أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 نوفمبر 2024

أجداد النبيّ صلى الله عليه وسلم د. محمد عبده يماني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

أجداد النبيّ صلى الله عليه وسلم

د. محمد عبده يماني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد: اصطفى الله محمداً صلى الله عليه وسلم من صُلب آدم عليه السلام، ولم يزل يتنقل به من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزاكيات، حتى وُلد من آمنة وعبد الله، فآباؤه خير الآباء، وأمهاته خير الأمهات، وجدُّه إسماعيل فهو عربي، وجدُّه من قُريش فهو قُرشي، وهو خير فروع العرب، ثم اصطفاه الله من بني هاشم وهم خيرة الخيرة، وصفوة الصفوة، وخيار الخيار.

وهذا الكتاب يتناول النسب النبوي الشريف، وبيان ما فيه من أصالة أصيلة، وعراقة نبيلة، وصفاء معدن، وسلامة نشأة، ونقاء فطرة، وطيب عشرة، فهو صلى الله عليه وسلم الحسيب النسيب الطاهر، جاء من تلك الأصلاب الطاهرة والأرحام الحرة الكريمة.

وقد أبدع مؤلفه أيما إبداع في مقدمات كتابه وفصوله وخواتيمه، فذكر أهمية النسب عند العرب، وأنهم كانوا يعتنون بها أشد العناية، ذلك أنها مبعث افتخارهم، ومظهراً من مظاهر اعتزازهم، وكانوا يرون أن شرف النسب يؤثر في مكارم الأخلاق وجلائل الأعمال.

ثم سرد جملة من الأخبار التي وردت عن أجداده صلى الله عليه وسلم -الذين هيأهم الله تعالى لميلاد هذا النبي العظيم، فذكر من شهامتهم، ومروءتهم، وجودهم، وكريم خصالهم ما تعجز الحروف عن وصفه، ابتداءً من أبيه الكريم (عبد الله) وحتى جدّه عدنان. ثم من أحوال أجداده الأربعين من لدن (آدم) عليه السلام، إلى (إسماعيل وإبراهيم) عليهما السلام.

وبين المؤلف أنه ليس بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وجدّه إسماعيل نبيٌّ آخر، وأن خالد بن سنان هذا الذي يزعم ناقلوا الأخبار عنه أنه نبيٌّ هو أو سواه؛ فهذه الأخبار واهية ومتناقضة، وليس لها ما يؤيدها من أعمال وأقوال، ولا من أشعار يُعتدُّ بها، ولا ينكر مُنكر أهمية الشعر ودوره في هذا المجال.

وبين المؤلف -رحمه الله -أن أبوي النبيّ صلى الله عليه وسلم -وأجداده على هم من أهل الفترة الذين غاب عنهم وحي السماء فترة طويلة من الزمن، فما أُنذر آباؤهم فهم غافلون، فقد طالت الفترة من لدن إسماعيل عليه السلام إلى بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم، صاحب الرسالة العامة الشاملة لكل زمان ومكان، وردَّ الحديثين الثابتين في الصحيحين بأن دلالتهما ظنيّة وأن دلالة القرآن قطعية على نجاة أهل الفترة، وهو رأيٌ ارتأه وله فيه سلف.

1-عبد الله بن عبد المطلب:

هو عاشر إخوته، ولد نحو 71 سنة قبل الهجرة، ويُعرف بالذبيح، وقد فداه أبوه بمائة من الإبل بعد أن نذر ذبحه، وتزوج من آمنة بنت وهب في منى، وهو ابن 18 سنة، وبعد أن حملت منه آمنة توجه في تجارة لقريش إلى الشام، وفي طريق عودته إلى مكة مرض، فذهب ليتمرض عند أخواله من نبي النجار، ثم توفي ودفن في المدينة على الأصح، وذلك قبل الهجرة بـ 53 سنة، وقبل وقعة الفيل بنحو 8 أشهر. وقد ورّث ولده: 5 جمال، وقطيعاً من الغنم، وعبداً وجارية هي أم أيمن بركة الحبشية، ويكفيه فخراً أن يكون والد سيد الأولين والآخرين. وكان طاهراً عفيفاً وسيماً ذا مروءةٍ وشجاعة وبرٍّ بوالديه، وتوفيت بعده زوجه آمنة وهي ابنة 20 سنة وكان عمر النبيّ صلى الله عليه وسلم حينها 6 سنين.

2-عبد المطلب بن هاشم:

هو جدُّه الأول، واسمه شيبة الحمد، وأمه سلمى بنت عمرو بن زيد النجارية، تزوجها هاشم وهو في طريق تجارته إلى الشام؛ فمات بغزة ودفن بها، ونشأ عبد المطلب عند أخواله من بني النجار حتى أيفع، واسترده عمُّه المطلب فعاد به إلى مكة، فلما رآه الناس، قالوا: عبد المطلب، وكان المطلب قد انتهت إليه الرياسة والرفادة والسقاية بمكة، وتولى عبد المطلب ذلك بعد وفاة عمه.

3-هاشم بن عبد مناف:

واسمه عمرو العُلا، وسُمي هاشماً؛ لأنه أول من هشم الثريد بمكة لأهلها وللحاج، وهو أول من سنّ رحلتي الشتاء والصيف، وكان هاشم وعبد المطلب انبا عبد مناف أمهم: عاتكة بنت مرة السُّلميّة، وكان هاشم يخطب في قريش إذا حضر الحج، ويستحث أهل مكة على الإنفاق والبذل، وهو الذي عقد الحلف لقريش من هرقل، بأن يدخلوا بلاده ويتجروا فيها دون أن يتعرض لهم أحد، فأجابه.

4-عبد مناف بن قُصي:

اسمع المغيرة، سماه أبوه بذلك تفاؤلاً بأن يكون محارباً لأعدائه، وكان يُقال له "القمر" لشدة جماله، وأمه: حُبّى بنت حليل الخزاعية، وهو الذي قسّم الأرض بمكة بين الناس إلى أرباع، وكان مُطاعاً في قريش، ولُقب "بالفياض" لكرمه الشديد، وكان أشرف أولاد أبيه قُصي، وأعلاهم شهرة، وأقواهم شوكة، وفي يده لواء جده نزار، وقوس جده إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام.

5-قُصي بن كلاب:

اسمه زيد، وسُمي قُصياً لأن أباه كلاب توفي، فتزوجت أمه فاطمة بنت سعد بن سيل -تزوجت من ربيعة بن حرام من بني قضاعة، فاصطحبها معه إلى الشام، فأخذها وابنها، فسُمي قُصياً لبعده عن الحرم ونشأته في حجر ربيعة بالشام، ولما ناضل قصيٌّ رجلاً من بني قضاعة وغلبه، غضب القضاعي وأمره مفارقة مضارب قومه، فلحق قصيٌّ بمكة. وكان جلداً أشعراً، وقد تزوج بحُبّى الخزاعية ابنة حليل، وكان يلي أمر مكة وحكمها، فلما توفي تولاها قُصي وقاتل بني خزاعة وبني بكر عند العقبة، وأخرجهم من مكة. وهو أول ولد كعب بن لؤي أصاب ملكاً، وكان شريف مكة، وابتنى دار الندوة وكانت مجمع قريش، وفيها أمرها كله من مشورة ونكاح وحرب، وسُمي "مُجمعاً" لأنه الذي جمع قريش. وبقُصي سُميت قريشُ قريشاً، والقريش الجمع، وكانوا قبل ذلك يُقال لهم بنو النضر.

6-كلاب بن مُرّة:

وكنيته أبا زُهرة، واسمه حكيم، وقيل: عروة، ثم غلب عليه اسمم كلاب لمحبته الصيد، وقيل سمي بذلك لمكالبته الأعداء وصبره عليهم، وكان أعظم أولاد أبيه قدراً وشرفاً، وأمه هند بنت سرير بن ثعلبة الكنانية، وقيل: إنه حفر البئر التي يُقال لها "خُم" وكان العرب في الجاهلية يستقون منها، وإلى كلاب بن مُرة ينتهي نسب آمنة بنت وهب أم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو جدُّ النبيّ صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه، وكلاب هو جدُّ عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما.

7-مُرّة بن كعب:

ويُكنى أبا يقظة، وهو أشهر أولاد أبيه كعب بن لؤي، وأمه وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر بن مالك، وكان سيداً هُماماً، ذا شرف ونسب وشجاعة.

8-كعب بن لؤي:

ويُكنى أبا هُصَيص، وأمه ماوية بنت كعب بن القين بن جسر القضاعية، وكان أجلُّ أولاد أبيه وأعلاهم قدراً، وأرفعهم شرفاً، وهو أول من سمى يوم الجمعة بالجمعة، وكانت العرب تسمية "بالعروبة"، فجمع كعب فيه قومه وكان يخطب فيهم، ويذكر لهم أن من ذريته نبيٌّ كريم. ويُقال إن بين موته ومبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم 500 عام.

9- لؤي بن غالب:

يُكنى أبا كعب، أمه عاتكة بنت يخلد بن النضر بن كنانة، وهي أولى العواتك من قريش الاتي هُنّ جدات النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل: سُمي لؤياً لحلمه، وقيل: تصغير لأي وتعني البطء والأناة، لأنه كان متأنياً بطيئاً، ومن حفيداته سودة بنت زمعة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم. وكان سيداً شريفاً فاضلاً في قومه.

10-غالب بن فهمر:

يُكنى أبا تيم، وأمه ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، وهو أفضل أولاد أبيه، وأفضلهم مجداً، وأحبهم إلى أبيه، وصار إليه الشرف والسؤدد بعد أبيه، حتى علا أمره.

11- فهر بن مالك:

يُكنى أبا غالب، أمه جندلة بنت الحارث بن جندل بن عامر، وقيل سُمي فهراً؛ لأنه كان ظاهر الطول حين وُلد، وسمته أمه قريشاً؛ لأنه كان يقرش الناس، ويفتش عن حاجاتهم، ويسعى لقضائها، وكان أولاده يسعون في نفس الأمر. وهو الجد الجامع لقريش، فما فوقه لا يسمى قرشياً بل كناني، وكان سيد الناس في مكة والحرم. وهو الذي حارب حسان بن عبد كلال الحميري الذي أراد نقل أحجار الكعبة إلى اليمن ليحج الناس إليها، وقد أسره فهر بن مالك ثلاث سنين، ثم فدى نفسه فأطلقه ليعود إلى اليمن فمات بالطريق.

12-مالك بن النضر:

يُكنى أبا الحارث، وأمه عاتكة بنت عدوان. وكان ملكاً مُطاعاً في قريش، وهو سيدها وإليه انتهى ملك العرب.

13-النضر بن كنانة:

اسمه قيس، وأمه برّة بنت مُر بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مُضر. سُمي نضراً لنضارته وحُسنه وجماله. وكان سيداً عالي الهمة، مع يساره ووفور تجارته وكثرة أمواله، وقيل: هو أول من جعل الدية مائة، وقيل: بل عبد المطلب بن هاشم.

14-كنانة بن خُزيمة:

يُكنى أبا النّضر، وأمه عون بنت سعد بن قيس عيلان، وكان ذا فضائل كثيرة، وقد عظّمته العرب، وآبت إلى رأيه وعلمه، ويروى عنه أنه قال: إنه قد آن خروج نبيٍّ من مكة، يُدعى أحمد، يدعو إلى الله، وإلى البر والإحسان ومكارم الأخلاق، فاتبعوه تزدادوا شرفاً وعزاً إلى عزكم. ولعل هذا قد سمعه العرب مما جاء في التوراة والإنجيل أنه سيبعث نبيٌّ في آخر الزمان في مكة من ولد إسماعيل عليه السلام.

14-خزيمة بن مُدركة:

أمه سلمى بنت أسد بن ربيعة بن نزار، وكان أحد حكماء العرب، ومن أهل الفضل والسؤدد، وكان خزيمة على ما بقي من ملة إبراهيم عليه السلام، وقد فيل فيه:

أما خزيمة فالمكارم جمَّةٌ... سبقت إليه وليس ثمَّ عتيدُ

وروى ابن حبيب بسند جيد -عن ابن عباس، أنه قال: مات خزيمة على ملة إبراهيم عليه السلام.

15-مُدركة بن إلياس:

واسمه عمرو، وقيل عامر، وأمه ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وقيل سُمي مُدركة؛ لأنه لحق جمعاً من الإبل في الصيد فأدركها، فسُمي مُدركة، أما أخوه (عمرو) فطبخها فسُمّي طابخة.

16- إلياس بن مُضر:

واسمه عامر، أمه جرهمة بنت حيدة بن معد بن عدنان -على خلاف فيها.  وكان قوياً حازماً قريباً من جده إسماعيل، فشرف وبان فضله، وروي أنه كان مؤمناً، وقد أنكر على بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وسيرهم حتى رجعت سننهم تامة على ما كانت عليه، وبان فضله عليهم، ولان جانبه لهم، واجتمعوا على رأيه ورضوا به، وهو أول من أهدى البُدن إلى البيت، وقيل: هو أو من وضع ركن البيت (الحجر الأسود) في مكانه بعد أن غرق البيت وانهدم بعد زمان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

17-مُضر بن نزار:

يُكنى أبا عمرو، وأمه سودة بنت عبد عك بن عدنان بن أد. وسُمي مُضراً لبياضه، وقيل: إنه كان يمضر قلب من رآه لحسنه وجماله. ويُقال: إنه أول من حدا الإبل، وكان حسن الصوت جداً، وكان سيد ولد أبيه، ويروى أنه كان مؤمناً، وكان كريماً حكيماً، وله فراسة جليلة، ومن كلامه: من يزرع شراً يحصد ندامة، وخير الخير أعجله، فاحملوا أنفسكم على مكروهها، فيما أصلحكم، واصرفوها عن هواها فيما أفسدكم، فليس بين الصلاح والفساد إلا صبر ووقاية.

18-نزار بن معدّ:

يُكنى أبا قضاعة، وأمه مُعانة بنت جوشم بن جلهمة بن عمرو، وهي من جرهم، وله أربعة عشر أخاً شقياً وأختاً شقيقةً كلهم لأمه. وقيل: كان فريد عصره في جماله، وإن النور كان بادياً بين عينيه، وإن أباه فرح بولادته فرحاً عظيماً، ونحر الإبل وأطعم الطعام، وقال: هذا نزر في حق هذا الغلام، فسُمّي نزاراً. وكان أجلُّ أولاد أبيه.

19- معدّ بن عدنان:

يكنى أبا نزار، وأمه تيمية بنت يشجب بن يعرب بن قحطان، وكان أول من وضع رحلاً على جمل وناقة، وقد لحق أكثر ولده باليمن، وتكاثروا هنالك وصارت لهم قبائل وعشائر كثيرة. وكان معدّ بن عدنان أشرف أولاد أبيه، وأشهر ولد إسماعيل في عصره.

20-عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام:

اتفق النسابة على هذا الأمر، ولكن اختلفوا في نظم ذلك، فبعضهم جعل بين عدنان وإسماعيل سبعة أجداد، وبعضهم يجعلهم ثمانية، وهؤلاء لا نعرف من أخبارهم إلا النزر اليسير، وقد قيل في نسب عدنان: هو عدنان بن أدّ بن مُقرّم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.

أما آدم عليه السلام، فخلق الله له من ضلعه الأعلى حواء زوجته، وأسكنها معه الجنة، ثم لما أصابا الخطيئة أُهبطا إلى الأرض، وتزاوجا حتى أنجبا أربعين ولداً في عشرين بطناً، كل بطن يتزوج من الذي يليه، ويُقال: إن آدم عليه السلام عاش ألف سنة، ولم يمت سيدنا آدم عليه السلام حتى ولد من ذريته 40 ألفاً، وكان سيدنا آدم رسول الله إليهم، ثم قام بهذا الأمر من بعده سيدنا شيث عليه السلام.

ولما قتل قابيل هابيل تزوج شيث عليه السلام أخت هابيل، وكان هو المبعوث إلى إخوته وذرياتهم، وهو وصي أبيه وولي عهده، وشيث يعني هبة الله، ولما كثر الناس وتباعدت الذريات في أنحاء الأرض نسي أحفاد آدم عهود أبيهم ومواريثه، وتغيرت ألسنة كل قبيلة بما استمسكت به من لغات آدم التي علمه الله إياها، وآثرت كل بيئة فيمن عاشوا فيها، فاختلفت الألسن والطباع والعادات.

ثم بعث الله تعالى نبيّه إدريس عليه السلام وهو ابن اليارد (يعني الضابط) بن مهلائيل (يعني الممدوح عاش 915 عام) بن قينان (يعني المستوي عاش 720 عام) بن أنوش (عاش 966 عام) بن شيث عليه السلام.

وقد جاء إدريس عليه السلام (وهو ثالث الأنبياء) ليُجدد عهود آدم عليه السلام، ويبعث عقيدة التوحيد والإيمان الخالص، ويُقال إنه أدرك من حياة آدم عليه السلام ثلاثمائة وثمانين سنة، وهو أول من خطّ بالقلم، وبعد وفاته قامت عقائد باطلة وعبادات فاسدة، وظهرت عبادة الأصنام، وكان أولها تماثيل على صورة رجال صالحين كانوا فيهم وهم: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، ماتوا فصنعوا لهم تلك التماثيل ثم عبدوها.

فأرسل الله تعالى نبيّه نوح عليه السلام؛ فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى عبادة الله وحده، ونبذ عبادة الأصنام، فلم يستجب منهم إلا القليل، وجمع نوح من آمن معه وثلاثة من أبنائه في السفينة، وحدث الوفان العظيم الذي أغرق كل من كان على ظهر الأرض حينها.

ونوح عليه السلام هو ابن لامك (عاش 800 عام) بن متوشلخ (عاش 982 عام) بن أخنوخ (إدريس عليه السلام)، وكان مولده بعد وفاة آدم بعشرة قرون، وكان أطول الأنبياء عمراً، أما أولاد نوح الثلاثة الذين رفعهم معه إلى السفينة؛ فهم: سام أبو العرق الأبيض، وحام أبو الزنوج، ويافت أبو العرق الأصفر.

ومن أولاد سام بن نوح عليه السلام، جاء إبراهيم عليه السلام، وكان أوسط أولاد أبيه ولد قبل الطوفان ب(98 عام)، وإليه ينتهي نسب العرب والفرس والروم، أما أخوه حام فإليه ينتهي نسب السودان والبربر والقبط، وأما يافث فإليه ينتهي نسب يأجوج ومأجوج والترك.

أما إبراهيم عليه السلام؛ فهو أبو الأنبياء بعد آدم عليه السلام، وقد ناظر أهل بابل في العراق، وحجّهم وبيّن ضلالهم، ثم انتقل إلى مكة بعد عبور بيت المقدس بزوجه سارة، ولقائه مع النمروذ الذي كان ملك الهكسوس العماليق حينها، وناظره وغلبه، ثم زواجه من هاجر أم إسماعيل عليه السلام بمصر، وإلقائها بمكة حيث لا زرع ولا ماء، بوحي من الله عز وجل، ثم مجيء قبائل جرهم وإقامتها عندها عندما أكرم الله هاجر بنبع زمزم الذي تفجر من تحت قدمها.

وإبراهيم عليه السلام هو ابن تارح (آزر) بن ناحور بن ساروخ (عاش 270 عام) بن أرعواء (عاش 360 عام) بن فالخ بن هود عليه السلام (واسمه عابر، وهو أشبه أولاد أبيه بآدم عليه السلام، وكان تاجراً من صميم قومه وأشرافهم، بعثه الله إلى قوم عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وهو أول من ملك في العرب، وطال عمره، وقيل عاش 1100 عام) بن شالخ (يعني الوكيل عاش 430 عام) بن أرفخشذ (يعني المصباح المضيء) بن سام بن نوح عليه السلام.

ثم ولادة إسماعيل عليه السلام -وهو الذبيح الأول، وكيف فداه الله سبحانه من الذبح بكبش عظيم، ثم بره بوالديه، وإكرام الله له بالنبوة، ومشاركة أبيه إبراهيم في بناء البيت وتطهيره، ودعوة الناس إلى الحج إليه وقصده بالنسك.

 

فوبيا داعش وأخواتها غوين داير بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

فوبيا داعش وأخواتها

غوين داير

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

       تمهيد: بعد خروج القاعدة من مسرح الإرهاب العالمي، دخل تنظيم داعش بدلاً منها بأساليب أكثر دراماتيكية في الإعدام، وأفلام بشعة بإخراج أفضل، مع ثورة دعائية كبيرة أرغمت شاعريتها انضمام الكثير من الشباب، إلى دولة جديدة، لها علمها الخاص، وخليفتها المُتّبع. ومع ذلك فإن مجموع عدد الإرهابيين المنتسبين إلى داعش مع داعميهم في العالم لا يمثل سوى نسبة ضئيلة جداً، لا تكاد تُذكر بالأرقام الصحيحة.

       ولا يخفى على القارئ مدى الكآبة التي تسري بين النُّخب العلمية في العالم العربي، حينما نرى مثل هذه الجماعات تعيش في المشرق، وتتطفل على قضايا الإسلام، وتنتزع شرعيتها من نصوص الكتاب والسنة، وهما منهم برآء، وتبدأ الحكاية مع هذا التنظيم من مآسي المسلمين المنتشرة حول العالم، والأزمات الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها بلدان العالم الإسلامي، وتصرفات بعض قادة ورؤساء العالم الإسلامي، والخنوع الرهيب الذي تشهده دول الشرق، بالإضافة القضايا التي لا زالت عالقة وتنتظر حلاً ينهيها من جذورها.

       وقد حاولت داعش تقديم حلول لكنها بالنسبة للواقع موضعية ومُضرَة أيضاً، كما أن إثمها أكثر من نفعها، فبدلاً من توجيه تلك الطاقات بطريقة سليمة لا تنتهك الحرمات، ولا تشوّه الدين، فعلوا وارتكبوا ما أدى لذلك وأكثر. وقد استند الداعشيون في نظرتهم المتطرفة إلى بعض الكتابات التي تطرقت لموضوعات مثل الجهاد، والهجرة، والحاكمية، وبنوا مذهبهم على أسس دون بعضها سيد قطب في كتاباته المنفلعة والمتأثرة بوضع جماعته؛ حتى عدَّ المسيحيين واليهود والمسلمين الذين لا يلتزمون بشعائر الإسلام في بلاد الإسلام أعداء الله وأهل حرب يجب قتلهم والقضاء عليهم.

       وبعد إعدام سيد قطب في مصر، بسبب مواقفه المتشددة من نظام الحكم وتكفيره لأجهزة الدولة ورئيسها، ودعوته إلى قتلهم، انتقل محمد قطب شقيقة إلى السعودية ليعمل في إحدى جامعاتها، وينشر فكر أخيه "سيد" حتى تأثر به من كان يحضره من مشاريع الجهاديين مثل "أسامة بن لادن" كما أخبر بذلك أحد أصدقائه. وبذلك تطور هذا الأمر تحت مسمى "الصحوة" وأخذت تناصب العداء للشيعة وبعض إخوانهم من السُّنة.

وقد اعترف الشيخ يوسف القرضاوي، في فيديو له أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي، أبو بكر البغدادي كان من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين. وأوضح القرضاوي أن البغدادي كان له «نزعة قيادية، مما حثه على الانضمام لـ(داعش) وقيادة التنظيم بعد خروجه من السجن». وأشار أيضاً إلى أن (داعش)، وغيره من التنظيمات الإرهابية، استقطبت شبابا من عدة دول تحت ذريعة الجهاد في سبيل الله.

وفي تسجيل صوتي نادر لسيد قطب أكد فيه أن طريق الدعوة المزعومة للجماعة ليست مفروشة بالورود، ولكنها مفروشة بالأشلاء والجماجم مزينة بالدماء وليست مزينة بالورود والرياحين. وكانت هذه الكلمات مقدمة، بل تأصيلا منهجيا يسير عليه أتباع هذا الفكر الدموي الضال الذي انبنت عليه فكرة ما يسمى «داعش» التي نشرت أخيرا في الرقة والموصل ملصقات لأقوال سيد قطب أو أفكار القطبيين، والتي بات لها مشايخ وأئمة يؤمنون بأفكار القطبيين ويقدسونها، حيث يتحدث أتباعه باللهجة نفسها، فهم يعتبرون أن الدين لا يمكن أن يصل إلى الناس عن طريق الدعوة أو المنابر ويسخرون من كل ما ينادي بهذا المنهج، وقد انتشرت فيديوهات التنظيم على الشبكة العنكبوتية في مواقعهم التي تؤكد فكرة أن الإسلام لا يقوم عن طريق المنابر، بل إن هناك طريقا واحدا فقط هو الطريق المفروش بالجماجم والأشلاء.

ولا تخلو إصدارات «داعش» من أفكار سيد قطب التكفيرية، ومنها استشهاد أغلب إصدارات التنظيم بمقولة سيد قطب في الظلال 3/ 1543 «فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد»، و«النص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها. فهي حدود الطاقة إلى أقصاها.. بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها»، بحسب محسوبين على متطرفين في لندن. 

وبالعودة إلى كتاب أيمن الظواهري «فرسان تحت راية النبي» نجد مقولة للظواهري: «إن سيد قطب هو الذي وضع دستورنا في كتابه (معالم في الطريق)، وإن سيد هو مصدر الإحياء الأصولي، وإن كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، يعد أهم إنتاج عقلي وفكري للتيارات المتطرفة، وإن فكره كان شرارة البدء في إشعال الثورة ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوما بعد يوم. والكتاب منشور اليوم بالكامل في موقع (التوحيد والجهاد) الذي يشرف عليه أبو محمد المقدسي المنظر الشرعي لكل المتطرفين حول العالم».

كما أكد الظواهري في محاضرة له، أن أسامة بن لادن خرج من تنظيم الإخوان المسلمين وأشار إلى أنه كان يتبع تعليمات التنظيم بحذافيرها عندما توجه إلى باكستان، فيما قال عبد الله عزام الزعيم الروحي للأفغان العرب في كتابه «عشرون عاما على استشهاد سيد قطب»: «والذين يتابعون تغير المجتمعات وطبيعة التفكير لدى الجيل المسلم يدركون أكثر من غيرهم البصمات الواضحة التي تركتها كتابة سيد قطب وقلمه في تفكيرهم. والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار القطبيين آنذاك وفي الجيل كله فوق الأرض كلها. ومنهم أيضا محمد المقدسي وهو أحد الأفغان العرب المشهورين بشدة التكفير والحكم بالردة على المسلمين واستباحة دمائهم، وله عدة كتب تعج بالآراء المتطرفة مثل (ملة إبراهيم), وهذه الكتب كانت توزع في معسكرات أسامة بن لادن على الأفغان العرب، فقد قال في كتابه (ميزان الاعتدال): بل قد أمضيت عمرا في رافد تصحيحي من روافد الإخوان الذين قد أرضعونا (الظلال) و(المعالم) وغيرها من كتب سيد وأخيه والمودودي – رضاعة في طور الحضانة أعني بداية الهداية».

إلى ذلك، أكد خبراء مصريون أن «(داعش) وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والتوحيد والجهاد وأنصار بيت المقدس، جميعها أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان، وأن طلب تنظيم داعش عودة الخلافة الإسلامية هي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، وأن قسم كل من يدخل الجماعة أو التنظيم يكون على المصحف والمسدس، وأن قادة (داعش) يقرأون الأفكار المتطرفة وفتاوى الدماء الصادرة عن جماعة الإخوان». 

فيما قال قيادي جهادي مصري، إن الاعتقاد بوجود فرق بين فكر الإخوان و«داعش».. جهل، وإن اعتراف الأب الروحي للإخوان الشيخ يوسف القرضاوي، بانتماء زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، للإخوان، خير دليل ويعني أنه «شهد شاهد من أهلها».

من جانبه، قال القيادي في تنظيم الجهاد المصري، الشيخ نبيل نعيم، إن «أي إنسان يعتقد أنه ليس هناك فرق بين الإخوان و(داعش).. جاهل»، مضيفا: «لكن (الإخوان) كانت لديهم قدرة على إخفاء ما يعتنقونه خاصة فيما يخص المسلمين».

وتابع بقوله: «(الإخوان) أول من كفر المجتمعات، ومحمد قطب شقيق سيد قطب كفرهم، وسيد قطب، أبرز منظري جماعة الإخوان، قال في كتابه (معالم في الطريق): إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون، وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يريد أن يخدع نفسه، أو يخدع الآخرين، فيعتقد أن الإسلام ممكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغير من حقيقة الواقع شيئا، ليس هذا إسلاما، وليس هؤلاء مسلمين»، لافتا إلى أن «هذه هي عقيدة تنظيمات داعش وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والقاعدة».

وحالياً تنفي جماعة الإخوان أي صلة بينها وبين داعش، وأصدرت لذلك عدة منشورات وكتب تؤكد فيها على هذا المعنى، ولكن تبقى أدبيات الإخوان وتراثهم القطبي يُدين هذا الفكر ويجعله رائداً لتلك الجماعات المتطرفة، التي لا زالت تقتبس من مقالات قطب وغيره، كما أن كثيراً من الدواعش نبتوا من رحم الإخوان، كما هو موثق في كثير من بلدان العالم الإسلامي، ولا يستطيع الإخوان التنصل منه.


الأربعون الحسان في فضائل سور القرآن حاتم محمد شلبي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الأربعون الحسان في فضائل سور القرآن

حاتم محمد شلبي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد: هذا الجزء الحديثي الصغير، جمع فيه مؤلفه أربعون حديثاً في فضائل سور القرآن، بأسانيدها المتصلة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، من طريق الأئمة في كتبهم مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي والطبراني، يرويها عن ثلاثين شيخاً من العلماء الأثبات، وذكر معها جملة طيبة من التعليقات والإشارات اللطيفة التي تخدم معاني الأربعين، وذكر ما يستفاد عقب كل حديث، وختم بوثيقة إجازة لكل من سمعها أو عرضها أو طلب فيها إجازة.

وجعل المؤلف وفقه الله -ثلاثة أحاديث كالمقدمة لهذا الجزء، وجعلهم في بابين: الأول: فضل الإخلاص وأعمال السر، والثاني: فضل قراءة القرأن وتعلمه (حديثين).

ثم شرع في ذكر جملة من فضائل السور، بعضها في سورة مفردة، أو في جزءٍ منها، أو مقرونةً مع غيرها، أو مجموعة إلى غيرها، كالفاتحة (حديثين)، وخواتيم سورة البقرة (حديثين) وسورتي البقرة وآل عمران (حديثين) والسبع الأول من القرآن: الأوليين ومعهما النساء والمائدة والأنعام والأعراف والتوبة (حديثان)، والمثاني والمئين، والمثاني هي التي بعد السبع وأولها الأنفال وآخرها الإسراء، والمئين هي التي زادت على المائة وأولها الكهف وآخرها المفصّل -على ما اخترناه وفصّل المؤلف الكلام فيه -(حديثين).

وهود، وأخواتها: الواقعة، والمرسلات، وعمّ والتكوير (حديث)، والإسراء والزُّمر (حديث)، والمُسبّحات، وهي سبع: الإسراء والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى (حديث)، والكهف (حديثين)، وطه (حديث) والحج (حديث)، والسجدة والإنسان (حديث)، ص (حديث)، الفتح (حديث).

ق وهي أول طوال المفصل (حديثين) وطوال المفصل من ق إلى عمَّ وأواسطه من عمَّ إلى الضحى، وقصاره من الضحى إلى الناس، والرحمن (حديث)، والمُلك (حديث)، والتكوير والانشقاق والانفطار (حديث)، والأعلى والكافرون والإخلاص (حديث)، والزلزلة (حديث)، الكافرون (حديث)، والإخلاص (حديث)، والمعوذات (ثلاثة أحاديث).

وذكر في هذا الجزء بعض أسانيده المنتقاة إلى الصحيحين والسنن وبعض المعاجم:

أسانيده إلى الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عن شيوخه:

 1-محمد أسيد أسد الرحماني الهندي 2-ومحمد بن صالح العمودي، 3-ومحمد الأنصاري بن عبد العلي بن عبد الله الأعظمي، 4-والقاضي أحمد حسن خان بن المنشي محمد عبد المجيد الطونكي، 5- عبد الرحمن بن شيخ بن علوي الحبشي، 6-علي بن محمد توفيق النحاس الفرسكوري المصري.

الإمام مسلم بن الحجاج عن شيوخه:

1-محمد ظهير الدين المباركفوري، 2-ومساعد بن بشير بن علي بن الحاج سعد الحسيني، 3-وعبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي، 4-محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز السبيل إمام الحرم المكي، 5-نادر بن محمد غازي العنبتاوي، 6-وليد بن إدريس المنيسي، 7-محمد زياد بن عمر التكلة، 8-بدر بن طامي العتيبي.

الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، عن شيوخه:

1-عبد الرحمن بن محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني الحسني، 2-والقاضي إبراهيم بن العلامة محمد حسن بن عبد الباري الملقب بهند الأهدل، 3-محمد بن عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ، 4- وعبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي، 5- أحمد بن محمد بن شريف المنبجي.

الإمام مالك بن أنس، عن شيخه: محمد عبد الله الشجاع آبادي الباكستاني.

الإمام ابن ماجه، عن شيخه: محمد إسرائيل بن محمد إبراهيم السلفي الندوي،

والإمام أبو داود السجستاني، عن شيوخه:

 1-محمد إسرائيل بن محمد إبراهيم السلفي الندوي، 2-غلام الله رحمتي الأفغاني، 3-ثناء الله بن عيسى خان المدني الباكستاني، 4-يحيى بن عثمان عظيم آبادي المكي، 5-عبد الرحمن بن سعد بن محمد العياف الدوسري الودعاني، 6-ومحمد قدسي بن مأمون بن أحمد السوجي القروتي الأندونيسي.

والإمام محمد بن سورة الترمذي، عن شيوخه:

1-عبد الشكور بن هاشم بن علي بن فيّاض المظاهري، 2-ومحمد إسرائيل بن إبراهيم الندوي السلفي، 3-غلام الله بن رحمت الله الكاكري البشاوري، 4-جلال الدين الجلالي السندي، 5-محمد إبراهيم بن عبد الستار المدارسي.

والإمام الطبراني، عن شيوخه:

1-عبد العظيم بن محمد المهدي بن محمد بن عبد الكبير الكتاني الحسني، 2-وأحمد بن أبي بكر بن أحمد بن حسين الحبشي العلوي.

 


الإبادة (في الأندلس) تأليف أحمد رائف بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

كتاب الإبادة (في الأندلس)

للمؤلف أحمد رائف

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد: هذه الأوراق القاتمة من تاريخنا، والتي ترسم تلك المجازر المروعة التي تعرض لها المسلمون في الأندلس، وقصة الضياع الكاملة لفردوس المغرب العربي، بعد ثمانية قرون من الحكم الإسلامي الحنيف، والتي لن تملك عند قراءتها سوى أن تقول: "ما أشبه الليلة بالبارحة"، و "ما أشبه الفاجعة بالفجعة".

لقد سقط هذا الثغر العزيز بما اجتاح بلاد المسلمين من الغفلة العارمة، فتسلط عليهم أهل الباطل، وكانوا أداة عقابهم. وجرى عليهم من الأحداث الكبرى الحارقة للأكباد ما يقف القلم عاجزاً عن وصفه. حتى جاء الورثة السفهاء الذين جعلوا من قصة هذه المأساة رواية يتسلون بها أمام المدفأة في ليالي الشتاء.

لقد نزلت الإبادة بسكينها، فتم محو شعب نابض بأكمله، وهو الأمر الذي يتكرر هنا في "قطاع غزة" منذ أكثر من سنة ونيف، حيث القتل المرعب، والكرامة الضائعة، والهوان الذي تمرّغ الناس بترابه، وكأنها الحلقة الأخيرة في مسلسل الإجرام الذي لم تنتهي فصوله، فجاءت هذه الأخيرة لتقطع عن زعماء المسلمين وقياداتهم -بما فيهم قادة الجماعات الوطنية -أي فرص للتعلم من التاريخ؛ الذي نراه يحفر لنفسه مجرى يقود إلى نهاية يتضاءل فيها الأمل، لتستمر الفاجعة والمحرقة.

وقد نقّر المؤلف عن السنن الإلهية الثابتة التي تسير بنفس النسق والتتابع، وتفسر كثيراً من الأحداث في الأندلس الضائع، والتي تمثل سُنة الدول ودروس التاريخ، مستفيداً من البُعد الغيبي الذي سجلت صفحات التاريخ جملةً ظاهرة منه، ليعيد التاريخ دورته، ويؤكد أن ما جرى بالأمس فإنه يتكرر اليوم، ابتداءً من الهند التي استولى عليها الإنجليز، ثم الهندوس. والولايات الإسلامية التي استولت عليها روسيا القيصرية، ومن بعدها روسيا السوفيتية، ثم أندونيسيا والفلبين وتايلاند الذي يبتلعها التنصير، ومعها بلاد إفريقية التي تتلاشى، حتى قبل أن نعي أنها كانت جزءاً من أرض الإسلام، وبلغاريا وألبانيا والبوسنة والهرسك التي انتهكتها الحملات الصربية، مروراً بأفغانستان وكشمير والعراق ولبنان، وآخرها فلسطين، ثم غزة!

لقد أدرك ابن تاشفين أن مشكلة الأندلس تكمن في "ملوك الطوائف"؛ فقرر القضاء عليها وتوحيد مملكة قوية تصمد أمام المد النصراني، وهي مشكلتنا الغزية القديمة الجديدة، حيث عانى شعبنا فيما لا يزال من الانقسام بين الطوائف المتناحرة على السلطة، والتي انشطرت على نفسها وعلى أرضها لتلد لنا عشرات الطوائف والأحزاب، إذن لا بُد من القضاء على هذا الانقسام الذي هو جريمة كبرى، وعبث بقضية ومستقبل بلادنا فلسطين.

ورأينا كيف أنتجت لنا قنوات الإعلام صوراً خادعة عن هذه الجريمة، ونشرت عشرات اللقاءات التي تُهان فيها الوطنية، وتؤجج فيها الصراعات الحزبية باسم الدين تارةً، وباسم المقاومة تارةً أخرى، نطق فيها الرويبضة وأنصاف الشيوخ وعاهات الفكر، حتى نشب الصراع، وحدث الانقسام، وتمكنت الرواية الإعلامية من زراعة الوهم في أن مصالحةً لا يمكن أن تتم، وأسدلت على ذلك نُتفاً من الأحداث، تجعل المشاهد غارقاً في سيل من الأوهام، وإن ضاعت منه فهو يبحث عنها. 

نتذكر في هذه الإبادة كيف كان ملوك بني الأحمر يحكمون البلاد الإسلامية، بأحقادهم وإحنهم، وحكمهم على الحكم والعروش، ويلعبون بمستقبل البلاد والعباد، والقشتاليون يكسبون كل يوم أراضي جديدة، ويوقعون العداوة والبغضاء بين بني الأحمر. وتنطلق صيحات المصلحين والدعاة المسلمين، فلا تكاد تبين وسط جوقة صاخبة يغذيها الحقد الأعمى بين ملوك بني الأحمر. وبنفس الطريقة ضاعت فلسطين بين الطوائف المتناحرة التي تواثبت تواثب القرود على كرسي الحكم والسلطة، وهذا غايتهم من العلم والعمل.

ونقرأ في هذا الكتاب كيف كان الشعب المسلم وحيداً في هذه المحرقة بلا نصير، أما الحكومات الإسلامية فهي خائنة بلا ضمير، أما الطوائف فهي تحترف الحرب وتبيع فنونها وقدرتها على القتال لمن يدفع أكثر في تلك الجيوب الصغيرة، حتى حكموا على بلادهم بالانهيار، ودولتهم بالسقوط، في عالم اختلط فيه الغث بالثمين، وامتزجت فيه المفاهيم الصالحة بالقصود السيئة. وقتل من المسلمين آنذاك أكثر من ثلاثين ألفاً، ومن نجوا منهم تم اعتقالهم واقتيادهم إلى محاكم التفتيش، وحكم على الأسرى بأحكام ما بين تقطيع وحرق وتذويب وتمزيق ونشر، في أحداثٍ مؤلمة وبشعة لا يمكن وصفها، ومن بقي لم يكن أمامه سوى الهجرة أو الدخول في النصرانية، وهكذا ختمت قضية الأندلس بأبشع ستار وأقتمه.


آداب الفتى علي فكري بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

آداب الفتى

علي فكري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


       تمهيد: الأدب في أبسط تعريفاته هو السلوك المترتب على معرفة الخير والشر، وتمييز النافع من الضار، ومعرفة الحقوق للمطالبة بها والواجبات للقيام بها، ومداوة النفوس من الأمراض والأغراض السافلة، وتبرئها من المساوئ والعيوب، وتحليها بالفضائل، وتطهيرها من الرذائل، حتى يصير صاحبها محمود الأقوال والأفعال، ومثالاً للفضيلة والكمال.

       ولا ريب أن تأديب الفتيان والنشء مما ينبغي العناية به، وبثه بين الناس، وأن غرس الفضائل فيهم من أولى أولويات التربية الإسلامية، لما يترتب على ذلك من سعادتهم الدنيوية والأخروية، وكمال عقولهم وزيادة معرفتهم ومنفعتهم.

       وهذا الكتاب اللطيف تضمن جملةً كبيرة من آداب الفتية والصبيان في جميع المستويات، ومع جميع الدوائر الاجتماعية العلوية والسفلية، فبدأ بذكر الأدب تعريفه ومفهومه، ثم أدب الفتى مع نفسه، ووالديه، ثم مع إخوته، وأقاربه، وجيرانه، وفي منزله، وفي مدرسته، وذكر علاقة الأدب بآداب التعلم، وعلاقته بشتى المناحي السلوكية التي تلازم الإنسان في المأكل والمشرب والملبس والخروج من المنزل والدخول إليه، وغير ذلك.

       وقد قسم المؤلف هذه الآداب إلى أربعة أقسام كبرى، وهي:

1-آداب نفسيه: وتُعنى بتهذيب الأخلاق، والحث على محاسن الشيم والعادات.

2-آداب روحية: وعنى بمراعاة علاقة العبد بربه، وعبادته، والشعائر التي تنتظم فيها العبادة.

3-آداب مجتمعية: بأن يتعامل المرء مع الناس كما يُحب أن يعاملوك.

4-آداب وطنية: وتكون بمحبته لوطنه، وخدمته لأفراد شعبه، والمشاركة في رفعة الوطن ومنفعته.

ولعل أجمل ما في الكتاب فصوله الأخيرة، وأنت تقف على جملة من وصايا الآباء للأبناء، ولعلي أنقل جملة كريمةً منها:

1-وصية بديع الزمان إلى ابن أخته:

((أنت ولدي ما دمت، والعلم شأنك، والمدرسة مكانك، والمحبرة حليفك، والدفتر أليفك، فإن قصّرت فلا أخالك، فغيري خالك، والسلام)).

2-وصية أب صالح لابنه:

أوصى بعض الصُّلحاء وصيةً لابنه، ونفعها عام لجميع الناس، يقول فيها: يا بني أرشدك الله وأيدك أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها وحافظت عليا، رجوت لك السعادة في دينك ومعاشك بفضل الله ورحمته إن شاء الله تعالى. أولها وأولاها: مراعاة تقوى الله العظيم بحفظ جوارحك كلها عن معاصي الله عز وجل، حياءً من الله تعالى، والقيام بأوامر الله، عبوديةً لله. وثانيها: أن لا تجزع عند المصيبة. وثالثها: أن تنصف من نفسك ولا تنتصف لها إلا لضرورة. وراعها: ألا تعادي مسلماً ولا ذمياً. وخامسها: أن تقنع بما رزقك الله من جاه ومال. وسادسها: أن لا تستهين بمنن الناس عليك. وسابعها: أن تُحسن التدبير فيما يديك استغناءً به عن الخلق. وثامنها: أن لا تطبع نفسك في الفضول بترك استعلام ما لم تعلمه والإعراض عما قد علمت. وتاسعها: أن تلقى الناس مبتدئاً بالسلام، ومحسناً في الكلام منطقاً، صادق الوعد، متواضعاً باعتدال، مساعداً بما تجد إإليه السبيل، متحبباً إلى أهل الخير، مدارياً لأهل الشر، مبتغياً في ذلك السُّنة. وعاشرها: أن لا تستقر على جهل ما تحتاج إليه في مصلحة دينك ومعاشك. اللهم أهله في ذلك لامتثالها.

3-وصية عبد الله بن الحسين بن الحسين بن علي لابنه:

(( أي بنىّ! إني مؤدّ حقّ الله في تأديبك، فأدّ إلىّ حقّ الله في الاستماع منى؛ أى بنىّ! كفّ الأذى، وارفض البذى، واستعن على الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك فيها نفسك إلى الكلام، فإنّ للقول ساعات يضرّ فيها الخطأ، ولا ينفع فيها الصّواب، واحذر شورة الجاهل. وإن كان ناصحا، كما تحذر مشورة العاقل إذا كان غاشّا؛ لأنه يرديك بمشورته؛ واعلم يا بنىّ أن رأيك إذا احتجت إليه وجدته نائما، ووجدت هواك يقظان، فإياك أن تستبدّ برأيك، فإنه حينئذ هواك؛ ولا تفعل فعلا إلا وأنت على يقين أنّ عاقبته لا ترديك، وأن نتيجته لا تجنى عليك. وهو القائل: إياك ومعاداة الرجال فإنك لن تعدم مكر حليم، أو معاداة لئيم)).

4-وصية أحد الأشراف:

((يا بُني أوصيك أن تأتمَّ بالعلماء وتؤاخي الفضلاء، وتأتسي (تقتدي) بأولي المروءة وأن تتباعد عن الدناءات، وأن يكون الكمال ظاهراً على هيئتك، والتقوى ملء فؤادك، وأن تؤدي ما يجب عليك أداؤه في وقته، وأتن تتمسك بالائتلاف مع الناس، ومواساة ذوي البؤس، وصلة من يستحقون الصلات، وإذا ائتمنك امرؤ فلا تخنه، ولا ييئسنك المطلب السّني معهما كانت العوائق حائلة دونه، وهي دائماً لكل أمرٍ الأسباب الت تؤدي إلى النجاح فيع، ولا تقل علام أسعى وكل شيء مقدور؛ فإن القدر لا يمنع السعي، وقلما تخلو حركة من بركة. يا بني ينبغي لك أن تحاسب نفسك كل ليلة متى أويت إلى منامك، وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنةٍ فتشك الله عليها، وسيئة فتستغفر الله منها، وتقلع عنها، وترتب في نفسك ما تعمله في غدك من الأعمال النافعة في الدنيا والآخرة)).

5- وصية أحد الأدباء:

((يا بني هداك الله إلى سبيل الرشاد. أوصيك أن لا تسعى في نفع نفس بضر غيرك، فيغضب عليك الخالق والخلق، لأنك بهذا الفعل تعصي الله ورسوله وتخالف مقتضيات الإسلام والإيمان، فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من آمن الناس من شره وضره. واعلم أن هذه الدنيا التي تغرك زخارفها فتؤديك إلى فعل القبائح من غدرٍ وخيانة للحصول على أغراضها الفانية، ليست إلا سبيلاً إلى دار عقاب أو ثواب على ما فعلت في دنياك، وقد جاء في القرآن المجيد (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) فأولى بك أن توجه جميع مقاصدك إلى تجنب ما يكسبك العار في الدنيا والنار في الآخرة، فلا تقرب الخيانة، ولا تحد عن سبيل الأمانة، فإن الخيانة من أقبح الخصال، وأسوأ الأخلاق، بخلاف الأمانة؛ فإنها أصل ما تخلق به الإنسان الكامل، وأحسن ما تتوصل به إلى محبة الله والناس)).

6-وصية العلامة السهروردي لابنه (جامعة للنصائح والمواعظ):

((يا بني لا عقل لمن لا وفاء له، ولا مروءة لمن لا صدق له، ولا علم لمن لا رغبة له، ولا كرم لمن لا حياء له، ولا توبة لمن لا توفيق له، ولا كنز أنفع من العلم، ولا مال أربح من الحلم، ولا حسب أرفع من الأدب، ولا رفيق أزكى من العقل، ولا دليل أوضح من الموت، ولا كرم أنفع من ترك المعاصي، ولا حمل أثقل من الدين، ولا عبادة أفضل من الصمت، ولا شرٌّ أشرَّ من الكذب، ولا كبر أكبر من الحمق، ولا فقر أضر من الجهل، ولا ذل أذل من الطمع، ولا عار أقبح من البخل، ولا غنى أغنى من القناعة. يا بني من نظر في عيب غيره استعظم ذلة نفسه، ومن سلّ سيف البغي قُتل به، ومن حفر حُفرة لغيره وقع فيها، يا بني من صارع الحق صُرع، ومن تعرض لهتك مسلم هتك الله عورته، ومن أُعجب برأيه ضل، ومن تكبر على الناس ذلّ، ومن شاور لم يندم، ومن جالس العلماء وُقر، ومن جالس السفهاء حُقر، ومن قلّ كلامه حُمدت عاقبته، ومن عُرف بالكذب لم يُصدقه أحد، ومن طاوع نفسه في شهواتها فضحته، ومن لم يعرف مقادير الرجال فألحقه بالبهائم. يا بني إني ذُقت الطيبات كلها فلم أجد ألذ من العافية، وذقتُ المرارات كلها فلم أجد أمرَّ من الحاجة إلى الناس، ونقلتُ الحديد والصخر، فلم أجد شيئاً أثقل من الدين. يا بني إذا جاورك قومٌ فغض نظرك عن محارمهم، ومن أساء إليك فأحسن عليه. يا بني ازرع الجميل تحصد الجزيل، واصحب الأشراف وتجنب الأطراف؛ لأن الأشراف إن صحبتهم رفعوك، أما الأطراف فإن صحبتهم وضعوك، وإن أمنتهم خدعوك، وإن اطلعوا على سرك فضحوك، وإن استغنوا عنك تركوك، يا بني عليك بالندامة على الذنب، واذكر الله بالعشي والأبكار وصلّ على النبيّ المختار، يا بني انظر لمن هو تحتك في الدنيا، وإلى من هو فوقك في الدين، تفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة)).

7-مقتطفات من الوصية التي قالها علي بن أبي طالب لابنه الحسين، وهي جامعة لمكارم الأخلاق:

((يا بني إن بقيت أو فنيت فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله فإن الله يقول: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 103]. وأي سبب يا بني أوثق من سبب بينك وبين الله عز وجل. أحي قلبك بالموعظة ونوره بالحكمة وقوه بالزهد وذلله بالموت وقرره بالفناء وحذره صولة الدهر وتقلب الليالي. واعرض عليه أخبار الماضين وسر في ديارهم وآثارهم فانظر ما فعلوا وأين حلوا فأنك تجدهم قد انتقلوا من دار الغرور ونزلوا دار الغربة. وكأنك عن قليل يا بني قد صرت كأحدهم فبع دنياك بآخرتك ولا تبع آخرتك بدنياك، ودع القول فيما لا تعرف والأمر فيما لا تكلف، ومر بالمعروف بيدك ولسانك، وكن من أهله وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله. يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، واحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك، واعلم أن الاعجاب ضد الصواب، وآفة الالباب، فاسع في كدحك، ولا تكن خازنا لغيرك، وإذا أنت هديت لقصدك، فكن أخشع ما تكون لربك))

8-وصية زياد بن أبيه لابنه عبيد الله عند موته:

((يا بني لا تدنسن عرضك، ولا تبذلن وجهك، ولا تخلقن جدتك بالطلب إلى من إن ردك كان رده عليك عيبا، وإن قضى حاجتك جعلها عليك منا، واحتمل الفقر بالتنزه عما في أيدي الناس، والزم القناعة بما قسم لك، فإن سوء عمل الفقير يضع الشريف، ويخمل الذكر، ويوجب الحرمان. واعلم أن حفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يدي غيرك، ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس، والحرفة مع العفة، خير من الغنى مع الفجور، والمرء أحفظ لسره، ورب ساع فيما يضره)).

9-وصية أحد الصالحين لولده:

((يا بني قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم، بئس الطعام الحرام! وظلم الضعيف أفحش الظلم! إذا كان الرفق خرقا، كان الخرق رفقاً، ربما كان الدواء داء، والداء دواء، وربما نصح غير الناصح، وغش المستنصح، وإياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى، والعقل حفظ التجارب، وخير ما جربت ما وعظك، بادر الفرصة قبل أن تكون غصة، ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يئوب، ومن الفساد إضاعه الزاد، ومفسدة المعاد، ولكل أمر عاقبة، سوف يأتيك ما قدر لك، التاجر مخاطر، ورب يسير أنمى من كثير)).

10-وصية سيدنا علي بن أبي طالب إلى الحارث الهمداني:

وفيه ((وتمسك بحبل القرآن وانتصحه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وصدق بما سلف من الحق، واعتبر بما مضى من الدنيا لما بقى منها فإن بعضها يشبه بعضا، وآخرها لاحق بأولها، وكلها حائل مفارق. وعظم اسم الله أن تذكره إلا على حق، وأكثر ذكر الموت وما بعد الموت، ولا تتمن الموت إلا بشرط وثيق. واحذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه، ويكرهه لعامة المسلمين، واحذر كل عمل يعمل به في السر، ويستحى منه في العلانية، واحذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره واعتذر منه، ولا تجعل عرضك غرضا لنبال القوم، ولا تحدث الناس بكل ما سمعت به، فكفى بذلك كذبا، ولا ترد على الناس كل ما حدثوك به، فكفى بذلك جهلا. وأكظم الغيظ، واحلم عند الغضب، وتجاوز عند المقدرة، وأصفح مع الدولة تكن لك العاقبة، واستصلح كل نعمة أنعمها الله عليك، ولا تضيعن نعمة من نعم الله عندك، ولير عليك أثر ما انعم الله به عليك. واعلم أن أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمة من نفسه وأهله وماله، وإنك ما تقدم من خير يبق لك ذخره، وما تؤخره يكن لغيرك خيره. واحذر صحابة من يفيل رأيه، وينكر عمله، فإن الصاحب معتبر بصاحبه. واسكن الامصار العظام فإنها جماع المسلمين، واحذر منازل الغفلة والجفاء، وقلة الاعوان على طاعة الله، وأقصر رأيك على ما يعنيك. وإياك ومقاعد الاسواق فإنها محاضر الشيطان، ومعاريض الفتن. وأكثر أن تنظر إلى من فضلت عليه، فإن ذلك من أبواب الشكر. ولا تسافر في يوم جمعة حتى تشهد الصلاة إلا فاصلا في سبيل الله، أوفى أمر تعذر به. وأطع الله في جمل أمورك، فإن طاعة الله فاضلة على ما سواها. وخادع نفسك في العبادة وأرفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلا ما كان مكتوبا عليك من الفريضة، فإنه لا بد من قضائها، وتعاهدها عند محلها. وإياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربك في طلب الدنيا، وإياك ومصاحبة الفساق، فإن الشر بالشر ملحق)).

11-وصية علي بن أبي طالب لعبد الله بن العباس:

((سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب فإنه طيرة من الشيطان وأعلم أن ما قربك من الله يبعدك من النار، وما باعدك من الله يقربك من النار والسلام))

12-وصية أخرى لعلي بن أبي طالب لأتباعه:

((أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلاً. لا يرجون أحد منكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم ولا يستحين أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الايمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا خير في إيمان لا صبر معه)).

13-وصية ف مجلس (أنيس الجليس) بقلم حضرة الفاضل محمد أفندي محمد بالأوقاف:

((وصيتي لأقربائي وأحبابي وأصدقائي. إذا نُعيت إليم ونزل خبر انتقالي عليكم، فاجتمعوا لتشييعي، وقوموا بواجب توديعي، ولكن أحذركم أن تسمحوا لنادبةٍ أو تسمعوا لصاخبة، أو ترضوا لفاطمة أن تكون لاطمة، أو تأذنوا لنائحة أو تنصتوا لصائحة، أو تفتحوا باباً للمؤبنات هؤلاء اللاتي اشتهرن (بالمعددات)، ثم اعلموا أن الحزن إنما هو في القلوب، لا بلطم الخدود ولا بشق الجيوب، فأنهاكم أن تأتوا شيئاً من هذه المعايب، وأن تحملوا أوزاكم على ظهوركم بهذه المثالب. فالنبي لما نجع بولده والذة كبده قال ( إن العين لتدمع وان القلب ليخشع وانا بك يا ابراهيم لمحزونون إنا لله وإنا إليه راجعون) ولذلك لا تخرج وراء النعش قريبة ولا جارة ولا صاحبة ولا نسيبة لا راكبات ولا راجلات ولا مبرقعات ولا سافرات ولا أختى ولا زوجتى ولا بنت أخي ولا إبنتي فقد نهى عن ذلك سيد الكائنات بقوله ( إرجعن ما زورات غير مأجورات) وإياكم وخروج النساء إلى القبر فذلك عيب لا يستطاع عليه الصبر أما أنتم فإذا زرتم المقابر فليكن للعظة ولكم في ذلك ذكرى وموعظة: تنظرون إلى الموتى في حضرتكم نظر الذي سيلحق بهم في ليلة زورتهم وتتفكرون في من ضمت هذه المقابر من الأكابر والأصاغر ومن ملك ومملوك وأمير وصعلوك وكيف أنا لا ينتظرون غير الموت حل بهم فجعلهم الجميع عفو ربهم لا شئ مما اقتنوا ولا قصر مما بنوا ولا مال ولا بنين ولا أمل في غير رب العالمين فيظهر لكم بأجلى برهان قدرة الواحد الديان وكيف اننا بعد الحياة ميتون و بعد الموت منتشرون (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم بيتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) وكذلك اجتنبوا السرف في النفقات ولا تبسطوا أيديكم في تقديم الصدقات كذلك أنها كم عما تسمونه بالكفارة والنقوش في الحجارة فذلك وزر على وزر وهذا عمل لا يفيد ساكن القبر وبالجملة آمركم أن تكونوا عند حد الشرع الطاهر وأن لا تقربوا شيئاً من تلك المظاهر وأن تحاربوا تلك العادات بعدتكم وعدتكم وتجاهدوا لازالة تلك السيئات بجميع قوتكم لتظهر وا بيت العلم من مثل هذا الخزى والاثم لانه إذا كانت بيوت العلماء ميداناً لهذا الشفاء والبلاء وما تم الكبار تشتمل على مثل هذا العار.

فكيف برجى لنا الصلاح أو تتعلق آمالنا في النجاح . كنت في الحياة أظهر بأجمل رونق بنياب من سندس واستبرق وإنا إلى البلى اليوم صار فما معنى هذه المفاخر ؟ فالله الذي وعد المتقين خيراً في الدار الآخرة يقول (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) فمن سلك سبيل الطاعات يحمد منه السرى ، فقد قال تعالى (وأن ليس للإنسان الا ما سعى وأن سعيه سوف يرى) ومن ضل عن الصراط السوى ولم يتبين الرشد من الغي فبشره بالعذاب الأليم (والذين كذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) فيا قوم كتابك وعدكم بالثواب على الحسنات واوعدكم بالعقاب على السيئات والله لا يخلف الميعاد ولا يمنع ما أراد فاعملوا بأوامره واجتنبوا نواهيه تكونوا من الفائزين ولا تظنوا غير ذلك (فذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين) فهذه وصيتي بكتابي لجميع الذين يحضرونه (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه)).

14-وصية والد قبل وفاته لولده ( بقلم أحمد بك حافظ عوض )

((إعلم يا ولدي العزيز ان هذه الدنيا ليست بدار بقاء وانا ان لم أرحل عنها الآن فسأرحل عنها قريباً فلا تحزن فالحزن ليس من شأن الرجال وأنا أموت مرتاح البال لاني ربيتك وهذبت أخلاقك وإن كنت لم أترك لك ثروة كبيرة تستعين بها على متاعب الدنيا غير اني واثق بهمتك وانصحك بان نتخذ لك طريقاً تسلكه في هذا العالم لتعيش به شريفاً مكرماً وأوصيك يا ولدي بالهمة والنشاط ومساعدة إخوانك والفقراء والمساكين بقدر امكانك وتمسك بقواعد الدين الشريف والأخلاق المرضية وفوق كل شيء لا تنس خدمة بلادك فإنها في احتياج لخدمة أمثالك وأنا أموت مطمئنا لأنك ستكون خير خلف لأبيك والله يوفقك ويهديك لما فيه الخير والفلاح)).








الاثنين، 25 نوفمبر 2024

من المسؤول عن تخلف المسلمين محمد سعيد رمضان البوطي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

من المسؤول عن تخلف المسلمين

محمد سعيد رمضان البوطي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

      

       تمهيد: تتناول هذا الرسالة واقعاً يتمثل بشكل عام في الرقعة الواسعة التي يمتد عليها وجود الأمة العربية التي هي جزء هام من الأمة الإسلامية، ها الواقع الغريب والصعب والذي يصدق عليه تعبير "تخلف المسلمين" الذي تتسع دائرته لتشمل كل بلدان ومجتمعات العالم العربي، ولا بد قبل التعريف بهذا الكتاب من التعرف على معنى كلمة "التخلف" ومقصد الكاتب منها، حتى نستوعب هذا المصطلح الغريب والجديد والصعب أيضاً.

ويرى البوطي أن التخلف، هي كلمة، تشمل كل مظاهر الضعف أو الجهل أو الفقر في حياة الأمة. فهي إذاً تنحط على تفرق المسلمين وتدابرهم، وعلى استلاب اليهود وغيرهم لأراضيهم، وعلى جمود الحركة العلمية في حياتهم، وعلى قعودهم عن تسخير ما في الأرض لمعاشهم.

ويُحقق البوطي في صدق هذا التعبير (أو هذه التهمة) عن الواقع العربي، والتي تبين له أنها شيءٌ واقعي، لكن لا صلة لها بالإسلام كدين ومنطق ومنظومة تربوية وتعليمية متكاملة، وإنما شأنها في الأنظمة الوضعية التي ارتضت أن تكون خادمة للمستعمر، ومجهضة لكل سبل النمو والتقدم العلمي والتكنولوجي، كما أن العلم الغيبي اليقيني قد تفرَّد المسلمون بصحته وسلامة ما فيه، دون غيرهم من العلماء والمفكرين من الشرق والغرب، لأن ما توفر لديهم فيه لم يتح لأحدٍ من الأمم، ولم تفز به حضارة من الحضارات غيرهم.

ويخلص البوطي إلى أن الإسلام لا يتحمل شيئاً من مسؤوليات التخلف الذي حاق اليوم بالمسلمين، لا فيما ينطوي عليه من ضرورة الإيمان بغيبيات أخبر عنها القرآن، ولا فيما يتضمنه من مبادئ وأحكام.

ثم ينتقل البوطي إلى مبحث جديد يناقش فيه مسؤولية هذا التخلف يقع على عاتق مَن؟ وقد أجمل هذه الأسباب في جملة من العوامل تحدد بمجموعها مسؤوليات هذا التخلف.

يقول البوطي إن مجموع العوامل التي تتشارك في التسبب لتخلفنا، لا تخرج (في اعتقادي) عن العوامل التالية:

أولاً ـ فقدان الاستقرار النفسي والفكري:

وهذا السبب، ينشأ بدوره عن عوامل مختلفة، يطول ذكرها وتفصيل الحديث عنها؛ من شأنها ان تثير ألواناً من الاضطراب في النفوس والأفكار، وهو ما يجد المستعمر في استمراره من خلال الحروب الداخلية، والثورات الطارئة، وتنغيص أمور المعاش، وضرب الحصار الاقتصادي، وإشغال المسلمين في قضايا تافهة.

ثانياً ـ فقد التخطيط المستوعب:

ومراده بالتخطيط المستوعب، ذاك الذي يتألف منه منهاج كامل، من شأنه أن يجند النشاطات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية، بحيث يتضافر منها كلها قائد واحد، يقود قافلة المجتمع كله في طريق موحد نحو التطور، من خلال دعم البحث العلمي، وإتاحة المجال للصناعات المحلية، والاختراعات الخادمة، بدلاً من الاتكال تماماً على منتجات الغرب ومخترعاته.

ثالثاً ـ فقدان الثقة بين قطاعات الأمة:

وأقصد بقطاعات الأمة ما يشمل الحكام والمحكومين على السواء. وهذا بلا شك له تأثير كبير في عرقلة السبيل إلى التطور والرقي، يجب أن أذِّكرك بأن الدخول في أي مشروع إنتاجي، مهما كان نوعه واتساعه، إنما يعتمد قبل كل شيء على رصيد من التفاعل والتعاون بين الأطراف والفئات كلها. فلا يمكن له أن يأتي بأي نتيجة إيجابية ذات قيمة، إذا ما كانت دعامته مكونة من جهود طرف واحد.

ربعاً ـ عدم ضفر المعارف وأصول الثقافات كلها لمحاربة التخلف:

يظن كثير ممن يثورون على التخلف وأسبابه، وينشدون التقدم ويبحثون عن سبيله، أن مفتاح التقدم العلمي والرقي الاقتصادي، كامن في الوسائل العلمية والتنظيمات والتخطيطات المباشرة فقط. ولا يتصورون أن للمعارف والاخلاق الإنسانية واصول الثقافة أي دور في الموضوع.

خامساً ـ التجزؤ بمختلف مستوياته:

واقصد بذلك التجزؤ الذي قد يبدأ في الاسرة الواحدة ثم يتعداها الى الحي الصغير، فالبلدة، فالإقليم، فالأمة، العربية بمجموعها، وأصغر هذه الدوائر سبب للذي بعده، وهكذا، ولا شك أن هذا التجزؤ له آثاره السلبية على استقرار المجتمع والأمة وانتظام أمورها، وبالتالي لا يمكن التقدم والتطور في ظل هذه الأجواء التي تكثر فيها الخلافات والمشاحنات.