أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 17 أكتوبر 2024

الأنوار في آداب صحبة الأخيار. عبد الوهاب الشعراني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الأنوار في آداب صحبة الأخيار.

عبد الوهاب الشعراني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

       تمهيد: هذه الرسالة اللطيفة، اشتملت على أخلاق الصفوة، وآداب الكُمّل من العلماء والعارفين، وهي باقة عطرة من زهور الأخلاق والآداب يُقدمها للمسلمين عامة، لينتفعوا بها، ويتروحوا بأريجها، وجعلها في ثلاثة فصول وخاتمة، حبك فيها ضوابط الصحبة بشكل عام، وضوابطا عند الصوفية بشكل خاص، كما نوه إلى أهمية العمل بالعلم، سيما وأنه كتب هذه الرسالة لأهل عصره، الذين أصابتهم البطالة.

ومن يقرأ هذه الرسالة يدرك بوضوح أهمية هذه الرسالة وأمثالها، سيما وأن الحديث فيها يدور على الصحبة ولوازمها، وشروط الصاحب، وما ينبغي للصاحب والمصاحب أن يكونا عليه، ومن الذي يُصحب، وأن الصاحب على الحقيقة هو الذي يصحبك في سفرك وحضرك، ويخلفك في أهلك، ويقدر على نصرك وظفرك، وغير ذلك مما هو مسطور فيها.

وقد أجمل المؤلف الصحبة في كونها الطريق العملي الموصل إلى تزكية النفس، والتخلي عن رعوناتها وآفاتها، والتحلي بكمالات الأخلاق والأعمال والآداب، وبين أنه يتقوى بها قلب المؤمن، وتزداد ثقته في منهج الله تعالى.

       وما سُمي الصحابة بذلك إلا لصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون هم أصحاب الصحابة، وهكذا دواليك، ما انفك أهل الإيمان عنها، فهي أصل عظيم من أصولهم، ولذلك استمر شأنها قديماً وحديثاً، وقد علموا أن الصحبة التي لا توصل إلى الغايات النبيلة ليس لها معنى بين أهل الإيمان؛ لأنها لا تحقق الثمرة المرجوة، وهذه الصحبة أصبحت نادرة الوجود، فلم تعد صحبة اليوم إلا شكلاً من وسائل الترفيه والمتعة، وضرباً من أساليب جمع المال، أو لعلها عابرة معلولة تنتهي عندما يقضي الأطراف الوطر منها.

ومعلوم قصة ذلك التائب الذي قتل مائة نفس، فأمره العال أن يهجر الأرض الت يكان فيها، ويذهب إلى أرض كذا وكذا، ومعلوم أن المراد ليس هو هجر الأرض حقيقة، بل هجر من فيها من أصحاب السوء، والتوجه إلى البيئة الطيبة التي فيها أهل الفضل والصلاح.

       ويذكر المؤلف في الفصل الأول: ما ورد في شأن الصحبة، وفضل المتحابين في الله من حديث مرفوع وأثر مسموع وحكاية صالحة، وعلل ذلك بقوله: "لأن القلب يقوى بالاطلاع على الدليل". ثم عقد مقارنة بين الصحبة والعزلة: أيهما أفضل؟ وأنواع الصحبة والغاية منها.

وفي الفصل الثاني: ذكر جملة من حقوق الصحبة. وفي الفصل الثالث: ذكر جملة من آداب القوم (الصوفية)، ثم خاتمة في ذكر آداب الذكر المتفق عليها، فذكر ستة وعشرين أدباً، منها ما هو سابق على الذكر، ومنها ما هو أثنائه، ومنها ما يأتي بعده، ثم آداب الذكر الغير متفق عليها، وقد أوصلوها إلى المائة.

وقد تميزت رسالته هذه بسهولة أسلوبها، مع قرب عبارتها، وكثرة نفعها، يعلم ذلك كل منا اطلع عليها، أو على فصول منها.

نبذة عن الإمام الشعراني

وينبغي التنبه إلى أن الإمام الشعراني له كتاب سماه "لطائف المنن والأخلاق في وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق"، والذي ترجم فيه لنفسه وبيئته، بل دون فيه أحاسيسه ومواجيده، لذلك فإن هذا الكتاب هو أصدق ما كتب في ترجمته، كيف لا وقد كتبه بخط يده، وهو أعلم بنفسه من غيره.

اسمه ونسبه:

هو أبو محمد، عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي، الشافعي، الشاذلي، المصري، المولد والوفاة، نزل بعض أجداده بالمغرب، بمدينة تلمسان، واجتمع جده الشيخ موسى بن السلطان أحمد بالشيخ أبي مدين المغربي، فرباه وأدبه، ثم وجهه إلى صعيد مصر، وكان ذلك في نهايات القرن السادس تقريباً.

والشعرواي والشعراني نسبة صحيحة إلى ساقية أبي شعرة، بلد المؤلف، قرية من قرى المنوفة في صعيد مصر.

والشعراني قرشي، هاشمي، نسبه يعود إلى محمد بن الحنفية، ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وهو شاذلي المشرب، شافعي المذهب، كما ذكر في "طبقاته"، و"مننه"، وغيرهما من تآليفه.

مولده ونشأته:

ولد في بلدة قلقشندة بمصر، قرية جده لأمه، سنة (898 هـ)، ثم نقل إلى قرية أبيه ساقية أبي شعرة، بعد أربعين يومً من مولده، وهذه السنة هي الأرجح في مولده، فهو قد انتقل إلى مصر وعمره إذ ذاك اثنتا عشرة سنة، عام (911 هـ)، كما ذكر في "مننه" رحمه الله.

 توفي والده سنة (907 هـ)، وكذلك توفيت والدته قبل قدومه إلى القاهرة، فنشأ يتيماً، قد تولاه الله بعين عنايته، ويُعد المؤلف هذه النشأة من فضل الله تعالى عليه.

وقبل أن يُناهز الحُلم منَّ الله عليه بحفظ كتابه العزيز، وأضاف إليه حفظ العديد من أمهات المتون، كمتن أبي شجاع، والآجرومية، وكان قد قرأ ما حفظ تحليلاً على يد أخيه الشيخ عبد القادر بعد وفاة أبيه.

وفي سنة (911 هـ) دخل الشعراني القاهرة العامرة بالعلم والعلماء يومئذٍ، وكان دخوله هذا مرحلة مفصلية في حياته، فالشعراني نشأ في الريف، ويعد نقلته إلى المدينة من أعظم المنن.

ودرس الشعراني في الأزهر على الأرجح، فهو قبل أن يذكر نزوله في مسجد الغمري، ذكر أنه قرأ وحفظ "المنهاج" للنووي، و"ألفية ابن مالك"، و"التوضيح" لابن هشام و"جمع الجوامع"، و"ألفية العراقي"، و"تلخيص المفتاح"، و"الشاطبية"، و"قواعد ابن هشام"، وغير ذلك مما سماه بالمختصرات، إلى أن ارتفعت همته لحفظ "الروض" مختصر "الروضة"، لكونه أجمع كتاب في مذهب الإمام الشافعي.

وفاته: فاضت روح الإمام الشعراني في الثاني عشر من جمادى الأولى سنة (973 هـ، 1565 م)، وكانت آخر كلماته: أنا ذاهب إلى ربي الكريم، رحمه الله تعالى.

ثم أقام بجامع الغمري، وقرأ الشروح والمطولات فيه، وكان إمامه الشيخ أمين الدي محدثاً، قرأ عليه من علوم لحديث الشيء الكثير، واتخذ من هذا المسجد خلوة يتعبد الله عز وجل ويبتهل فيها، يتعلم ويعمل بما تعلم، حتى غدا شاباً ناشئاً في طاعة الله عز وجل.

مكانته العلمية:

إن هذه الكتب التي نعتها المؤلف بالمختصرات، وحفظها، وقرأها في مطلع حياته، لو أحاط بها رجل من أهل زماننا؛ لنُعت بنعوت العلماء والفضلاء، بل إن من قرأ دونها بكثير، يتبوأ ويتصدر المجالس، ويُشار إليه بالبنان.

وكان الشعراني قرأ وتعلم على كوكبة من علماء عصره، غير أنه قدم منهم ثلاثة، وهم: علي الخواص، وعلي المرصفي، ومحمد الشناوي، كما درس على غيرهم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق