أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 29 يوليو 2020

كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى



كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى
للإمام الحافظ عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن
المعروف بالدمياطي الشَّافعي
(613 -705 هـ)
دراسة وتحقيق: مجدي فتحي السيد
دار الصحابة للتراث -طنطا، الطبعة الأولى، 1989 م.

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ اختلف الصحابة والتابعون، والعلماء من بعدهم في الصلاة الوُسطى المذكورة في قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} (البقرة: 238)، على أقوالٍ كثيرة، ذكر الإمام النوويُّ (ت 676 هـ) في "شرح مسلم" فيها سبعة أقوال، وبلَّغها الإمام أبو محمد المنذريُّ (ت 656 هـ) إلى عشرة أقوال، وذكر الحافظ الدمياطي (ت 705 هـ) أنها سبعة عشر قولاً، وأوصلها الحافظ ابن حجرٍ (ت 852 هـ) في الفتح" إلى عشرين قولاً
وذكر الإمام النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (5/ 129): أن جميع الأقوال فيها ضعيفةٌ إلا قولين حصل فيهما التنازُع؛ القول الأول: أنها صلاة العصر، والقول الثاني: أنها صلاة الفجر، ورجَّح الأول يعني صلاة العصر؛ وقال في "المجموع" (3/ 61): "والصحيح منها مذهبان العصر والصبح والذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر وهو المختار"، ولكلٍّ أدلته واعتباراته.
وقد قسَّم الإمام الدمياطي كتابه هذا إلى ستة أبواب، وذكر في كل بابٍ ما يُقيم به الحجة، ويُزيل الشُّبهة، ويردُّ على المخالف، وله فيه عباراتٌ قوية، وردودٌ معتبرة، وسيأتي بيان تلك الأبواب باختصار.

* أهمية هذا الكتاب:
1-بيان أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر بالنقول الصحيحة من الكتاب والسنة، وقول أكثر الصحابة.
2-ذكر ما ورد في صلاة العصر من الفضائل ترجيحاً لهذا القول، وهي تُضاف إلى الأدلة النظرية المؤيدة للقول بأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
3-الجواب على حديث عائشة في "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر".
4-الجواب على مسألة القنوت ودلالتها.
5-بيان ما رُوي عن الشافعي من تمسُّكه بالحديث والسُّنن والآثار.
6-ذكر مذاهب الأئمة في هذه المسألة وما هي صلاة العصر عندهم ؟، وأن أكثر استدلالهم إنما هو من باب المعنى.
7-أن هذا الكتاب يُعتبر من كتب التخريج المعتبرة، ويظهر فيه إتقان المؤلف للصنعة الحديثية، حيث يسوق الأحاديث المرفوعة والموقوفة بإسناده، ويُخرج الحديث من مظانِّه، ويُبين اختلاف ألفاظه، ويتكلم على بعض رجاله توثيقاً وتضعيفاً، وما فيه انقطاعٌ أو إرسالٌ أو إعضال، ويحكم على متن الحديث صحةً وضعفاً.
8-اشتماله على بعض التراجم المقتضبة والتي تُفيد في موضع البحث، مع ضبط بعض أسمائهم، وذكر طرفاً من سيرهم وأخبارهم.
9-اشتماله على بعض اللطائف الحديثية من ذكر العالي والنازل، (انظر: ص 56، 87) كذلك تفسيره لغريب الحديث.

سبب تأليف الإمام الدمياطي هذا الكتاب:
يذكر الدمياطي رحمه الله في "مقدمة كتابه" أنه جرت بينه وبين أحد علماء حلب من الشافعية بحثٌ ونقاش حول تعيين الصلاة الوسطى، وكان الدمياطيّ يُرجح أنها صلاةُ العصر.. فرأى أن يضع هذا الكتاب لينتفع من أراد الوقوف على هذه المسألة؛ ثُمَّ ألحق به بعض الأحاديث والمسائل في "رجب، ورمضان".

وهذا الكتاب قرأه على الدمياطي:  تلميذه: الإمام الذهبيّ (ت 748 هـ).
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية (14/ 40): "إنه مُفيدٌ جداً".
وقد أشار إليه ابن حجر في "الفتح" (8/ 196)؛ فقال ابنُ حجر: "جمع الدمياطي في ذلك جزءًا مشهورًا، سمّاه: كشف الغطا عن الصلاة الوسطى، فبلغ تسعة عشر قولًا"؛ والصحيح أنه جمع: سبعة عشر قولاً كما صرَّح هو هو (أي الدمياطي في كتابه: ص 150، 155).
وقال ابن تغري بردي (7/ 372): "صنَّفه بحلب، ثم لما دخل بغداد غيَّرَهُ فنقص منه وزاد، وحرَّره، وهو كتابٌ نفيسٌ".

وإليك بيان ما جاء في الكتاب باختصار:
الباب الأول: ذكر الأحاديث الدالة بنصوصها دلالةً تقتضي القصر على أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر.
وذكر فيه الأحاديث المرفوعة الثابتة، التي تؤيد أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر: عن عليِّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وحُذيفة بن اليَمان، وابن عباس، وابن عمر، وسمرة بن جُندَب، وأبي هريرة. وأتبع ذلك بالأحاديث الموقوفات عن عليّ، وعائشة، وأُبي بن كعب، وابن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي سعيد الخدريّ…
ثم شرع بعد ذلك في ذكر بعض القصص والحكايات التي يستأنس بها في الدلالة على أن الوسطى هي العصر، عن عبيد الله بن محمد بن عائشة، وعلي بن الموفق العابد.
وذكر فيه تخريج هذ الحديث في كتب السُّنة، وصراحته في الدلالة على الصلاة الوسطى، وبيَّن من أخرجه من الأئمة، والأبواب المخرجة فيه، مع بيان صحتها، وماوقع له من علو إسنادٍ فيه.

وينبغي التنبيه هنا: إلى أن المحقق وضع في هامش الصفحات بعض الحواشي للمصنف على الكتاب الأصل.

الباب الثاني: ذكر ما ورد فيها من الاختصاص والفضل الدال على شرف وقتها في شرعنا وشرع من قبلنا.
وفيه ذكر الأحاديث والآثار من المرفوعات والموقوفات والمقطوعات التي تدلُّ على فضيلة صلاة العصر، وأن من تركها فكأنما وُتر أهله وماله، وأنها الصلاة المُحببة لدى المسلمين، وتعتبر هذه الآثار من القرائن المقوية نظرياً لمن قال أن الوسطى هي العصر، ولم يخل هذا الباب من ذكر بعض الأحاديث الضعيفة بل والباطلة الموضوعة.

الباب الثالث: ذكر حديث عائشة المعارض به، والجواب عنه.
وفيه أجاب عن حديث عائشة عند مسلم من سبعة أوجهٍ، فأعمل جانب الترجيح بينه وبين حديث عليٍّ المتفق عليه، واختلاف الرواة عن عائشة باثبات الواو وحذفها، وأن قراءة عائشة منسوخة، وأجاب على تكرار العطف؛ بأن العطف الأول {والصلاة الوسطى} للتخصيص، والعطف الثاني {وصلاة العصر} للتأكيد، وليس للمغايرة.

الباب الرابع: ذكر تفسير قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين}.
وفيه بيان أن المراد بالقنوت هو الطاعة الذي يشمل الدعاء وطول القيام والقراءة، لأنه لو أُريد به قنوت الفجر خاصَّة لكان مقتضى الآية الوجوب، ولا قائل بوجوب قنوت الفجر.

الباب الخامس: ذكر ما روي عن الشافعي رضي الله عنه من رجوعه إلى الحديث، وذهابه وما نُقل من قطع القول عليه بذلك في كتب مذهبه، عن أئمة أصحابه رضي الله عنهم.
وقد ذكر الماوردي عن الإمام أنه قال: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي"، وقد صحَّ الحديث أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر؛ فوجب أن تكون مذهباً له، وقد ذكر التقي السُّبكي جملةً صالحةً من الأمثلة في كتابه "معنى قول المطلبي إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي". وكذلك جاء في كتاب "النظر فيما علق الشافعيُّ القول به على صحة النظر"؛ لسعيد بن عبد القادر باشنفر. وذكر جملةً صالحةً مما علق الشافعي القول به على صحة الحديث.

الباب السادس: ذكر الأقوال الأخرى.
وذكر سبعة عشر قولاً في الصلاة الوسطى عن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم، وعن العلماء المتقدمين من صدر هذه الأمة، ومن نسب إليهم القول، وأجاب عن جميعها، وختم بأنَّ تحديد الصلاة الوسطى بالعصر مُستفادٌ من الأدلة الصحيحة الصريحة وليس من مجرد النظر والمعنى، قال: وهو الصحيح.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق