أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 20 نوفمبر 2024

تعليقة على (مقال الرد على أوقفوا المد) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تعليقة على

(مقال الرد على أوقفوا المد)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد: هذا المانشيت الدعائي القبيح، ذو الصبغة السياسية المعروفة، أُريد له أن يلبس عباءة الدين، ويطوف بين الغارقين لا ليمدهم بأسباب النجاة، أو يدلهم على طريق الخلاص، ولكن ليمجد هذه المحرقة، ويُجلَّ صانعيها، بعد أن يمنحهم وسام العظمة والفضيلة، ودرع الحصانة والعصمة.

يبدأ هذا الرد بخطاب شعبوي حماسي، يتيح إلقاء اللوم على اختيار التوقيت دون الطريقة والمنهجية التي تُدار بها الحرب، في محاولة للفت الأنظار تجاه القضايا الهامشية، وإشغال بال طلبة العلم والعوام بها، ثم صورة مدمجة لجمعٍ من المبتسمين من موريتانيا وليبيا ومصر والمغرب، الذين صادقوا على هذا الرد المبني على الفقه المريح، الذي يخدم سياسات المحور، ويتماشى مع أغراض الساسة وأهدافهم. أما تشخيص الواقع فيمكنهم التعرف إليه من خلال القنوات التلفزيونية.

يقوم هذا الرد على خلط المفاهيم، وإثارة الفوضى في فتوى الشيخ، ثم كلمات خاطفة حول اتباع الحق، وتوزيع الأدوار بين الفساطيط، بعد تثبيت رؤيتهم العليا فيما يدور بسطوة الحزب وقهره. تحت مسمى "جماهير العلماء" الذين لا نعرف دورهم في هذه الكارثة، ولا في أي اتجاه يسيرون.

يزعم هذا الرد الخوف من تأثر المجا.هدين في الميدان بذلك (المقال) الشرعي، وكان الأحرى بهم ألا يترددوا في قبول الحق الذي دعاء إليه الشيخ، والموجب لوقف هذه المقتلة والمجزرة العامة، لكنه الكبر والعناد والاعتداد بالذات. والفتاوى جاهزة، فقط تنتظر من يوقعها من هذا اللفيف التائه والمغيب.

ولم يخلُ هذا الرد من المغالطات العلمية، التي لا تصلح أن تصدر ممن يهجي المتون الفقهية، فضلاً عن علماء المنشوتات والردود، والتي ستصبح فيما بعد الحجة البالغة لمن لا يزال يستمد فتواه من نشرات الأخبار وتحليلاتها.

بناءً على هذا الرد الضعيف، عليك -أخي المواطن -أن تستحضر حروف الترجي، والتمني: (لعلَّ)، (وربما)، (وليت)، وتتذكر المعجزات والخوارق التي رآها الطوفانيون في الأحلام، دون أن تلتفت للأسباب بالمطلق؛ لأن الأسباب معطلة ولا قيمة لها، وفي النهاية لن يحدث في القطاع إلا ما أراده الساسة وقدروه.

ويجب عليك أن تحذر من أساليب التعجيز والتوبيخ والتأنيب؛ لأن ذلك يضرُّ بثوابك عند الله، وبمعنويات القوم وسياساتهم، ثم عليك أن تغض الطرف عن صور المآسي والمذابح أو أسبابها، لأنها تضحيات (قليلة) بل لا تكاد تذكر أمام الإنجازات (العظيمة) التي حققتها هذه المعركة المجيدة، على حساب دماء أطفالنا ونسائنا وشبابنا، والذين قتل منهم أكثر من مائة وخمسين ألفاً، وجرح منهم أكثر من مائتي ألف، وأصيب بالعاهات الدائمة من لا يُحصى، فضلاً عن أراضي القطاع التي أُعيد احتلالها، وتدمير 80% من البيوت والتي عادت كومةً من الركام وإياك أن تذكر الغلاء والمجاعة التي تنهش فلذات أكبادنا، حتى أصبحنا ننتظر إدخال الطعام بتنسيق مع الاحتلال.

وأيضاً يجب عليك أن تؤجل النقد أو تتركه بالكلية-وهو الأفضل من المنظور الحركي -كي يتسنى إتمام المهام العالية من القضاء على بقية الغزيين، واستباحة ما بقي البلاد تحت غطاء "المقا.ومة" و"الجها.د"، و"التضحيا.ت"، وهم في ذلك يخوضون معركة الضمير العالمي، الذي لن يستيقظ ولو أبيد الغزيين عن بكرة أبيهم.

هذه المفاهيم الشرعية العظيمة التي غابت عن الشيخ، وجاء هؤلاء ليقرروها ويردوا عليها. ترد على نفسها من نفسها، ويكفي في ذلك قراءتها، ومن الجميل في الرد أنه أقرَّ بالأخطاء التي قررها الشيخ، والتي بقي أن تتعلموها وتفهموا ما فيها.

من الغريب أن المنشوت يُقرُّ السياسيين في عدم ذهابهم إلى مصالحة مع إخوتهم في "فتح"؛ لأن هذا في نظرهم (وهم وسراب) حسب تعبير المنشوت، ولأن (الاحتلال لا يرضى عن عباس وحكومته) فما الفائدة من هذا الأمر؟! فعلاً ما الفائدة أيها الحزبيون من مصالحة لا يرضاها الاحتلال ولا يريدها.

لم أجد في هذا الرد شيئاً علمياً يمكن الرد عليه أو التعليق عليه، لذا دعوني أكتب مقالي بشكل خطابي وعظي، ربما يكون ذلك أفضل في تقرير ما أريد.

1-في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)، أي إذا لم تخش من العار، عملت ما شئت، لأنه لم يردعك عن مواقعة المحرمات رادع، وسيكافئك الله على فعلك، ويجازيك على عدم مبالاتك بما حرمه الله عليك.

2-وقد جعل سبحانه أهل العلم في بلدنا هذا حُجّةً على أصحاب هذا المنشوت الصادر عن تلك الوجوه الناعمة والمستريحة، والتي أطلت علينا من بلدان عربية بعيدة، لم يفهموا خطاب الشيخ ولن يفهموه طالما أنهم ينظرون بعدسة الحزب، ويُنقّرون على ما توهموه خطئاً -وهو عين الصواب والحقيقة، وصدق الشاعر إذ يقول:

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيمِ

3- ولا أدري من هم جمهور العلماء الذين أشار إليهم ذلك المنشوت، وقد قتل الاحتلال أكثرهم في هذه الحرب، وما بقي منهم إلا القليل، وهم مع شعبهم فيما أعلم في رفض هذا الطوفان وهذه الإبادة، لا كما ذكر في المنشوت، بل الذي أحسبه أن جمهور علماء الأمة معنا لا علينا، وهم يريدون وقف هذا العبث والرقص على الدماء.

4-لا أري أن أتورط في تصنيف هؤلاء العلماء في إحدى البطانيتين المعروفتين، ولكن أقرأ عليهم لحديث الآخر عند البخاري -رحمه الله : (ما استخلف خليفة إلا له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم -أي المحفوظ من شرّ البطانة الثانية -من عصم الله)، والبطانة الثانية لا تألوا ذلك الراعي والمسؤول خبالاً، حتى تُفسد أمر المسلمين، وتُزين ذلك في قلبه وعينيه، وما كان لذلك أن يحصل لولا أنه تكلم في الناس غير الموثوق في دينه وأمانته، وراح يُشرّق ويُغرّب برغبته وهواه.

وكما ترى أن هذا البيان الصادر عن هذه الجمعية! تبرر ما نعيشه من إبادة وقتل وتشريد بلسان تبرأ منه كل أدلة الدين والإيمان والعقيدة، تحت مُسمى "جهاد الدفع" مع تجاهل "جهاد الاختيار" الذي تحدث عنه القرضاوي في مؤلفه العظيم "الجهاد"، وهو الذي يناسب حالتنا الغزية دون مواربة أو التواء أو تحيُّز لطائفة أو جماعة، وهي التوصيف الصحيح لحالة الجهاد في القطاع





جزء فيه امتحان السُّني من البدعي أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي المقدسي (ت 486 هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

جزء فيه امتحان السُّني من البدعي

أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي المقدسي (ت 486 هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد: إن الاشتغال بنشر كتب أهل العلم من أعظم القربات إلى الله تعالى، وهي من أولى المهمات في عصرنا هذا الذي نشهد فيه انحسار العلم، وكثرة الجهل، وتعلق كثير من الناس بالمُلهيات والتفاهات.

وهذا الكتاب يندرج في كتب عقائد أهل السنة الكاشفة لعقائد أهل البدع والمميزة لها؛ كي يحذرها كُلُّ سُنّي، ويعرف نسبتها، وأصلها التي بُنيت عليه، وكيفية الرد عليها. وتضمن الكتاب 72 اثنين وسبعين مسألة في الاعتقاد، بيّن فيها المؤلف عقائد أهل السنة، وأدلتهم عليها وعقائد الفرق المخالفة، مع بعض المؤاخذات التي بينها الباحث في دراسته على بعضها.

وقد أجاد الباحث خدمة هذا الجزء من خلال بيان مسائله وتوضيحها ونقل كلام العلماء فيها، والتعليق على بعض الإشكالات، وتصحيح المفاهيم غير السليمة المتضمنة فيها، وجعل منهجه في دراسته: ذكر المسألة وجواب المصنف عليها، ثم دراسة المسألة، ونسبة الأقوال إلى مذاهبها، وجواب أهل السنة عليها.

كما أجاد في ترجمته للمصنف، فذكر: اسمه، ونسبه، ومولده، ورحلاته، وجهود المصنف العلمية، وشيوخه، وفقهه، وذريته، وتلاميذه، وسنة وفاته. والعصر الذي عاش فيه، والذي يتمحور في أخريات الدولة العباسية (فترة تمزقها إلى دويلات متناحرة على السلطة وتجرد الخلافة من معناها)، والبيئة العلمية التي نشأ فيها، وازدهار العلوم حينها، وانتشار المدارس وكثرة العلماء.

ثم بين منهج المؤلف في هذا الجزء، وسبب تأليفه (وهو سؤال سائل أن يُملي عليه مسائل يمتحن فيها السُني من البدعي)، ثم تقويم الجزء ودراسة مسائله. وعفد فصلاً في حكم امتحان الناس في عقائدهم خلُص فيه إلى أنه أمرٌ جائزٌ، واشتهر في زمن الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه.

وهذه المسائل في غاليها موافق لاعتقاد أهل السُّنة والجماعة، وقد علّق عليها الإمام ابن تيمية رحمه الله، بقوله في (مجموع الفتاوى: 3/ 380): "وهذه المسائل وإن كان غالبها موافقا لأصول السنة ففيها ما إذا خالفه الإنسان لم يحكم بأنه مبتدع مثل أول نعمة أنعم بها على عبده فإن هذه المسألة فيها نزاع بين أهل السنة والنزاع فيها لفظي؛ لأن مبناها على أن اللذة التي يعقبها ألم؛ هل تسمى نعمة أم لا؟ وفيها أيضا أشياء مرجوحة".

وأما الفرق التي ذكرها في كتابه؛ فخمسة عشر فرة، وهي: الأشعرية، والمعتزلة، والمرجئة، والسالمية، وجهمية، والحشاشية، والمعطلة، والدهرية، والرافضة، والباطنية، والمزدكية، والبابكية، والفلاسفة، والمجوس.

والامتحان في الأصل مشروع في الكتاب والسنة وفعل السلف. يقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} (الممتحنة: 10). فأمر سبحانه المؤمنين بامتحان المهاجرات في صدق هجرتهن، وأنهنَّ خرجن طاعةً لله ورسوله لا نشوزاً من زوجٍ أو بُغضاً له.

ومن السُّنة ما ورد من سؤال الجارية: (أين الله؟)، وهو امتحان في الاعتقاد. وجاء عن السلف امتحان المبتدعة: ومن هؤلاء الإمام سليمان التيمي وأبي حاتم الرازي وأبي العباس السراج، وكان هذا الأمر ظاهرٌ عندهم.

 وينبغي التنبه إلى عدة أمور في هذا الجزء –ذكرها الباحث كمؤاخذات على المصنف، وهي فيما يلي:

1-أن المؤلف قد ينسب إلى المعتزلة والأشاعرة ما يقولون بخلافه، وهذا لا يعني أنه أخطأ؛ لأنه ربما عاصر نهم من كان يقول بذلك، سيما وأنه ينسبها إليهم من غير بيانٍ للقائل.

2-أنه أطلق العصيان على الأنبياء، كما توسع في قضية التكفير؛ كتكفير الأشاعرة والمرجئة وغيرهم، ونسبتهم إلى الزندقة، وهذا منهج خطير.

3-توسعه في التبديع في مسائل الخلاف السائغ، مثل: المفاضلة بين الملائكة والصالحين من بني آدم، وإهداء ثواب القُرب، وغيرها.

4-ذكره لبعض التفاسير المنكرة؛ كتفسير الآية 200 من آل عمران، بقوله: (يا أيها الذين آمنوا) أبو بكر (اصبروا) عمر (وصابروا) عثمان (ورابطوا) علي!

5-أن هذا الجزء لا يخلو من حديث ضعيفٍ وواهٍ وموضوع.

6-أنه جعل بعض مسائل هذا الجزء من مسائل الامتحان مع أن أهل السُّنة يقولون بخلافها، مثل: الامتحان بحب يزيد بن معاوية.

7-غلطه في نسبة بعض الأقوال إلى أهل السُّنة والجماعة، مثل مسألة التحسين والتقبيح العقليين.

المسائل التي ذكرها المؤلف في جزئه هذا:

1-أول نعمة: إدراك الملذات أم الهداية إلى الإسلام.

2-معرفة الله بالشرع أم بالعقل؟

3-الخير والشر من العبد أم قضاء وقدر؟

4-مُسمّى الإيمان.

5-الاستثناء في الإيمان.

6-زيادة الإيمان ونقصانه.

7-كفر العبد بالمعصية.

8-القرآن المسموع هل هو كلام الله؟

9-بماذا نزل جبريل؟

10-كلام الباري: قديم أم محدث؟

11-كلام الله منه بدأ وإليه يعود؟

12-هل التلاوة هي المتلو؟

14-ما في الصحف هو القرآن أم كتابته؟

15-وما في الصدور هل هو القرآن أم حفظه؟

16-الاستواء على العرش.

17-صفة اليدين لله تعالى.

18-صفة الفوقية.

19-صفة الغضب والرضا.

20-رؤية الباري في الآخرة.

21-حساب الكفار.

22-خلاف الصحابة.

23-الشفاعة لأهل الكبائر.

24-وقوع الصغائر من الأنبياء.

25-الملائكة أفضل أم صالحي البشر؟

26-كفتا الميزان.

27-الإيمان بالبعث.

28-فتنة القبر.

29-هل تبطل النبوة بعد الموت أم لا؟

30-هل أراد الله المعصية من الخلق؟

31-هل الباري يُضل ويهدي؟

32-المقتول مات بأجله أم قطع القاتل أجله؟

33- الغلاء والرخص من الله أم من الخلق؟

34-الإسراء والمعراج

35-الحوض.

36-سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم هل هي وحي؟

37-أسماء الله قديمة أم محدثة؟

38-ذبح الموت؟

39-الكرامات والمعجزات.

40-هل يُقال: يا قديم الإحسان؟

41-المسح على الخفين

42-فرض غسل القدم في الوضوء

43-خلافة الصحابة.

44- العالم قديم أم محدث؟

45-علم الله تعالى إجمالي أم تفصيلي

46-نظر الباري تعالى إلى المخلوقات

47-سلوك الجن في بني آدم

48-الإيمان قول واعتقاد وعمل

49-الاغتسال من الجنابة

50-خلق حروف المعجم

51-صيغة أوامر الله ونواهيه

52-هل العقل مخلوق أم لا؟

53-هل العقل يُحرم ويُحلل؟

54-صفات الذات هل هي معاني زائدة عليها أو هي نفس الذات.

55-حد المتكلم

56-خلع الإمام بفسقه

57-الأمر المطلق يقتضي الوجوب أو لا؟

58-هل الحرام رزق مُقدر أم لا؟

59-نزول الرب

60-أصابع الرحمن

61- صفة القبضة

62-صفة القدم

63-رؤية النبي لربه سبحانه

64-إن الله خلق آدم على صورته

65-خلق الإيمان

66-هل للبهائم روح أو لا؟

67-فناء الدنيا

68-فناء الروح

69-محبة يزيد ومعاوية

70-إهداء ثواب القُرب

71-صوم رمضان بالرؤية أو الحساب

72-الله في السماء أم في كل مكان؟

73-تألم العبد في القبر

74-الأمر من غير إرادة

75-حكم سب أبي بكر

76-الاسم هو المسمى أو غيره

77-الجن موجودون أم لا؟


الشيخ أحمد نمر حمدان د. محمد العمودي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الشيخ أحمد نمر حمدان

د. محمد العمودي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد: تعجُّ بلادنا فلسطين بقامات كبيرة، وشخصيات فريدة، برزت في القرن الحالي بآثارها الجليلة ومآثرها الجميلة، والتي طالت حسناتها أجيالاً كثيرة متعاقبة، وقد يسّر الله تعالى لها من يحفظ آثارها ويدوّن أعمالها، حتى اكتملت بهم مسيرة البناء والحضارة والخير للبلاد.

وقد عرفت هذه الشخصيات بالصدق والغيرة والبذل والتضحية والعطاء الغير محدود، وعرفت كذلك بالدفاع عن الوطن، والثبات على الحق، والشجاعة في مواجهة الأخطار والتحديات، وقد مثلت هذه الشخصيات رموزاً وطنية وتربوية، تقتبس منها الأجيال معاني البطولة والرجولة والكرامة.

ويروي هذا الكتاب سيرة رجل كريم، وداعية مخلص، وخطيبٍ مفوَّه، خاض غمار السجون، وتحدى بإرادته المحتل، وألهب بصوته الجماهير، وبثَّ في الجيل الأمل والحماس، كما قضى سنوات طويلة في الإبعاد، حضر النكبة، والنكسة، والانتفاضتين، وأربعة حروب دامية على القطاع، وشهد الانقلاب السياسي في القضية الفلسطينية، وعاصر كثيراً من أزمات هذا الشعب ومحنه، ألا وهو الشيخ أحمد حمدان رحمه الله.

وقد أبدع المؤلف في انتقاء هذا الرجل النموذج، والشخصية المُلهمة؛ ليكون موضوعاً للبحث والدراسة، سيما وأن له مع الشيخ مواقف ووقفات، وصحبة طويلة، تأثر من خلالها بسلوك الشيخ وأخلاقه وآدابه، التي ذكر جملة صالحة منها، كالحزم والجدية، والتزام الوقت، والتفاني في المهنة، والصد بالحق، واحترام النظام، والحرص على المال العام، واغتنام الفرص للدعوة، بالإضافة إلى نبوغه في مجالات الدعوة والخطابة، وتبنيه لنهج الدفاع عن الأرض والمقدسات، وحرصه الكبير على تربية النشء وإعدادهم، وبناء النواة الصلبة للعمل الدعوي.

وقد أفاد المؤلف -وفقه الله -من الروايات الشفوية من أقارب الشيخ وأصدقائه وزملائه في العمل وكذلك طلابه وجيرانه، وكل من له صلة به من أبناء حيّه وبلده، وأكثر ما أفدتُ منه صراحةً هو تلك اللفتات التربوية، والتي تربط الترجمة بالواقع، وتجعل من كل سطرٍ فيها عبرة وعظة في مجالات العلم والعمل والحياة الأسرية والدعوية والاجتماعية.

كما أسهب المؤلف في التقريظ لسيرة الشيخ، فنقل ذلك عن عدد كبير من وجهاء البلاد وأصحاب المناصب الرفيعة فيه في الثناء على الكتاب ومدحه، كذلك الأمر ختم بمرثيات كثيرة لعدد من المشار إليهم للشيخ -رحمه الله وتغمده بالمغفرة والرضوان.

ترجمة موجزة للشيخ أحمد نمر حمدان

(1939 م -2019م)

هو الشيخ أحمد نمر حمدان، داعية وخطيب فلسطيني، ولد في 4/ نوفمبر/ عام 1939م في قرية "بشيت"، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمدينة خانيونس، ثم انتقل إلى مصر لدراسة اللغة العربية، فدرس في جامعة القاهرة، وحصل على درجة الليسانس عام 1957م، ثم عمل مدرساً في مدارس جنوب القطاع بوكالة الغوث منذ العام 1959م، ورُقي بعد ذلك إلى وكيل مدرسة في العام 1975م، وفي أثناء ذلك نشط في مجال الدعوة إلى الله تعالى، وحث الشباب على الالتزام والسلوك الحسن.

وفي العام 1977م كان يؤذن بجامع بلال بمعسكر خانيونس، وبعدها تطوع كإمام لمسجد الرحمة بحي الأمل في العام 1978م، وفي العام 1981م رُقي ليعمل مديراً في مدرسة، ثم عمل باحثاً في التموين لدى وكالة الغوث في العام 1986م، وذلك بعد أن أجبره الاحتلال على ترك عمله كمدرس، بسبب نشاطه في جماعة الإخوان، وتحريضه المستمر على الاحتلال.

 وساهم الشيخ في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية في العام 1987م وكان أحد الأعضاء الفاعلين فيها، كما أسس مكتبة مسجد الرحمة في العام 1989م، وكان بدوره يُشرف عليها، واستمر في عمله الأخير كباحث تموين حتى تقاعد في العام 1999م.

كما كان له دور في إثارة حميّة الشباب الوطنية والدينية أثناء الانتفاضة الأولى والثانية، حروب 2008 -2009م، و2012م، و2014م، و2018م، إلى أن توفي بتاريخ 5/ أغسطس/ 2019م، بعد أن أصابه مرض عُضال، وهو يناهز 81 عاماً، والتي ملأها بالعطاء والصبر والتضحيات.


الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

نهاية العالم محمد متولي الشعراوي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

نهاية العالم

محمد متولي الشعراوي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

 تمهيد: إن الإنسان ليس أصيلاً في هذا الكون، وإنما هو طارئ عليه، لأنه يأتي ويعيش فترة محدودة، ثم تنتهي حياته بعد ذلك. وثبات الكون يُعطينا شعوراً وهمياً بأن هذا الكون لا نهاية له، ومهما قال الإنسان عن نهاية الكون، تجد من يعيش فيه يعتقد أنه لا يزال هناك ملايين السنين حتى ينتهي هذا الكون.

والحديث عن نهاية العالم أخذ حيزاً كبيراً من اهتمام العلماء المسلمين، إذ هو جزء من عقيدتهم في اليوم الآخر، وفي الوقت ذاته نجده يستحوذ على اهتمام علماء اليهود والنصارى، وبعض المتنبئين والمهتمين في علم النجوم والفلك، وكل واحدٍ منهم يحاول أنن يتنبأ باليوم والوقت الذي سينتهي فيه العالم الذي نعيش فيه، وفق النظرية التي يؤمن بها.

وهذا الكتاب بين فيه فضيلة الشيخ الشعراوي: أن الكون كله مخلوق لخدمة الإنسان، وأنه ثابت لا يتغير، والإنسان هو الذي يتغير من حال إلى حال بقوانين غائبة لا نعرفها، وأن الله سبحانه وتعالى جعل قوانين الكون كلها تخدم قضية الإيمان، ولكن الإنسان جعلها تخدم قضية الكفر والإلحاد؛ فالإنسان لا يستطيع إيجاد شيء غير موجود، وإنما يستطيع اكتشافه والتنبه إلى أسرار وتوظف ذلك في خدمته، كما أن الله تعالى وضع كل ما في الكون بحكمة لخدمة الإيمان ولخدمة منهج الله، والعلم مُثبتٌ للإيمان ومؤيد له.

واستعرض الشيخ قضية بدء الخلق مجملةً: فذكر أن هذا الإنسان مركب من روح ومادة، وبمجموعهما تكون النفس المخاطبة بالتكليف، وهي التي تُنعّم وتُعاقب، وعرّف الروح بأنه السر الإلهي الذي يهب الحياة للمادة، وأن الله سبحانه جعلها دليلاً على الإيمان بوجوده، وأن الموت ليس نهاية لرحلة لحياة، بل هو نهاية حلقة من حلقاته.

ثم بين وظيفة الإنسان في هذه الحياة، وهي: استقبال الإيمان، والخضوع لمنهج الله تعالى في أحكامه وأوامره، وأن التقدم العملي هو كشف لقوانين الله في الأرض، ومن الأخذ بالأسباب التي أمر الله بها، وأن المنهج الإيماني يقضي على صاحبه أنه كلما زاد رُقياً في العلم أن يزداد خشوعاً وإيماناً بالله سبحانه وتعالى.

وأن الموت يأتي الإنسان ليفيقه من وهمه الكبير، ابتداءً من ساعة الاحتضار التي هي الساعة الأولى للقاء الله سبحانه، وكل إنسان يجد هذه الساعة بحسبه، إما أن تتلقاه ملائكة الرحمة بالسلام والبشرى بالنعيم المقيم، وإما أن تلقاه بالتثريب والتنكيل والبشارة بالعذاب المقيم، وهي الساعة التي يفرق فيها بين المؤمن والكافر.

وحينها تبدأ رحلة الإنسان في حياة البرزخ، والتي أخبرنا الله سبحانه ببعض تفاصيلها، فيستطيع الإنسان فيها أن يسمع دون أن يرد، وأن في هذه الحياة نعيم وعذاب خاص بها، كما أن مقاييس الزمن في هذه الحياة يختلف عن مقاييس الزمن الذي نعيشه.

كما أن حياة الآخرة لها قوانينها التي تحكمها، مثلا هي أبدية ليس فيها موت، وفيها من الأمور ما يعجز العقل البشرى عن تصوره، وقد أخبر سبحانه ببعض الآيات الكونية التي ستحدث عند نهاية العالم، ومن هذه العلامات: إخراج الدابة التي تكلم الناس، وكذلك طلوع الشمس من مغربها، وظهور الدخان، وكل هذه العلامات تدل على أن الساعة أصبحت وشيكة الحدوث.

ثم تحدث عن الآيات والأمور التي ستتوالى عند نهاية العالم، بما لا عهد للإنسان به، والتي تمهد لنهاية العالم، حينما يوحي الله إلى الأرض والكون كله أن يُدمر، وما هي إلا لحظات حتى يتدمر الكون كله وينتهي.


الإخوان المسلمين قراءة في الملفات السرية عبد الرحيم علي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الإخوان المسلمين قراءة في الملفات السرية

عبد الرحيم علي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


       تمهيد: يتناول هذا الكتاب بالرصد والتحليل -وعلى مدار أكثر من ثمانين عاماً -هو عمر جماعة الإخوان. كيف انزلق الإخوان في مستنقع الانتهازية منذ البدايات وعلى يد الشيخ حسن البنا -بتعبير الشيخ أحمد السكري -صديق البنا المُقرّب ورفيقه في تأسيس الجماعة، والذي يُعد أنبل وأشرف رجالات الجماعة في ذلك الوقت، لكن للأسف تم إيقافه وفصله بعد أن اعترض على سياسات البنا داخل وخارج الجماعة.

 وكيف سمح البنا لجماعته بالتلون حسب الحكومة التي تتولى السلطة، وسياساته التي تقترب من بعض الأحزاب أو تبعده عنها بحسب المصلحة .. يهادنون حزب الوفد ويثنون عليه ثم ينقلبون عليه.. يدعمون الملك فاروق ويسمونه بأمير المؤمنين ثم يناصبونه العداء .. يتعاونون مع رجال ثورة يوليو في البداية ثم يتصادمون معهم .. يساندون السادات ثم يتمردون عليه .. يصرخون ليل نهار بالعداء لأمريكا ثم يسعون في الخفاء لمد الجسور معها.

       يدّعون الديمقراطية والتعددية، ويضيقون بها، وبالمطالبين بإعمالها داخل الجماعة، فإما -السمع والطاعة -وإما الاقصاء والتهميش، بعد التنقيط والتبكيت والتشنيع، إلى أن بلغ بهم الأمر إلى الاتهام والتخوين والاتهام بالعمالة لدول الشر والأعداء.

ويناقش الكتاب الفساد السياسي والإداري داخل الجماعة، من خلال الكولسة والتأطير والنقض للمعاهدات، بالإضافة إلى غياب النزاهة والشفافية في اتخاذ القرارات وتنفيذها. وغير ذلك الكثير .. حتى بدا أن هذه الانتهازية هي النهج المألوف في سلوك الإخوان وتحالفاته، حتى بعد ثورة يناير، في سياق سلسلة من التحالفات التي تنتهي دائماً بالغدر في الحليف!

والكتاب في أبوابه الثلاثة: الإخوان والانتهازية السياسية (بفصليه: الإخوان والواقع السياسي المصري ، والإخوان والإنشقاقات)، والملفات السرية (بفصوله الخمسة: ملف العنف، والديمقراطية الداخلية، وملف التنظيم الدولي، وترددهم بين الدين والسياسة، وعلاقتهم بالولايات المتحدة الأمريكية)، ودولة الإخوان بفصليه: (الجماعة في إطارها الحركي، وسيد قطب الجسر)، ومن خلال وثائق الجماعة الخاصة -يتتبع التاريخ الطويل الممتد، الذي عمد خلاله الإخوان إلى خلط الخطاب الديني "الثابت" بالمقاصد السياسية "المتغيرة" -ليخلقوا خطاباً ضبابياً .. متعدد الوجوه .. هافاً للاستحواذ والإقصاء بمفردات وسلوكيات أيضاً -تحمل في طياتها الكثير من الاستعلاء والمراوغة.

وهذا الكتاب يكشف بجلاء شديد مشروع "دولة الإخوان" ومخاطره على حاضر ومستقبل البلاد المصرية وغيرها من بلدان العالم الإسلامي.. كما يكشف "مأزق الجماعة" ومخاطره على حاضر ومستقبل الوطن.. كما يكشف صعود الجماعة نحو الهاوية.

فتعرض الكتاب إلى سعي الإخوان من خلال كتابات سيد قطب إلى تبرير الأفكار التكفيرية، ونقد أبو الأعلى المودوي والقرضاوي لفكرة التكفير، ونصب الأخوان على ظهره رايات الجاهلية والتكفير، لنسف فكرة المواطنة، والتي أنقل في هذا المقال طرفاً منها:

نسف فكرة المواطنة:

المجتمع الجاهلي عند سيد قطب هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم. وبذلك فإن كل المجتمعات المسيحية واليهودية هي جاهلية بلا جدال. لحق التحريف برسالاتها من خلال تصوراتها الاعتقادية التي لا تخص الله وحده بالألوهية، وتخلع على هيئات من الشر خاصية الحاكمية العليا. ولذلك يرى سيد قطب أن العلاقة مع تلك المجتمعات والمجتمع المسلم هي علاقة تعارض دائم ومستمر، لا يتحقق معه التقاء في كبيرة ولا صغيرة، ذلك أن غير المسلمين هؤلاء لا يبغون إلا أن يحول المسلمون عن دينهم الحق!

وفي المقابل يتحتم على المسلمين أن يسعوا إلى نشر دينهم، وتعبيد العباد الله وحده. وتحطيم الطواغيت والأنظمة والقوى التي تقهرهم وتجبرهم على عبادة غير الله. وعلى الرغم من أن المفكر الإخوانى لا يميز في حكم الجاهلية بين المجتمعات الكتابية والوثنية. إلا أنه وجد في انتساب الكتابيين إلى دين وكتاب قبل الانقلاب عليهما. مسوغا للتمتع بشيء من المعاملة المختلفة. يظهر في إحلال نسائهم وطعامهم. ومراعاة مشاعرهم وأحوالهم الشخصية وصولا إلى تشريعاتهم الجنائية والتجارية والمدنية. حيث تقضى القاعدة الفقهية بألا يجبروا على الالتزام بتشريع يمس عقائدهم. ولذلك يمكن إعفاؤهم من بعض الحدود والتسامح مع سلوكيات بعينها لا يقبلها الإسلام.

ويقدم سيد قطب تفسيراً غرائبيا لمفهوم حرية العقيدة، فهو يرى أنه من حق البشرية أن تبلغ إليها الدعوة إلى هذا المنهج الإلهى الشامل: وألا تقف عقبة أو سلطة في وجه هذا التبليغ بأي حال من الأحوال من حق البشرية كذلك أن يترك الناس بعد وصول الدعوة إليهم أحرارا في اعتناق هذا الدين. لا تصدهم عن اعتناقه عقبة أو سلطة. فإذا اعتنقها من هداهم الله إليها كان من حقهم ألا يفتنوا عنها بأي وسيلة من وسائل الفتنة لا بالأذى ولا بالإغراء ولا بإقامة أوضاع من شأنها صد الناس عن الهدى وتعويقهم عن الاستجابة.

أما حرية العقيدة عند سيد قطب؛ فهي ذات اتجاه واحد فهى حرية التحول من الجاهلية إلى الإسلام، وبهذا التحول تنتهى فكرة الحرية، ولا يجوز أن يحدث تحول عكسي من الحق إلى الضلال: فجزاؤه القتل. ولو لم يصحبه خروج على سلطة الدولة. أهل الكتاب بلا حقوق سياسية وحريتهم العقائدية مقيدة.

وفكرة المواطنة ليست مطروحة في الدولة التي يقودها ويوجهها حزب الله، وغاية ما يمكن أن يتمتع به غير مسلم هو بعض الحقوق المدنية المتعلقة بالأحوال الشخصية. وبعض الحقوق الاجتماعية والإنسانية. مثل كفالة أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، والتمتع بالضمان الاجتماعي عند العجز والفقر كالمسلمين سواء بسواء. وفي مقابل هذه الحقوق التي يجيزها والانصياع للنظام الإسلامي العام. فأهل الكتاب. كما أفهم مطالبون باتخاذ موقف سلبى من صراع العقائد فلا يفتنوا من يختار منهم الإسلام. ولا يدعوا المسلمين إلى اعتناق دينهم. ولا يطعنوا في الإسلام"

وتكتمل ملامح اللوحة بالنصيحة التحذيرية التي يوجهها سيد قطب إلى المسلمين فهم مطالبون بألا يشعروا برابطة ولاء أو تناصر معهم. لمجرد شعور المواطن المصرى المسلم بوحدة الانتماء مع المواطن المصرى المسيحي التي يحرمها سيد قطب من حسن البنا المؤسس والمرشد الأول. إلى مهدى عاكف المرشد السابع الذي لا يجرؤ الإخوان - حتى الآن على الأقل - إلى القول بأنه مفكر مجدد. مرورا بسيد قطب. الذي يقول عنه الهضيبي إنه الأمل المرتجى للدعوة تتحطم فكرة الوحدة الوطنية المصرية ويتلاشى مفهوم الانتماء الوطني الرابطة الوحيدة المعترف بها الإخوان دينية لا وطنية.

 ونسف فكرة المواطنة مشترك وراسخ لا يتغير نظرة سيد قطب إلى غير المسلمين من أبناء الوطن. استعلائية قمعية. فهم ليسوا مواطنين كإخوانهم المسلمين. لكنهم كتلة هامشية مختلفة. يمكن نقبلها داخل النسيج على مضض. دون السماح لها بالذوبان فيه.

حرب صليبية

في كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام. يؤكد سيد قطب أن الصراع ضد الاستعمار الغربي ليس اقتصاديا أو سياسيا لكنه صراع صليبي ! مقولة قطب تفرغ الصراع من جوهره الحقيقي ويتحول الأمر إلى مجرد حلقة في سلسلة الحروب الصليبية قوامها المعتقد الديني وكأن كثيرا من التناحرات والحروب والغزوات الاستعمارية في العصر الحديث لم يتوجه بها استعماريون يدينون بالمسيحية إلى شعوب مسيحية يتم استعمارها. أو كأن الإمبراطورية العثمانية الإسلامية لم تكن ذات طبيعة استعمارية.

من المنطقى أن تنعكس هذه النظرة الصليبية على رؤبة سيد قطب للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين في منظومته التكفيرية الشاملة. ومن الغرائب التي توصل إليها أنه لا يجوز تلقى العلم من غير المسلمين: إن الإسلام بتسامح في أن يتلقى المسلم من غير المسلم. أو عن غير التقى من المسلمين في علم الكيمياء البحتة أو الطبيعة أو الفلك أو الطب أو الصناعة أو الزراعة أو الأعمال الإدارية والكتابية وأمثالها، ولكنه لا يتسامح في أن يتلقى أصول عقيدته ولا مقومات تصوره مجتمعه، ولا نظام حكمه ولا منهج سياسته ولا موحيات فنه وأدبه وتعبيره. من مصادر غير إسلامية. ولا أن يتلقى عن غير مسلم لا يثق في دينه وتقواه في شيء من هذا كله. ويواصل قطب: ومن ثم يكون من الغفلة المزرية الاعتماد على مناهج الفكر الغربي.

وعلى نتاجه كذلك في الدراسات الإسلامية. ويضيف: ومن ثم تجب الحيطة كذلك في أثناء دراسة العلوم البحتة التي لابد لنا في موقفنا الحاضر من تلقيها من مصادرها الغربية من أى ظلال فلسفية تتعلق بها. لأن هذه الظلال معادية في أساسها للتصور الدينى جملة، وللتصور الإسلامي بصفة خاصة، وأى منها قد يكفى لتسميم الينبوع الإسلامي الصافي.

من البدهي أن المسلم لن يتلقى علومه ومعارفه الدينية المباشرة المتعلقة بالقرآن الكريم والسنة النبوية من غير المسلم. لكن دراسة ما يقوله غير المسلمين جديرة بالمتابعة والاهتمام والتحليل والقراءة لهم لن تفتن مسلما عن دينه، أو تنحرف بعقيدته وإيمانه من غير المنطقى أن يدعو سيد قطب إلى قطيعة معرفية باترة مع مجمل الثقافة الإنسانية الغربية تاريخا واجتماعا وسياسة وفلسفة وفنا وأدبا. فمثل هذه الدعوة الرجعية العنصرية تتغافل عن حقيقة تشكل الثقافة الإسلامية الصافية نفسها من احتكاك قوى إيجابي بمؤثرات غير إسلامية يونانية ورومانية وفارسية وهندية.

ومن بوتقة هذا الاحتكاك المثمر تشكلت ثقافتنا العربية الإسلامية التي أسهمت بدورها في بناء الثقافة الغربية المعاصرة التبادل بين الثقافات قائم على مدار التاريخ الإنساني بلا قطيعة أو جفاء. ولا يعقل أن باحثا مسلما معاصرا جادا في مجالات التاريخ والاجتماع والاقتصاد والسياسة والفلسفة وعلم النفس. يستطيع الاستغناء عن نظريات الغرب وإضافاته كما أن الفنانين والأدباء لا يملكون إدارة الظهر للمنتوج الذي قدمته الثقافة الغربية في الشعر والمسرح والرواية والقصة القصيرة والفن التشكيلي والنقد وسيد قطب الأول قبل انقلابه على المجتمع الجاهلي دليل عملى على ضرورة الاحتكاك والتأثر فكتابه النقد الأدبي.. أصوله ومناهجه ليس إلا إعادة إنتاج لما قدمه الغرب غير المسلم.

مثل هذه الوصاية المتعنتة البغيضة لا تعكس رغبة قطب في الدفاع الصحى الصحيح عن الإسلام والمسلمين. والحقيقة أنها دعوة تعبر عن غياب الثقة بإيمان المسلمين وتهافت عقيدتهم. فهل يعتقد المفكر التكفيرى أن قراءة المصادر الغربية ستفتن المسلم الناجح عن دينه؟!. لن يحدث ذلك إلا إذا كانت عقيدته هشة عاجزة عن الصمود.

وقد برهن التاريخ على أن الإسلام لا يتأثر بزوابع الفكر المضاد. وأن المسلمين يؤمنون بدينهم ولا يفرطون فيه بالسهولة التي يتخيلها من منح نفسه حق الوصاية على الدين.

القطبيون يدعون لقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون يصل الأمر بسيد قطب إلى درجة الدعوة الصريحة لقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون ويعلق الأستاذ السيد يوسف على هذه الفكرة في الجزء الثامن من موسوعته الإخوان المسلمون: هل هي صحوة إسلامية؟ فيقول: وهو يفسر الآية ١٩ من سورة التوبة التي تقول: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} بأنها عامة في اللفظ وفى المدلول وهي تعنى كل أهل الكتاب.

وهي أحكام نهائية تحتوى على تعديلات أساسية في القواعد التي كانت تقوم عليها العلاقات من قبل بين المجتمع المسلم وأهل الكتاب وخاصة النصارى منهم والتعديل البارز في هذه الأحكام الجديدة هو الأمر بقتال أهل الكتاب المنحرفين عن دين الله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فلم تعد تقبل منهم عهود موادعة ومهادنة إلا على هذا الأساس. أساس إعطاء الجزية ".

ويعلق فهمي هويدي على أن التفسير بأن سيد قطب قد انفرد به بین فقهائنا المعاصرين وبين الأغلبية الساحقة من مفسرى السلف المعتمدين. إذ ليس صحيحا أن آية قتال أهل الكتاب تمثل حكما عاما، لأنها نزلت في حالة خاصة وهي قتال المسلمين للروم في غزوة تبوك، وهو ما يقرره الطبرى والقرطبي وابن كثير، وأنها ليست موجهة ضد كل أهل الكتاب. وعن موضوع الجزية ذكر أنها مرتبطة بدفاع المسلمين عن أهل الكتاب فهي بدل خدمة عسكرية. فإذا اشترك أهل الكتاب في الخدمة العسكرية فلا محل للجزية.

ثم قال إن حدة سيد قطب ليست مقصورة على غير المسلمين. ولكنه حاد ومتشدد بنفس القدر على المسلمين أيضاً.

وما يشير إليه فهمي هويدي من أقوال الفقهاء القدامى منهم والمعاصرين. يعبر عن جوهر العقيدة الإسلامية التي ينحرف عنها سيد قطب بأفكاره التحريضية التكفيرية. لكن اعتذاره الأخير بأن حدة سيد قطب لا ينجو منها المسلمون أنفسهم - لا تعنى شيئا في الدفاع عن رجل يعيش في النصف الثانى من القرن العشرين. وتؤثر أفكاره حتى الآن. ولا يتورع عن مطالبة الأقباط بدفع الجزية. وهي مطالبة مقدمة في نبرة تهديد ووعيد هذا رجل لذته الوحيدة فى الهدم وهى عملية يسيرة يتفنن فيها الفوضويون والإرهابيون ويسطع في سمائها أسامة بن لادن - قبل مقتله - ومن بعده الآن أيمن الظواهرى. وهما اللذان تتلمذا على أفكار قطب وتلميذه عبد الله عزام.

إنهم قادرون على القتل والترويع والإفساد في الأرض. وإذا سألتهم عن برنامج لإعادة التشييد والبناء. لن تجد عندهم شيئا إلا الشعارات الفضفاضة والعبارات الغامضة ذات الطابع العمومي. لا يختلف سيد قطب عن مدرسة الإخوان التي ينتمى إليها وينظر لها.

 فالتأجيل اللانهائي للمشروع المتكامل واضح الملامح: إن الجاهلية التي حولنا تسأل المخلصين من أصحاب الدعوة الإسلامية أين تفصيلا نظامكم الذي تدعون إليه؟ وماذا أعددتم لتنفيذه من بحوث ومن مشروعات، وهي في هذا تتعمد أن تعجلهم عن منهجهم. وتجعلهم يتجاوزون مرحلة بناء العقيدة، وأن يحولوا منهجهم الرباني عن طبيعته. إننا مطالبون بالصمت التام، وأن نترك الأمل المرتجى وتلاميذه الجدد يعملون لبناء العقيدة وأسلمة المجتمع. ثم نتحول بعدها إلى فئران تجارب تخضع لبرنامج لم يشرعوا في إعداده بعد. فتش عن برنامج للإخوان من أيام حسن البنا وسيد قطب إلى ولاية البيطري محمد بديع، ولن تجد مهما يطل بك البحث إلا السيف يشرعون في إغماده لقتل خصومهم. أما القرآن الكريم فيرفعونه فوق أسنة الرماح حتى تكتمل قدرتهم على التأثير في البسطاء من الناس.

__________________________________

المسلمون والمغول

د. عواطف محمد نواب

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد: هذا الكتاب هو تأريخ وجيز لقبائل المغول، التي انبثقوا عنها، وبيان مناطق سكناهم، ولغاتهم التي تحدثوا بها، والعوامل البيئية والمناخية التي ساهمت في تقويتهم وتشكيل بنيتهم الجسدية والعقلية، والأديان التي كانت منتشرة عندهم، وتأثرهم بالثقافات والحضارات السائدة في تلك الحقبة، ونظام عيشهم، وحالة الفوضى السياسية والاجتماعية، وأهم أعمالهم التي اشتغلوا بها، وصفاتهم الجسدية، وقبائلهم التي ينتمون إليها، وصراعاتهم فيما بينهم، وكثرة ترحالهم وتنقلاتهم في الأقاليم الخاضعة لهم.

ثم تغلب المغول على جنس التتر، والصراعات التي دارت بين هذه القبائل وبين الحضارات الآسيوية في الصين وإيران وتركستان وغيرها، ما اضطر الصين إلى بناء سورها العظيم، وإخضاعهم لسيطرتهم، وكل هذه الأمور كانت عاملاً في إيجاد شخصية قوية توحد شتات هذه القبائل وتكون لهم دولة واحدة.

وبالفعل تمثلت هذه الشخصية في شاب مغولي اسمه تموجين (جنكيز خان) الذي هز بغزواته أركان الدول فيما بين الصين شرقاً والبحر الإدرياتي غرباً في النصف الأول من القرن. (وجنكيز خان)، باللغة المنغولية، يعني: قاهر العالم، او ملك ملوك العالم، او القوي.

ويعرض الكتاب جانباً من حياة قائد التتر جنكيز خان؛ فيذكر اسمه، واسم أبيه وأمه، وسنة ولادته، والبيئة التي نشأ فيها، وظروف الحياة القاسية والبائسة التي صقلته وجعلت منه محارباً قوياً، ثم رحلته في إخضاع قبائل الترك لسلطته الجديدة، وتوحيدهم تحت قيادته، وطرفاً من خططه الحربية لإنشاء المملكة الجديدة.

وقد كان الشرق الإسلامي في حالة شديدة من الضعف والتخاذل يسود فيه الفتن والدسائس والعديد من المذاهب ويسيطر عليه حكام متنازعون يؤثرون مصالحهم الشخصية على مصالح أوطانهم وأهم هذه الدول: إيران – العراق – الشام – مصر.

أما إيران؛ فقد كانت خاضعة للدولة الخوارزمية ومؤسسها (نوشتكين) الذي تقلب في المناصب في عهد السلاجقة إلى أن أصبح حاكم إقليم ُخراسان، وتلقب بلقب خوارزم شاه سنة 197هـ وعمل خلفاء نوشتكين من بعده على الاستقلال عن الدولة السلجوقية عندما شعروا بضعفها، مع ضعف الخلافة العباسية في بغداد، بل سعوا في القضاء عليها.

وبعد وفاة السلطان سنجر السلجوقي سنة 112هـ دخلت ممتلكات السلاجقة في فارس وخراسان في حكم الخوارزميين، وفي هذه الحقبة ظهر الإسماعيليون في الشمال الغربي من دولة إيران، ثم الفاطميون التي ظهرت في مناطق شمال إفريقيا، وكانت وطيدة الصلة بالإسماعيلية.

واتسعت أملاك الخوارزميين على حساب المجاورين، وبلغت أقصى اتساعها في عهد السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه. ومحمد هذا هو الذي عاصر جنكيز خان وكان شخصاً طموحاً شرهاً تقوم سياسته مع الأمم الإسلامية المجاورة على الشقاق والنزاع ومحاولة ضمها، وقد قرر خوارزم شاه المواجهة مع التتر.

 وبعد أن تحولت قيادة التتر إلى هولاكو، حدثت المجازر المروعة، التي تعجز الكلمات عن وصفها، حتى نظمت في ذلك المراثي التي تثير الأسى في النفوس ونعي الخلافة، ودخل التتر بلاد المسلمين وأسقطوها الواحدة تلو الأخرى، وذبح في ذلك مئات الألوف من الشهداء المسلمين.





من مخطوطات فلسطين النادرة في مدينة غزة للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي محيي الدين كلاب بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

من مخطوطات فلسطين النادرة في مدينة غزة
للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي
محيي الدين كلاب

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذا الكتاب هو تحقيق وإخراج لمخطوطين عزيزين من مؤلفات الإمام السيوطي، والمطبوعة ضمن مجموعة رسائله في كتابه (الحاوي للفتاوي)، وكان عثر عليهما في مكتبة المسجد العمري الكبير، بمساعدة كريمة من الأستاذ الفاضل عبد اللطيف زكي أبو هاشم مدير دائرة المخطوطات والآثار بأوقاف غزة، ويجدر بالذكر أن مكان هذه المكتبة حاليا فوق مسجد العباس في مدينة غزة.

وهاتان الرسالتان هما:

١) " ثلج الفؤاد في أحاديث لبس السواد" ذكر فيها ٣٣ ثلاثا وثلاثين حديثا وأثرا مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين في لبس السواد، أكثرها في الاعتمام.

٢) و" الأخبار المأثورة في الإطلاء بالنورة" والمراد بالنورة حجر الكلس، ثم غلبت التسمية على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره وتستعمل لإزالة الشعر، وقد فصل السيوطي فيها الجواب على الإطلاء بالنورة، وأتى بالأحاديث التي تحث على ذلك، وأقوال الصحابة والتابعين فيها، والتي بلغت ٣٧ سبعة وثلاثين حديثا وأثرا، وحكم على بعضها، وأتي بأقوال ابن كثیر في الحكم على الأحادیث، وفصل فیها. ثم أتى بالأحاديث التي تنهى عن الإطلاء بها، وحكم على أحاديثها، وعلق عليها، وأتى
بأقوال العلماء على ذلك.

وقام المحقق بإخراج مخطوط الرسالة الأولى للعمري مقارنا لها بمخطوط الأزهر الشريف على ما بينه في وصفه لكلا المخطوطين. ومقارنة مخطوط الرسالة الثانية للعمري بمخطوط المملكة العربية السعودية على ما بينه في وصفه لكلا المخطوطين

التحميل: اكتمل تحميل 1858560 من 6424753 بايت.