فضائل القدس
لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بـ"ابن الجوزي"
(508 - 597 هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذا الكتاب الحديثي هو جزء مشتمل على جملة من الروايات والأخبار المتعلقة بفضائل بيت المقدس، ووضعه، وبنائه، والعجائب التي فيه، وفضل زيارته، والسكنى فيه، ومضاعفة الحسنات والسيئات فيه، وأنه أحد المساجد التي تشد الرحال إليها، وذكر ما يشار إليه أنه من قبور الأنبياء، وكذلك محراب داود، وفي عين سلوان أنها من الجنة، وذكر ما جرى على بيت المقدس من النهب والخراب، وفي دخول العزير قرية بيت المقدس، وفي فتح يوشع بن نون لها، وذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ومسراه إليه.
ثم ذكر فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس في سنة خمس عشرة من الهجرة، وأخذ الصليبيين لبيت المقدس يوم الجمعة ثالث وعشرين شعبان سنة (492 هـ) اثنتين وتسعين وأربعمائة، وقتلوا زايداً عن (70) سبعين ألف مسلم، وأخذوا من عند الصخرة نيفاً وأربعين قنديلاً من فضة، كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم. وأخذوا تنورا من فضة وزنه أربعون رطلاً بالشامي، وأخذوا نيفا وعشرين قنديلاً من ذهب، ومن الثياب وغيرها ما لا يحصى.
وما زالت بيت المقدس مع الكفار إلى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. فقصده صلاح الدين النائب هناك عن أمير المؤمنين الناصر لدين الله بعد أن ملك ما حوله، فوصل الخبر إلينا في سابع وعشرين من رجب (583 هـ) سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة أن يوسف ابن أيوب الملقب بصلاح الدين فتح بيت المقدس وخطب فيه بنفسه وصلى فيه، ثم في ذكر من نزله من الأكابر وأقام به ومن توفي به، ومن ينتابه من الملائكة والعُبّاد، وأن الحشر من هنالك، ثم في فضيلة الصخرة، وندب الصلاة بجانبها، وأن الله تعالى عرج بنبيه صلى الله عليه وسلم من هناك.
ويقع هذا الجزء في (27) سبعة وعشرين باباً، واشتمل على كثير من الأحاديث المرفوعة والموقوفة والآثار المروية عن التابعين، بل ومن الإسرائيليات، وجُلها ضعيف أو حكايات لا أصل لها، يشير إليها ابن الجوزي أحياناً، وجملة ما ورد في الكتاب مما يستأنس به في باب الفضائل، ولكن ينبغي الاعتناء بالصحيح منه دون الموضوع والمكذوب.
تعريف موجز ببيت المقدس
تُعرف بـ"إيلياء"، أو "القدس" أو "بيت المقدس" بالتخفيف والتشديد، افتتحت مع أرض فلسطين سنة ست عشرة بعد طول محاصرة؛ حتى خرج عمر بن الخطاب فصالح أهل كورة إيليا وهي بيت المقدس، وقالوا: لا نصالح إلا الخليفة، فسار إليهم حتى صالحهم. انتزعه النصارى من أيدي المسلمين لما استولوا على سواحل الشام وقتلوا به خلقاً من العلماء والأفاضل، ثم لما أعزَّ الله الإسلام ونصر دينه على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب.
وهي من المدائن القديمة العظيمة، وبها قبور الأنبياء صلوات الله عليهم وآثارهم، وهي جبلية وماؤها من الأمطار، وخارجها بساتين وكروم مزارع وأشجار وزيتون، وبها نخلة مريم عليها السلام التي ولدت عيسى صلى الله عليه وسلم، وبها محراب داود عليه السلام، وبها جبل عظيم منه رُفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وبها مسجد عظيم جداً وهو أعظم مساجد الدنيا، وفيه باب الرحمة لكل أمة تحج إليه وتعظمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق