أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 14 يوليو 2020

فصلٌ فيما جاء عن الخضر عند الفقهاء الشَّافعية

فصلٌ فيما جاء عن الخضر عند الفقهاء الشَّافعية

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

تمهيد/ لا شكَّ أن التراث الفقهي للسادة الشافعية لم يخلُ من ذكر نبيِّ الله "الخضر" عليه السلام، لا سيما في باب "التعزية"، و"البكاء على الميت"، فجميعهم متوافرون على ذكره في هذا الباب تقريباً، وقد يذكرونه في باب "الأطعمة"، و"الوصيَّة"، و"التحريق"، ويذكره بعضهم عند ذكر "الصحابي"، وفي غيره من الأبواب.

• وذهب جماهير الشَّافعيَّة إلى أن الخضر نبيٌّ من الأنبياء، وشذَّ من قال بولايته. ونصَّ على ذلك الإمام أبو عمرو بن الصلاح، والإمام النوويّ، وابن حجر، وقليوبي، وابن قاضي شهبة، والبجيرمي، وشكَّ الماورديُّ في "الحاوي".

• واختلفوا في حياته: 

١- فأثبت حياته جماعةٌ: كالإمام أبي عمرو بن الصلاح، ونسبه إلى جماهير الخاصة من العلماء، بينما نسب النوويُّ ذلك  إلى جماهير العلماء، وعمدتهم في ذلك أحاديث واهية أو باطلة، وفي قول الإمام النووي نظر كما سيأتي.

٢- وشكَّ بعضهم في حياته ولم يجزم؛ كالإمام ابن قاضي شهبة، والدُّميري، وغيرهما.

٣- بينما نفى حياته جماعةٌ من مُحقِّقي الشَّافعية؛ كالإمام الحافظ ابن حجر الذي ناقش أدلة القائلين بحياة الخضر وفندها في كتابه "الزهر النضر في أخبار الخضر"، والإمام الحافظ ابن كثير، والسَّخاويُّ، وغيرهما، ويُلاحظ أن الإمام ابن حجر نسب القول بحياة الخضر إلى العوام دون العلماء. 

واستدلُّوا لموته بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إِن على رَأس مائَة سنة مِنْهَا لَا يبْقى مِمَّن على ظهر الأَرْض مِمَّن هُوَ على أَحَد" (رواه البخاري)، وبما رواه (مسلم) عن جابرٍ أن النبيَّ  صلى الله عليه وسلم، قال: "مَا من نفس منفوسة يَأْتِي عَلَيْهَا مائَة سنة وَهِي يَوْمئِذٍ حَيَّة".

وقال الإمام أبو عمرو ابن الصلاح (ت 643 هـ) في "فتاويه" (1/ 185)، وسئل عن الخضر عليه السلام هل ورد أنه حي إلى الوقت المعلوم ؟ وهل هو نبي أو ولي أم لا ؟

فأجاب رضي الله عنه: وأما الخضر عليه السلام فهو من الأحياء عند جماهير الخاصة من العلماء والصالحين والعامة معهم في ذلك، وإنما شذ بإنكار ذلك بعض أهل الحديث وهو صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا والنبيين وآلهم وسلم نبيٌّ، واختلفوا في كونه مرسلاً والله أعلم.

وقال النوويُّ في "شرح مسلم" (15/ 135): "جمهور العلماء على أنه حيٌّ موجودٌ بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به، والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يحصر وأشهر من ان يستر"!!.

* ولا شك أن الاستدلال بالحكايات والقصص ضعيفٌ جداً، إلا إذا كان النوويُّ يُخبر عن نفسه أنَّه رآه، فهذا له حكمٌ آخر ذكره ابن تيمية وسيأتي، وهو رحمه الله لم يخبر أنه رآه أو التقى به.

وقال النوويُّ في "شرح مسلم" (15/ 136): وقال الثعلبي المفسر: الخضر نبيٌّ مُعَمَّر على جميع الأقوال، محجوبٌ عن الأبصار -يعني عن أبصار أكثر الناس -قال: وقيل: إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن ! وذكر الثعلبي ثلاثة أقوال، في أن الخضر كان من زمن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم أو بعده بقليل أو بكثير كنية الخضر أبو العباس واسمه بليا ... بن ملكان ..، وقيل كليان قال بن قتيبة في المعارف. قال وهب بن منبه اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.


* وأنت ترى ما في نقل الثعلبيِّ حول الخضر من الاضطراب الكبير، وعليه فقوله "مُعمَّر" غيرُ معتبر، لأنه خبر مرسل معلق لا أصل له من الصحة. 

 * وإذا تأملنا عبارتي النووي وابن الصلاح، نجد أن عبارة الإمام ابن الصلاح أدقُّ من عبارة الإمام النوويِّ رحمه الله، مع أن كليهما كان في عصرٍ واحد، والفرق بين وفاتيهما ثلاثة عقود، ولكن ابن الصلاح ينسب القول بحياة الخضر إلى جماهير الخاصة من العلماء، وهم المشتغلون بعلوم التزكية وآداب النفوس -كما قد يُفهم من ظاهر العبارة، بينما يُعمِّمُ النوويُّ ذلك إلى جماهير أهل العلم والصالحين ليشمل النوعين؛ فكأنه اعتبرهما شيئاً واحداً، ولعلَّه عني بجماهير العلماء: الخاصة منهم -أهل التزكية.

وقد يُقال: إن النوويَّ رحمه الله اعتبر في نسبة القول للجماهير كثرة رواة أحاديث الخضر؛ فنسب إليهم القول بحياته، فاعتدَّ بنقلهم -مع ضعف الروايات الشديد -ولم يعتدَّ بقول من نفى من غيرهم، وترى أيضاً أن عمدته في هذا الباب حكايات وقصص في رؤية الخضر والتي كثرت في زمانه عن المتصوفة ومشائخهم، بالإضافة إلى تأويل حديث "مائة سنة" أو جعله من العام المخصوص، فكأنه أنزل اشتهار تلك القصص والحكايات منزلة قول الجماهير في الجملة، بينما نجد الإمام ابن حجر ينسب هذا الاعتقاد إلى العوام، وقوله أحظُّ وأولى.

وقال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر في "الزهر النضر" (ص: 162): "وَالَّذِي تميل إِلَيْهِ النَّفس، من حَيْثُ الْأَدِلَّة القوية. خلاف مَا يَعْتَقِدهُ الْعَوام، من اسْتِمْرَار حَيَاته، وَلَكِن رُبمَا عرضت شُبْهَة من جِهَة كَثْرَة الناقلين للْأَخْبَار الدَّالَّة على استمراره..".

والحاصل من ذلك: أن الخضر قد مات وليس بموجود، والذي يزعم أنه رآه إما أنه كاذب، وإما أن الذي قال إنه الخضر قد كذب عليه وليس بالخضر، وإنما هو شيطان من شياطين الإنس أو الجن.

ومن المناسب هنا ذكر كلام شيخ الإسلام الحنبليّ في إطار تأكيد معنى المسألة؛ فقد قال رحمه الله في "المجموع" (1/ 249): "أما الصحابة فلم يعرف فيهم - ولله الحمد - من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، كما لم يعرف فيهم من كان من أهل البدع المعروفة... ولا كان فيهم من قال: إنه أتاه الخضر، فإن خضر موسى مات كما بين هذا في غير هذا الموضع".

ومن حصلت له رؤية الخضر وسمع كلامه، يُحمل على ما قاله شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (1/ 157): "ولكن الشياطين قد تعينهم وتتصور لهم في صور الآدميين؛ فيرونهم بأعينهم، ويقول أحدهم: أنا إبراهيم أنا المسيح أنا محمد أنا الخضر أنا أبو بكر أنا عمر أنا عثمان أنا علي أنا الشيخ فلان.. وقد يقول بعضهم عن بعض: هذا هو النبي فلان أو هذا هو الخضر ويكون أولئك كلهم جنا يشهد بعضهم لبعض".

وننقلُ هنا ما ذكره الفقهاء الشَّافعيَّة عن الخضر عليه السلام:

1- وقال الشافعي في "الأم" (4/ 272)، عن ابن عباس أنه كتب إلى "نجدة" أيام قتال الحرورية؛ فقال له: وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فتميز بين المؤمن والكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن !.

قلتُ (مُحمَّد): وهذا إن صحَّ عن ابن عباس، فمراده الإنكار على من يقتل الولدان؛ لأنه لا يعلم إيمانهم من كفرهم  إلا بوحي.

وهو ما يُوضحه الإمام النوويُّ في "شرح مسلم" (12/ 192)؛ فقال: ولا يحل لك أن تتعلق بقصة الخضر وقتله صبياً؛ فإن الخضر ما قتله إلا بأمر الله تعالى له على التعيين -كما قال في آخر القصة {وما فعلته عن أمري}؛ فإن كنت أنت تعلم من صبي ذلك فاقتله، ومعلومٌ أنه لا علم له بذلك، فلا يجوز له القتل...وقال:  ومعلوم أنك أنت لا تعلم ذلك فلا تقتل صبياً.

2- وجاء في الأم (1/ 317): أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي (ت 204 هـ)، قال: أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر: عن جعفر بن محمد: عن أبيه: عن جده (علي بن أبي طالب): قال "لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل ما فات فبالله فثقوا، وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب".

وهذا الأثر: ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/ 332)، نفلاً عن الشافعي في "مسنده": أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن جعفر بن محمد به نحوه". 

وقال ابن كثير: شيخ الشافعي: القاسم العمري متروك. قال أحمد بن حنبل وابن معين: يكذب، وزاد أحمد: "ويضع الحديث"، ثُم هو مرسل، لا يُعتمد عليه ههنا، والله أعلم". ثم قال: "وقد روي من وجهٍ آخر ضعيف،  عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن علي. ولا يصح".

وقد عدَّه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (6/ 435) من الواهيات، وإسناده مجهول. وانظر أيضاً "تفسير القرطبي" (11/ 44) نقلاً عن التمهيد لابن عبد البر، وانظر "زهر النضر" لابن حجر (ص 154 -).

* واستحبَّ الإمام الشافعيُّ هذا الدُّعاء في "التعزية"، واستحبَّ هذا الدُّعاء الإمام أبو إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ) في "المهذب" (1/ 257). وذكره الإمام ابن الرفعة (ت 710 هـ) في "كفاية النبيه" (5/ 174)، وذكر استحباب الإمام لذلك الدُّعاء، ثم قال: "قال ابن الصباغ وأبو الطيب: ويُقال: إن قائله الخضر، عليه السلام"، وذكرمثله البجيرمي في "حاشيته" (2/ 306)، وقال ابن الأصير الجزري (ت 606 هـ) في  "شرح مسند الشافعي" (2/ 420) "ويقال: إنه الخضر عليه السلام".

*وأنت ترى أن ابن الرفعة وغيره يُضعفون نسبة الكلام للخضر، واتفقوا على أن الإمام الشَّافعيُّ لم يذكر  الخضر في روايته، لا في كتابه "الأم"، ولا في غيره، وأما نسبة بعض المتأخرين ذلك الصوت للخِضر عن الإمام فلا يُعرف عنه، ولم يُنقل أنه قاله، وكأنه لم يرَى تسميته، أو أنه لم تثبت نسبته للخضر، ولعل من أثبت اسم الخضر حمله على بعض الأحاديث الضعيفة.

وقال ابن علان الشافعي في "دليل الفالحين" (1/ 178) شرحاً لقوله: (فإن المصاب من حرم الثواب): "وأنه ينبغي للإنسان ألا يجمع على نفسه بين ضررين عظيمين: الأذى الحاصل وتفويت ثوابه".

وزاد ابن الرفعة (ت 710 هـ) في "كفاية النبيه" (5/ 175) على رواية الإمام؛ فقال: فلما خرج فقال عليُّ- كرم الله وجهه-: اطلبوه، فطلبوه فلم يجدوه، فقال علي: جاءكم أخوكم الخضر يعزيكم بنبيكم، - صلى الله عليه وسلم -.

3- وقال الماوردي (ت 450 هـ) "الحاوي الكبير" (3/ 65): وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعنا هاتفاً في البيت يسمع صوته، ولا يرى شخصه، ألا إن في الله عزاءً عن كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله ثقوا، وعليه توكلوا، فإن المصاب من حرم الثواب، فقيل: هذا الخضر جاء يعزي زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -.

* وكذلك هنا، نجد أن الماوردي يُضعف نسبة الكلام للخضر تبعاً للإمام، وغيره من الأصحاب.

4- وقال البجيرمي (ت 1221هـ) في "حاشيته على الخطيب" (1/ 41) عند تفسيره معنى الصحابي: "قال بعضهم: والظاهر أن الخضر - عليه السلام - اجتمع به -أي بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم -في الأرض على الوجه المعتاد فراجعه... فليس هذا من الاجتماع المعروف بل من خوارق العادات".

* ولو ثبت هذا اللقاء لنُقل عن أصحابه وزواجه، ولكنه لم ينقل، فلا يثبت.

5- وأجاب النووي في "شرح مسلم" (16/ 90) عن حديث جابر في مسلم: "ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة"؛ فقال: "وقد احتج بهذه الأحاديث من شذَّ من المحدثين؛ فقال: الخضر عليه السلام ميت والجمهور على حياته كما سبق... ويتأولون  -يعني الجمهور -هذه الأحاديث على أنه كان على البحر لا على الأرض، أو أنها عام مخصوص، فيكون معنى الحديث أنه لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه".

* قلت: والمصير إلى التاويل لوجود الأحاديث الواهية، والحكايات الباطلة فيه تعسف، سيما في حديث صحيح ظاهر المعنى، وما ذهبوا إليه من التأويلات فيها تكلف، ولا يخلو شيء منها من قادح،، وقد ردها ابن حجر في "الفتح"، و"الزهر النضر"، وعليه: فيضعف قول النووي، ونسبته إلى الجمهور ليس بشيء.

* وزعم بعضهم أنَّ الخضر هو الذي يخرج للدجال، فيشقه الدجال نصفين !!!

6- وقال ابن حجر في "الفتح" (1/ 277): في قصة الدجال: "فيخرج إليه رجل هو خير الناس يومئذ"، ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان الرازي، عن مسلم -صاحب الصحيح-: أنه يُقال إنه الخضر، وكذا حكاه معمرٌ وجماعة، وهذا إنما يتم على رأي من يدعي بقاء الخضر. والذي جزم به البخاري وإبراهيم الحربي وآخرون من محققي الحديث خلاف ذلك.

يعني أن هؤلاء الكبار جزموا بأن الخضر مات، وهم أعلى عينا، وأبلغ فقها من النووي وابن الصلاح، ولذلك نسب ابن حجر إلى المحققين من أهل الحديث..

7- وقال البجيرمي (ت 1221هـ) في "حاشيته على الخطيب" (1/ 400) في قصة الدجَّال: "فقد ورد أنه -يعني الدجال -يقتل الخضر بالسيف نصفين ويمشي بالحمار بينهما ثم يحييه، ويقول له: ألم تزدد بي إيمانا: فيقول له: ما ازددت إلا تكذيباً لك وتصديقاً بمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أخبر بذلك".

* وفي هذا النص تصريحٌ باسمه.

8- وقال ابن حجر (ت 852 هـ) في "الفتح" (1/ 169): "ويقال إن اسم الخضر بليا بموحدة ولام ساكنة ثم تحتانية، وسيأتي في أحاديث الأنبياء النقل عن سبب تلقيبه بالخضر وسيأتي نقل الخلاف في نسبه وهل هو رسول أو نبي فقط أو ملك بفتح اللام أو ولي فقط وهل هو باق أو مات ؟".

9- وقال ابن حجر في "الفتح" (1/ 220، 221): وأوضح ما يستدل به على نبوة الخضر قوله {وما فعلته عن أمري} وينبغي اعتقاد كونه نبيا؛ لئلا يتذرع بذلك أهل الباطل في دعواهم أن الولي أفضل من النبي حاشا وكلا... وفيه دليلٌ على أن الأنبياء ومن دونهم لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله إذ لو كان الخضر يعلم كل غيب لعرف موسى قبل أن يسأله...  والخضر وإن كان نبياً فليس برسول باتفاق والرسول أفضل من نبي ليس برسول ولو تنزلنا على أنه رسول فرسالة موسى أعظم وأمته أكثر فهو أفضل وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم، وإن قلنا إن الخضر ليس بنبي بل ولي فالنبي أفضل من الولي وهو أمر مقطوع به عقلا ونقلاً، والصائر إلى خلافه كافر؛ لأنه أمر معلوم من الشرع بالضرورة.. 

10- وقال الماوردي (ت 450 هـ) في "الحاوي الكبير" (4/ 142): روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت في الطواف فلقيني شاب نظيف الثوب حسن الوجه فقال: يا علي ألا أعلمك دعاء تدعو به قلت: بلى. قال: قل " يا من لا يشغله سمع عن سمع يا من لا يغلطه السائلون يا من لا يتبرم بإلحاح الملحين أسألك يد عفوك وحلاوة رحمتك " قال علي: فقلتها ثم أخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها فقال: " يا علي ذاك الخضر". 

* وهذا الحديث: اتفق الحفاظ ابن حجر، وابن كثير، وابن الجوزي، على تضعيفه، وقال الذهبي: إسناده مظلم !.

11- قال النوويُّ (ت 676 هـ) في "المجموع" (5/ 305):  "ويستحب أن يعزي بتعزية الخضر عليه السلام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم… وهو أن يقول: إن في الله سبحانه وتعالي عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل فائت؛ فبالله ثقوا وإياه فارجوا فان المصاب من حرم الثواب… (وأما) قصة تعزية الخضر عليه السلام فرواها الشافعي في الأم بإسناد ضعيف، إلا أنه لم يقل الخضر عليه السلام، بل سمعوا قائلاً يقول؛ فذكر هذه التعزية. 

ولم يذكر الشافعي الخضر عليه السلام، وإنما ذكره أصحابنا وغيرهم. 

وفيه دليل منهم لاختيارهم ما هو المختار، وترجيح ما هو الصواب، وهو أن الخضر عليه السلام حيٌّ باقٍ، وهذا قول أكثر العلماء. 

وقال بعض المحدثين ليس هو حيَّاً، 

واختلفوا في حاله؛ فقال كثيرون: كان نبياً لا رسولاً، وقال آخرون كان نبياً رسولاً، وقال آخرون: كان ولياً، وقيل كان ملكاً من الملائكة وهذا غلط، وقد أوضحت اسمه وحاله والاختلاف وما يتعلق به في تهذيب الأسماء واللغات".

* وقد سبق توضيح مقصود النووي بأكثر العلماء، وأنه يجعل من جملتهم العوام، والصالحين، ومبتدعة الصوفية، و خواص العلماء أي بعضهم.

12- وقال العلامة يحيى العمراني في "البيان" (3/ 117 -118): وأما لفظ التعزية: فقال الشافعي: "فإن كان يعزي مسلمًا بمسلم، فأحب أن يعزي بتعزية الخضر أهل بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذلك: أنه لما مات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وجاءت التعزية ... سمعوا صوتًا، ولا يرون أحدًا، يقول: السلام عليكم، أهل البيت، ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، ودركًا من كل فائت، وخلفًا من كل هالك، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب".

13- وقال الرُّوياني في "بحر المذهب" (2/ 596): ويُقال: إنه كان الخضر - صلى الله عليه وسلم - جاء يعزي زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهل قرابته، فسمعوا صوته ولم يروا شخصه يعزي الناس بعضهم بعضاً. قال الشافعي: فأحب أن يقول: قائل هذا.

* قلتُ (مُحمَّد): ولم يختلفوا في نقل هذا الدُّعاء عن الإمام، وأنه استحسنه، ومع ذلك فلم يُسمَّي قائله، ولعلَّه كان يرى أن الخضر مات، وهو الظاهر من عبارته.

14- وقال الدُّميري (ت 808 هـ) في "النجم الوهاج" (3/ 86): ويستحب أن يبدأ قبله بما ورد من تعزية الخضر أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفًا من كل هالك، ودركًا من كل فاتت، فبالله فتقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.

* ونسبة المتأخرين دعاء التعزية للخضر، إنما هو لاشتهار ذلك بينهم، في عصرهم، وليس انه قاله حقيقة ، فإنه لم تثبت حياته.

15- وقال الدميريُّ-أيضاً -(6/ 339) قال الشيخ عزالدين: ويجوز تعييب مال اليتيم (اتلاف بعضه) والسفيه والمجنون لحفظ ما خيف عليه الغصب؛ لقصة الخضر عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. ومثله الخطيب في "مغني المحتاج" (3/ 152، 4/ 124) (ت 977 هـ).

16- وقال الماوردي (ت 450 هـ) في "الحاوي الكبير" (12/ 378): "إن الخضر إما نبي مبعوث أو ولي مخصوص على حسب الاختلاف في نبوته، قد اطلع على مصالح البواطن على ما خالف ظواهرها، ولذلك أنكرها موسى عليه، ولو ساغ في الظاهر ما فعله الخضر لم ينكره موسى؛ فكان في إنكار موسى في الظاهر لنا دليل، وإن كان في فعل الخضر لابن أبي ليلى في الباطن دليل (أي: لا يضمن ما أتلفه)، والحكم في الشرع معتبر بالظاهر دون الباطن فكان دليلنا من الآية أحجُّ". ونقله الرُّوياني (ت 502 هـ)، عن الماوردي في "بحر المذهب" (12/ 346).

* قلتُ (محمد): وأنت ترى أن القول بنبوَّة الخضر في المذهب أقوى وأكثر من القول بولايته المجردة، والنبوَّة أرفع درجةً من الولاية، فتشمل الولاية وغيرها، ونبوة الخضر هو ما رجَّحه النوويُّ والماورديُّ، وعليه فما فعله الخضر ليس عن معنىً قام في ذاته، وإنما هو وحيٌ أوحاه الله به، فلا يجوز لأحدٍ تقليده، ولا ادِّعاءَ أنه أوتي علماً لدُّنيَّاً.

17- وقال ابن قاضي شهبة (ت 748 هـ) في "بداية المحتاج" (4/ 372) في "الأطعمة": "ولو وجد طعام غائبٍ أكل؛ لدفع الإضرار، وغرم، مراعاةً لحق الغير... إلا أن يكون المالك نبيًّا، فيلزمه -يعني صاحب الطعام -بذله وإن لم يستدعه منه، ويتصور هذا في زمن عيسى صلى الله عليه وسلم، أو الخضر على القول بحياته ونبوته". وهو ما قاله الخطيب في "مغني المحتاج" (6/ 161) (ت 977 هـ).

18- وقال الدُّميري في "النجم الوهاج"(9/ 572): وهذه مسألة علمية، وصورها بعضهم في زمن عيسى عليه السلام أو الخضر على القول بحياته.


* قلتُ (محمد): وهذا منهما يُضعِّف القول بحياة الخضر، سيما أنهما أدرجاها في المسائل العلمية النظرية.

19- قال في "إعانة الطالبين" (1/ 18) عند حدثه عن اسم الله "الرحمن": روي عن الخضر عليه السلام: إن من قال بعد عصر الجمعة مستقلاً: يا ألله يا رحمن، إلى أن تغيب الشمس، وسأله الله شيئاً من أمور الدنيا أو الدين أعطاه إياه.

* وهذا الدعاء بهذا اللفظ يحتاج إلى توقيف، والدعاء مشروع في ذلك الوقت وهو وقت فاضل مخصوص بالاستجابة، أما اعتقاد فضل هذا الدعاء على غيره فيحتاج إلى دليل، وإن تضمن توسلات باسماء الله  الحسنى وصفاته الفضلى، وقد ثبت موت الخضر، فلا يعول على ثبوته.

20- وقال أبو بكر الدمياطي (ت 1310 هـ) في "إعانة الطالبين" (1/ 215): ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه، في كتابه المسمى بـ"الدلالة على الله عز وجل"، عن سيدنا أبي العباس الخضر عن نبينا عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين السلام، أنه قال: سألت أربعة وعشرين ألف نبي عن استعمال شئ يأمن العبد به من سلب الإيمان، فلم يجبني أحدٌ منهم حتى اجتمعت بمحمد - صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك ؟ فقال: حتى أسأل جبريل عليه السلام. فسأله عن ذلك فقال: حتى أسأل رب العزة عن ذلك. فسأل رب العزة عن ذلك، فقال الله عزوجل: "من واظب على قراءة آية الكرسي، وآمن الرسول، إلى آخر السورة، وشهد الله إلى قوله الإسلام، وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب، وسورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة عقب كل صلاة، أمن من سلب الإيمان". وذكر هذه القصة البجيرمي (ت 1221هـ) في "حاشيته على الخطيب" (1/ 431).

* قلت (محمد): وكتب الشعراني مليئة بالأكاذيب والحكايات الباطلة. فلا يلتفت لمثل هذه القصص والحكايات.

21- وقال محمد بن عمر البنتني (1316هـ) في "نهاية الزين" (ص: 77 -78): فيما يُقال عقب صلاة الصبح من الأذكار: ثم يقرأ المسبعات العشرة المنسوبة إلى الخضر عليه الصلاة والسلام، وهي الفاتحة وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق وقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وآية الكرسي وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم…

قال: وهذه المسبعات لقنها الخضر عليه السلام إلى سيدنا إبراهيم التيمي وأخبره أنه أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لما عمل بها رأى ذات يوم في منامه كأن الملائكة احتملته وأدخلته الجنة؛ فرأى ما أعد له فيها من النعيم فقال للملائكة لمن هذا؛فقالوا: للذي يعمل مثل عملك، ثم جاءه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبعون نبيا ًوسبعون صفاً من الملائكة كل صف مثل ما بين المشرق والمغرب؛ فسلم عليه وأخذه بيده؛ فقال يا رسول الله: الخضر أخبرني أنه سمع منك هذا الحديث؛ فقال: صدق الخضر! صدق الخضر! وكل ما يحكيه (يعني الخضر) فهو حق وهو عالم أهل الأرض وهو رئيس الأبدال وهو من جنود الله تعالى في الأرض؛ فقال يا رسول الله من فعل مثل ذلك أو عمله ولم ير مثل الذي رأيت في منامي هل يعطي شيئا مما أعطيت؟، فقال: والذي بعثني بالحق نبيا إنه ليعطي العامل بذلك، وإن لم يرني ولم ير الخضر عليه السلام، إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها!، ويرفع الله تعالى عنه غضبه ومقته ويأمر صاحب الشمال أن لا يكتب عليه خطيئة من السيئات إلى سنة والذي بعثني بالحق نبيا ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيداً.

* قلتُ (مُحمَّد): وهذه الرواية باطلةٌ أصلاً، وعلامات البطلان عليها ظاهرةٌ جداً، وهذا الذكر يحتاج إلى توقيف، وليس لهذه القصة إسنادٌ صحيح ولا ضعيف، وإبراهيم التيمي ذكره الشعراني في "طبقاته" (1/ 35)، وذكر أنه توفي في سجن الحجاج سنة (92 هـ).

22- وقال قليوبي (ت 1069 هـ) في "حاشيته" (1/ 401): (فائدة) الخضر نبيٌّ حي إلى آخر الدهر عند جماهير العلماء، واسمه بران بن ملكان بن قالع بن ارفخشذ بن سام بن نوح، وقيل إلياس حي أيضا واقف بخراسان عند سد يأجوج.

وقد عزى الخضر - صلى الله عليه وسلم - أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته !.

ورجَّح البجيرمي في "حاشيته" على الخطيب (4/ 323)؛ فقال: والأصح أنه نبيٌّ حيّ.

* قلت (محمد): قول محققي الشافعية الذي يجب المصير إليه هو موت الخضر، وبه نقطع ونجزم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق