المختارة من أحاديث السلسلة الذهبية
محمد كامل الكردي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذا الجزء تضمن أربعين حديثاً من رواية الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، والتي تُعرف بالسلسلة الذهبية؛ لكونها في أعلى درجات الصحة بالنسبة لغيرها من الأسانيد، وهي منتقاة من "مُسند" الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وذكر تخريجها من الصحيحين وموطأ الإمام مالك، وبه توضيحات فقهية يسيرة؛ إذ أكثر موضوعات الكتاب فقهية، كذلك تعريف بأئمة السلسة الذهبية، وتعريف بمُسند الإمام الشافعي.
وقد تضمن الكتاب أربعة عشر باباً من أبواب الفقه، ويندرج تحت كل باب جملة من الأحاديث، ويجدر بالذكر أن هناك حديثان موقوفان على ابن عمر من فتواه، وهما: الحديث الثاني والثلاثين، والذي يليه، وتفصيلها كما يلي من غير ترتيب:
في الصلاة: فضل صلاة الجماعة، والنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، والجمع بين العشائين في السفر، وصلاة الليل وما يوتر به، وصلاة الخوف، والصلاة في الرحال في الليلة الباردة الماطرة.
في الزكاة: زكاة الفطر، وزكاة الحلي.
في الحج: لباس المحرم، صيغة التلبية، التحلل زمن الفتنة، متى بتحلل المحرم، ما يُقتل من الدواب في الحل والحرم، والصلاة في جوف الكعبة.
في البيوع: الخيار، اشتراط البائع، والنهي عن المزابنة، والنجش، والبيع على بيع المسلم، وبيع الحاضر للباد، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وبيع الطعام قبل استيفائه.
في النكاح: الخطبة على خطبة غيره، والنهي عن الشغار.
في الطلاق: اللعان، والطلاق في الحيض.
في العدة: عدة أم الولد المتوفى عنها سيدها.
في الحدود: رجم الزاني، وقطع يد السارق.
في الأطعمة: إباحة الضب، والنهي عن شرب الخمر، والنبذ في الدباء والمزفت، وكل مسكر خمر.
في اللباس: ما يحل من اللباس وما يحرم.
في الصيد: النهي عن اقتناء كلب سوى كلب صيد وحرث وماشية.
في الجهاد: الغنائم.
في السباق: المسابقة بين الخيل.
كمنا ذكر المؤلف إسناده إلى المسند الذي من جملته هذه الأربعين، من طريق الشيخ قاسم بن إبراهيم البحر اليماني، عن شيخه مفتي الشافعية بزبيد محمد سليمان الأهدل، عن والده سليمان إدريسي الأهدل، عن والده محمد بن سليمان الأوسط الأهدل، عن الوجيه عبد الرحمن بن سليمان الأهدل بما صحَّ له في معجمه "النفس اليماني"، وهو يرويه بسنده إلى الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني بما في "المعجم المفهرس" له، ومن ضمنها الحديث المسلسل بالشافعية، ثم ذكر أسانيد أخرى له.
ترجمة الإمام الشافعي رحمه الله
هو الإمام العلامة المحدث، ناصر الدين، فقيه الملة، أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، القرشي، ثم المطلبي الشافعي، المكي، الغزي المولد، نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب.
الموالد: ولد الإمام بغزة في بلاد الشام سنة: 150 هـ.
مشايخه: أخذ إمامنا الشافعي وروى عن جلة علماء عصره كسفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد الزنجي، مالك بن أنس، عبد الله بن نافع الصائغ، إبراهيم بن سعد الزبيري، مطرف بن مازن الصنعاني، هشام بن يوسف الصنعاني، عمرو بن سلمة التنيسي، محمد بن الحسن الشيباني، وكيع بن الجراح، حماد بن سلمة، وخلق سواهم.
تلاميذه: حدث عنه: الحميدي وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وعبد العزيز المكي، وحسن بن علي الكرابيسي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، والسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد الزرقاني، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق بن بهلول، وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم، والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى البلخي، وسليمان بن داود المهري، والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر الخولاني، وخلق سواهم.
مصنفاته: منها: الرسالة، كتاب اختلاف الأحاديث، كتاب َجماع العلم، أحكام القرآن، إبطال الاستحسان، اختلاف مالك والشافعي، اختلاف العراقيين، فضائل قريش.
قالوا عنه: قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي؟ إني سمعتك تكثر من الدعاء للشافعي؟ فقال: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف أو منهما عوض؟
وقال أبو ثور الكلبي: ما رأيت مثل الشافعي ولا رأى هو مثل نفسه.
وقال أيوب بن سويد: ما ظننت أين أعيش حتى أرى مثل الشافعي.
قال أحمد بن حنبل: إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكذب، قال: فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي.
الوفاة: توفي رحمه الله في مصر سنة 204 هـ.
ترجمة الإمام مالك رحمه الله تعالى
هو شيخ الإسلام، حجة الملة، إمام دار الهجرة، أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث، وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن زرعة، وهو حمير الصغير الحميري، ثم الأصبحي، المدني، حليف بين تيم من قريش، فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله، أحد العشرة.
الموالد: ولد الإمام بالمدينة النبوية سنة:193 هـ.
مشايخه: أخذ عن خلق كثر منهم: ابن هرمز، نافع موَلى ابن عمر، زيد بن أسلم، ابن شهاب الزهري، أبو الزناد، أيوب السختياني، ثور بن زيد الديلي، حميد الطويل، هشام بن عروة، وخلق سواهم.
تلاميذه: حدث عن مالك عدد كبير من الناس، فقد حدث عنه من شيوخه: عمه أبو سهيل، ويحيى بن أبي كثير، وابن شهاب الزهري، ويزيد بن الهاد، وغيرهم.
وحدث عنه من أقرانه: أبو حنيفة، الأوزاعي، حماد بن زيد، سفيان بن عيينة، عبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم.
كما أخذ عن: يحيى بن يحيى التميمي ويحيى بن يحيى الليثي، ومصعب الزبيري، ومحمد بن معاوية النيسابوري، وأحمد بن نصر الخزاعي، وخلق سواهم.
قالوا عنه: قال ابن عيينة: ما ترك مالك على ظهر الأرض مثله.
وقال أحمد بن حنبل: كان مالك بن أنس من أثبت الناس في الحديث، وقال لا تبال أن تسأل عن رجل روى عنه مالك بن أنس، ولا سيما مدني.
وقال الشافعي: إذا جاء الحديث عن مالك فشد به يدك.
الوفاة: وتوفي رحمه الله سنة: 179 هـ، ودفن بالبقيع.
التعريف بالإمام نافع رحمه الله
هو الإمام الفقيه أبو عبد الله المدني، نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي، قيل: أصله من المغرب، وقيل: من نيسابور، وقيل: اسم أبيه هرمز وقيل: طاووس.
قال ابن أبي حاتم: يقال: إنه من أبرشهر، ويقال: إنه كان من أهل المغرب، وأصابه ابن عمر في بعض غزواته.
قالوا عنه: قال البخاري: أصح الأحاديث: مالك عن نافع عن ابن عمر.
قال الذهبيُّ: من أئمة التابعين وعلمائهم.
قال ابن حجر: ثقة ثبت فقيه مشهور.
الوفاة: توفي رحمه الله سنة 116 هـ.
التعريف بمسند الإمام الشافعي
قال الإمام ابن حجر: وَهُوَ عبارَة عَن الْأَحَادِيث الَّتِي وَقعت فِي مسموع أبي الْعَبَّاس الْأَصَم على الرّبيع بن سُلَيْمَان من كتاب الْأُم والمبسوط، التقطها بعض النيسابوريين من الْأَبْوَاب [المعجم المفهرس = تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة (ص: 39)].
وقال الإمام الذهبي: وَقَدْ سَمِعْنَا مِنْ طَرِيْقِ الربيع "المُسْنَدَ" للشَّافعِيِّ، انتقَاهُ أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ مِنْ كِتَابِ (الأُمِّ) ليَنْشَطَ لِرِوَايَتِهِ للرَّحَّالَةِ، وَإِلاَّ فَالشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- لَمْ يُؤلِّفْ مُسنَداً. [سير أعلام النبلاء ط الرسالة (12/ 589)]
وقال الشيخ عبد الله بن صالح بن محمد العبيد: وحديث الشافعي من أصح الأحاديث لجلالته، وضبطه، وشدة تحريه؛ فإنه نزَّه كتابه عن رواية الكذابين وأصحاب المناكير، وربما تردد في حديث، فعلّق الحكم على صحته، وله تعليقات كثيرة على الأحاديث، يبين العلل ويتكلم على الرجال، وهو أحد أئمة الجرح والتعديل، وأما روايته عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى السلمي المدني، فكان يرى أنه صدوق، يقبل حديثه، وما الظن بهذا الإمام إلا ذلك، وخالفه أكثر الأئمة، فتركوا حديثه، وفصل الإمام الحافظ المزي الأمر فيه؛ فقال: وقد نظرت أنا في أحاديثه وتبحرتها، وفتشت الكل منها، فليس فيها حديث منكر، وإنما يروى المنكر من قبل الراوي عنه، أو من قبل شيخه لا من قبله، وهو في جملة من يكتب حديثه، وقد وثقه الشافعي وابن الأصبهاني وغيرهما. [تهذيب الكمال في أسماء الرجال (2/ 189)].
قلت: حديثه المحفوظ معروف، ومناكيره معلومة، فالأمر بعد ذلك هيّن، وحديثه قليل عند الشافعي، لعل الموجود منه في كتبه لا يجاوز الخمسين حديثاً [المسانيد المئة: 48 -49].
وهذا المسند لا يستوعب جميع أحاديث الشافعي، فإنه مقصور على ما كان عند الأصم من حديثه كما قال ابن الصلاح، ولم يرتب الذي جمع أحاديثه على الأبواب ولا على المسانيد، فقط التقطها من كتاب الأم وغيرها، وقد رتبه الشيخ العالم عابد السندي رحمه الله على الأبواب الفقهية، وحذف ما كان مكرراً لفظاً ومعنى، كما ذكره نفسه رحمه الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق