"؛ حيث يقول: "نعم جواب البراء يشعر بالتوقف لما نظر فيه من الاحتمال، وهذا لا يدفع التصريح بها في حديث علي"، فكأنَّ الحافظ رحمه الله جعل توقُّف البراء في تعيينها لاحتمال وقع عنده، ومفاده: أن الأمر يحتمل أن تكون غير العصر هي الصلاة الوسطى، وهذا مدفوعٌ بالرواية التي صرَّحت في تعيينها، وهو قولٌ قويٌّ أيضاً، يصلح لدفع هذه الشُّبهة، وبذلك يثبت أ الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وهو الصَّحيح إن شاء الله تعالى.
ولم يغفل عن هذه النُّقطة الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح"؛ حيث يقول: "نعم جواب البراء يشعر بالتوقف لما نظر فيه من الاحتمال، وهذا لا يدفع التصريح بها في حديث علي"، فكأنَّ الحافظ رحمه الله جعل توقُّف البراء في تعيينها لاحتمال وقع عنده، ومفاده: أن الأمر يحتمل أن تكون غير العصر هي الصلاة الوسطى، وهذا مدفوعٌ بالرواية التي صرَّحت في تعيينها، وهو قولٌ قويٌّ أيضاً، يصلح لدفع هذه الشُّبهة، وبذلك يثبت أ الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وهو الصَّحيح إن شاء الله تعالى.
ولي أن أنقل هنا بعض أقوال الفقهاء في هذه المسألة ممن قال أنها صلاة العصر:
1- قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 274): "وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى، في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، منهم: علي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وأبو أيوب، وأبو سعيد، وعبيدة السلماني، والحسن، والضحاك، وأبو حنيفة، وأصحابه".
2- وقال ابن حيان الأندلسي في "البحر المحيط" (2/ 546):" والذي ينبغي أن نعول عليه منها هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: أنها صلاة العصر".
3- ونقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/ 198) عن الحافظ صلاح الدين العلائي: "ويترجح قول العصر للنص الصريح المرفوع، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره، فتبقى حجة المرفوع قائمة. ثانيها: معارضة المرفوع بورود التأكيد على فعل غيرها؛ كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء، وقد تقدم في كتاب الصلاة وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك صلاة العصر".
4- وقال الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 293): "وأرجح الأقوال وأصحها ما ذهب إليه الجمهور من أنها العصر، لما ثبت عند البخاري، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم من حديث علي".
5- وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1/ 456): "المذهب الذي يتعين المصير إليه ولا يرتاب في صحته هو أن الصلاة الوسطى هي العصر".
6-وقال الإمام النووي ــ رحمه الله تعالى في "المنهاج" (5/ 126): "والصحيح من هذه الأقوال قولان: العصر، والصبح، وأصحهما العصر".
وبعد كل هذه النُّقولات تبقى هذه المسألة مثار بحثٍ ونقاش، والله تعالى أعلم.
* أهمية هذا البحث:
* أهمية هذا البحث:
1-جمع الأحاديث والآثار الواردة في موضوع الصلاة الوسطى مع بيان درجتها صحة وضعفاً.
2-بيان ما هي الصلاة الوسطى التي أمر الله تعالى بالمحافظة عليها بما ترجح في المسألة بحسب نظرة الباحث، والنقاش في هذه المسألة يطول.
3-بيان وتوضيح فضل الصلاة وخطورة وعقاب تاركها.
* أهم النتائج والتوصيات:
1-أن الصلاة هي عمود الدين والركن القويم، ولقد عظَّم الله عز وجل شأن الصلاة؛ فقد وردت في القرآن مئة آية بلفظ الصلاة ومشتقاتها، وكذا ما أوردته الأحاديث في خطورة تركها وعقاب تاركها.
2- أن الصلاة الوسطى التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالحفاظ عليها -كما يرى الباحث -هي صلاة العصر، وهذا لقوة الأدلة التي وردت فيها.
3-إن الاختلاف الحاصل في الصلاة الوسطى بين العلماء، ما هو إلا دليلٌ على عظم شأن الصلاة الوسطى.