معنى قول المطلبي إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي
تأليف: تقيِّ الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السُّبكي
(683 - 756 هـ)
تحقيق وتخريج: كيلاني محمد خليفة
مؤسسة قرطبة
تمهيد/ هذه الرسالة هي تفسيرٌ لقول الإمام المطلبيّ "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي"، للإمام تقيِّ الدين السُّبكي، وفيها بيان أن هذا أمرٌ ذخره الله للإمام الشافعيِّ وخصَّه به، فلم يبلغنا ذلك عن غيره من الأئمة أنه وُفِّق لمثل هذه العبارة ومعناها.. وإن كان الأئمة في الجملة يقولون بها، فهي إذن قولٌ لبقيَّة أئمة المذاهب إجمالاً، وعند التدقيق نجدُ أنَّ الشافعيَّ رحمه الله عمل بهذه المقولة، وكانت أصلاً يُعمل به في مذهبه رحمه الله، ورضي عنه.
وموضوع هذه الرسالة هو جواب الشيخ تقيِّ الدين السُّبكي على سؤال ابنه تاج الدين، عن قول الإمام الشَّافعيِّ رحمه الله: "إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي"، قال تقي الدين: "وهو قولٌ مشهورٌ عنه، لم يختلف الناس في أنه قاله، ورُوي عنه معناه أيضاً بألفاظٍ مختلفة".
وقد بدأ الإمام تقيُّ الدين كتابه بذكر أقوال الإمام الشافعيِّ التي تؤكد اتباعه للسُّنن والآثار، وأن مذهبه هو ما جاء به الحديث إن صحَّ، وختم ذلك بقوله /ص: 88/: "وللشافعيِّ رضي الله عنه كثيرٌ من هذا، وقد روينا منها بأسانيد شئياً كثيراً، لم نر التطويل بذكرها ولا بذكر الأسانيد".
ثم ذكر رحمه الله في الفصل الذي بعده: بعض من حُكي عنه أنه أفتى بالحديث في بعض المسائل في المذهب نقلاً عن أبي عمرو بن الصلاح، مثل: أبي يعقوب البويطي، وأبي القاسم الداركي، وغيرهما من أئمة الشافعية رحمهم الله تعالى.
ثم أعقبه في الفصل الذي يليه: بذكر أقوال أئمة المذاهب المتبوعين وعنايتهم بالسنة واتباعها، وتركهم آراء الرجال إذا خالفت السنة الصحيحة، المعتضدة بأصولهم المعمول بها. فذكر الإمام مالك، وأبي حنيفة، ولم يذكر الإمام أحمد؛ لأن شُهرة أخذه بالسُّنة والعمل بالحديث أشهر من أن يُذكر.
ثُمَّ ذكر رحمه الله أن بناء الشَّافعيِّ لمذهبه هو على الأخذ بالكتاب والسُّنة أصالةً، وذكر بعد ذلك أنه لا يُشنَّعُ على الأئمة بمخالفتهم بعض الحديث؛ لأنهم لم يقصدوا معارضة الحديث ابتداءً، وإنما ثبت عندهم ما يُخالف الحديث -لاسيما أحاديث الآحاد -فعملوا بما ثبت عندهم؛ كعمل أهل المدينة عند مالك، وعموم البلوى عند أبي حنيفة، وذكر التقيُّ السبكي بعض الأمثلة على ذلك في رسالته هذه.
ويُمكننا تلخيص ما في الرسالة كما يلي:
معنى قول الشافعيِّ "إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي"،
أولاً: إذا صحَّ الحديث ولم يأخذ به لعدم بلوغه الإمام، ولم يُوجد من نصوص الإمام أو أصوله ما يُعارضه، فهو مذهبٌ له.
ثانياً: إذا صحَّ الحديث ولم يأخذ به، وجاء نصٌّ عن الإمام يُخالفه، أو كان مُعارضاً لأصول الإمام وقواعد المذهب، وكان هذا المُعارض مُعتبراً عند أهل النظر والاجتهاد، فلا يُعد هذا الحديث مذهباً للإمام.
ثالثاً: إذ علَّق الإمام الأخذ بالحديث على ثبوته، وقد صحَّ الحديث؛ فقال: "لو ثبت لقلتُ به"، والصحيح أن من كانت له أهلية الاجتهاد والنظر في الأدلة من طلبة العلم؛ فله أن ينسبه للإمام، ويكون مذهباً له.
هذا مع أنَّ أبا شامة والنوويُّ تشدَّدا في هذا وحصرا النظر في الأدلة على المجتهد فقط، وهذا غلوٌ، بينما توسط الإمام أبي عمرو ابن الصلاح وحكى أعدل الأقوال في هذه القضية، وهو الذي اختاره السُّبكيُّ رحمه الله، وهو أن كل من تمكَّن من النظر في الأدلة من طلبة العلم -وإن لم يصل إلى درجة الاجتهاد؛ فلهم أن يأخذوا بالحديث ويُعملوه؛ سيما وأن وسائل الاجتهاد في عصرنا أيسر ما تكون.
وهذا التخصيص بالنظر لا بُدَّ أن يكون في طلبة العلم ممن لهم درايةٌ واطلاعٌ واسعٌ في المذهب، ولهم دُربةٌ في تخريج المسائل وتقعيدها، وأما العامة والمقلدون فيخرجون من هذا الباب والموضوع أصلاً؛ لأنهم ليسوا أهلاً للنظر في الأدلة.
أما أسباب عدم الأخذ ببعض الحديث عند الإمام الشافعيِّ مع علمه بها، أمورٌ منها:
1-الطعن في إسناد الحديث، فقد يكون هذا الحديث ضعيفاً عند الإمام أو لم يصح، وقد يكون شاذاً، أو فيه علةٌ تمنع القول به.
2-توجيهٌ مُعتبر ثبت عند الإمام مُعارضته للحديث أو ردُّه، وهذا المُعارض ثبت بدليلٍ آخر، أو شهدت له الأصول العامة للشرع.
3-ثبوت مُعارضٍ آخر صحيح يمنع من الأخذ بهذا الحديث، وقد يكون المُعارض يُخصص العام، أو يُقيد المطلق، وهكذا.
وينبغي الإشارة هنا: إلى أنه لم يخلُ مذهبٌ من المذاهب الأربعة من الأخذ بالحديث الضعيف والعمل به، ولكن الحقَّ الذي نلتزمه وبينه الإمام السُّبكي أن أقرب المذاهب للحديث هو مذهب الشَّافعية، وأصول الحنابلة وطريقتهم أكثرها موافقٌ للشافعية..
وإذا أردنا بيان أهمية هذا المؤلَّف؛ فيُمكننا اختصار ذلك في أمورٍ منها:
1-بيان حُجيَّة الأخذ بالسُّنة عند الإمام الشَّافعي، لا سيما خبر الواحد.
2-بيان علو كعب الشافعيَّة، ومنزلة الإمام الشافعي من بقية أئمة المذاهب، وأنه أقرب المذاهب إلى السُّنة.
3-أن الإمام الشَّافعيّ رحمه الله جمع بين الفقه والحديث، .
4-بيان تعظيم الشَّافعيّ لسنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعظيم استمساكه بها.
5-بيان الضابط والمعيار الذي يُوضح قول الإمام الشافعيّ: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي".
6-الاعتذار للإمام الشافعي في تركه لبعض ما صحَّ من الحديث.
7-بيان السبب الذي ترك لأجله الإمام الشافعي بعض الحديث، هل هو: للتأويل، أو للتوجيه، أو للتضعيف، أو للنسخ.
ولا يعني هذا الاستغناء عن بقيَّة المذاهب الإسلامية الأخرى، بل إن هناك بعض المسائل التي لا بُد فيها من العمل بآراء المذاهب الأخرى تيسيراً على الناس، ومراعاةً لمصالح الأمة، وهو مقصدٌ شرعيٌّ شريف.
وأختم كلامي هنا: أن الإمام التقيّ السُّبكي له هِناتٌ في بعض أبواب العقيدة، سيما وأنه يُجيز الاستغاثة بالمقبورين وسؤالهم مما نعدُّه شركاً، وبدعةً، وذلك لا يقدح فيه؛ لأنه فعل ذلك متأوِّلاً، وهو مُخطئٌ في هذا الباب، ويغفر الله لنا وله، ونسأل الله سبحانه أن يرحمه ويُنزل على روحه شآبيب الرحمة والغفران.
وقد طُبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ على البقاعي، وبيَّن في تحقيقه عدداً من المناهج العلميَّة المتنوّعة التي استعملها السُّبكيُّ، مثل المنهج: الوصفيّ، والمقارن، والجدلي، والإستقرائي، وغير ذلك وقدم للكتاب بدراسة علمية، بيَّن فيها: أهمية البحث وسبب إختياره للكتاب، والمناهج المستعملة فيه، ولم أظفر بهذه النُّسخة، لذا اعتمدتُ على طبعة مؤسسة قرطبة.
وقد طُبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ على البقاعي، وبيَّن في تحقيقه عدداً من المناهج العلميَّة المتنوّعة التي استعملها السُّبكيُّ، مثل المنهج: الوصفيّ، والمقارن، والجدلي، والإستقرائي، وغير ذلك وقدم للكتاب بدراسة علمية، بيَّن فيها: أهمية البحث وسبب إختياره للكتاب، والمناهج المستعملة فيه، ولم أظفر بهذه النُّسخة، لذا اعتمدتُ على طبعة مؤسسة قرطبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق