أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 يوليو 2021

التبرك أنواعه وأحكامه د. ناصر بن عبد الله الجديع اعتنى به: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

التبرك أنواعه وأحكامه 

د. ناصر بن عبد الله الجديع

اعتنى به: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


الباب الرابع: أسباب التبرك الممنوع، واثاره، ومقاومته، وفيه ثلاثة فصول: 

الفصل الأول: أسبابه .  

الفصل الثاني: آثاره .  

الفصل الثالث: وسائل مقاومته.


/٤٦٨/

الفصل الأول: أسباب التبرك الممنوع  

المبحث الأول ( السبب الأول): الجهل بالدين  

من الأمور المسلم بها : أهمية العلم ولا سيما العلم الشرعي، أي معرفة أمور الدين وشرائعه ، ومن ثم العمل بذلك، حتى يعبد الله تعالى على بينة: {قل هل  يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} (١). 

ومن هنا فإن الجهل بالدين وبأحكامه آفة خطيرة، وداء عظيم، فهو يحجب عن معرفة الحق، وببعد عن سنن الهدى، ويؤدي إلى الضلال (٢)، ويوقع في البدع.  

قال شيخ الإسـلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : « ما أحدث في الاسلام من  المساجد والمشاهد على القبور والآثار فهو من البدع المحدثة في الإسلام ، من فِعل من  لم يعرف شريعة الإسلام ، وما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، من كمال التوحيد وإخلاص الدين لله، وسد أبواب الشرك التي يفتحها الشيطان لبني آدم. ولهذا يوجد أن من كان أبعد عن التوحيد وإخلاص الدين لله ومعرفة دين الإسلام هم أكثر تعظيماً لمواضع الشرك ، فالعارفون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أولى بالتوحيد، وإخلاص الدين لله ، وأهل الجهل بذلك أقرب إلى الشرك والبدع » (٣) الخ.  

____________________

(١) سورة الزمر (٣٩) .  

(٢) من أمثلة ذلك: أن النصارى قد ضلوا بسبب عملهم بلا علم، فهم يجتهدون في أصناف  العبادات بلا شريعة من الله، ويقولون على الله ما لا يعلمون (اقتضاء الصراط المستقيم٩٧/١ بتصرف يسير). 

(٣) تفسير سورة الإخلاص ٣٦٦ . 


/٤٦٨/

فالجهل إذن أحد أسباب حصول كثير من صور التبرك الممنوع عند بعض  المسلمين، حيث لم يميزوا بين التبرك المشروع والممنوع، بل خلطوا بينهما أو قاسوا   الثاني على الأول .  

ولقد انتشر الجهل في العصور المتأخرة في أنحاء العالم الإسلامي، وخاصة  في الأقطار النائية. 

ومن أهم أسباب انتشار الجهل بين الناس: سكوت علماء أهل السنة عن  بيان الحق وتبليغ شرائع الدين وأحكامه، وتخاذلهم عن إنكار البدع المحدثة والتحذير عنها، وإعراض الناس عن سؤال أهل العلم في أمور دينهم.

وفي مقابل هذا: نجد تشجيع ورعاية علماء أهل البدع - وعلى رأسهم الروافض والصوفية - لبدعهم، وإحيائها، أو إفتاء البعض بدون علم ولا دراية، فيحصل  الضلال والإضلال.  

هذا ومن آثار الجهل السيئة، والمفاسد المترتبة عليه: تقليد الأسلاف، وتحكيم العادات السائدة بدون دليل، وهى شبهة قديهة احتج بها الكفار المخالفون لدعوة الرسل عليهم السلام، كما أخبرنا الله تعالى عن ذلك في كتابه الكريم.  

يقول الإمام الشوكاني رحمه الله مبيناً خطر هذا الأمر: «بهذه الذريعة الشيطانية، والوسيلة الطاغوتية بقي المشرك من الجاهلية على شركه، واليهودي على  يهوديته، والنصراني على نصرانيته ، والمبتدع على بدعته، وصار المعروف منكراً والمنكر  معروفاً، وتبدلت الأمة بكثير من المسائل الشرعية غيرها، وألفوا ذلك، ومرنت عليه  نفوسهم، وقبلته قلوبهم، وأنسوا اليه » (١).  

كما أن من مفاسد الجهل أيضاً: الوقوع في فتنة الشيطان وتلبيسه.  

قال الإمام ابن القيم عند ذكره الأمور التي أوقعت عباد القبور في الافتتان بها، مع العلم بأن ساكنيها أموات، لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.

____________________

(١) الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد لمحمد بن علي الشوكاني ص ٢٨، المطبوعة ضمن مجموعة الرسائل السلفية ، وانظر رسالة تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد للصنعاني ٣٣.  


/٤٦٩/

قال رحمه الله تعالى: «منها: الجهل بحقيقة ما بعث الله به رسوله، بل جميع الرسل: من تحقيق التوحيد، وقطع أسباب الشرك، فقل نصيبهم جدا من ذلك،  ودعاهم الشيطان إلى الفتنة، ولم يكن عندهم من العلم ما يبطل دعوته، فاستجابوا  له بحسب ما عندهم من الجهل، و عصموا بقدر ما معهم من العلم» (٢) الخ. 

وعلى أى حال فإن الواجب على المسلم تعلم أمور دينه والتفقه فيه؛ حتى  لا يعبد الله تعالى بغير ما شرعه، ولأن من أمكنه التعلم ولم يتعلم يأثم.  

وقد يعذر الجاهل لعدم علمه، أو عدم استطاعته التعلم، لكنه لا يعذر بعد  العلم، فقد قامت عليه الحجة حينئذ. والله تعالى أعلم .

____________________

(١) إغاثة اللهفان (١/ ٢١٤، ٢١٥). 


/٤٧٠/

المبحث الثاني في (السبب الثاني)  

الغلو في الصالحين

الغلو: هو مجاوزة الحد (١). 

وقد نهى الله تعالى أهل الكتاب عن الغلو في الدين - وهو نهيٌ للمسلمين  جميعاً - ومن ذلك قوله عز وجل: {يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا  على الله إلا الحق}(٢) .  

قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "نهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو  والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى؛ حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه، بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه، فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه، سواء كان حقا أو باطلا، أو ضلالا أو رشاداً، أو صحيحا أو كذباً، ولهذا قال الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } (٣) الآية".

وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين » (٤).

____________________

(١) جاء في كتاب المفردات للراغب ص ٣٦٤ ، ٣٦٥ (الغلو: تجاوز الحد، يقال ذلك إذا كان في السعر غلاء، وإذا كان في القدر والمنزلة غلو) وفي لسان العرب ١٧٢/١٥ : قال بعضهم: غلوت في الأمر غلواً إذا جاوزت فيه الحد وأفرطت فيه. 

(٢) سورة النساء: (١٧١ ) .  

(٣) سورة التوبة (٣١) .  

(٤) تفسير ابن كثير (١/ ٥٩٠).  

(٥) جزء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه قصة، أخرجه النسائي في سنه ٥/ ٢٦٨، كتاب المناسك ، باب التقاط الحصى، وابن ماجه في سننه ٢/ ١٠٠٨ كتاب المناسك ، باب قدر حصى الرمي، والإمام أحمد في مسنده ٢١٥/١، وابن حبان في صحيحه ٦/ ٦٨، كتاب الحج، باب رمي جمرة العقبة، والحاكم في المستدرك ١/ ٤٤٦،  وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال ابن تيمية: إسناده صحيح، على شرط مسلم (اقتضاء الصراط المستقيم: ١/ ٢٨٩).


/٤٧١/

ومن أنواع الغلو في الدين: الغلو في الأنبياء والصالحين .  

وهو أحد أسباب التبرك الممنوع ، ذلك أن المبالغة في تعظيم ومحبة الأنبياء  والصالحين، وفي الانتفاع بهم، وتجاوز الحد في ذلك، أدى إلى طلب البركة منهم في حياتهم وبعد وفاتهم - على غير الوجه المشروع، كما سبق بيانه مفصلاً في الباب.  

وهذا النوع يكثر عند فرق الروافض والصوفية المبتدعة.  

ولما يترتب على الغلو في الأشخاص - مهما بلغت مرتبتهم - من نتائج سيئة فضلا عن ذم الغلو ذاته فقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغلو في حقه، ورفعه فوق منزلته .  

ففي صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله »(١).

جاء في كتاب ( تيسير العزيز الحميد): أي: لا تمدحوني بالباطل، أو لا تجاوزوا الحد في مدحي. قوله: (إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) ، أي: لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى، فادعوا فيه الربوبية، وإنما أنا عبد لله فصفوني بذلك كما وصفني به ربي، وقولوا عبد الله ورسوله. فأبى عباد القبور إلا مخالفة لأمره، وارتكابًا لنهيه، وناقضوه أعظم المناقضة، وظنوا أنهم إذا وصفوه بأنه عبد الله ورسوله، وأنه لا يدعى ولا يستغاث به، ولا ينذر له، ولا يطاف بحجرته، وأنه ليس له من الأمر شيء، ولا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، أن في ذلك هضمًا لجنابه، وغضًا من قدره، فرفعوه فوق منْزلته، وادعوا فيه ما ادعت النصارى في عيسى أو قريبًا منه، فسألوه مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب (٢).

____________________

(١) تقدم تخريجه ص ٣٦٦.  

(٢) تيسير العزيز الحميد ٢٧٢، ٢٧٣.  


/٤٧٢/

وروي عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رجلاً، قال: يا محمد، يا سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس عليكم بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل) (١)،  

وقد نهى عليه الصلاة والسلام أمته أيضاً عن الغلو في حقه بعد وفاته بقوله: (لا تجعلوا قبري عيدا) (٢).  

وإذا كان هذا النهي الشديد عن الغلو في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع رفعة مرتبته وعلو مكانته، فكيف بغيره من الأنبياء والصالحين ؟ .  

وسأورد الآن نماذج قولية وفعلية غريبة للتبرك الممنوع الحامل بسبب الغلو في الأشـخاص، ورفعهم فوق منزلتهم.  

فمن النماذج في حق الرسول قول أحد الغلاة في مدحه:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به … سواك عند حلول الحادث العمم  

فإن من جودك الدنيا وضرتها …. ومن علومك علم اللوح والقلم (٣).  

وقول أحدهم عند ذكره آداب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم: "قد لا يحتاج الزائر في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه أن يذكرها بلسانه، بل يحضر ذلك في قلبه، وهو حاضر بين؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أعلم منه بحوائجه ومصالحه» (٤). 

ومن ذلك أيضاً ما وضع من الأحاديث في فضل التسمي باسمه صلى الله عليه وسلم.

 ____________________

(١) رواه الإمام أحمد في مسنده ٣/ ١٥٣، ٢٤١، ٢٤٩،

وقال الإمام أن عبد الهادي في "الصارم المنكي" ص ٣٨٥: إسناده صحيح على شرط مسلم. وانظر النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد ص ٢٧٨.

(٢) جزء من من حديث أي هريرة رضي الله عنه ، تقدم تخريجه ص (٣٢٩) . 

(٣) بيتان من أبيات القصيدة المشهورة (البردة) للبوصيري، راجع ص (٣٩٥ ٣٩٩). ويلاحظ أنه جوَّز الاستعاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، في كل ما يستغاث فيه بالله، وأنه جعل الدنيا والآخرة من جوده، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ ( من تيسير العزيز الحميد ص ٢٧٣ بتصرف).  

(٤) ذكر ذلك ابن الحاج في كتاب المدخل ٢٩٤/١.  


/٤٧٣/

واعتقاد البركة في ذلك، كحديث: «من ولد له مولود فسماه محمداً تبركاً به (١)، كان هو ومولوده في الجنة» (٢)، وحديث: «لا يدخل الفقر بيتاً فه اسمي» (٣)، وما زُعم من فضل بركة ليلة مولده، حتى فضلوها على ليلة القدر (٤). 

ومن النماذج في حق الصالحين أو أدعياء الولاية، قول أحد المتصوفة مخاطباً (السيد) البدوي:  

رحماك ابغي يا أبا الفتيان ...في خطب أهاج القلب من حسراته  

من لي سواك أرومه في كشفه ... أو أرتجي إن ضقت من وثباته 

عار عليك إذا رددت خويدماً... قصر الفؤاد عليك في حاجاته (٥).

وما حكي عن الحلاج (٦) أن أصحابه بالغوا في التبرك به، حتى كانوا يتمسحون ببوله، ويتبركون بعذرته (٧). 

ووصل الأمر - في العصر الحاضر - عند بعض الرجال المخرفين إلى مجامعة  زوجاتهم عند أضرحة الأولياء، بدعوى نيل البركة، وأن يكون ما قدر لهما من ولد صالحاً! (٨).

 ____________________

(١) أصبح من العادات الشائعة لدى بعض المجتمعات الإسلامية في العصر الحاضر إطلاق اسم  (محمد) على كافة الذكور مصاحباً للاسم الأصلي.  

(٢) انظر المنار المنيف في الصحيح والضعيف؛ لابن القيم ص ٩٨، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني ص ٤٧١، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ٢٠٧١.  

(٣) انظر الفوائد المجموعة للشوكاني ص ٧١ .  

(٤) راجع ص ٣٥٩ من هذا الكتاب.  

(٥) من كتاب السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة للدكتور أحمد صبحي منصور ص ٣١٩.  

(٦) هو الحسين بن منصور المعروف بالحلاج الفارسي البيضاوي الصوفي المشهور. تبرأ منه أكثر الصوفية والمشايخ والعلماء لسوء سيرته، ومنهم من نسبه إلى الحلول وإلى الشعبذة، وله أصحاب يُنسون إليه ويغلون فيه ويبالغون في تعظيمه، وقد اتفق علماء بغداد على كفر الحلاج وزندقته، وأجمعوا على قتله وصلبه، فقتل وصلب سنة ٣.٩ه. انظر تاريخ بغداد: ٨/ ١١٢، وفيات الأعيان ٢/ ١٤٠ ، وسير أعلام النبلاء ٣١٣/١٤ ، والبداية النهاية ١١/ ١٣٢.

(٧) الاعتصام للشاطبي: ٢/ ١٠، وتاريخ بغداد ٨/ ١٣٦ -١٣٨.

(٨) هذا الفعل الغريب موجود في بلاد السودان، حسبما أفادت به لي كتابياً جماعة أنصار السنة  المحمدية بكسلا بالسودان .  


/٤٧٤/

ولا شك أن أهم أسباب تلك الأمور ونحوها هو الغلو في التعظيم، والمبالغة في  المحبة! للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الصالحين.  

ولكن التعظيم الحق - فعليا أو قوليا أو اعقاديا - هو المطابق لحال المعظم -وكذا المحبة (١).

فتعظيم الأنبياء والصالحين ومحبتهم إنما هي باتباع ما دعوا إليه من العلم النافع، والعمل الصالح ، واقتفاء آثارهم، وسلوك طريقتهم، فإن من اقتفى آثارهم كان متسبباً في تكثير أجورهم باتباعه لهم، ودعوته الناس إلى اتباعهم. فإذا أعرض عما دعوا إليه، واشتغل بضده حرم نفسه، وحرمهم ذلك الأجر. فأي تعظيم واحترام في هذا ؟  (٢).

 ____________________

(١) انظر تيسير العزيز الحميد ص ٢٧٣ -٢٧٥.

(٢) إغاثة اللهفان لابن القيم (٢/ ٢١٣، ٣٢٤) بتصرف. 


/٤٧٥/

المبحث الثالث ( السبب الثالث )  

التشبه بالكفار  

وقد دل القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع العلماء على الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن مشابهتهم، لا ينشأ عن مشابهتهم والاقتداء بهم من الأضرار الكثيرة؛ فمن الأدلة على ذلك في القرآن الكريم قول الله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاهلا من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير}(١).  

وأما الأحاديث في ذلك فكثيرة .  

منها: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) (٢).

وما أخرجه الشيخان عن أي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول  صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن (٣) الذين من قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم» قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى ؟ قال: فمن) (٤)  

____________________

(١) سورة البقرة (١٢٠) .  

(٢) جزء من حديث أخرجه أبو داود في سنه ٤/ ٣١٤ كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة. وقال ابن تيمية: وهذا إسناد جيد (اقتضاء الصراط المستقيم ٢٣٩/١) وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ٥٠/٢، وقد رمز السيوطي لهذا الحديث بأنه حسن (الجامع الصغير في سنن البشير النذير للسيوطي ٢/ ١٦٨) .  

(٣) السَّننبفتح السين والنون؛ هو الطريق، والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم. قاله النووي (شرح صحيح مسلم ١٦/ ٢١٩، ٢٢٠)،  

(٤) صحيح البخاري ٨/ ١٥١، باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) ، وصحيح مسلم ٤/ ٢٠٥٤ كتب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى.  


/٤٧٦/

قال ابن تيمية -رحمه الله: وهذا خرج منه مخرج الخبر عن وقوع ذلك، والذم لمن يفعله، كما كان يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات (١)  

كما جاءت السنة بالنهي عن مشابهة الكفار في أمور مخصوصة كثيرة، في العبادات والعادات (٢)، كنهيه -صلى الله عليه وسلم -عن اتخاذ القبور مساجد، وأن في ذلك مشابهة لأهل الكتاب (٣)  

وقد تقدم لنا (٤) إنكار النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن طب اتخاذ شجرة لتعليق الأسلحة، وللعكوف عندها من أجل التبرك، اقتداءً بفعل مشركي الجاهلية.  

هذا ومن صور التبرك الحاصلة بسبب التشبه بالكفار مما ابتلي به بعض المسلمين، ما يأتي:

١ - الغلو في الأنبياء والصالحين:  

إن النصارى قد عظموا أنبياءهم وأتباعهم حتى عبدوهم، فقلدهم بعض المسلمين وتأثروا بهم، حيث غلوا في محبة وتعظيم النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيره من الأولياء والصالحين، كما تقدم قريباً.  

وقد أضل النصارى كثيرًا من جهال المسلمين، حتى صاروا يزورون كنائسهم ، ويلتمسون البركة من قسيسيهم ورهبانهم ونحوهم (٥).

____________________

(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ١٤٧/١ .  

(٢) المعرفة ذلك بالتفصيل راجع كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية، فهو من أفضل الكتب المؤلفة في هذا الموضوع.

(٣) راجع ص ٤٠٢.

(٤) راجع ص ٤٦٢.

(٥) مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٧/ ٤٦٠، ٤٦١ بتصرف.


/٤٧٧/

٢ - إحداث الاحتفال بالموالد والأعياد  

ومن أمثلة ذلك الاحتفال بزمان المولد النبوي، وموالد الأولياء، وغير ذلك من  

المناسبات تعظيما وتبركاً، مر تفصيله في الباب الماضي.  

ولا يخفى أن أهم دوافع إحداث هذه الأعياد والاحتفالات البدعية في بلاد المسلمين هو التشبه بأهل الكتاب، ولا سيما النصارى منهم، حيث إنهم يقيمون أعياداً عديدة في مواسم وأحوال عيسى عليه السلام.  

٣ - بناء المساجد وغيرها على القبور، والتبرك بها:  

فإن منشأ ما ابتلي به الكثير في بلاد المسلمين من بناء المساجد على القبور، أو اتخاذ القبور مساجد بلا بناء، أو تعظيم القبور والمشاهد، إن منشأ ذلك هو التقليد الأعمى لمن كان قبلنا من الضالين، بل والمغضوب عليهم (١).

فإن اليهود والنصارى هم الأئمة في ذلك، ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن فعلهم، في مرض موته: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (٢). 

والنصارى أشد غلواً في ذلك من اليهود، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها -أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول كنيسة رأينها بالحبشة، فيها تصاوير، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) (٣)

ومن المعلوم أن النصارى يفرحون بما يفعله أهل البدع والجهل من المسلمين، مما يوافق دينهم ، ويشابونهم فيه، ويحبون أن يقوى ذلك ويكثر، ليقوى بذلك دينهم، ولكيلا ينفر المسلمون عنهم وعن دينهم (٤).

____________________

(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢٧/ ٤٦٠ اقتضاء الصراط المستقيم ١/ ٧٧، ٢٩٥ بحث الوادعي حول القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ص ٢٨٦ بتصرف.

(٢) الحديث مخرج في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، وقد تقدم تخريجه ص ٣٣١.

(٣) تقدم تخريجه ص ٤٠٢.

(٤) مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٧/ ٣٦٢ -٤٦٤ باختصار.


/٤٧٨/

ولا شك أن من دواعي التشبه بأفعال الكفار مجاورتهم أو مخالطتهم، حتى وصل الحال - مثلاً - ببعض جهال المسلمين في بلاد الهند إلى أن أحدهم صار يمشي زحفاً لزيارة قبر الولي، وبرجع على قفاه (١) تقديراً وتعظيماً، وهذا بسبب مجاورة البوذيين (٣) هناك ومخالطتهم، حيث تأثروا بهم فقلدوهم في هذا الفعل ونحوه، والله المستعان . 

____________________

(١) أفادني أحد الثقات أنه شاهد ذلك في مدينة حيدراباد بالهند .  

(٢) نسبة إلى البوذية، وهى ديانة أسسها (بوذا) في الهند في القرن الخامس قبل الميلاد، كانت في بدايتها تدعو إل التصوف والخشونة والتحلي بالفضائل، لكنها لم تلبث بعد موت ملإسسها أن تحوت إلى معتقدات باطلة ذات طابع وثني، وقد غالى أتباعها في مؤسسها حتى ألهوه. وتنتشر البوذية عند سكان جنوب شرق آسيا. انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ص ١٠٧ فما بعدها . 


/٤٧٩/

المبحث الرابع ( السبب الرابع )  

تعظيم الآثار  

المقصود بالآثار هنا: الآثار المكانية (١)، ونحوها .  

وقد تقدم أنه لا يجوز تعظيم مكان لم يعظمه الشرع، لأن هذا التعظم يجب أن يكون على وفق الشرع أيضاً، وما جاوز ذلك من التعظيم والتبرك بالأماكن فممنوع .  

وقد لاحظنا في الباب الماضي - الفصل الأخير خاصة - أن تعظيم الآثار المكانية وتقديسها هو السبب الباعث على التبرك بها وطلب الخير عندها.  

كما يلاحظ أن معظم هذه الآثار التي يتبرك بها هي آثار الأنبياء والصالحين المكانية المنسوبة إليهم، مثل أماكن ولادتهم ، ومواضع عبادتهم (٢) أو إقامتهم، أو بعض أحوالهم، كما سبق تفصيله .  

ويدخل في هذا تعظيم قبور الأنبياء والصالحين والبناء عليها.  

وهذه الآثار المكانية إما أن تكون ثابتة - وهي الأكثر - أو منقولة ، مثل ما يزعم في بعض البلدان من أحجار عليها أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم وما ينقل من تراب القبور تبركاً.  

ولا شك أن تعظم تلك الآثار، ومن ثم التبرك بها، قد حصل بسبب تعظيم أصحاب هذه الآثار والغلو فيهم .  

____________________

(١) تقدم الكلام عن الغلو في آثار الأشخاص الحسية ضمن المبحث الأول .  

(٢) يستثنى من ذلك ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه العمد، كما سبق إيضاحه .  


/٤٨٠/

ومن الأسباب الأخرى أيضاً تقليد الكفار، فإن الكفار يعظمون آثار عظمائهم، وتعظيم الآثار من سماتهم، ويمكن أن يدخل فيما تقدم مما يعظم ويتبرك به: التبرك الممنوع ببعض البقاع المقدسة، أو ما هي مظنة التقديس والتعظيم؛ كالتبرك ببعض أجزاء الكعبة، أو بالمشاعر المقدسة، أو بصخرة بيت المقدس، ونحو ذلك .  

هذا ولعل من أسباب انتشار التبرك بالمواضع: تساهل الكثير من العلماء في رواية أخبار فضائل المواضع، وعدم تمحيصها، فكثرت في كتب الفضائل الأحاديث والآثار والأخبار الضعيفة، بل والموضوعة عن فضائل بعض المواضع وما تحتوي عليه من البركة .  

ومن النماذج لما وصل إليه تعظيم وتقديس الآثار المكانية، والمبالغة في اقتضائها للبركة ما يلي:  

(١) أن مفتاح الكعبة إذا وضع في فم الصغير الذي ثقل لسانه عن الكلام تكلم سريعا بقدرة الله تعالى (١)  

(٢) ما يروى أن الله تعالى قال للصخرة: « أنت عرشي الأدنى » (٢) 

(٣) تمسح الجهال بالحاج أو المعتمر من مكة المكرمة، أو الزائر للمدينة المنورة، بل وبسكان الحجاز وما حوله.  

(٤) نقل شيء من تراب قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وحفظه تبركاً (٣)، وكذا قبر غيره.

(٥) أكل تراب جبل عرفات ، ونحوه .  

وغير ذلك كثير.

____________________

(١) انظر رحلة الصديق إلى البيت العتيق للسيد صديق حسن خان ص ٢٤ .  

(٢) راجع ص ٤٥١ .  

(٣) لقد شاهدت في متحف بمدينة استانبول بتركيا قسماً خاصاً بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم، وما يحتوي عليه مما يُدَّعى أنه من تراب قبره صلى الله عليه وسلم.  


/٤٨١/

وبهذا ينتهي بيان وشرح أسباب وجود التبرك الممنوع الرئيسة، وقد وضعت كل سبب داخل مبحث مستقل، ونلاحظ أن هذه الأسباب قد تجتمع أحياناً، وقد تنفصل.

وهناك أسباب أخرى عامة ساعدت على وجود وانتشار هذا التبرك الممنوع وفشوه في المجتمع.

ومن أهم هذه الأسباب على سبيل الإجمال: تأثير الفرق المبتدعة، كالصوفية  والرافضة، والتمسك بالآثار الضعيفة أو الموضوعة، وقياس الممنوع من التبرك على المشروع منه ، وسكوت العلماء عن الإنكار، والاستسلام للعاطفة والتعصب للهوى، والله تعالى أعلم .  


/٤٨٣/

الفصل الثاني  

آثار التبرك الممنوع  

لاشك أن التبرك الممنوع يفضي إلى شرور كثيرة، اعتقادية وعملية ، وإلى  مفاسد عظيمة، دينية ودنيوية، فله آثار سيئة وخطيرة .  

وسأتكلم عن أهم هذه الآثار بالتفصيل، مبيناً كيفية حصول كل أثر منها، مع الاستشهاد بنماذج توضح ذلك .  

أولاً: الشرك:  

من آثار التبرك الممنوع: الشرك، والمقصود به الشرك الأكبر.  

وهو أعظم الآثار وأشدها خطراً، كيف لا وهو أكبر الكبائر، يخرج من ملة  الإسلام ، ويحبط جميع الأعمال، ويوجب الخلود في النار لمن مات عليه، وفيه تنقص لله رب العالمين .  

ولهذا بعث الله تعالى رسله من أجل إفراده بالعبادة بجميع أنواعها، وترك عبادة ما سواه، قال عز وجل: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(١)  

أما كيف يوصل التبرك الممنوع إل الشرك ؟ فإن ذلك يحصل من إحدى حالتين:  

الأولى: أن يكون التبرك الممنوع في حد ذاته شركاً.

____________________

(١) سورة النحل (٣٦) .  


/٤٨٤/

ومن أبرز الأمثلة على ذلك: التبرك بالأموات -من الأنبياء والصالحين وغيرهم  في دعائهم لقضاء الحاجات الدينية أو الدنيوية، وتفرج الكربات والاستغاثة بهم (١)، والتقرب إليهم بالذبح والنذر لهم، والطواف على قبورهم.  

فهذا وئحوه من الشك الأكبر، لأنهم قد اعتقدوا فيهم مالا يجوز أن يعتقد إلا في الله عز وجل، فأنزلوهم منزلة الربوبية، وصرفوا لهم من العبادات ما لا يجوز أن يصرف إلا لله تبارك وتعالى، وهذا بسبب المبالغة في تعظيمهم، والافتتان فيهم، والتعلق به.  

ووصل الأمر في اعتقاد بعض المشركين بأصحاب القبور إلى أن قالوا: إن البلاء يندفع عن أهل البلد بمن هو مدفون عندهم من الأنبياء والصالحين (٢) .  

وكل هذه الأمور الشكية تفعل باسم التبرك، وأحياناً باسم التوسل والتشفع.  

الحالة الثانية: أن يودي التبرك الممنوع إلى الشرك، فيكون التبرك الممنوع من وسائله، وبكون الشرك من نتائج التبرك الممنوع ومن آثاره .  

ولهذا حصل المنع من بعض أنواع التبرك سداً للذريعة إلى الشرك، وخوفاً من الوقوع فيه .  

ومن الأمثلة على ذلك النهى عن الصلاة عند القبور، أو بناء المساجد أو القباب عليها، أو الدعاء عندها، ونحو ذلك من المظاهر والمشاهد مما يراد به تعظيم أصحابها.  

ويلحق بذلك: التبرك بأمكنة وآثار الأنبياء والصالحين، وتعظيمها وتقديسها.  

فإن هذه امور ونحوها من أعظم الذرائع والأسباب المؤدية إلى وقوع الشرك بأصحاب القبور والآثار في وقت من الأوقات مع تطاول الأيام.  

____________________

(١) يدخل في هذا: القصائد الشركية التي تتلى ليالي المولد النبوي .  

(٢) راجع ص ٤٠٦.  


/٤٨٥/

وقد كان أصل حصول الشرك وعبادة الأصنام في الأرض بسبب تعظيم الموتى الصالحين .  

روى ابن جرير الطبري رحمه الله عن بعض السلف في تفسيره لقوله تعالى:  {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا، وقد أضلوا كثيرا} (١) أن هذه أسماء رجال صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم،  فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا جاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم. 

وروى ابن جرير أن هذه الأصنام كانت تعبد في زمان نوح عليه السلام ثم اتخذها العرب بعد ذلك (٢). 

وأيضاً؛ فإن (اللات) التي هي من أكبر أوثان العرب في الجاهلية، كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح والعكوف عليه (٣).  

وبهذا تبين أن سبب عبادة الأصنام هو المبالغة في تعظيم الصالحين.  

ولهذا نهى الشارع الحكيم عن كل ما يؤدي إلى اتخاذ الأوثان، مثل تعظيم قبور الأنبياء والصالحين .  

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: « وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع هي التى أوقعت كثيراً من الأمم، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين ... ونحو ذلك ، فلأن يشرك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه، أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجر على تمثاله، وبهذا نجد أقواما كثيرين يتضرعون عندها ويخشعون، ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في المسجد، بل ولا في السّحر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء بها ما لا يرجونه في المساجد التى تشد إليها الرحال».

____________________

(١) سورة نوح ٢٣ ، ٢٤.

(٢) تفسير الطبري ٩٨/٢٩ ، ٩٩ . وانظر صحيح البخاري ٧٣/٦ كتاب التفسير، تفسير سورة نوح.

(٣) انظر تفسير الطبري ٢٧/ ٥٨، ٥٩.


/٤٨٦/

ثم قال رحمه الله: «فهذه المفسدة، التي هي مفسدة الشرك - كبيره وصغيره - هي التي حسم النبي صلى الله عليه وسلم ماضيها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقاً، وإن لم يقصد المصل بركة البقعة بصلاته، كما يقصد بصلاته بركة المساجد الثلاثة، ونحو ذلك، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها، لأنها الأوقات التي يقصد المشركون بركة الصلاة للشمس فيها، فنهى المسلم عن الصلاة حينئذ - وإن لم يقصد ذلك - سدا للذريعة » (١).  

ومن الأمثلة أيضاً على النهي عن بعض أنواع التبرك سداً لذريعة الوقوع فى الشرك : التبرك الممنوع بالأشجار والأحجار وبعض البقع، وتعظيمها (٢)، فإن هذا التبرك قد يودي إلى الشرك مع مرور الزمان .  

ولقد كان من أسباب عبادة الأوثان والأحجار عند العرب أن الواحد منهم كان إذا أراد سفرا حمل معه حجراً من حجارة البيت تبركاً به وتعظيماً، حتى صاروا إلى عبادة الأحجار والجمادات.  

جاء في كتاب (الأصنام) لابن الكلبي (٣): «أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام لما سكن مكة، وولد ببا أولاد كثير حتى ملأوا مكة ... ضاقت عليهم مكة، ووقعت بينهم الحروب والعداوات، وأخرج بعضهم بعضاً، فتفسحوا في البلاد .. وكان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجراً من حجارة الحرم، تعظيماً للحرم وصبابةً بمكة، فحيثما حلوا وضعوه، وطافوا به كطوافهم بالكعبة، تيمنًا منهم بها، وصبابة بالحرم وحُباً له، وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة، ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم (٤). 

____________________

(١) اقتضاء الصراط المستقيم ٢/ ٦٧٤.  

(٢) قد يكون هذا التبرك شركاً في حد ذاته، بحسب اعتقاد فاعله .  

(٣) هو هشام بن محمد بن السائب الكلبي الكوفي أبو المنذر الأخباري النسابة، له تصانيف جمة، توفي سنة ٢٠٤ ه وقل سنة ٢٠٩ هـ . انظر تاريخ بغداد ١٤/ ٤٥، وفات الأعيان ٦/ ٨٢، سير أعلام النبلاء ١٠/ ١٠١.

(٤) الأصنام لابن الكلبي (ص ٦).


/٤٨٧/

ثانياً: الابتداع :  

التبرك الممنوع ابتداع في الدين، ليس عليه دليل من كتاب الله تعالى ولا من  سنة نبيه، ولم يفعله السلف الصالح رحمهم الله تعالى، فهو مخالف للتبرك المشروع الذي دلت عليه الأدلة الشرعية.  

فالتبرك الممنوع كله إذن من أصناف البدع المحدثة المذمومة، إلا أن بدعيته تتفاوت وتختلف باختلاف صوره وكيفيته، فإن منه ما يصل إلى حد الشك - كما سبق في الفقرة السابقة - ومنه ما يكون أدنى من ذلك.  

والأمثلة على صور التبرك الممنوع المبتدعة كثيرة جداً، وقد تقدم بيانها وشرحها في الباب الماضي .  

ومن نماذج ذلك على سبيل الإجمال ما يأتي:  

- شد الرحال إلى زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم من الأنبياء والصالحين .  

- التبرك بقبور الأنبياء والصالحين، كأداء العبادات عندها، مثل الصلاة والدعاء والطواف، وكتقبيل القبور والتمسح بها، وحمل شيء من ترابها والعكوف عندها.  

- قصد مواضع صلاة أو جلوس النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة أو الدعاء، مما لم يفعله على وجه التعبد.  

- التبرك بمكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، أو بليلة مولده، أو بليلة الإسراء والمعراج، أو ذكرى الهجرة، ونحو ذلك .  

- وكذا التبرك بموالد الصالحين، أو من يسمون بالاولياء. 

- التبرك المبتدع ببعض الجبال والمواضع.  


/٤٨٨/

وكما أن التبرك الممنوع بدعة في حد ذاته فهو أيضاً يجر إلى بدع أخرى .  

أكتفي هنا من الشواهد على ذلك بمثالين فقط:  

أحدها: أن من النتائج السيئة للتبرك الممنوع بقبور الأنبياء والصالحين بناء المساجد عليها، وبناء القباب فوقها، وزخرفة القبور وتشيدها، وكذا بناء المساجد على آثار الأنبياء والصالحين، ونحو ذلك من الأعمال المحدثة في الإسلام .  

الثاني :أن التبرك الممنوع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته قد أدى إلى إحداث عيد المولد النبوي والاحتفال به، ثم تدرج الأمر، فأقيمت الاحتفالات لأعياد أخرى كثيرة مبتدعة، في مواسم متفرقة، كليلة الإسراء والمعراج وذكرى الهجرة، وغير ذلك من الأعياد المتثدعة التي تفعل باسم الدين، وكأنها من شعائر الاسلام، والتي يزداد عددها مع مرور الأيام .  

وهذا هو شأن البدعة، فإن فعل القليل منها يؤدي إلى فعل الكثير من البدع الأخري .  

فلا يجوز التهاون في شأن البدعة مهما صغرت، فإنها تندرج حتى تكبر وتعظم، ويشتد خطرها وأثرها .  

قال الإمام أبو عمد البربهاري (١) رحمه الله محذراً عن ذلك: "واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباراً، وكذلك كل بدعة  أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيراً يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها، فعظمت، وصارت ديناً يُدان بها". 

____________________

(١) هو أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري الإمام القدوة الحافظ الفقيه شيخ الحنابلة في عصره، كان قوالاً للحق، شديداً على أهل البدع والمعاصي، لا يخاف في الله لومة لائم. توفي ببغداد سنة ٣٢٩ هـ. انظر طبقات الحنابلة ٢/ ١٨، سير أعلام النبلاء ١٥/ ٩٠، البداية والنهاية ٢٠١/١١ .  

(٢) شرح السنة لأبي محمد البربهاري ص ٢٣ .  


/٤٨٩/

وحسبنا في ذم البدع والابتداع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة » (١) ، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: «وشر الأمور محدثاتها» (٢).

ثالثاً: اقتراف المعاصي:  

إن من آثار التبرك الممنوع انتهاك المحرمات، ووقوع كثير من المفاسد  والمنكرات ، ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:  

١ -ما تتضمنه غالبا أعياد المولد النبوي، وأعياد موالد الأولياء، وكذا الأعياد المبتدعة الأخرى من أنواع المعاصي والمنكرات الظاهرة .  

ومنها استعمال الأغاني والات اللهو والطرب، وما يتبع ذلك من الرقص.  

وإقامة حلقات الذكر على الوجه المحرم شرعاً، مع قلة احترام كتاب الله تعالى .  

ومنها اختلاط الرجال بالنساء، وما ينتج عن ذلك من الفتنة.  

ومنها إضاعة الأموال وتبذيرها لإقامة الحفلات، والإسراف في إيقاد الشموع في المساجد والطرقات ونفقات الزينة .  

إلى غير ذلك من الأمور المخالفة للشرع، التي تفعل باسم التبرك والاحتفال بليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها من المناسبات .  

٢ ما يترتب من المفاسد والأضرار على التبرك الممنوع بالقبور واتخاذها مزارات ومشاهد وأعياداً متكررة .  

ومن ذلك صرف النفقات الباهظة المحرمة على بناء القباب والمزارات وكسوتها بالأقمشة، وتزيينها بالمصابيح، وتحبيس الأوقاف للإنفاق على ذلك، وإضاعة الأموال عن طريق النذور التي تقدم لصالح الأموات ويأكلها السدنة .  

____________________

(١) مر تخريج ص ٣١٦ .  

(٢) مر تخريجه ص ٣١٥ .  


/٤٩٠/

٣ - ما يحصل من مساوىء التبرك الممنوع عند زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كالجلوس عند القبر النبوي للتلاوة والذكر، ورفع الصوت بالدعاء، وتكرار التلفظ بالصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم (١)، وقصد القبر للسلام عليه بعد كل صلاة.  

ومع بدعية هذه الأفعال إلا أن لها أيضاً أضراراً على الآخرين، كالتشويش على المصلين، وإحداث الزحام على الزوار .  

رابعاً: الوقوع في أنواع من الكذب: 

إن من الآثار السيئة للتبرك الممنوع لجوء أصحابه إلى الكذب، من أجل الاستدلال على شرعية ما ذهبوا إليه، أو لغرض تعيين موضع التبرك أو فعله. ولهذا وقعوا في عدة أنواع من الكذب، تلك الخصلة الذميمة الممقوتة.  

ويمكن بيان أنواع الكذب التي وقعوا فيها بسبب التبرك الممنوع فيما يأتي:-  

الأول: الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم.  

لا شك أن أشد أنواع الكذب هو الكذب على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد حذر عليه الصلاة والسلام عن الكذب عليه بقوله: «من كذب عليَّ متعمداً؛ فليتبوأ مقعده من النار» (٢)،  

ويتنوع الكذب هنا على الرسول : فقد يكون في أقواله، للاستدلال على شرعية التبرك ببعض الأمور، وهذا هو الكثير، وقد يكون الكذب في آثاره 

____________________

(١) لعل من أسباب ذلك ما روي عن بعضهم أنه قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ( إن الله وملائكته... ) الآية ثم قال: ( صلى الله عليك يا محمد) حتى يقولها سبعين مرة، ناداه ملك: (صلى الله عليك يا فلان، لم تسقط لك حاجة) انظر القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي ص ٢٠٤.

(٢) جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه ٣٦/١ كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.  


/٤٩١/

ومن نماذج الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله ما يأتي :  

١ - إيراد الأخبار الموضوعة لأجل تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم في القصص التي تقرأ ليلة المولد النبوي (١)  

٢ - الأحاديث الموضوعة في فضل زيارة قبي  

٣ - وضع الأحاديث في فضائل القبور كحديث: "إذا أعيتكم الأمور فعليكم بالقبور" (٢).

٤ - الأحاديث المكذوبة في فضل الصخرة بالقدس.  

ه- أحاديث فضل الجامع الأموي بدمشق ومضاعفة الصلاة فيه .  

أما الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم في آثاره فإن المقصود به ما قد ينسب إلى الرسول كذباً- لا سيما في العصر الحاضر من آثاره الحسية، للتبرك بها،  كشعراته مثلا (٣).  

وكذا دعوى وجود أثر موطيء قدم النبي صلى الله عليه وسلم، على بعض الأحجار، حتى يتبرك بها، وقد حققت عدم صحة ذلك (٤).

الثانى: الكذب على غير الرسول صلى الله عليه وسلم، كالكذب على الصحابة رضي الله عنهم، أو التابعين رحمهم الله، وغيرهم من الصالحين .  

وهذا الكذب عليهم قد يكون في الأقوال، مثل ما ينسب إليهم من الروايات المكذوبة في ذكر فضائل وبركة بعض الأماكن .

____________________

(١) راجع إن شفت كتاب القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل للشيخ إسماعيل الأنصاري ص ٢٠٥ فما بعدها، فقد ساق أمثلة كثيرة لهذه الأخبار وناقشها.  

(٢) انظر ص ٤٠٨ .  

(٣) راجع مسألة "هل يوجد شيء من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في العصر الحاضر ؟" ص ٢٥٦ فما بعدها.

(٤) راجع ص ٣٥٣ فما بعدها .  


/٤٩٢/

وقد يكون الكذب عليهم في الأفعال، كادعاء حصول البركة عند بعض القبور، مثل ادعاء أن الشافعي كان يدعو عند قبر أبي حنيفة إذا نزلت به شدة فيستجاب له (١)  

الثالث: الكذب في تعيين موضع التبرك:  

ويكثر هذا النوع في تعيين مواضع قبور بعض الصالحين من الصحابة وغيرهم .  

ولعل خير مثال على ذلك هو تعدد أسماء المدن التي يقال إن رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما موجود فيها، فقد بلغ عددها ثمانية أسماء (٢)  

الرابع: ادعاء بركة بعض المواضع دون مستند شرعي.  

ومن النماذج على ذلك: زعمهم أن دار خديجة رضي الله عنها بمكة أفضل المواضع بعد المسجد الحرام ، وأن الدعاء يستجاب فيها (٣). 

ومنها كثرة ادعاء استجابة الدعاء عند بعض المقابر أو الجبال أو المساجد المحدثة المبنية على آثار الأنبياء والصالحين، كما تقدم .  

خامساً: تحرف النصوص:  

عرفنا في الفقرة الماضية أن أصحاب التبرك الممنوع، من أجل الاستدلال على شرعية ما ذهبوا إليه يلجون أحيانا إلى الكذب، فهم لهذا أيضا يذهبون إلى تحريف معاني النصوص الشرعية، وتحميلها ما لا تحتمل.  

وأغلب ما يوجد من هذا التحريف هو تحريفهم النصوص التي يريدون الاستدلال بها.

____________________

(١) راجع ص ٤٠٩  

(٢) راجع ص ٣٩١  

(٣) راجع ص ٣٥،  


/٤٩٣/

ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:  

١- استدلالهم على استحباب طلب الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبره بعموم قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} (١)  

٢ - استدلالهم على مشروعية التبرك بالمواضع التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بحديث صلاة الرسول في بيت عتبان بن مالك رضي الله عنه (٢).

٣- استدلالهم على جواز اتخاذ المساجد على القبور بقوله تعالى في قصة أصحاب الكهف: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً} (٣) .  

وقد يوجد التحريف من قبلهم عن طريق تحريف النصوص المعارضة لهم .  

مثال ذلك تحريفهم نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيداً بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيداً) (٤)، فقالوا: هذا أمر بملازمة قبره، والعكوف عنده، واعتياد قصده وانتيابه، ونهيٌ أن يجعل بمنزلة العيد الذي يكون من الحول إلى الحول، بل يقصد كل ساعة وكل وقت (٥). وهذا تحريف للمعاني، ومناقضة لما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم، وقلب للحقائق (٦)  

سادسا : إضاعة السنن:  

من المفاسد في الدين التي يشتمل عليها التبرك الممنوع إضاعة السنن. وهذا  من خصائص البدع "ذلك أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن  السنن" (٧)  

____________________

(١) سورة النساء (٦٤) وقد تقدمت الإجابة على هذه الشبهة ص ٢٣٦ ، ٣٣٧.  

(٢) راجع نص هذا الحديث مع الإجابة عنه ص ٣٤٩.  

(٣) سورة الكهف (٢١) ، وقد تقدم إيراد هذه الشبة مع للجواب عليها ص ٤١١ ، ٤١٢.  

(٤) تقدم تخريجه ص ٣٢٩ .  

(٥) إغاثة اللهفان لابن القيم ١٩٢/١ .  

(٦) انظر المرجع السابق ١٩٢/١ ، ١٩٣، وراجع ص ٣٣٠ من الكتاب.

(٧) اقتضاء الصراط المستقيم ٧٤٠/٢ .  


/٤٩٤/

ولهذا جاء في الحديث "ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة" (١)، ولا شك أن السنن تموت إذا أُحييت البدع "لأن الباطل إذا عمل به لزم ترك العمل بالحق، كما في العكس، لأن المحل الواحد لا يشتغل إلا بأحد الضدين" (٢). 

ثم إن من لم يعطل الفرائض والسنن فستضعف عنايته بها على الأقل، بسبب تعلقه بالبدع .  

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند سياقه مفاسد البدع: «ومنها أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالفرائض والسنن، ورغبتهم فيها، فتجد الرجل يجتهد فيها ويخلص وينيب، ويفعل فيها ما لا يفعله في الفرائض والسنن، حتى كأنه يفعل هذه عبادة، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة، وهذا عكس الدين، فيفوته بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة والرقة والطهارة والخشوع، وإجابة الدعوة، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك من الفوائد، وإن لم يفته هذا كله فلا بد أن يفوته له» (٣)  

هذا ومن الأمثلة على ما يؤدي إليه التبرك الممنوع من إضاعة الواجبات والسنن ما يأتي :-  

- التبرك بقبور الأنبياء والصالحين، والعكوف عندها ومجاورتها، ونحو ذلك من المظاهر المبتدعة يشغل عن كثير من الفرائض والواجبات والسنن المشروعة في الدين.  

____________________

(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ٢٠٥ عن غضيف بن الحارث، وقد رمز له السيوطي بأنه حسن في كتاب الجامع الصغير ١٤٢/٢ .  

(٢) الاعتصام للشاطبي ١١٤/١ .  

(٣) الاقتضاء ٢/ ٦١١، وانظر هذا المرجع ٧٤١/٢ .  


/٤٩٥ / 

حتى لقد أصبح العكوف عند بعضهم في المسجد المبني على القبر أحب إليه من العكوف في المسجد الحرام، بل حرمة ذلك المسجد المبني على القبر الذي حرمه الله ورسوله أعظم عندهم من حرمة بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه (1).

وبلغ الأمر يعض الغلاة إلى تفضيل زيارة المشاهد التي على القبور على حج البيت الحرام ، وإلى اعتقاد أن السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أفضل من حج البيت (٢).  

٢ - قصد المساجد المحدثة المبتدعة،  وتتبع آثار الأنبياء والصالحين وبعض الجبال والمواضع، في مكة والمدينة وبلاد الشام وغيرها، لأداء العبادات فيها تبركاً، كالصلاة والدعاء - في ذلك تعطيل لأداء العبادة المفروضة أو المسنونة في المساجد الثلاثة الفاضلة، وسائر المساجد الأخرى التي شرعت العبادة فيها .  

٣- إقامة الأعياد والاحتفالات المبتدعة للموالد وغيرها، التي تستنزف الجهود والأوقات، وتشغل عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن كثير من الواجبات والسنن.  

سابعاً: التغرير بالجهال، وإضلال الأجيال: 

من الآثار السيئة للتبرك الممنوع أنه يؤدي إلى التغرير بالجهال وإضلالهم.  

فمن المعلوم أن هذا التبرك يحتوي عل مظاهر بارزة جذابة.  

ومن أكثر تلك المظاهر: الأبنية المقامة على بعض القبور، كالمساجد والقباب والمشاهد والمزارات، وما يجري فيها وما حولها من مظاهر التبرك المبتدعة المختلفة .  

ومنها أيضاً: مظاهر الأعياد والاحتفالات المبتدعة، التي تقام في المساجد أو القبور أو الطرقات، واجتماع الناس فيها.

____________________ 

(١)المرجع السابق ٢/ ٧٣٩.  

(٢) المرجع السابق ٧٣٩/٢ ، وراجع ص ٤٠٠ من الكتاب .  


/٤٩٦/  

فإن الجاهل إذا رأى هذه المظاهر المحسوسة والمشاهد الملموسة، أو مر بها، سيتأثر بلا شك، ويغتر بذلك، لاسيما مع كثرة أهلها الذين يزاولونها ويعتنون بها .  

فهذا التبرك الممنوع بمظاهره البراقة - سبب من  أسباب فتنة الناس به، وجرهم إليه، ولا سيما الجهال والعوام، وهو بهذا يؤدي إلى إضلال كثير من الأجيال المتعاقبة للمسلمين، الذين يرون تلك المظاهر والمشاهد المتكررة، التى تقام باسم الدين، ويدعوا إليها من ينتسب إليه، إضافة إلى تحسين الشيطان للبدع في نفوس الناس وتزيينها لهم. وبهذا ينتهي بيان آثار التبرك الممنوع في هذا الفصل.  


/٤٩٧/  

الفصل الثالث: وسائل مقاومة التبرك الممنوع  

بعد عرض أسباب التبرك الممنوع وآثاره في الفصلين السابقين لابد -من بيان وسائل مقاومته، للقضاء عليه، والحد من انتشاره بين المسلمين .  

ويمكن حصر ذلك في ثلاث وسائل مهمة، وبيانها فيما يأتي:

أولاً: نشر العلم .  

لا يشك أحد في فضل العلم، ورفعة منزلته، وفضل طلبه، وفضيلة العلماء.  

والمراد بالعلم هنا: العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه، في عباداته ومعاملاته، والعلم بالله تعالى وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص(١)  

ومن لوازم تعلم العلم: تبليغ العلم، ونشره بين الناس، وتعليمهم إياه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القران وعلمه» (٢). 

وكما قال صلى الله عليه وسلم في إحدى خطبه في الحج: «ليبلغ الشاهد الغائب» (٣).

فعلى العلماء بذل العلم ونشره بين الناس على أوسع نطاق، وعدم كتمان العلم، ولا سيما عند شيوع الجهل وظهور البدع، حتى يعرف الناس الحق من الباطل، ويعبدوا ربهم على بصيرة وعلم.

____________________ 

(١) فتح الباري ١٤١/١ .  

(٢) أخرجه البخاري عن عثمان رضي الله عنه. انظر صحيح البخاري ٦/ ١٠٨ كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه.  

(٣) أخرجه البخاري في صحيحه ١/  ٢٤، ٢٥ كتاب لعلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: رب مبلغ أوعى  من سامع، ومسلم في صحيحه ٩٨٨/٢ كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها.


/٤٩٨/  

وبما أن أهم ما يتضمنه العلم الشرعي بيان أصول الدين - المسمى أحياناً بعلم العقيدة - فإن ذلك يعني بيان العقيدة الصحيحة، عقيدة السلف الصالح التي تقوم على اتباع كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم .  

ولا ريب أن في التزام هذا المنهج السليم والسبيل المستقيم لسلفنا الصالح عصمة من الانحراف، وسلوك سبل البدع والضلالات، قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} (١).

ومن المعلوم أن التبرك الممنوع لون من ألوان البدع المحدثة كما سبق. 

ففي نشر العلم الشرعي -المتضمن بيان عقيدة أهل السنة والجماعة وما يضادها - وقاية من الوقوع في التبرك الممنوع، كما أن في ذلك أيضاً مقاومة له بعد حصوله.  

ولأجل تحقيق تلك الأهداف النبيلة أرى أن نتبع الخطوات الآتية:  

١- الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتلقى العلم منهما، والتمسك بمنهج الصحابة رضي الله عنهم، والتطبيق الحقيقي لذلك في كل قضية من قضايا العقيدة والشريعة .  

٢- تدريس كتب العقائد الصحيحة في المراحل الدراسية وتكثيف مناهجها، واختيار المدرسين المتخصصين في فهم عقيدة السلف وتفهيمها للطلاب، وإقامة دروس في المساجد لتفهيم العقيدة لعامة الناس، ومن لا تسمح له ظروفه بمتابعة الدراسة المنهجية .  

٣- نشر كتب السلف الصالح، وإيصالها إلى أيدي القراء بسهولة، وتوفيرها في المكتبات العامة للمراجعة، ونبذ كتب أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة (٢).

____________________ 

(١) سورة الأنعام (١٥٣) .  

(٢) هذه الفقرة وما قلها اقتبستها من مقال للدكتور صالح الفوزان بعنوان (بيان التوحيد والتحذير من الشرك) في مجلة البحوث الإسلامية الصادرة في الرياض، عدد ٢٠ عام ١٤٠٧ /١٤٠٨ هـ، ص ٢٠٤ ،٢٠٥.


/٤٩٩/ 

٤ - حث المسلمين جميعا على التمسك بعقيدة أهل السنة، وتبليغها لهم، وبيان ضرورة الالتزام بها، وتحذيرهم من البدع، ولا سيما ما انتشر منها، وبيان أخطارها، والتحذير من مخالطة أهل البدع، أو التشبه بالكفار. وهذا ممكن عن طريق الخطب والمحاضرات، والمواعظ والمؤلفات، وشتى وسائل الدعوة والتوجيه.  

٥ - إتاحة الفرصة للناس في كل مناسبة لسؤال العلماء عن أمور دينهم وأحكامهم  

وبذلك تتضح السنن للناس وتفترق عن البدع، ومن ثم يتميز التبرك المشروع عن الممنوع، ويكون الناس على بصيرة بأحكام التبرك، ولا يعذر أحد بالجهل .  

ثانياً: الدعوة إلى المنهج الحق:  

من الوسائل المهمة لمقاومة التبرك الممنوع الدعوة إلى المنهج الحق، وأعنى بهذا دعوة من ابتلي بشيء من صور التبرك الممنوع حتى يرجع إلى الحق وإلى منهج الشرع القويم.  

وتحقيق ذلك داخل ضمن مبدأ عظيم من مبادئ الدين، ألا وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .  

وبإقامة هذا المبدأ استحقت هذه الأمة المحمدية أن تكون خير الأمم، قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (١). ومزاولة هذا العمل الشريف من علامات الإيمان {المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (٢).  

ولقد جاء الحث والتأكيد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي تتضمن التحذير من العواقب الوخيمة المترتبة على تعطيل هذه الشعيرة العظيمة. 

____________________ 

(١) سورة آل عمران (١١٠) .  

(٢) سورة التوبة (٧١) .  


/٥٠٠/ 

ولا ريب أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آثاراً نافعة في تثبيت دعائم الحق ومحاربة الباطل، وقمع البدع، فضلاً عن الآثار والمنافع الدينية الأخرى .  

وقد أجمع المسلمون على وجوب تغيير المنكر على من قدر عليه (١)  

وقد قال صلى الله عليه وسلم مبيناً مراتب التغيير: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (٢)، فعلى هذا يجب على من عنده علم واستطاعة إنكار المنكرات، التي من أعظمها البدع المحدثة في الدين، ومنها بدع التبرك .  

ويمكن دعوة من يمارس التبرك الممنوع إلى المنهج الحق باتباع الوسائل التالية:-  

١- على الدعاة - من أتباع السلف الصالح - إنكار جميع ما يقع من أصناف التبرك الممنوع في زمانه ومكانه، مع مراعاة الآداب المطلوبة في ذلك .  

٢ - على العلماء مناقشة الشبهات التي يتمسك بها مؤيدو التبرك الممنوع، والرد عليها، عن طريق المؤلفات، وشتى الوسائل المختلفة المناسبة .  

٣ - وضع مرشدين من طلبة العلم عند بعض المواضع التي يكثر التبرك بها أو عندها تبركا ممنوعاً، كالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، للتوعية والإرشاد بشكل دائم، وفي مشاعر الحج، وسائر مزارات مكة والمدينة، ولا سيما أوقات الحج .  

٤ - كتابة النشرات الإرشادية المناسبة على لوحات - بعدة لغات ووضعها عند أماكن التبرك الممنوع المتعددة، المقابر والمشاهد، والجبال، والمساجد المحدثة .

____________________ 

(١) انظر تفسير القرطبي ٤/ ٤٨. 

(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. انظر صحيح مسلم ٦٩/١، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان.  


/٥٠١/ 

٥- توجيه من يمارس التبرك الممنوع إلى بديله من التبرك المشروع .  

فيكتفى مثلاً تحري ليلة القدر وإحيائها بالعبادة والدعاء لعظم بركتها، عن إحياء ليلة المولد النبوي، وغيرها .  

وبكتفى بأداء الصلاة مثلاً في المساجد الثلاثة، التي يضاعف الأجر فيها، أو في سائر المساجد الأخرى، عن أدائها في المساجد المحدثة المبتدعة، أو في بعض الجبال والمواضع.  

وقد شرع الله تعالى من السنن والمواسم والعبادات ما فيه كفاية العباد (١)، وغنية عن استحداث البدع، وله تعالى الحمد والمنة .  

٦- توعية الأدلاء والجهال أو من يسمون (المزوِّرين) الذين يصطحبون الحجاج أو الزوار إلى المزارات المشروعة، وعقد الدورات لهم لتوجيههم، واشتراط أن يكونوا متعلمين، ومن المعروفين باتباع السنة.  

٧ - على أولياء أمور المسلمين منع الأدلّاء (المزورين) الذين يدعون إلى البدع في المزارات، أو يذهبون إلى المزارات الممنوعة .  

ولقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية عن حكم عمل القوام عند القبور أو غيرهم - الذين يأمرون زوار القبور بالبدع ويرغبونهم فيها، ويأخذون على ذلك جعلاً، وعن موقف ولي الأمر من ذلك .  

وكان مما أجاب عن ذلك قوله رحمه الله بعدما أبان حرمة هذا العمل: « ومن أمر الناس بشيء من ذلك، أو رغبهم فيه، أو أعانهم عليه، من القوام أو غير القوام، فإنه يجب نيه عن ذلك، ومنعه منه، ويثاب ولي الأمر على منع هؤلاء، ومن لم ينته عن ذلك فإنه يعزر تعزيراً يردعه، وأقل ذلك أن يعزل عن القيامة، ولا يترك من يأمر الناس بما ليس من دين المسلمين» .  

وأفاد رحمه الله أن (الكسب الذي يكسب بمثل ذلك خبيث، من جنس كسب الذين يكذبون على الله ورسوله ويأخذون على ذلك جعلاً، ومن جنس كسب سدنة الأصنام الذين يأمرون بالشرك ويأخذون على ذلك جعلاً) (٢).

هذا ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد .  

____________________ 

(١) انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ٦٣٣/٢ .  

(٢) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٠٦/٢٧ - ١١١  


/٥٠٢/ 

ثالثاً: إزالة وسائل الغلو ومظاهر التبرك:  

من الوسائل الفعلية النافعة لمقاومة التبرك الممنوع: إزالة وسائل الغلو في الأنبياء والصالحين وغيرهم، ومظاهر التبرك الحسية المبتدعة. والمظاهر المحسوسة للتبرك الممنوع منها ما يكون من المنكرات والمحرمات التي تتعين إزالتها، ومنها ما قد يؤدي إلى التبرك المنوع، فيزال من باب سد الذريعة، كما سيأتي بيانه.  

والأصل في إزالة المنكر قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده …) (١) الحديث.  

وتغيير المنكر وإزالته باليد ونحوها أعلى مرائب التغيير، ولا يجوز العدول عن هذه المرتبة إلى ما دونها إلا عند عدم الاستطاعة.  

وهناك نماذج عديدة لإزالة المنكر الظاهر على مر العصور من قبل الأنبياء عليهم السلام وغيرهم، كخلفاء المسلمين   

فقد كسَّر إبراهيم عليه السلام أصنام قومه، وأحرق موسى عليه السلام العجل الذي عبد من عُبد من دون الله، وكسَّر النبي صلى الله عليه وسلم اصنام لما فتح مكة، وهدم عليه الصلاة والسلام مسجد الضرار بالمدينة، وحرق بعض الخلفاء أمكنة الحمر، وأتلفوا المغشوش مما يباع في أسواق المسلمين (٢)، إلى غير ذلك من الأمثلة الأخرى (٣)  

أ) ومن أبرز مظاهر التبرك الممنوع التي يتعين إزالتها: إزالة وهدم القباب والمشاهد على قبور الأنبياء والصالحين، ومن يسمون بالأولياء.  

وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي رضي الله عنه (٤)، قال: قال لي علي بن أبي طالب ضي الله عنه: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفا إلا سويته»(٥).

____________________ 

(١) تقدم تخريجه قريباً. 

(٢) انظر الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم ص ٢٧٣- ٢٧٧ .  

(٣) راجع كتاب الحسبة لابن تيمية من ص ٤٧ - ٥٢، الطرق الحكمية ص ٢٧٣ - ٢٨٣.  

(٤) تقدمت ترجمته ص ٤٠٣.

(٥) تقدم تخريجه ص ١٠٣.


/٥٠٣/

قال الإمام الشوكاني رحمه الله في رسالته: (شرح الصدور في تحريم رفع القبور»: وفي هذا أعظم دلالة على أن تسوية كل قبر مشرف بحيث يرتفع زيادة على القدر المشروع واجبة متحتمة) (١).

وقد أفتى العلماء المحققون بوجوب هدم البناء على القبور .  

قال الإمام القرطبي رحمه الله: «وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيماً وتعظيماً فذلك يهدم ويزال» (٢).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله عن المشاهد المبنية على القبور: «لا يحل إبقاؤها في الإسلام، ويجب هدمها، ولا يصح وقفها، ولا الوقف عليها» (٣) .  

ومع أن البناء على القبور، وما يتبع ذلك من المظاهر لا يجوز، فهو أيضاً وسيلة من وسائل الغلو والفتنة بأصحابها.  

ب) ومما يدخل في وجوب إزالة البناء على القبور: هدم المساجد المبنية عليها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: « فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم، يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين » (٤).

وقال في موضع آخر: « يجب هدم كل مسجد بني على قبر الميت كائناً من كان» (٥).

____________________ 

(١) رسالة شرح الصدور ص ٨٧ .  

(٢) تفسير القرطبي ٣٨١/١٠ .  

(٣) زاد العاد ٦٠١/٣ .  

(٤) اقتضاء الصراط المستقيم ٦٦٩/٢ .  

(٥) مجموعة الرسائل والمسائل ٦٧/١، وانظر تفسير سورة الإخلاص لابن تيمية ص ٣٣٠، وكتاب المنثورات للنووي ص ٤٨ .  


/٥٠٤/

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله عن حكم المساجد المبنية على القبور: "حكم الإسلام فيها أن تهدم كلها حتى تسوى بالأرض، وهى أولى بالهدم من مسجد الضرار" (١). وإذا دفن الميت في المسجد فإنه يجب إخراجه منه أيضاً ودفنه في مدافن المسلمين.  

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «يهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد ... فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق، ولو وضعا معا لم يجز» (٢). 

ومن المساجد التي يجب إزالتها أيضاً: المساجد المحدثة المبتدعة، المبنية على بعض الجبال والآثار، والتي يقصدها البعض التبرك بها والصلاة فيها، فيجب هدمها والقضاء عل كل ما يسهل الوصول إليها، سداً لباب الشر ومنعاً للفتنة (٣).  

ج - وما يجب إزالته من مظاهر التبرك: قطع الأشجار التي يتبرك بها، وتعظم ، أو يخشى أن يفتتن فيها الناس، مع ما في الأشجار من المنافع، لكن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح والمنافع .  

ولذا قطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشجرة التي بايع تحتها الصحابة رضي الله عنهم -رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خاف عليهم الفتنة، كما سبق (٤).

وقال أبو بكر الطرطوشي (٥) لما ساق حديث شجرة "ذات أنواط". قال رحمه الله تعالى: «فانظروا - رحمكم الله تعالى -أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمون من شأنها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، وينوطون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط، فاقطعوها . 

____________________ 

(١) إغاثة اللهفان ١/ ٢١٠.  

(٢) زاد العاد ٥٧٢/٣ .  

(٣) انظر كتاب فتاوي تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة ص ٢٣ طيع ونشر الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء .  

(٤) راجع ص ٣٤٦  

(٥) تقدمت ترجمته ص ١٦٣ .  

(٦) تقدم هذا الحديث مع تخريجه ص ٤٦١ ، ٤٦٢.

(٧) الحوادث والبدع للطرطوشي ص ٣٧.


/٥٠٥/

 ومن النماذج على إزالة مظاهر التبرك ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبنياني (١) رحمه الله في شمال افريقية في القرن الرابع، فإنه كان إلى جانبه عين تسمى (عين العافية  كانت العامة قد افتتنوا بها، يأتونها من الآفاق، فمن تعذر عليها نكاح أو ولد قالت: امضوا بي إلى العافية، فخرج ذات ليلة في السحر فهدمها (٢).  

ومن هذا القبيل أيضاً ما صنعه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث كسر في دمشق كثيراً من الأنصاب التي كان بعض الناس يتبركون بها (٣).

ومن ذلك أيضاً ما فعله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأتباعه، حيث هدموا الكثير من القباب والمشاهد الموجودة في بلاد نجد والحجاز (٤). 

د - ومن الأمور الأخرى التي يمكن أن تلحق بما سبق: منع طباعة وتداول المصاحف الصغيرة جداً، التى تستعمل لمجرد التبرك فقط، حيث لا تمكن القراءة فيها (٥). 

ومما تجدر الاشارة إليه هنا أن هناك أصواتاً تدعو إلى العناية والاهتمام بما يسمى (الآثار الإسلامية) وتقديسها، وتعمير ما تهدم منها، إحياء للتراث، وتعظيماً لآثار الأنبياء والصالحين (٦).

____________________ 

(١) الحوادث والبدع للطرطوشي ص ٣٧ .  

(٢) هو الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن علي البكري الجبنياني- نسبة إلى (جبنيانة) قرية بتونس قرب صفاقس، الزاهد العابد ، له في الزهد أخبار كثيرة، توفي سنة ٣٩٩ ه ، وله تسعون سنة. انظر الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن سحنون المالكي ٢٩٤/١، الأنساب للسمعاني ٣/ ١٨٥، ١٨٦.

(٣) الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص ٢٧ باختصار .  

(٤) انظر إغاثة اللهفان لابن القيم ٢١٢/١ .  

(٥) انظر كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر ٩/١، وكتاب الدين الخالص ٥٧٥/٣ ، وكتاب مكة في القرن الرابع عشر الهجري لمحمد عمر رفيع ص ١٢٥.  

(٦) تقدمت الإشارة إلى هذه المسألة ص ٢٤ .  


/٥٠٦/

ولا شك أن تعظيم آثار الأنبياء والصالحين بهذه الطريقة مخالف للشرع، فهو داخل في الغلو فيهم، وهو وسيلة إلى الشرك، وفيه تشبه بالكفار، كما تقدم .  

وتعظيم هذه الآثار إما يكون باتباع أهلها في أعمالهم الصالحة، وأخلاقهم الحميدة، وأما تعظيم الآثار بالأبنية والزخارف والكتابة ونحو ذلك، فهو خلاف هدي السلف الصالح، ومن سنن اليهود والنصارى (١).

فعلى هذا يجب الحذر والتنبه لتلك الدعوة وأمثالها .  

وفي ختام هذا الباب اسأل الله تعالى أن يعين المسلمين ويوفقهم للقضاء على هذا الداء الخطير، حتى يسلموا من شروره وأخطاره، إنه على ذلك قدير .  

____________________ 

(١) من مقال لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رداً على مصطفى أمين عندما دعا إلى تعظيم آثار المدينة المنورة . انظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ٣٩٥/١ فما بعدها .  ولسماحته أيضا رد آخر على مقال صالح محمد جمال يدعو فيه إلى تعظيم الآثار الإسلامية . انظر المرجع السابق ٤٠٥/١ فما بعدها .  


/٥٠٧/

الخاتمة  

بعد أن من الله تعالى علي بإتمام كتابة موضوع البحث (التبرك: أنواعه  وأحكامه ) أستطيع - بتوفيق الله تعالى - استخلاص أبرز نقاط البحث وأهم نتائجه فيما يأتي :  

أولاً: في مباحث التمهيد:  

(١) أن كل خير وبركة في الموجودات فهو من الله تبارك وتعالى، وأنه يختص بعض خلقه بما يشاء من ذلك .  

(٢) البركة في اللغة العربية تطلق على الثبوت واللزوم، وعل النماء والزيادة، وفي القرآن والسنة بمعنى ثبوت الخير ودوامه، أو كثرة الخير وزيادته، أو اجتماعهما معا.  

(٣) أن لفظ (تبارك) لا يوصف به إلا الله تبارك وقعال .  

(٤) التبرك مشروع في الاسلام، ولكن ليس مشروعا على الإطلاق، بل إن منه ماهو ممنوع.  

ثانياً: في مباحث الباب الأول:  

(١) أن البركة تنقسم إلى قسمين: دينية ودنيوية .  

(٢) من أعظم الأمور المباركة القرآن الكريم، ويتضمن خيرات كثيرة دينية ودنيوية.  

(٣) أفضلية الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه مبارك في ذاته وفي أفعاله وفي آثاره، وبركاته تتضمن البركة الدينية والدنيوية .  

(٤) فضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنهم أصحاب خير وبركة على الناس في دنياهم وأخراهم .  


/٥٠٨/

(٥) فضل الملائكة الكرام عليهم السلام، وأن لهم بركات عديدة على المؤمنين.

(٦) فضل الصالحين، وأن لهم منافع وبركات على غيرهم دينية ودنيوية.

(٧) فضل المساجد الثلاثة، وأفضلية الصلاة فيها، واختصاصها بجواز شد الرجل إليها.

(٨) فضل المشاعر المقدسة في مكة المكرمة، وبركة الأعمال الصالحة فيها إذا أُديت على الوجه المشروع.

(٩) اختصاص المدينة المنورة بفضائل وبركات عظيمة، وفضل الصلاة في مسجد قباء.

(١٠) فضل وبركة سائر المساجد.

(١١) تميز شهر رمضان بعدة فضائل وبركات، وأفضلية ليلة القدر وبركتها.

(١٢) فضل وبركة عشر ذي الحجة، وأيام التشريق، والأشهر الحرم، ويوم الجمعة، والاثنين والخميس، ووقت النزول الإلهي.

(١٣) بركة بلاد الشام، واليمن. 

(١٤) بركة المطر، وشجرة الزيتون، واللبن، والخيل، والغنم، والنخل.

 ثالثاً: في مباحث الباب الثاني: 

(١) أن لذكر الله تعالى -بمختلف أنواعه -بركات دينية ودنيوية.

(٢) فضل وبركة تلاوة القرآن الكريم.

(٣) أن الرقية بالقرآن الكريم أو بذكر الله عز وجل -إذا كانت على الوجه المشروع -من أعظم أسباب العلاج والشفاء لكثير من الأمراض الحسية والمعنوية، بل إنها من أسباب الوقاية أيضاً.

(٤) لا بأس بالرقية عن طريق القراءة في الماء، أما الرقية عن طريق الكتاب في الإناء ونحوه فالأولى تركها.

(٥) أن القول الأقرب والأحوط هو عدم جواز تعليق التمائم التي من القرآن أو الذكر.


/٥٠٩/

(٦) لا ينبغي تعليق الآيات أو الأذكار التي على الجدران ونحوها للتبرك، لأنه من البدع، وكذا وضع المصحف في مكانٍ ما للتبرك.

(٧) ثبوت تبرك الصحابة رضي الله عنهم بذات النبي صلى الله عليه وسلم الكثيرة و بآثاره الشريفة في حياته، وإقراره إياهم على ذلك، وثبوت تبركهم أيضاً وتبرك التابعين بآثاره بعد وفاته.

(٨) أن ما يدعى الآن عند بعض الأشخاص أو في بعض المواضع من وجود بعض الآثار النبوية - كالشعرات أو النعال أو غيرها - موضع شك كبير، وأنه يصعب ويُستبعد إثبات صحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه القطع واليقين .  

(٩) عدم صحة ما رآه بعض العلماء من جواز التبرك بذوات الصالحين وآثارهم قياساً على الرسول صلى الله عليه وسلم.  

(١٠) مشروعية التبرك بمجالسة الصالحين وصحبتهم، للانتفاع بعلمهم، والاستماع إلى نصائحهم، والانتفاع بدعائهم، والتحصل على فضل مجالس الذكر، ونحو ذلك .  

(١١) مشروعية التبرك بشرب ماء زمزم للحاج والمعتمر وغيرها، الذي هو أفضل مياه الأرض شرعاً وطباً، وفيه طعام وشفاء، وأنه يجوز نقله خارج الحرم للتبرك به.  

(١٢) استحباب السحور للصائم لحصول البركة الدينية والدنيوية فيه .  

 (١٣) من سنن آداب الأكل المقرونة بالبركة: الاجتماع عليه، والتسمية ، والأكل من جوانب إناء الطعام، ولعق الأصابع بعد الأكل، ولعق إناء الطعام، وأكل اللقمة الساقطة، وأن كيل الطعام فيه بركة .  

(١٤) من الخصال الحميدة التي تجلب البركة: الصدق في المعاملة، وسخاء النفس في طلب المال، والتبكير والمبادرة - أول النهار - في طلب العلم والتجارة، ونحو ذلك من المهمات.  

ثالثاً: في مباحث الباب الثالث :  

(١) الأمور التي منع الدين التبرك بها: ما نص الشرع على النهي عنه والتحذير من فعله، وما تجاوز حدود التبرك المشروع، وما لم يكن له مستند من الشرع أصلاً .  


/٥١٠/

(٢) استحباب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم- على الوجه المشروع - بدون شد رحل .  

(٣) أن شد الرحال لمجرد زيارة قبره صلى الله عليه وسلم فقط لا يجوز .  

(٤) أن السفر لزيارة مسجده وقبره معا جائز .  

(٥) عدم شرعية التبرك بقبره صلى الله عليه وسلم، ورد شبه المخالفين .  

(٦) عدم مشروعية التبرك بالمواضع التي جلس أو صلى فيها عليه الصلاة والسلام دون قصد، ورد شبه المخالفين.  

(٧) أن ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم من العبادات في أي موضع على وجه التعبد -كالصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وقصد الصف الأول في الصلاة يشرع قصدها اقتداء به.  

(٨) بطلان ادعاء وجود أحجار عليها أثر موطىء قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لو صح وجود شيء من ذلك افتراضاً؛ فإنه لا يجوز التبرك به على أي وجه.  

(٩) عدم جواز التبرك بمكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، ووقوع الاختلاف في تعين مكان الولادة .  

(١٠) عدم شرعية التبرك والاحتفال بليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، والرد على شبه المجيزين، وبيان أنه ليس لهذه الليلة مزية على غيرها، واختلاف المؤرخين في تعيينها.  

(١١) أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي هم العبيديون (المتسمون  بالفاطميين) في القرن الرابع.  

(١٢) عدم شرعية التبرك والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، ووقوع الاختلاف في تعيينها، وعدم شرعية التبرك والاحتفال بذكرى الهجرة، وغيرها من الأحداث والوقائع .  

(١٣) من أنواع التبرك الممنوع: التبرك بذوات الصالحين وآثارهم مواضع عباداتهم وإقامتهم، ورد شُبه المجيزين لذلك .  

(١٤) مشروعية زيارة القبور للرجال على الوجه المشروع، بلون شد رحل.  

(١٥) أن المقصود بزيارة القبور شيئان: اتعاظ الزائر، والإحسان إلى الأموات بالسلام عليهم والدعاء لهم .  

(١٦) وجود قبور كثيرة مشهورة يتبرك بها في أنحاء العالم الإسلامي .  

(١٧) أول من أدخل بدع مشاهد ومزارات القبور عند المسلمين هم الشيعة الروافض، ثم أصحاب الطرق الصوفية .  


/٥١١/

(١٨) عدم شرعية التبرك بقبور الأنبياء والصالحين وغيرهم، والرد على شبه المخالفين.  

(١٩) عدم شرعية التبرك والاحتفال بموالد الأنبياء والصالحين الزمانية والمكانية .  

(٢٠) من أنواع التبرك الممنوع: التبرك ببعض الجبال والمواضع، وشد الرحل إليها لأجل ذلك .  

(٢١) ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيله إلا الحجر الأسود، ولا يمسح غير الحجر الأسود والركن اليماني من الكعبة. ولا يجوز الطواف بغير الكعبة المشرفة، ولا يراد بهذه الأمور التبرك بالكعبة، إنما المقصود التعبد والاتباع .  

(٢٢) ليس في الشريعة بقعة تفصد للعبادة إلا المساجد ومشاعر الحج .  

(٢٣) ليس من شريعة الاسلام: التبرك بجدران المساجد أو ترابها أو أبوابها، من  جهة التقبيل أو التمسح ونحو ذلك، لا المسجد الحرام، ولا سائر المساجد.  

(٢٤) وجود عدة مساجد محدثة مبنية على آثار الرسول صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأنبياء والصالحين، في مكة والمدينة والشام وغيرها - تزار وتقصد للعبادة تبركاً من قبل البعض - وهذا غير مشروع .  

(٢٥) وجود بعض الجبال والدور والآبار التي يدعى فيها الفضل والبركة، وتُرار وتقصد تبركاً بها، وهذا ليس بمشروع .  

(٢٦) ليس للصخرة في القدس مزية في الاسلام ولا خصوصية في العبادة، إنما هي كانت قبلة منسوخة، فلا يجوز التبرك بها على أي وجه .  

(٢٧) لا يقطع بتعيين قبر نبي سوى قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة إجماعاً، وقبر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بمدينة الخليل بالشام على قول الجمهور.  

(٢٨) لا يجوز التبرك بالأشجار والأحجار ونحوها بأي وجه من الوجوه .  

(٢٩) أن بعض صور ومظاهر التبرك الممنوع قد تكون شركاً، وذلك بحسب الفعل ذاته، أو على حسب اعتقاد فاعله وقصده.

خامساً: في مباحث الباب الرابع:

(١) أبرز أسباب وجود التبرك الممنوع في المجتمع الإسلامي: الجهل بالدين، والغلو في الصالحين، والتشبُّه بالكفار، وتعظيم الآثار.


/٥١١/

(٢) من العوامل الأخرى المعينة على وجوده وانتشاره: تأثير الفرق المبتدعة، الصوفية ولرافضة، والتمسك بالآثار الضعيفة أو الموضوعة، وقياس الممنوع من التبرك على المشروع منه، وسكوت العلماء عن الإنكار، والاستسلام للعاطفة، والتعصب للهوى.  

(٣) التبرك الممنوع يفضي إلى شرور كثيرة اعتقادية وعملية، وله آثار سيئة خطيرة.

(٤) أهم هذه الآثار: الشرك، الابتداع، اقتراف المعاصي، وانتهاك الحرمات، والوقوع في عدة أنواع من الكذب، تحريف النصوص، إضاعة الواجبات والسنن، التغرير بالجهال، وإضلال الأجيال .  

(٥) من الوسائل المهمة لمقاومة التبرك الممنوع والقضاء عليه: نشر العلم الشرعي بين الناس على أوسع نطاق، والدعوة إلى المنهج الحق، وذلك ضمن تحقيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإزالة وسائل الغلو في الأنبياء والصالحين وغيرهم، ومظاهر التبرك الحسية المبتدعة .  

وفي ختام هذا الكتاب أتوجه إلى الله العلي القدير أن يجعل هذا العمل في ميزان أعمالي الصالحة يوم القيامة، وأن يغفر لي كل خطا أو سهو أو تقصير، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق