أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 27 يوليو 2021

ضوابط مسائل الإيمان والكفر لا نريد صوفية تشطح، ولا سلفية تنطح، بل سلفية وسطية تنصح وتصلح وتصفح أبو عمر أحمد بن محمد شمس الدين بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

ضوابط مسائل الإيمان والكفر

لا نريد صوفية تشطح، ولا سلفية تنطح، بل سلفية وسطية تنصح وتصلح وتصفح

أبو عمر أحمد بن محمد شمس الدين

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لا شك أننا بحاجة إلى محاكمة جادة للمناهج الكثيرة الممثلة بالفرق والجماعات والطوائف الحاضرة في العالم العربي والإسلامي، في وقتٍ تشتت فيه الولاءات، واضمحل فيه الورع، وهاج الرأي بين التجمُّعات، والتي قد يتمسَّحُ كثيرٌ منها باتباع السنة، وينتسب ظاهراً إلى السلف الصالح دون سلوك سبيلهم في العلم والأخلاق والسلوك، وهم مع ذلك يؤيدون البدع وأصحابها في كثير من أصولهم؛ فكان لا بُد من وقفةٍ جادة تُجلِّي لنا هذه الحقائق وتعرضها لنا بصورة منطقية ومتسلسلة مدعَّمة بالدليل والبرهان.

وحكمنا على هذه الطوائف إنما يكون في إطار العلم الصحيح، والنقد المبني على حسن القصد، بعيداً عن البُهت والإثم والشحناء، وبعيداً عن الرياء والحميَّة والعصبيَّة، لا سيما في القضايا التي كثر فيها الخلاف بين المسلمين، من قضايا "الإيمان"، و"الفسوق"، و"الكفر"، ومسائل "العذر بالجهل"، و"العذر بالتأويل"؛ وهي أهم القضايا المعاصرة التي يناقشها هذا الكتاب النفيس المليء بالضوابط والقواعد.

وهو خلاصة ما جاء في الحديث المتفق عليه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)، وفي رواية أخرى: (ولم يعمل خيراً قط)، وفي حديث آخر: (على ما كان من العمل). أي: من كان عنده أصل الإيمان. وأصل الإيمان =قول القلب + نطق اللسان + وأصل عمل القلب.

أما عن دور الإيمان الحقيقي الذي يقترن فيه القول بالعمل، والعقيدة بالشريعة، والظاهر بالباطن، فإننا لو تتبعنا جوانبه، لوجدنا أثره في المجتمع كبيراً، ولوجدناه إيجابياً لا سلبية فيه، وقد جعل الإسلام موازين دقيقةً لقياس الإيمان، يزن بها نفسه كل من يدَّعي الإيمان ويزعم أنه في زمرة المؤمنين، كما في قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}؛ فهذه الآية وضعت محددات الإيمان الصحيح، فمن ظنَّ بنفسه الإيمان؛ فلينظر إلى هذه الآية، فإن وجد أنها لا تتحقق فيه فليعمل على إكمال نفسه، ومن رأى أنه يتمثلها فليحمد الله مصدر الهداية والتوفيق.

وتميز هذا الكتاب بمجموعة من الأسئلة التقويمية التي تعقب كل فصل، وهذا أمرٌ جيدٌ لطالب العلم، تساعده على إثارة التفكير، وتثبيت ما تعلمه في كل فصل.

وقد تضمن هذا الكتاب مقدمة، وسبعة فصول، وخاتمة، نلخصها كما يلي:

مقدمة: في أهمية دراسة قضايا الإيمان والكفر، وموقع هذه القضايا من الدين، وفيه ستة ضوابط:

الضابط الأول: مسائل الإيمان والكفر من أهم أبواب عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأنها تُعدُّ جزءاً من الإيمان بالله تعالى، وبكلامه.

الضابط الثاني: مسائل الإيمان والكفر تُعد جزءاً من الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه اليوم الذي توزن فيه الأعمال، ويعرف كل فريق مآله ومصيره.

الضابط الثالث: من اختلَّ فهمه في التفريق بين المؤمن والكافر، أو الأمور التي يثبت بها الإسلام، فقد حدث عنده خلل عظيم في عقيدتي الولاء والبراء.

الضابط الرابع: أول اختلاف بين أهل القبلة كان في مسائل الإيمان، وأول من أظهره هم الخوارج الذين حكموا كفر مرتكب الكبيرة، وتخليده في النار، ثم حدث بعدهم خلاف المعتزلة الذين جعلوه في منزلة بين المنزلتين، ثم خلاف المرجئة، الذين قالوا: إن الفاسق مؤمن كامل الإيمان، فهونوا على أصحاب القلوب المريضة اقتراف الذنوب والآثام.

الضابط الخامس: أصل النزاع بين هذه الفرق في الإيمان قائم على أربعة أصول رئيسية:

الأصل الأول: أن هذه الفرق جعلت الإيمان شيئاً واحداً، إذا زال بعضه زال جميعه.

الأصل الثاني: أن هذه الفرق ظنوا أن الشخص الواحد لا يجتمع فيه استحقاق الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، والحمد والذم. 

الأصل الثالث: أن الإيمان شعب، منها ما يزول بزوالها، ومنها ما لا يزول بزوالها، كذلك الكفر شعب، منه أكبر مخرجٌ عن الملة، ومنه أصغر لا يخرج عن الملة.

الأصل الرابع: انفراد كل فرقة من هذه الفرق بما يؤيد ظاهر مذهبهم من الأدلة:

١- فالخوارج والمعتزلة أخذوا بنصوص الوعيد، وأهملوا نصوص الوعد.

٢- والمرجئة أخذوا بنصوص الوعد، وأهملوا نصوص الوعيد.

٣-أما أهل السنة؛ فأخذوا بنصوص الوعد والوعيد، وجمعوا بينها، فكانوا أسعد الناس بالدليل.

الضابط السادس: أن المبتدعة من الفرق أخذوا بعض النصوص وهجروا بعضها الآخر.

الفصل الأول: عقد الإسلام، وبم يثبت؟، وفيه سبعة ضوابط:

الضابط الأول: المقصود بعقد الإسلام هو أصل الدين، وهو القدر الشرعي الذي متى التزمه المكلف نجا من الكفر، ومن الخلود في النار إذا مات على ذلك.

الضابط الثاني: حكم الإسلام في الدنيا على الظاهر، ويعني عصمة الدم والمال والعرض، وأما حقيقته فعند الله سبحانه وتعالى.

الضابط الثالث: ثبت حكم الإسلام بأحد أمور ثلاثة"

الأمر الأول من جهة الإقرار:

١. فيحكم بإسلام من تلفظ بالشهادتين + ترك الشرك والكفر + التزم الشرائع

٢. ويحكم بإسلام من تلفظ بالشهادتين ما لم يقترن مع تلفظه ما يدل على بقائه على الشرك.

٣. وإن كان مرتداً فلا يحكم بإسلامه إلا أن يدخل من الباب الذي أخرج منه مع التلفظ؛ فيحتاج إلى أن يرجع عما أنكره.

الأمر الثاني: من جهة الدلالة، فيأتي بما يدل على إسلامه، من التلفظ بالشهادتين ونحوه.

الأمر الثالث: من جهة التبعية، وهي نوعان:

١. تبعية الوالدين أو أفضلهما ديناً.

٢. تبعية الدار: فالمجنون والسفيه واللقيط ومجهول الحال يُحكم لهم بحكم الدار إسلاماً أو كفراً.

الضابط الرابع: استمرار العصمة للدم والمال والعرض مسألة مختلفةٌ عن استمرار الحكم على الإسلام؛ فأصل العصمة ثابت بالنطق بالشهادتين، وأما استمرار العصمة فبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وسائر حق الإسلام.

الضابط الخامس: من عُلم إسلامه بيقين لا نُكفره إلا بيقين جازم.

الضابط السادس: جاءت الأدلة الشرعية بخطورة التكفير.

الضابط السابع: للإسلام حالتان اصطلاحاً:

الحال الأولى: أن يُطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإيمان، فهو حينئذٍ يُراد به الدين كله أصوله وفروعه.

الحال الثانية: أن يُطلق مقترناً بالإيمان، فيُراد به حينئذٍ الأعمال والأقوال الظاهرة.

الفصل الثاني: الإيمان قول وعمل ونية، وفيه أحد عشر صابطاً:

الضابط الأول: الإيمان لغةً: الإقرار بالشيء عن تصديق به.

الضابط الثاني: الإيمان في الشرع: اعتقادٌ بالجنان، وقول باللسان وعمل بالأركان.

الضباط الثالث: قول القلب: هو التصديق الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

الضابط الرابع: قول اللسان: إقراره والتزامه أي النطق بالشهادتين.

الضابط الخامس: عمل القلب: شيءٌ زائدٌ عن مجرد التصديق؛ كالإخلاص، والحب، والخوف، والرجاء، والذل، والانقياد، والتوكل، والشكر، والصبر، والشوق، ونحو ذلك.

الضابط السادس: أعمال القلوب شرطٌ في الإيمان:

  • منها ما هو أصلٌ: وهو ما لا يصحُّ الإيمان إلا به.

  • ومنها ما هو كمالٌ واجب: وهو القدر الذي يدفع إلى امتثال الواجبات واجتناب المحرمات.

  • ومنها ما هو كمالٌ مُستحب: وهو القدر الذي يدفع إلى فعل المستحبات واجتناب المكروهات.

الضابط السابع: عمل اللسان والجوارح: أي فعل المأمورات والواجبات، وترك المنهيات والمحرمات، مثل: الصلاة، والصيام، والزكاة، والصدقات، والمشي في مرضاة الله تعالى؛ كنقل الخطا إلى المساجد، والحج، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من أعمال شعب الإيمان.

الضابط الثامن: أعمال الجوارح أقسامٌ:

القسم الأول: أعمالٌ متفقٌ على أنها من الإيمان، وليست ركناً فيه، وهو ما سوى المباني الأربعة؛ فمن تركها لا يخرج من الملة؛ كمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

القسم الثاني: أعمالٌ مختلفٌ في ركنيتها، وهي الأركان الأربعة، وأشهرها خلافاً الصلاة، والخلافُ في غيرها ضعيف، والخلاف فيها قوي، وإن كان لا يُبدَّع المُخالف على أي حال، بل لا يُبدع الذي يُكفّر والذي لا يُكفّر.

الضابط التاسع: ضوابط مسألة تارك جنس العمل:

أولاً: معنى المسألة: المراد بجنس العمل كل ما يصحُّ أن يُسمى عملاً، والمراد بجنس العمل هو عمل الجوارح الظاهر لا عمل القلب الباطن.

ثانياً: صورة المسألة: هي من نطق بالشهادتين ثم بقي دهراً لم يعمل خيراً قط، لا بلسانه، ولا بجوارحه، حتى إنه لم يعد إلى النطق بالشهادتين مطلقاً مع زوال ما يمنع من ذلك

حكم المسألة: المقر بشهادة التوحيد المعتقد لها بقلبه يُعتبر مسلماً، ولكنه إذا لم يأتِ بشعب الإيمان التي هي الأعمال الصالحة يُعتبر ناقص الإيمان، ونرجو الله أن يُدخله الجنة، وذلك لما يأتي:

١. ابتداءً على القول بأن العمل يدخل فيه الترك عند كثيرٍ من الأصوليين؛ فهذا الشخص ترك الشرك بالله عز وجل.

٢. ما دام ترك كل عملٍ بمفرده ليس مخرجاً من الملة، فكذلك لو ترك جميع أعمال الجوارح؛ فإنه لا يكفر، لكن الإيمان ينقص أكثر بازدياد الأعمال المتروكة، ومن ثمَّ يزداد الإثم، وتزدادا العقوبة الأخروية.

٣. من قال بكفر صاحب هذه الصورة، فقد احتجَّ (بتلازم الظاهر والباطن)؛ فلم يتصور إنساناً مسلماً يترك جميع الأعمال، ويُجاب عليه من ووجهين:

الوجه الأول: أن من قال بزوال إيمان من ترك جميع الأعمال الظاهرة، لا يقول بزوال إيمان من ارتكب جميع المحرمات، مع أن كلا الصورتين تتعلقان بالالتزام الظاهر الذي يشمل فعل الواجبات وترك المحرمات. 

الوجه الثاني: أن هذا التلازم بين الظاهر والباطن نسبي، بمعنى: أنه إذا ضعف الإيمان الباطن جداً حتى وصل إلى مثقال حبة خردل، كان الظاهر ضعيفاً جداً حتى لا تتعدى الأعمال ترك النواقض مع الإتيان بالشهادتين، أو ترك بعض المحرمات.

الضابط العاشر: أقسام وأنواع الكفر:

أولاً: من قال (الكفر خمسة أقسام)؛ قسمها كالتالي:

١. كفر تكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسل.

٢. كفر إباء واستكبار: وهو كفر من عرف صدق الرسول، وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقَد له إباءً واستكباراً.

٣. كفر الإعراض: وهو أن يُعرض بسمعه وقلبه عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فلا يُصدقه ولا يُكذبه، ولا يواليه ولا يُعاديه، ولا يُصغي إلى ما جاء به ألبتة.

٤. كفر الشك: وهو أن لا يجزم بصدق الرسول ولا بكذبه، بل يشك في أمره.

٥. كفر النفاق: وهو أن يُقر بلسانه ويكفر بقلبه.

الفرق بين الكفر الأكبر والأصغر

الكفر الأكبر

الكفر الأصغر

١. يُحبط العمل

لا يُحبط العمل وإنما يُنقصه

٢. يجب الخلود في النار

لا يوجب الخلود في النار

٣. في الدنيا يُحل الدم والمال والعرض، وتترتب عليه سائر الأحكام من عدم التوارث، وأنه لا يُغسل ولا يُكفن ولا يُدفن في مقابر المسلمين.

لا يوجب حل شيءٍ من ذلك

٤. يخرج من ملة الإسلام، ولا يجوز الاستغفار له أو الترحم عليه

لا يخرج من ملة الإسلام، وصاحبه تحت المشيئة

٥. الكفر الأكبر كفر اعتقادي، وعلاقته بما في القلب

الكفر الأصغر كفر عملي، وعلاقته بالجوارح

الضابط الحادي عشر: من مات على التوحيد دخل الجنة يوماً من الدهر، أصابه قبل هذا اليوم ما أصابه.

الفصل الثالث: الإيمان يزيد وينقص، وفيه ستة ضوابط:

الضابط الأول: إيماننا يزيد بالطاعات وينقص بالزلات.

الضابط الثاني: الإيمان يزيد وينقص في قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح والأركان، كل هذا يزيد بالكمية والكيفية.

أولاً: زيادة قول القلب بالكم: بمعنى زيادة ما يعلمه من تفاصيل الإيمان بالله عز وجل وملائكته، وكتبه ورسله… وزيادة الكيف هو زيادة اليقين باجتماع الأدلة وزيادة ظهورها. 

ثانياً: زيادة قول اللسان بالكم بمعنى الإقرار للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وللأنبياء قبله بالنبوة، وكذلك الإقرار بكل تفصيل من تفاصيل الدين يبلغ العبد منها شيئاً، فيُقر به بلسانه. وزيادة قول اللسان بالكيف: هو الإقرار باللسان مع العلم بتفاصيل الشهادتين وما يُقرُّ به من تفاصيل الإيمان. 

ثالثاً: زيادة عمل القلب كماً؛ كالإخلاص، والحب، والخوف، والرجاء، وكيفاً: في مطالعة ومشاهدة آثار ذلك في مخلوقات الله عز وجل.

رابعاً: زيادة أعمال الجوارح كماً بزيادة التنفل والعبادة والذكر، وبالكيف: من إقامتها على أصولها، والخشوع فيها، والاطمئنان فيها، والاحتساب للثواب عند الله.

الضابط الثالث: الأدلة على تفاوت الإيمان في الكتاب والسن ةكثيرةٌ جداً.

الضابط الرابع: الإيمان ليس شيئاً واحداً لا يتجزأ، بل هو متفاوت زيادةً ونقصاً، ولذلك يصحُّ فيه الاستثناء، ولذلك معاني عند السلف، وهي:

الأول: بالنظر إلى قبول الأعمال.

الثاني: بالنظر إلى كمال الإيمان الواجب.

الثالث: بالنظر إلى البُعد عن تزكية النفس.

الخامس: باعتبار أن الاستثناء على اليقين لا على الشك.

الضابط الخامس: الإيمان مركب من شعب، وأجزاء، وهذه الشعب والأجزاء تتفاوت وتتفاضل.

الضابط السادس: قد يجتمع في الشخص الواحد إيمان وكفر، أو إيمان ونفاق، وليس المقصود بالكفر أصله، أو بالنفاق أصله، وإنما مقصودهم: شعب الكفر وشعب النفاق التي لا تُضاد أصل الدين، فحديثهم عن الشعب وليس عن الأصل.

الفصل الرابع: شروط لا إله إلا الله، وفيه ستة ضوابط:

الضابط الأول: العبرة إنما هو بتحقيق العبد لشروط "لا إله إلا الله" لا مجرد عدها.

الضابط الثاني: شروط كلمة التوحيد سبعة، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها، وقد ذكرها الشيخ حافظ الحكمي في منظومته "سلم الوصول"، بقوله:

العلم واليقين والقبول … والانقياد فادر ما أقول

والصدق والإخلاص والمحبة … وفقك الله لما أحبَّه

وتفسير هذه الشروط مبنيٌّ على معرفة ضدها.

الضابط الثالث: شروط كلمة التوحيد ليست منحصرة في الشروط السبعة السابقة، بل في كل عمل من أعمال القلوب الواجبة، شرطٌ في قبولها يوم القيامة.

الضابط الرابع: أن هذه الشروط يتفاوت فيها الناس زيادةً ونقصاً؛ لأنها من الإيمان.

الضابط الخامس: أن هذه الشروط ليست شوطاً في قبول الإسلام الظاهر في الدنيا، بل في نفع صاحبه في الآخرة.

الفصل الخامس: مرتكب الكبيرة لا يكفر، ولا يُحكم بخلوده في النار، وفيه أحد عشر ضابطاً:

الضابط الأول: ذهب أهل السنة إلى أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر.

الضابط الثاني: الصغائر: جمع صغيرة، وهي ما ليس فيها حد في الدنيا، ولا وعيد في الآخرة.

الضابط الثالث: الصغائر من المعاصي والذنوب، قد تتحول إلى كبيرة؛ لأسباب منها:

١. الإصرار والمداومة عليها.

٢. استصغار المعصية واحتقارها.

٣. الفرح بفعل المعصية الصغيرة والافتخار بها.

٤. أن يكون فاعل المعصية عالماً يُقتدى به، إذا أظهر معصيته.

٥. فعل المعصية ثم المجاهرة بها؛ لأن المجاهر غير مُعافى.

الضابط الرابع: الكبيرة: هي كل ذنب ختمه الله تعالى بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب.

الضابط الخامس: الإقامة على الذنب أو المعصية دون استغفار، أو توبة، وعزم القلب على فعلها، فهذا هو الإصرار على المعصية، وحكمه حكم مرتكب الكبيرة.

الضابط السادس: الفسق أعم من الكفر؛ من حيث إنه يشمل الكفر وما دونه من المعاصي، كبائرها وصغائرها، وإذا أطلق يُراد به أحياناً الكفر المخرج من الإسلام، وأحياناً يُراد به الذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر، بحسب درجة المعصية، وحال العاصي نفسه، والفسق نوعان (أكبر) وهو رديف الشرك والكفر، و(أصغر) وهو رديف الكفر الأصغر والشرك الأصغر.

الضابط السابع: الفاسق الملِّي: هو من كان من أهل القبلة، وهو مؤمنٌ بإيمانه فاسق بكبيرته، وهو واقعٌ تحت المشيئة إن شاء الله عذبه أو إن شاء عفا عنه.

الضابط الثامن تواترت النصوص الدالة على عدم كفر مرتكب الكبيرة وعدم خلوده في النار ان دخلها ما لم يستحل وهذا من الأصول المجمع عليها بين أهل السنة.

الضابط التاسع هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد ؟ 

والجواب: أن القول بعدم تكفير عصاة الموحدين مقيد بعدم الإشراك بالله تعالى ولقائه؛ وكذلك بعدم استحلال المعصية.

الضابط العاشر المؤمنون الذين يموتون على الإمام إذا كان قد ارتكبوا في حياتهم معصية دون الكفر والشرك المخرج من الملة لهم حالتان:

الحالة الأولى: أن يكونوا قد تابوا من المعصية في حياتهم؛ فان تابوا منها توبة نصوحاً قبله الله تعالى منهم فيعودون كمن لا ذنب له ولا يعاقبون على معصيتهم في الآخرة، بل ربما أكرمهم ربهم فبدل سيئاتهم حسنات.

الحاله الثانيه الذين يموتون و لم يتوبوا من المعاصي او كانت توبتهم ناقصه لم تستوفي الشروط او لم تقبل توبتهم فيها فان الذي أثبتته الآيات القرآنية والسنة النبوية واتفق عليه السلف الصالح ان هؤلاء العصاة من أهل التوحيد على ثلاثة أقسام:

القسم الأول قوم تكون لهم حسنات كثيراً تزيد وترجح على هذه السيئة؛ فهؤلاء يتجاوز الله عنهم ويسامحهم في سيئاتهم ويدخلهم الجنة ولا تمسهم النار أبداً إحساناً من الله وفضلاً وانعاماً.

القسم الثاني قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت به بهم سيئاتهم عن دخول الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار وهؤلاء هم أصحاب الأعراف الذين ذكر الله تعالى أنهم يقفون بين الجنة والنار ما شاء الله أن يوقفوا ثم يؤذن لهم في دخول الجنة.

القسم الثالث قوم لقوا الله تعالى مصرين على الكبائر والاثم والفواحش فزادت سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء هم الذين يستحقون دخول النار بقدر ذنوبهم فهم يستحقون العذاب افعالهم ولكنهم داخلون في مشيئه الله تعالى كما هي قاعدة أهل السنة في أهل الكبائر إن شاء الله عفا عنهم، وإن شاء عذبهم، وهؤلاء هم الذين يأذن الله في خروجهم من النار بالشفاعة فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والملائكة والمؤمنون ومن شاء الله تعالى أن يكرمه.

الضابط الحادي عشر الناس في هذه المسألة طرفان ووسط طرف الغلو وفيه طائفتان:

الاولى: الخوارج وهم أول من كفر اهل القبلة بالذنوب. 

الثانية: المعتزلة، قالوا: أهل الكبائر لا نسميهم لا مؤمنين ولا كفاراً، بل هم في منزلة بين المنزلتين. 

وطرف التفريط وهم المرجئة، الذين قالوا: إن مرتكب الكبيرة مؤمن بإطلاق وهو مستحق للمغفرة في الآخرة.

وطرف وسط وهم أهل السنة والجماعة حيث قالوا: إن مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته؛ لأن ارتكابه للكبيرة ينتقص من كمال الإيمان هل واجب وإن لم يقدح في أصل إيمانه، وأن مرتكب الكبيرة إن مات غير تائبين عن كبرته فهو في مشيئة الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة بغير عذاب وإن شاء عذبه الى حين ثم أخرجه من النار وادخله الجنة.

واتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر، وأنه لا يخلد في النار احد من أهل التوحيد.

ومن هنا يتبين الآتي:

الطائفة

حكمه في الدنيا

حكمه في الآخرة

أهل الإرجاء

لا يضر

ناج

الخوارج

كفر وردة

مخلد في النار

المعتزلة

خروج من الإسلام

مخلد في النار

أهل السُّنة

خروج من الإيمان الواجب وليس من أصل الإيمان

في المشيئة

الفصل السادس: الفرق بين كفر النوع وكفر العين، وفيه ضابطان:

الضابط الأول: لابد من التفريق بين نوعين من التكفير: 

النوع الأول: التكفير المطلق وهو تنزيل الحكم بالكفر على السبب لا على الشخص فاعل السبب، أي: هو تجريم الفعل نفسه لا الفاعل، ولذلك يكفي فيه فقط النظر في الدليل الشرعي من حيث كونه قطعي الدلالة على الكفر الاكبر، وأنه ليس من الصيغ محتملة الدلالة مع النظر في قطعيه دلالة الفعل او القول نفسه على الكفر.

النوع الثاني التكفير المعين وهو تنزيل حكم التكفير على الشخص المعين فلا بد فيه اضافةً الى النظر في تجريم الفعل ان ينظر في حال الفاعل أو القائل من حيث ثبوت الفعل عليه وانتفاء موانع الحكم في حقه، أي: استيفاء شروط التكفير وانتفاء موانعه.

الضابط الثاني: شروط وموانع التكفير:

أولاً: العلم، وضده الجهل، وهو أنواع:

١. جهل العاقبة: هو فعل المنهي عنه مع الجهل بعاقبته ومآله؛ فهذا لا عُذر به أصلاً.

٢. جهل الإعراض: وهو الجهل بالحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم نتيجة الإعراض عنه ورده بعد بلوغه، وذلك كجهل أغلب مشركي مكة، وهذا لا عذر به أصلاً.

٣. جهل عدم البلاغ: وهو الجهل الناشئ عن عدم بلوغ الحكم الشرعي للمكلف، وهذا النوع من الجهل الذي يُعذر صاحبه؛ حتى تبلغه حجة الله تعالى ببلوغ القرآن على وجهٍ يفهمه مثله.

وهنا ثمَّة قواعد:

القاعدة الأولى: من مات مشركاً بعد بلوغ الرسالة؛ فهو مخلدٌ في النار أيداً.

القاعدة الثانية: من مات مشركاً دون أن تبلغه الرسالة فهو على الراجح من أقوال أهل العلم من أهل الامتحان في عرصات القيامة، يمتحنهم الله عز وجل بنار يأمرهم باقتحامها؛ فمن اقتحمها دخل الجنة، وهو الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا، ومن امتنع دخل النار وعذب فيها وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا؛ لأن الله يعلم بما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل، وهذا هو قول جمهور السلف وممن قال به: محمد بن نصر المروزي والبيهقي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم، ويدل لذلك عموم الأدلة من الكتاب، وحديث الأسود بن سريع عند أحمد في مسنده، وحديث أنس في مسند البزار، وهي أحاديث صحيحة.

القاعدة الثالثة: هل فهم الحجة شرط أم لا؟ والجواب: أن الشرط في فهم الحجة: أن يخاطب بخطاب يفهمه؛ فلا يصح أن نخاطب الأعجمي بلسان عربيٍّ لا يفهمه ونقرأ عليه القران وهو لا يفهمه، ثم نقول: "قد قامت عليه الحجة"، ولا يلزمنا ان يفهموا أنهم على باطلٍ طالما أنهم قد بلغتهم الرسالة بلسان يفهمونه؛ فإن لبنصوص جاءت بالسماع وليس بالفهم.

القاعدة الرابعة: متعلقه متعلقه بمسألة المعلوم من الدين بالضرورة، وفيها خمس مسائل:

المسألة الأولى: تعريف المعلوم من الدين بالضرورة، هو ما علمه عامة المسلمين من الدين بالأولية من دون نظر ولا تأمل وجوباً او تحريماً، ومثال ذلك وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج وتحريم الزنا والعقوق والظلم الخمر والخنزير والقتل. 

المسألة الثانية: إقامة الحجة في تكفير المعين ليس شرطاً في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة، ولتعلم أن المسائل أنواع اذكر منها: 

أولاً: المسائل المعلومة بالضرورة: وهي المسائل المجمع عليها التي علمها العامة والخاصة فهذه يكفر منكرها. ومثال ذلك العلم بوجوب الصلوات الخمس ووجوب الزكاة إلى غير ذلك من المسائل التي ينتشر بين المسلمين وجوبها او تحريمها في الاعتقاد والعمل.

ثانياً المسائل التي المجمع عليها وليس الظاهرة ولا معلومة بالضرورة أو ليست متواترة؛ فهذه لا يكفر منكرها، ومثال ذلك: استحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وكذلك تحريم نكاح المعتدة، وكذلك كون القاتل عمداً لا يرث.

المسألة الثالثة: ينبغي أن يعلم أن المعلوم بالضرورة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وأحوال الناس؛ فما يكون معلوماً بالضرورة في زمان أو مكان، والكثير من الناس فقد لا يكون معلوماً بالضرورة في زمان او مكان او لبعض الناس.

المسألة الرابعة: شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله يستعمل عبارة المسائل الظاهرة وكثيراً ما يقرونها بالمتواترة او بالمجموعة عليها؛ فتكون بذلك مساوية للمعلومة من الدين بالضرورة.

ولا يحكم على إنسان بالكفر حتى يكون: بالغاً، عاقلاً، يقظاً، قاصداً، مختاراً، متذكراً، غير متأوِّلٍ، 

فلو نطق صبيٌّ بالكفر، فإنه لا يكفر.

ولو نطق مجنونٌ بالكفر حال جنونه؛ فإنه لا يكفر، سواءً كان متصلاً أم متقطعاً.

ولو نطق نائمٌ بالكفر فإنه لا يكفر.

ولو أنكر ناسياً آية من كتاب الله تعالى؛ فإنه لا يكفر.

ولو داس مصحفاً وهو لا يقصد ذلك؛ فإنه لا يكفر.

ولو نطق بكلمة الكفر مكرهاً لدفع الأذى عن نفسه أو أهله، فإنه لا يكفر.

ولو أخطأ في التأويل، والتأويل وضع الدليل الشرعي في غير موضعه اجتهادا او شبهه تنشأ عن عدم فهم دلالة النص، أو فهمها فهماً خاطئاً ظنه حقً، أو ظن غير الدليل دليلاً كالاستدلال بالحديث الضعيف ظنه صحيحاً؛ فيقدم المكلف على فعل الكفر وهو لا يراه كفراً، فينتفي بذلك شرط العمد، ويكون الخطأ في التأويل مانع من التكفير فإذا أقيمت الحجة عليه وبين خطؤه فأصرَّ على فعله كفر حينئذ.

والمتأول لم يتعمد المخالفة، {وليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} (الأحزاب: ٥)، ولأن هذا غاية جهده؛ فيكو نداخلاً في قوله: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} (البقرة: ٢٨٦)؛ فحكم المتأول من حيث العموم هو حكم الجاهل، بل قد يكون المتأول أولى بالإعذار من الجاهل؛ لأن المتأول مع جهله بالحق يدَّعي أن ما عليه هو الحق، بينما الجاهل لا يقصد المخالفة ولا يدرك أنه على الباطل.

وبهذا نعلم: أن من كان جهله لعد العلم يكفي في قيام الحجة عليه مجرد بلوغ الحجة، وأما من كان جهله لعدم العلم، فلا يكفي في قيام الحجة عليه مجرد بلوغ الحجة، بل لا بُد مع ذلك من إزالة شبهته.

قاعدة: التأويل قسمان:

القسم الأول: التأويل السائغ الذي يُعذر صاحبه: وهو التأويل الذي يستند إلى وجهٍ في الشرع واللغة العربية، ومثال ذلك: من يؤول صفة اليد لله تعالى بالنعمة أو القوة فهذا لا يوجب الكفر رغم مخالفته للحق الذي كان عليه السلف؛ لأن في لغة العرب إطلاق القوة والنعمة على اليد، لذلك عذر المتأول فيه رغم خطاه وانحرافه عن ظاهر نصوص الشرع. 

القسم الثاني: التأويل غير السائغ، الذي لا يعذر صاحبه، وهو الذي لا يعتمد على أي مستند نصيّ او لغوي؛ فحقيقته تكذيب بالدين جملة وتفصيلاً أو أصوله التي لا يقوم إلا بها، ومثال ذلك: من قال في قوله تعالى: {بل يداه مبسوطتان} (المائدة: ٦٤) المراد بيديه السماوات والأرض فهو كافر؛ لأنه لا يصح في اللغة العربية، ولا هو مقتضى الحقيقة الشرعية فهو منكر وكذب.

الفصل السابع: مختصر أصول المخالفين لأهل السنة في الإيمان، وفيه أربعة ضوابط:

الضابط الأول: أصل ضلال الوعيدية (الخوارج والمعتزلة) والمرجئة في باب الإيمان هو نفي التفاوت في الإيمان، وحجتهم:

١. أن انتفاء بعض الإيمان يقتضي ثبوت نقيضه معه؛ فمن لازم القول بنقص الإيمان أن يكون الشخص في تلك الحال مؤمن بما معه من الإيمان كافر بما معه من الكفر وذلك محال لاستحالة اجتماع النقيضين. 

٢. الخوارج لما قرروا أن الإيمان لا يتفاوت مع إقرارهم أن العمل داخل في حقيقة الإيمان حكموا بكفر مرتكب الكبيرة، والمعتزلة وافقوهم في نفس الإيمان، لكن توقفوا في تكفيره لدلالة الإجماع على عدم كفره فاجترحوا منزلةً بين المنزلتين؛ فما مرتكب الكبيرة مؤمن لدلالة العقل وما هو بكافر لدلالة الإجماع.

٣. المرجئة: رأوا قول الوعيدية في نزع ايمان مرتكب الكبيرة مخالفاً للإجماع، مع تسليمهم أن الإيمان لا يتفاوت، فأخرجوا العمل من حقيقة الإيمان.

٤. ومجمل هذا التناقض التفريق بين ما كان ركناً في الإيمان، وبين ما كان واجباً فيه؛ فلا يلزم من نقص الإيمان نقضه، والمخالفون لأهل السنة لا يفرقون بين الحالين. 

٥. ومن أظهر الأدلة على نقض قول المرجئة في نفس التفاوت في الإيمان، قوله تعالى: {واذ قال ابراهيم ربِّ أرني كيف تحيي الموتى، قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي} (البقرة: ٢٦٠)، وما طلبه لم يكن من شك، ولكن كان زيادة في الإيمان واليقين، وإبراهيم أثبت لنفسه الإيمان بقوله: {بلى}، ثم طلب الزيادة {ولكن ليطمئن قلبي}، وكانت هذه الآية صريحة في إثبات التفاوت في نفس التصديق واليقين.

٦. ويلزم مرجئة المتكلمين زيادةً على مصادمة قولهم للنصوص والمنقول عن السلف المساواة بين إيمان النبي صلى الله عليه وسلم وإيمان الفاسق.

٧. وسيدلُّ الوعيدية لمنع التفاوت في الإيمان استحاله اجتماع المدح والذم والثواب والعقاب والوعد والوعيد في شخص واحد، ومن الممكن قلب الدليل عليهم؛ فماذا يقولون لمن استدل باصلهم، وغلب جانب الوعد على الوعيد، والمدح على الذنب والثواب على العقاب؟ وليس لهم جواب في ذلك إلا مجرد التحكم. 

الضابط الثاني: أصول مذهب الخوارج في باب الإيمان ثلاثة: 

الأصل الأول: دعواهم أن الإيمان لا يتفاوت. 

الأصل الثاني: قولهم بأن العمل من الإيمان. 

الأصل الثالث: تكفيرهم مرتكب الكبيرة. 

ولنقض ما انفردوا به مسلكان:

المسلك الأول: استدل الخوارج على تكفير مرتكب الكبيرة من نصوص الوعيد الواردة في بعض الكبائر وفسروها بحسبه مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر خارج عن الملة.

والجواب: 

١.أن فعلهم هذا من اتباع المتشابه لأنهم بنوا مذهبهم على اصول بدعية وتركوا النصوص المحكمة، وما عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه اجمعين.

٢. وليس فيما ذكروه حجه لقولهم فان النصوص يفسر بعضها بعضاً، ذلك أن الإيمان شعب منها ما هو أصل الإيمان، ومنها ما هو من كماله، وكذلك الكفر والشرك شعب، منها من ما ينافي أصل الايمان ومنها ما ينافي كماله دون أصله.

٣. والنصوص الواردة "بنفي الإيمان" إنما تدل على انه ليس من المؤمنين المستحقين للثواب والسالمين من العذاب، كذلك النصوص الواردة في تحريم دخول الجنة او الوعيد بدخول النار فإن المقصود بها عدم استحقاق دخول الجنة مع من يستحق دخولها ابتداءً، ولكنه يستحق دخول النار ثم يخرج منها الى الجنة.

المسلك الثاني: الدليل على خلاف قولهم وجوه: 

أولاً: ما جاء من الحدود في حق مرتكبي بعض الكبائر كرجم الزاني، وقطع يد السارق وجلد القاذف، ولو كانوا كافرين لما كان الحكم على هؤلاء إلا القتل ولم تكن عقوبتهم القطع او الجلد. 

ثانياً ما جاء من النصوص في حكم أهل الوعيد وأنهم لا يخرجون بذلك من الإيمان وأنهم من أهل الجنة، وإن عذبوا بقدر ذنوبهم، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". 

ثالثاً: حكي إجماع الأمة على عدم تكفير مرتكب الكبيرة غير واحد من أهل العلم كابن حزم، وابن القطان، والنووي رحمهم الله تعالى. 

الضابط الثالث أصول مذهب المعتزلة في باب الإيمان ثلاثة: 

الأصل الأول: دعوة أن الإيمان لا يتفاوت. 

الأصل الثاني: قولهم بأن العمل من الإيمان. 

الأصل الثالث القول بالمنزلة بين المنزلتين.

وقد تقدم الجواب عن الأصلين الأولين، وأما الأصل الثالث فالجواب عليه من مقدمتين متناقضين، وهما:

المقدمة الأولى: انتفاء الإيمان بارتكاب الكبيرة استناداً إلى دعوى الضرورة العقلية الناطقة باستحالة تفاوت الإيمان. 

المقدمة الثانية: عدم كفر مرتكب الكبيرة استناداً إلى الضرورة الشرعية، وما دلَّ عليه الإجماع من أن مرتكب الكبيرة ليس بكافر.

الضابط الرابع: أصول مذهب المرجئة في باب الإيمان ثلاثة: 

الأصل الأول دعواهم أن الإيمان لا يتفاوت.

الأصل الثاني إخراج العمل من مسمى الإيمان. 

الأصل الثالث اثبات كما ايمان مرتكب الكبيرة.

١. أما الأصل الأول فقد تقدم بيانه كونه الأصل المشترك بين جميع الطوائف المخالفة لأهل السنة في الإيمان.

٢. وأما الأصل الثالث فهو مقتضى النصوص الشرعية ودلاله الاجماع ولا ييُغبّر عليه إلا قولهم: بان ايمان مرتكب الكبيرة لا ينقص، واستناداً الى الأصل الأول والذي يلزم منه استحالة الجمع بين اعتبار العمل من الإيمان واحد في الإيمان عن مرتكب الكبيرة. 

٣. ومن هنا تزامن رجائه القول بالأصل الثاني وهو ما اختصوا به من القول بإخراج العمل من مسمى الإيمان، وما هذا إلا لعدم فهم حقيقة قول أهل السنة في الإيمان؛ فالعمل من الإيمان عند أهل السنة، ولا يلزم من ذلك كفره مرتكب الكبيرة في العمل الذي لم يدل دليل على كفر تاركه؛ فتاركه مرتكب لكبيرة وينقص إيمانه بها دون أن ينتفي إيمانه بها، ويتحقق الإيمان في الجملة وإن حصلت مخالفات في بعض آحاده الطوائف المخالفة لأهل السنة لا تفرق بين ما هو ركن في الإيمان وما هو واجب فيه مما أوقعهم في التناقض، ولذلك يرى المرجئة أن العمل إذا كان من الإيمان فإن الإيمان يزول بزوال بعضها او بزوال كلها.

خاتمة: في بيان عشرة أسباب من أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه.

١. الجهل بالإيمان، وعدم معرفة حقيقته.

٢. الحسد والبغي.

٣. الكبر.

٤. الإعراض عن الحق والإيمان.

٥. رد الإيمان بعد معرفته.

٦. الانغماس في الترف، والإسراف في التنعم.

٧. احتقار الحق وأهله.

٨. الفسق.

٩. حصر الحقائق والعلوم في دائرة ضيقة.

١٠. تجرؤ الماديين والعقلانيين على الدين.

فائدة: العذر بالتأويل في قضايا الأسماء والصفات:

ونعذر بعض الفرق بالتأويل: لأن معهم دليل إجمالي، له وجه في اللغة، وإن كانت الأدلة التفصيلية تعارض ما فهموه، كذلك لا يوجد دليل تفصيلي ينقض دليلهم الإجمالي -وهذا في الغالب، كما أن تأويلهم مستساغ من جهة اللغة وإن كان خطئا من جهة السياق والشرع.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق