تخريج حديث (أنا ابن العواتك)
عمرو بسيوني
بقلم: أ.محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا جزءٌ حديثي نفيس، يُناقش فيه الباحث حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم (أنا ابن العواتك)، وقد بيَّن فيه أن هذا الحديث ضعيف، وما صحَّ منه فهو مُرسلٌ، والمرسل من قسم الضعيف، ولكن المتن مقبولٌ في الجملة، وعليه عمل كثيرٍ من أهل العلم، وقد بحث العلماء عن العواتك، وفصَّلوا في ذكرهنَّ، فالمسألةُ هُنا نَسَبيَّةٌ لا شرعية، وهي تندرج ضمن علوم السيرة، ولا يترتب عليها اعتقادٌ ولا عمل، وعليه فالأمر فيها قريب وواسع، ومن صححه أو حسَّنه فلم يبعد كثيراً عن دائرة الحق والصواب.
رووى هذا الحديث عن: سيابة بن عاصم، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبي سفيان، ومرسلاً.
أما حديث سيابة بن عاصم؛ فمداره على هُشيم بن بُشير: أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" من طريق سعيد بن منصور في "سننه"، وإسناده نظيفٌ، مُسلسلٌ بالثقات. وابن أبي عاصم في "الجهاد"، و"الآحاد والمثاني" بإسنادٍ نظيف، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق محمد بن الحسن القزاز، عن إسحاق بن إدريس الخولاني، وهو ضعيفٌ مُتهمٌ بالوضع. وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" من طريق محمد بن صباح الدولابي بإسنادٍ نظيف، ومن طريقه أخرجه أبو نُعيم، والبيهقي، وابن بشكوال بأسانيد نظيفة، كلها ثقات، وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" من طريق الحارث الخازن عن هُشيم، وأعله أبو زُرعة بأنَّ الخازن أخطأ فيه. وأخرجه الطبراني في "الكبير" من طريق عمرو بن عوف الواسطي، عن هُشيم بإسنادٍ حسن، وأخرجه البغويُّ في "معجم الصحابة" وغيره من طريق لوين وهو ثقة، ووقع فيه بعض الأوهام، ولكنه حسنٌ، وأخرجه الذهبي في تذكرة الحفاظ من طريق سعدويه بإسنادٍ حسن. وهُشيمٌ مُدلِّسٌ عنعنه في بعض الطُّرق ولكنه صرَّح بالسَّماع عند ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"، وعند الطبراني في "الكبير". وما فوق هُشيم خلافٌ طويل مذكورٌ في الكتاب الأصل، ولا نذكره هُنا.
وأما حديث أنس: فواهٍ متروك، فيه أحمد بن سهل الباهلي مجهول، وعبد الله بن داود ضعيف، وثابت بن حماد مُتهمٌ بالوضع.
وأما حديث جابر: فهو ضعيف، إسناده ثقات عدا إسحاق بن زيد، وهو الخطابي الحراني مجهول الحال، كما أن مكحولاً لم يسمع من جابر، وإنما أرسل عنه، وفيه أحمد بن محمد بن يحيى ضعيف له مناكير.
وأما خبر أبي سفيان: فسنده مُعضلٌ جداً، لا حُجة فيه ولا يُعتبر به، لأن بين الحافظ ابن عساكر والجحاف وعبد الملك مفاوز بعيدة. كما أن سياق الحكاية هنا أن ذلك كان في أُحدٍ، وهذا مُنكرٌ.
وروي مرسلاً عن الحسن، وقتادة بن دعامة السدوسي بأسانيد صحيحة عنهما، وروي عن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي مُرسلاً وإسناده مُعضلٌ، وهو مجهول كما ذكره الحافظ في التقريب، وليس له إلا حديثٌ واحد.
ثانياً: ذكرُ من صحَّح هذا الحديث:
أ-الضياء في "المختارة"، حكاه عنه الصالحي في "سبل الهدى والرشاد" (١/ ٣٢٣).
ب-الذهبي في "تذكرة الحفاظ"، قال: صحيح غريب (٣/ ١٧٩).
ج- الهيثمي في "مجمع الزوائد"، قال: ورجاله رجال الصحيح (٨/ ٢١٩).
د-السيوطي كما في "فيض القدير" (٣/ ٣٨).
هـ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٤/ ٩٧)، وغيرها.
ثالثاً: ذكر من ضعَّف هذا الخبر:
أ- البخاري في "التاريخ الكبير" (٤/ ٢١٠).
ب-أبو حاتم وابنه، وأبو زرعة في "العلل" (٣/ ٣٩٦ -٣٩٧)، و"المراسيل" (٧٠)، وغيرها.
ج-خليل إبراهيم قوتلاي بعنعنة ابن هُشيم في تحقيق "معجم ابن قانع" (٦/ ٢٢٤١).
د- الحافظ في "الإصابة" (٣/ ١٩٤).
هـ- د. مصطفى أبو الخير في تحقيق "الجامع في الحديث لابن وهب" (١/ ٤٤) لإرسال الزهري، وهو صحيحٌ، وكلامه على طريق الزهري فحسب.
تنبيه وتتمة:
ورد في تخريج الحديث عند بعض أهل العلم عزوه لمصادر مفقودة، أو لم تصلنا كاملة، فوددت الإشارة لذلك تتميما لتخريجه، فقد عزاه إلى «الألقاب» لأبي بكر الشيرازي: السيوطي في «الجامع»، وهو في عداد المفقود، ونظرت في مختصره المعروف «معرفة الألقاب» لابن فضل المقدسي فلم أجده، وعزاه إلى «المختارة» للضياء المقدسي: السيوطي في «الجامع»، وقال الصالحي: إنه صححه في «المختارة» كما في «سبل الهدى» (١/ ٣٢٣)، ولعلك المراد نفس إخراجه في المختارة، ولم يصلنا في القطعة المطبوعة من المختارة، وعزاه إلى معرفة الصحابة لابن منده: الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» فرواه من طريقه، والرعيني في «الجامع»، والسيوطي في الجامع»، والهندي في «كنز العمال» (١٢/ ٤٣٨)، ولم يصلنا ذلك في القطعة المطبوعة منه.
وعزاه إلى الخطيب: السيوطي في «الجامع»، والظاهر لي أن المراد به في «المؤتنف تكملة المؤتلف» الذي كتبه الخطيب تعقبا للمصنفين في هذا الفن، ومنهم الدارقطني في «مؤتلفه»، وهو مفقود، وقد وجدته في «تهذيب مستمر الأوهام» للأمير ابن ماكولا، وهو اختصار وإجابة على كتاب الخطيب، وأثبته في طريق سيابة.
رابعاً: النتائج:
(١) أن هذا الحديث من رواية سيابة مرسل.
(٢) أن أصحَّ طرقه: هُشيم، عن يحيى بن سعيد بن عمرو بن العاص، عن سيابة، وما سواه من الأسانيد؛ فمعلولة، ولولا ضعف تلك الطرق لكان إسناده مضطرباً.
(٣) أن زيادة "من سُليم" لا تصح، وإنما هي مُدرجة تفسيراً، يُبين ذلك رواية ابن قانع في "معجمه" لهذا الحديث عن سيابة، وفيه (أنا ابن العواتك) زاد: يعني من سُليم.
(٤) أن المعروف في ذلك المتن أنه كان في "حُنين"؛ فأما من رواه في خيبر فهو مُنكرٌ، وكذلك ما رُوي أن قاله يوم أُحد ضعيف، وليس له إسنادٌ يُعتمد عليه، والمحفوظ أن ذلك يوم "حُنين".
(٥) الحديث من طريق: أنس، وجابر، وأبي سفيان: لا يصح، وعليه فلا يصحُّ الحديث من طريقٍ مرفوع.
(٦) يصحُّ من طرق الزهري وقتادة مُرسلاً، خلا طريق الفضل؛ فلا يصحُّ.
(٧) يكون الحكم الإجمالي عليه بكل طرقه أنه لا يصحُّ مرفوعاً، ويصحُّ مرسلاً، والمرسل قسم الضعيف، فعليه فهو حديثٌ ضعيفٌ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق