مراتب العقل والدين
عبد الغني العمري الحسني
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: بقد منَّ الله تعالى على العقل الإنساني، بأن أخذ بيده وأخرجه من ظلمات نفسه إلى نور ربه، ولولا هدايته سبحانه وتعالى، ما اهتدى أحدٌ من عباده إليه، فالباب مفتوح لمن شاء أن يحقق درجة إنسانيته، ويرقى عن حيوانيته، التي تهوي به أسفل السافلين.
وهذا الكتاب المعاصر، والفريد يقع في ثلاثة أبواب، يطرق فيه شتى المواضيع المتعلقة بالمراتب العقلية والرتب الدينية، وقد تضمن نظرة إجمالية للمراتب التي ينزل العقل فيها، في أثناء سلوكه سبيل الترقي، وسبل التحقق بما تضمنته من المنازل والمراتب، وبين فيه: أن نهاية الفكر السليم في الإلهيات، هي العلم بوجود الإله مع نفي صفات المحدثات عنه. وأن القلب يستمد من الحواس الباطنة معارفه ومعانيه، وتتدرج هذه الحواس من الإدراك الأعم إلى الأخص، فأعم هذه الحواس هو الوجد العام، ثم يليه الشعور، ثم يليه الفهم، ثم الفراسة.
ولم يقف عند هذا الحد فحسب، بل استعمل هذا البحث في بيان بعض العوامل التي فرقت الأمة ومزقتها، وأدت إلى تشتت أفرادها، وضرب مثلاً لذلك في أن السلفي يجعل الصوفي مشركاً، والمتصوف يجعل السلفي منافقاً، وخرج من ذلك إلى أنه لو سلّم كلٌ لأخيه جانبه الذي يحسنه ويتقنه، لكان في ذلك إقامة للدين ظاهراً وباطناً.
واستطاع المؤلف أن يوضح أهمية المنهج الإسلامي في فتحه للمجالات الحسية في توسيع إدراكات العقل، من خلال أركان الإسلام، وجهل نسبة الأعضاء والجوارح للعقل كنسبة الحواس للبدن، ولا شك أن هذه الأعمال الحسية تعود على المسلم بواردات نورانية، تنمي إيمانه، وتؤهله إلى إدراك ما لم يكن يستطيع إدراكه.
يتعرض في الباب الأول: "للعقل المجرد"، من حيث تعريفه، وموارده الحسية، ثم الفكرية، وأسماؤه بحسب مرتبته: (النفس، والقلب، والروح)، ثم يعرض صورة مبسطة عن العقل الفكر، ويتعرض لضوابط الفكر، وأنواعه (الجدلي، السياسي، والتجاري)، ثم آفات هذا الفكر من (الخطأ، واتباع الهوى، والجهل بالضوابط، والتقليد، والتعصب، والتشعب)، ويعرض بعد ذلك نماذج من الفكر بحسب النظرة إلى الخلق والوجود، والرد عليها (المنهج الشكي "الديكارتي"، المنهج الإلحادي "المعطل"، والمنهج الدهري "التاريخي"، والمنهج المادي "الطبيعي").
وفي الباب الثاني: يتناول المؤلف العقل المعضد"، وتناول فيه الفرق بين الإيمان والفكر، من خلال الفطرة، ثم بيان أسباب الكفر، ومراتب الكفر، وحصر العقل بين هذه المراتب، التي بدأها بمرتبة الإسلام (النفس)، ودور العقل في هذه المرتبة، والآفات التي تعترضه، ورجال هذه المرتبة، ونفس الشيء في مرتبة الإيمان (القلب)، وكذلك مرتبة الإحسان (الروح)، وتناول الطريقة التي يمكن للعقل أن يرتقي من خلالها في هذه المراتب، من خلال الأعمال الظاهرة والباطنة.
وفي الباب الثالث: مثبطات العقل لدى الأمة، وذكر منها: الحالة العامة من الركود والميل نحو الدنيا، والفتن المنتشرة بين المسلمين، وطول العهد بالنبوة، والعولمة (الانفتاح على الثقافات الأخرى دون معايير أو ضوابط)، والديمقراطية (بمفهومها السيء)، وكثرة الجماعات الإسلامية (واختلاف دعواها)، ودعاوى حقوق الإنسان (التي لا تساير منهج الإسلام).
بعض مصطلحات البحث:
"الفكر" هو استعمال معلومات ثابتة الصحة عند العقل للتوصل إلى معلومات جديدة.
"العقل" هي القوة المدركة في الإنسان، به يُدرك الأشياء وغيرها على تفاوت بين الأشخاص.
"الإيمان": نور يقذفه الله بفضله في قلوب من يشاء من عباده، وهذا الإيمان يسير بالعقل في مجال جديد، قد يُصحح على ضوئه سابق مدركاته إن لم يغيرها جملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق