أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 يوليو 2021

أين نحن من هؤلاء… ؟؟!!!

(22) أنهلك وفينا الصالحون- 

عبد الملك بن محمد القاسم

دار القاسم- كتاب إلكتروني.

بقلم: أ.محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ من يتأمل في حياة المسلمين اليوم يجد أن البعض قد أهمل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا فعل فقد يُخلُّ بشروط وآداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من الفقه، والرفق، والتدرج، والصبر على الأذى، ومراعاة المصالح والمفاسد، وهذه هي الرسالة الثانية والعشرين من سلسلة (أين نحن من هؤلاء؟).

وتحدث في البداية عن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها مهمة الرسل والأنبياء، ومن صفات المؤمنين الصادقين، ودلالة على الخيرية، فتحدث عن مدى الحاجة إليها خاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه المنكرات، وغلب فيه الجهل، فتكون الدعوة إلى الله فرض عين، كلٌّ بحسب طاقته.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم. 

الشرح: (من رأى) يعني علم أو أبصر بعينيه (منكم) معشر المسلمين المكلفين القادرين، (منكرا) أي شيئا قبحه الشرع فعلا أو قولا ولو صغيرة من الصغائر، (فليغيره) أي يزيله وجوباً، أو يستبدله بما هو خيرٌ منه (بيده) ككسر آلة لهو وآنية خمر، (فإن لم يستطع فبلسانه) أي بالقول كاستعداء الناس عليه، أو توبيخه أو تذكيره بالله أو إغلاظ القول له، (فإن لم يستطع فبقلبه) بأن يكرهه، ويتمنَّى لو استطاع تغييره، (وذلك أضعف الإيمان) أي خصاله ، وجاء في رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)، لأنه لا يتصور إيمانٌ بلا غيرة على المحارم، فإنه مُستبعد .

مسألة/ هل الترتيب الوارد في الحديث مُرادٌ على حقيقته، بحيث يبدأ المسلم التغيير باليد أولاً، ثُمَّ باللسان، ثُمَّ بالقلب ؟

والجواب: أن هذا التغيير غيرُ مُراد على الحقيقة، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُغيرُ المنكر بلسانه وهو قادرٌ على تغييره باليد، فإذا كُنتَ قادراً على تغيير المنكر بالوسيلة الأدنى، فلا تستخدم الطريقة الأعلى.

مسألة/ هل إقامة الحدود داخل في التغيير باليد ؟ 

والجواب: أن التغيير باليد ليس هو إقامة الحد، بل التغيير باليد هو بذل المجهود في منع حصول المنكر الذي قد يفضي إلى إقامة الحد، وأما الحد نفسه فليس تغييرًا له، وإنما هو تعزيرٌ وعقوبة لفاعله؛ فيبقى لجاني على استحياء بعد تشهير شنعته.

مسألة/ ماذا تعني عدم الاستطاعة في الحديث ؟ 

والجواب: وجود الضرر حقيقةً، أو غلبة الظن بلحوق الضرر، فإن غلب على ظنه لحوق الضرر به إن هو أنكر، وذلك كجبارٍ يخشى بطشه، أو صاحب سُلطةٍ يخشى من جوره وظلمه، فقد أنزل الشارع المظنَّة منزلة المئنَّة.

مسألة/ كيف نفهم قوله سبحانه {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم} في سياق هذا الحديث؟ 

والجواب: أن معنى الآية: (عليكم أنفسكم) أي ألزموا إصلاح أنفسكم وهدايتها، فإنه لا يضركم تقصير غيركم إذا فعلتم ما كلفتم به من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 

وقوله (إذا اهتديتم) يشمل الاهتداء إلى واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومفهوم ذلك: أنه إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، فإنهم لا يكونوا من المهتدين.

مسألة/ هل الخطاب بالتغيير موجَّهٌ للصحابة ومن كان في معناهم من العلماء والحكماء، أم هو موجَّهٌ لعامة الأمة على تنوعهم واختلافهم؟

والجواب: أن الخطاب موجَّهٌ لجميع الأمة على تنوع ثقافاتهم واختلاف بيئاتهم؛ لأن المنكر واحدٌ، ولا بُدَّ من تغييره، وتختلف أدوات الإنكار ووسائله بحسب الاستطاعة والقدرة.

ما هي خطوات إنكار المنكر؟ 

ذكر بعض العلماء الخطوات التي يتم بها إنكار المنكر، منهم الإمام ابن قُدامة المقدسي، فذكر أولاً (التعريف) على فرَضِ جهلِ الفاعل ويكون ذلك بالرفق واللين، ثُمَّ (الوعظ) بالنُّصح والتخويف من الله وعقابه، ويتدرج في ذلك من التلميح إلى التصريح، ثُمَّ (التعنيف) بتغليظ القول وخشونة الكلام، ثُمَّ (التهديد) بالضربِ، أو الحَبسِ، أو الفضيحة، أو الاستعانة بالشُّرط، ثُمَّ (الضرب) باليد والرجل، وغير ذلك مما ليس فيه إشهارُ السَّلاح، قال: وذلك جائزٌ للآحاد، بشرط: (1) الضرورة، و(2) الاقتصار على قدر الحاجة، فإذا اندفع المُنكر فينبغي أن يكُفَّ.

متى يترك الإنسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

مسألة/ هل يُشترط في الآمر أو الناهي أن يكون عدلاً في نفسه؟

والجواب: أنه لا يُشترط العدالة التامة، بل يكفي أن يكون ظاهر حاله الصلاح،  وأن يكون عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى، عاملاً بذلك كله، صبوراً على ما يلقاه من الناس من الأذى، وينبغي له ألا ينتصر لنفسه، وإن أمكنه الاستعانة بقوة السلطان على تغيير المنكر  فعل.

مسألة/هل يحمل الآمر أو الناهي الناس على رأيه ومذهبه إن كان من أهل الاجتهاد ؟

والجواب: لا ينبغى للآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أن يحمل الناس على اجتهاده ومذهبه، سيما في المسائل الخلافية والمحتملة، وإنَّما يغيِّر منه ما اجتمع الناسُ على إنكاره وإحداثه.

مسألة/ ما حكم من يرى أن الأمر والنهي في هذا الزمان يقود إلى الفتنة ؟

والجواب: أن هذا من الضلال في الفهم والعياذ بالله تعالى، وفي حديث بيعةِ عُبادة: (وأن نقوم بالحقِّ حيثما كُنّا، ولا نخافُ في الله لومةَ لائم)، وهذا لا يعني منازعة الحُكَّام أو الخروج عليهم، بل الذي يُفهم هو وجوب القيام بالحقِّ مع الأمراء وعامة المسلمين، ومعصيتهم ديانةً واحتساباً حتى يعودوا إلى الرشد والحق، وهذا من تمام النصيحة وكمالها.

مسألة/ الأمور المُعينة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

أولاً: الاستعانة بالله عز وجل والتوكل عليه، وطلب العون والتوفيق منه.

ثانياً: إخلاص النية لله عز وجل في هذا العمل العظيم، والقيام به قُربةً إلى الله، لا انتصاراً للنفس، أو إظهار حظوظ النفس.

ثالثاً: الصبر وتوطين النفس على ما تُلاقيه: حين، وبعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

رابعاً: استشعار الأجر العظيم حين القيام بهذا الأمر العظيم، فإن ذلك يُزيل الوحشة، ويُهوِّن الأذى.

خامساً: تعريف الناس بأحكام المنكرات، وإيصالها إليهم، فمن الملاحظ أن كثرة من يفعلون المنكرات يجهلون الأحكام الشرعية في ذلك.

سادساً: الإحسان إلى الناس بالكلمة الطيبة، والابتسامة المعبرة، حتى نصل إلى قلوب الناس آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.

سابعاً: كثرة الدعاء والإلحاح على الله عز وجل أن يُسدد المساعي، ويُوفق إلى الخير.

ثامناً: الاستفادة من الوسائل الحديث للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك استخدام المقاطع الوعظية، ورسائل الهاتف والجوال، والصحف، والانترنت.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق