أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 31 يوليو 2021

النشاط الأشعري المعاصر السمات ومكونات الخطاب والعلاقات -كتبه: محمد براء ياسين

النشاط الأشعري المعاصر

السمات ومكونات الخطاب والعلاقات

كتبه: محمد براء ياسين

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلم حنونة

تمهيد/ يشهد العالم العربي والإسلامي تحولاً كبيراً في حركات التصوُّف المحترق، الذي أمسى يحتضر في بيئته وبين أبنائه، مُعلناً إفلاسه الكبير وعجزه التام في مواجهة الفطرة الصافية التي استقرت في قلوب الخُلَّص من عباد الله، بعدما كتب الله سبحانه -للدعوة السَّلفية المباركة أن تنتشر في ربوع المعمورة، فأشرقت لها بساتين الشام وحدائق القدس وأضاءت جبال مكة وسواحل المغرب وروافد العراقين.

وأصبح التصوُّف يرثي نفسه، وينتحب على أضرحةٍ خلت من عُمَّارها، ويندب قبوراً مهجورةً من عُبّادها، فلا من يستغيث بميّت، ولا من يدعو حجراً، ولا من يعتقد في صخرةٍ أو نجمٍ أو شجرة.

فلم تُطق الشَّربةُ رهبان التصوُّف؛ بما أصابهم من الذُّل والصَّغار، فراهنوا على التحريش والرفس والطقطقة، فهملجت شيوخهم بالباطل، وأظهروا العداوة والبغضاء لأهل السُّنة، وأفرطوا في تشويه رموز الدعوة السلفية المباركة، فخرجوا عن حدود الأدب، وامتحنوا الناس بنبرة التخوين والتجهيل والتسفيه.

ولم يكتفي أرباب الطائفة بذلك حتى غدا كبارهم على موائد السلطان، تنافق الحكام ليلاً ونهاراً، وتشرعن جهادها الجاهلي على أبناء الدعوة السلفية المباركة، وغيرها من الدعوات الإسلامية، وتتصل بأرباب الدولة والسلطان في سبيل دفع صوت الحق، والزج بشباب الدعوة في سجون المكر والخيانة، وتعتمد على مؤسسات صديقة في الغرب أو أخرى مساندة لها في الشرق، بقصد الاستعلاء، في محاولة للوصول نحو المملكة الباطنية المنشودة.

واتقد لدى الصوفيين شعورٌ عميق بضرورة السيطرة والغلبة على مراكز التوجيه الديني في المجتمع، أو الولايات الدينية في الدولة، ولهذا الزحف أدواته التي يسعى للتأثير بها على قطاع كبير من الناس، من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. ومن خلال الاتصال بالجهات السياسية: المحلية والدولية بقصد الحصول على الدعم الكافي لنشر البدع والخرافات.

ويبدو أن هذه الحركة المعاصرة للتصوف الأشعري ولدت ميِّتة، وستبقى ميَّتة، لأنها تجد مصلاً قوياً يقتلها في مهدها، وتواجه سداً قوياً يضادها في الاتجاه الآخر، يمنع تمددها، ويحصرها في أضيق مكان وأصغر بقعة.

وقد صبٌّوا جمَّ عداوتهم لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى، وأذكوا متحمسي الأشاعرة ليجلبوا على الأمة العار والسكون، وقدحوا زندهم، لإحياء عقائد الجهمية في التوحيد والإيمان، وإحياء البدع السلوكية، تحت أيِّ حكمٍ وضعيٍّ كان، فاجتمعوا على هدفٍ واحد، وهو مناكفة "السلفية" المعاصرة، وإحياء النعرة المذهبية، من خلال القدح في رموز الدعوة السلفية عموماً، وبشيخ الإسلام ابن تيمية على وجه الخصوص.

وقاد هذه الحركة المتعصبة شخصيات صوفية تنتمي إلى المدرسة الأشعرية، والتي أضحت تتشكى من غربة المذهب الأشعري، وظهور المذهب المعادي له "السلفية المعاصرة"، ولكن لم ينل هؤلاء خيراً، بل بقي استعلاء أهل السُّنة بكتاب الله وسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم سلف الأمة.

 وقد تناول هذا البحث العديد من الشخصيات التي تتبنى النشاط الأشعري المعاصر، وتوظف عناصر الخصومات الشديدة ضد أبناء الطوائف الأخرى المسلمة، وعرض هذا الكتاب أهم رموز التيار الأشعري المعاصر، وإنتاجاته الفكرية والعلمية، وأهم نشاطاته المعاصرة من خلال البرامج الفضائية والمتلفزة ومواقع التواصل الإجتماعي، والإصدارات المعرفية، والخلافات الحاصلة بين شخصياته.

مباحث الكتاب:

الفصل الأول: سمات "النشاط الأشعري" المعاصر

يتضمن هذا الفصل تعريفاً بثلاث سمات، بدا أنها تُميّز من يُمثل الاتجاه الأشعري الذي نعنيه في هذا البحث عن غيرهم من الأشعرية المعاصرين.

المبحث الأول: القابلية للتوظيف السياسي

المبحث الثاني: النشاط والحركة

المبحث الثالث: العدائية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وذلك من خلال:

أولاً: نسبة التجسيم لابن تيمية.

ثانياً: أنهم يبنون على هذا الوصف التحذير من ابن تيمية، وجعله خطراً على عقائد المسلمين.

ثالثاُ: زرع وهم توبة ابن تيمية من عقائده.

رابعاً: تبني فكرة أن ابن تيمية هو بذرة الإرهاب المعاصر.

الفصل الثاني: مكونات الخطاب الأشعري المعاصر.

المكون الأول: الدعوة إلى اتباع المذهب الأشعري والماتريدي في الاعتقاد

المكون الثاني: الدعوة إلى تقليد المذاهب الأربعة في الفقه

المكون الثالث: الدعوة إلى الطرق الصوفية في السلوك

الفصل الثالث: المواقف والعلاقات

المبحث الأول: موقف "النشاط الأشعري المعاصر" من مدرسة التنوير الإسلامي.

المبحث الثاني: موقف "النشاط الأشعري المعاصر" من المدرسة السلفية المعاصرة.

المبحث الثالث: موقف "النشاط الأشعري المعاصر" من الرافضة.

المبحث الرابع: موقف "النشاط الأشعري المعاصر" من بعض الحركات الإسلامية

المبحث الخامس: موقف "النشاط الأشعري المعاصر" من تنظيمات الغلاة القتالية

الخاتمة، وأهم النتائج والتوصيات.

  • خاتمة  

وختام هذه الدراسة بإشارات نقدية تتعلق بطرائق غير صحيحة في التعامل مع «النشاط الأشعري المعاصر». وهي ثلاث:  

أولاً: غلط الاستسهال في الردود، دون بذل الوسع في تحري الأقوال وفهمها، وترتيب الحجج المستقيمة في الجواب عن الشبهات، إذ ذلك يؤدي إلى تقوية شبهاتهم لا إضعافها. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «كل من لم يناظر أهل البدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين («درء تعارض العقل والنقل» (١/ ٣٥٧)). 

وقيل: من لم يطلع على دلائل خصمه لم يقدر على قطعه وقصمه" («الانتصار في الرد على القدرية المعتزلة الأشرار» للعمران (١/ ٩٠)).  

ثانياً: شعر قومٌ بالضعف العلمي لدى التعامل مع المذهب الأشعري، فأصبحوا يحثون على القراءة في كتبهم، دون انضباط بالتأصيل الفقهي في النظر في كتب المبتدعة، وما فيه من تفصيل بين الأحوال، ودون استحضار البعد الرسالي لدى النظر في كتبهم، فيصبح النظر في كتب الكلام لمجرد التحصيل المعرفي، وقد قرر أهل العلم أن مقصود النظر في كتب المبتدعة؛ إما: الاستعانة بها في الرد عليهم، وإما معرفة غلط فرقة مبتدعة أخرى، «وهذا لا يحتاج إليه من لا يحتاج إلى رد المقالة الباطلة لكونها لم تخطر بقلبه، ولا هناك من يخاطبه بها، ولا يطالع كتابا هي فيه، ولا ينتفع به من لم يفهم الرد، بل قد يستضر به من عرف الشبهة ولم يعرف فسادها» كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية»! («منهاج السنة النبوية» (٥/ ٢٨٣)). 

ثالثاً: تجاوز قواعد العلم من أجل وهم التقريب بين المذاهب، لأي غاية كانت =يضر ولا ينفع، وكثيراً ما تسعى دعوات التقريب إلى إلغاء الفروقات الحقيقية بين المذاهب، فإن لم يكن؛ فبالتخفيف من حدتها بدعوى أن الخلاف لفظي.  

وقد استعمل هذا بعض من يريد التقريب بين أهل السنة والأشعرية، فعمد إلى إلغاء الفروق الحقيقية بين مقالات أهل السنة والأشعرية. 

فادعى أن الخلاف بين قول ابن تيمية في اعتبار صفة الكلام قديمة النوع حادثة الآحاد وبين قول الأشعرية في الكلام  النفسي خلاف لفظي (كما يقوله الشيخ محمد الحسن ولد الددو، وذلك في شرحه على منظومة خاله الشيخ محمد سالم ولد عدود -رحمه الله تعالى- في الاعتقاد التي قدم بها نظمه لمختصر خليل).

وادعى آخر أنه لا خلاف بين ابن تيمية والأشعرية في مسألة التحسين والتقبيح العقليين (كما يقوله حاتم العوني، انظر كلامه والرد عليه في مقال نقض دعوى الدكتور حاتم العوني - وفقه الله - في أن مذهب الأشعرية لا يختلف عن تقرير ابن تيمية في مسألة التحسين والتقبيح العقليين»، منشور في ملتقى أهل الحديث).  

  • أهم نتائج البحث  

١ - «النشاط الأشعري المعاصر» اسم لتوجه ديني ظهر في السنوات الأخيرة، من أبرز رموزه علي جمعة، وأسامة الأزهري، وسعيد فودة، وعلي الجفري، وعمر بن حفيظ، وسيف العصري، ونزار حمادي، وجلال الجهاني، وتتوزع انتماءات أصحابه على بلدان متنوعة؛ مصر واليمن والأردن، وتونس وليبيا، والكويت.  

٢ - امتاز «النشاط الأشعري المعاصر» بثلاث ميزات: النشاط والحركة، والقابلية للتوظيف السياسي، والعدائية لعدد من أئمة الحديث ولشيخ الإسلام ابن تيمية خاصة.  

٣ - لـ «النشاط الأشعري المعاصر» مؤسسات متعددة، تعنى بنشر خطابه، كما أن لرموزه نشاطا إعلامياً في القنوات الفضائية وفي شبكات التواصل الاجتماعي، ونشاطاً في مجال التحقيق والتأليف. وقد تناولنا في البحث النشاط الإعلامي والتحقيق والتأليف بشيء من التفصيل.  

٤ - لـ«النشاط الأشعري المعاصر» قابلية للتوظيف السياسي واستعماله أداة في وأد روح المقاومة، التي تمثل السلفية رافداً لها، ويحرص «النشاط الأشعري المعاصر» لدى تلقيه الدعم من القوى الغربية أو المحلية الخارجة عن شرائع الإسلام بتوصيف علاقته بأنها علاقة لا تصل إلى درجة التبعية وتلقي الأوامر أو التوجيه أو الإملاء.

٥ - لـ«النشاط الأشعري المعاصر» موقف عدائي من شيخ الإسلام ابن تيمية، فهم ينسبونه إلى البدعة والتجسيم، مقلدين في ذلك بعض شيوخ الأشعرية في عصر ابن تيمية كتقي الدين السبكي وولده تاج الدين، أو معتمدين على تفسيراتهم لبعض نصوصه وكلامه، والتجسيم مختلف في كفر صاحبه عندهم، وهم لا يختارون تكفير ابن تيمية، ويدعي بعضهم تراجعه وتوبته، لكنهم ينشطون في ذمه والتنفير عنه، والتحذير منه، ويجعلونه خطرا على عقائد المسلمين، ويجعله بعضهم مصدراً من مصادر التطرف  

والإرهاب في الوقت المعاصر.  

٦ - يتكون الخطاب الذي يتبناه «النشاط الأشعري المعاصر» من ثلاثة مكونات يعدها «النشاط الأشعري المعاصر» مكونات لمفهوم السُّنية، وهي: الدعوة إلى المذهب الأشعري أو الماتريدي في الاعتقاد، والدعوة إلى المذاهب الأربعة في الفقه، والدعوة إلى الطرق الصوفية في السلوك.  

٧- يعد «النشاط الأشعري المعاصر» العناية بعلم الكلام من الواجبات الكفائية التي بيعت في هذا العصر، ويعلون من شأنه، ويرون فيه صلاحية لمخاطبة. جميع أصناف الناس، بمن فيهم العوام، ويرون فيه الإجابة عن الأسئلة والتشكيكات العقدية المعاصرة.  

٨- يدعو النشاط الأشعري المعاصر» إلى تنويع طرق الخطاب العقدي، بالمخاطبة بالأدلة الكلامية العقلية، والأدلة النقلية، وإلى مخاطبة كل صنف من الناس بما يؤثر فيهم. وقد أوردت في البحث نصاً للفخر الرازي يبين فيه تعذر مخاطبة العوام بصريح المذهب الأشعري.  

٩ - يدفع النشاط الأشعري المعاصر» وصف الابتداع عنه بدعوى وقوع التأويل من السلف، وبدعوى انتساب أثمة من المحدثين والفقهاء للمذهب الأشعري.  

١٠ - يتفاوت رموز «النشاط الأشعري المعاصر» في موقفهم من تحديد درجة الاختلافات داخل المذهب الأشعري، والتوجه العام لديهم هو نفي وجود اختلاف حقيقي داخل المذهب.  

١١ - يتفاوت رموز «النشاط الأشعري المعاصر» في فهم علم الكلام واشتغالهم فيه.

١٢. يدعوا النشاط الأشعري المعاصر إلى إحياء المذهبية وفقاً للمنهجية المتبعة لدى متأخري أتباع المذاهب، وينتقدون اللامذهبية انتقاداً شديداً.

 ١٣. لبعض رموز النشاط الأشعري المعاصر تصريحات وفتاوى تخالف الطريقة المذهبية المعلن عنها في تلقي الأحكام الفقهية يظهر ذلك بشكل واضح في كثير من تصريحات وفتاوى علي جمعة التي لقيت انتقاداً من منسوبي النشاط الأشعري المعاصر أنفسهم.

 ١٤. يدعو النشاط الأشعري المعاصر إلى بدع خطيرة تتعلق بالسلوك أخطرها الاستغاثة بغير الله تعالى.

١٥. يعتني النشاط الأشعري المعاصر بالدعوة إلى بدعة المولد عناية خاصة، ويستدلون لها، ويجيبون عن حجج مانعيها، ويشيعون كلام العلماء الذين أجازوها، وفي كلام بعضهم إشارات إلى خلل في محبة النبي صلى الله عليه وسلم لدى من يمنعها 

١٦. يرفض النشاط الأشعري المعاصر القول بوحدة الوجود الذي يقول بالاتحادية كابن عربي وابن سبعين والتلمساني، لكن رموزه يتفاوتون في موقفهم من ابن عربي بناء على الاختلاف في دلالة كلامه على القول بوحدة الوجود، ويسعى سعيد فودة إلى تخليص الصف الداخل الصوفي الاشعري من هذا القول أو الاقتراب منه. 

١٧. يتفاعل النشاط الأشعري المعاصر مع الوسط الفكر الإسلامي وغير الإسلامي، ويتخذ مواقف من الاتجاهات النشطة في الساحة؛ كالسلفية المعاصرة، والحركات الإسلامية، والتنظيمات القتالية، ومدارس تجديد الخطاب الديني، والتنوير، والشيعة الاثني عشرية.

١٨. يقف النشاط الأشعري المعاصر موقفاً عدائياً شديداً من المدرسة السلفية المعاصرة، ويرى أنها مدرسة شاذة، نشأت في حقبة الاستعمار و انقطعت عما كان عليه المسلمون عبر القرون السابقة ولا تمثل إلا جزءًا يسيراً من الأمة، ويرونها مدرسة تتبنى القول بالتجسيم في الاعتقاد، وبدعة اللامذهبية في الفقه، وموقفاً شاذاً من التصوف، ويصفون رموز المدرسة السلفية المعاصرة بالجهل ولا يرون لهم أي سلف معتبر بل هم في نظرهم ورثة للكرامية واليهود ومجسمة الحنابلة؛ فلا يرون أي شرعية لوجود هذه المدرسة ويدعون عليها بالهلاك.

١٩. يدعي النشاط الأشعري المعاصر أن السلفية المعاصرة ليست امتدادا للحنابلة، ونشطت فئة متصلة بالنشاط الاشعري المعاصر باسم "الحنابلة الجدد" تدَّعي اختطاف السلفيه للمذهب الحنبلي، وترصد الخلافات العقدية والفقهية الجذرية بين أقوال الحنابله أو معتمد اقوالهم وبين السلفية المعاصرة، وتدعو للتماهي بين المذهب الحنبلي والاشعري. 

٢٠. يسعى النشاط الأشعري المعاصر إلى إشاعة الردود على السلفيين وذلك بالتأليف بالكتابه او النشر في شبكات الانترنت. 

٢١. ينسب النشاط الأشعري المعاصر ظاهره التطرف للسلفية ويعد داعش نتيجة حتمية للسلفية.

٢٢. يتكلم النشاط الأشعري المعاصر في ظاهرة التطرف بقصد إضعاف رصيد خصومهم بسبب ديني أو سياسي، ولذلك يربطها بابن تيمية وبسيد قطب.

٢٣. يشيع لدى النشاط الأشعري المعاصر وصف الحركات الإسلامية بالتلاعب في الدين بحسب دعواهم يستعملون الدين لتحقيق أغراضهم السياسية.

٢٤. يقف رموز النشاط الأشعري المعاصر بالجملة من مدرسة التنوير الإسلامي نفس الموقف السلبي الذي وقفه الكوثري ومصطفى صبري في النصف الأول من القرن الماضي، وله في الرد على هذه المدرسة عدد من الكتابات.

٢٥. يدعو النشاط الأشعري المعاصر إلى التعايش مع الرافضة والتعاون معهم على المتفق عليه ويقبلون الدعوة إلى التقريب بشروط، ويتفاوتون في السير على التقرير الأشعري التقليدي في عرض قضايا الخلاف بين الأشعرية والرافضة، وأبعدهم عن ذلك أحمد الطيب الذي يدعي أن الاختلاف مع الرافضة كالاختلاف بين المذاهب الفقهية. 

٢٦. يرفض النشاط الأشعري نشر مذهب الشيعة الاثني عشرية في بلاد السنة ويرفض مبدأ تصدير الثورة الذي تبنته إيران. 

٢٧. النشاط الأشعري المعاصر محجوب بعداوته للسلفية عن التصدي للمشروع الإيراني والخطر الرافضي في المنطقة، وهو ما يفسر الوقوف ضد الثورة السورية، ويطرح نزار حمادي بأن التصدي للرافضة لا يتم إلا بالقضاء على من يسميهم الوهابية.

٢٨. ثمة مسالك غير صحيحة في التعامل مع النشاط الأشعري المعاصر منها:

  •  الاستسهال في الردود دون بذل الوسع في تحري أقوال الأشعرية وفهمها.

  • ومنها التوسع في قراءه كتب المبتدعة دون الانضباط الفقهي.

  • ومنها تجاوز قواعد العلم من أجل وهم التقريب مع المذهب الاشعري بدعوه ان الاختلاف أهل السنة معهم غير موجود او غير حقيقي.

  • أهم التوصيات: 

١. ضرورة كتابة دراسات وبحوث نقدية حول نشاط الاشعري المعاصر، ومن المقترحات:

  • بحث تقييمي للمستوى العلمي لرموز النشاط الأشعري المعاصر في العلوم العقلية التي يدعون التقدم فيها.

  •  بحث ينقض دعاويهم انتساب الأئمة لمذهبهم ممن سلم من بدعتهم.

  •  بحث ينقض دعاويهم حول تأويل السلف 

  • بحث يبين الموقف الحنبلي من الأشعرية.

  •  بحث حول دعواهم أنهم أكثرية الأمة. 

  • بحث حول دعاويهم ضد الحركات الإسلامية.

 ٢. ضرورة إحياء المنهجية الصحيحة في تلقي العلوم الشرعية، بما في ذلك إبراز أهمية الدليل العقلي في الاعتقاد، وإبراز الموقف الرشيد من قضية التمذهب الفقهي، وإبراز التراث السلفي في قضايا السلوك وأعمال القلوب.






الأربعاء، 28 يوليو 2021

مسالة الذبائح على القبور وغيرها للإمام الصنعاني تحقيق عطية بن محمد بن زيد المقطري

مسالة الذبائح على القبور وغيرها

للإمام الصنعاني

تحقيق عقيل بن محمد بن زيد المقطري

راجعها فضيلة العلامة مقبل بن هادي الوادعي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب هو عبارة عن فتوى جاءت في غرة جمادى سنة ١١٧٥ هـ للأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني، ونصُّ السؤال هو ما رأي مولانا في قوله سبحانه: {وما اهل لغير الله به}؟، وفيه السؤال عما يذبح لغير الله عز وجل لعظيم أو كبير أو رئيس، أو لاعتقاد تأثير ذلك في الصُّلح والرضا بين الناس. وقد بيّن رحمه الله أن هذه الأمور مُحرَّمة، كالذي يذبح علي العمران وتلطخ به الجدران. كذلك الذبح للرضا في السوق.

أما لو ذبح لقبرٍ، واعتقد فيه أنه يضر وينفع ويعطي ويمنع ويشفي المرضى؛ فان هذا شرك أكبر مخرج من الملة. انظر ص ٤٥. وهذا هو بعينه ما كان عليه عباد الأوثان وأتباع الشيطان، فانهم كانوا ينحرون لها ويهتفون باسمها، ويخافونها ويرجونها. كما يفعله الآن عباد القبور والقباب والمشاهد التي يجب هدمها.

وقد جاء جواب الإمام الصنعاني من وجهين:

الأول: أن ذبح الأنعام قربة وعبادة.

الثاني: أن العبادة لا يجوز أن تصرف إلا لله وحده. 

وقد قال الإمام النووي رحمه الله: وأما الذبح لغير الله؛ فالمراد أن يذبح باسم غير الله تعالى، كمن يذبح للصنم أو للصليب أو لموسى أو لعيسى عليهما الصلاة والسلام، أو للكعبة ونحو ذلك؛ فكلُّ هذا حرام، ولا تحلُّ هذه الذبيحة، سواءٌ كان الذابح مسلماً أو نصرانياً، أو يهودياً، ومن ثمَّ المسلمُ بفعله هذا يخرجُ من الملَّةٍ. انتهى.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" (2/ 64): "قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] إن الظاهر أن ما ذبح لغير الله … سواء لفظ به أو لم يلفظ. وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه وقال فيه: باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم، وقلنا عليه: باسم الله، فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور… فإن العبادة لغير الله أعظم كفراً من الاستعانة بغير الله، وعلى هذا: فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه لحرم، وإن قال فيه: بسم الله، كما يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان، ومن هذا الباب: ما قد يفعله الجاهلون بمكة -شرفها الله -من الذبح للجان.

ومما يأسى له أكثر المسلمين ما وصلت إليه حال بعض القبوريين من طوافهم حول القبور ودعاء أصحابها والنذر لهم والتقرُّب إليهم والاستغاثة بهم من الأمور المخرجة عن الملة، وهذا على مسمع من أهل العلم وعلى مسمع من ولاة الأمر ولكن ليس هنالك مبالاه بعقيدة المسلمين فهم هؤلاء الوحيد هو بقاء والكرسي والجاه.

 بل إن بعض الدول التي قد تشارك في تنظيم حركة السير الى القبر الذي يزار ويطاف حوله وترسل الأطباء وسيارات الإسعاف وغير ذلك كما يفعل عند قبر البدوي بمصر وهذا مما يساعد على انتشار الشرك نسأل الله السلامة.

فبدلاً من أن تغير هذا المنكر وتمنعه؛ فإنها تساعد على انتشاره وساعد على ذلك أيضاً: الفتاوي الزائغة التي تصدر من بعض علماء السوء؛ فصار العوام يطوفون حولها وينذرون لها ويجرون لها حفلاً سنويا يقع في هذا الحفل منكرات كثيرة، فالله المستعان. 

وقال النووي -رحمه الله -في المجموع ٨/ ٣٨٤: "لا يجوز أن يقول الذابح : باسم محمد، ولا باسم الله واسم محمد، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه واليمين باسمه، والسجود له لا يشاركه في ذلك مخلوق. وذكر الغزالي في الوسيط أنه لا يجوز أن يقول: باسم الله ومحمد رسول الله ، لأنه تشريك".





الأدلَّة الماديَّة على وجودِ الله... فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي

الأدلَّة الماديَّة على وجودِ الله...
فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة



تمهيد/ يُعد العقل البشري من أجل النعم التي أودعها الله في قلب كُلِّ إنسان، لأنه به يدرك حقائق الموجودات، ويعرف كيف يتعامل معها ببساطة متناهية، ولهذا العقل قوانينه التي تحكمه وتضبط أنماط تفكيره، بحيث لا يتعدى طوره إلى الأوهام والتخيلات، والأمور المستحيلة، وهذه القوانين مع كونها بديهية فإنه لا يمكنه الاستغناء عنها في فهم طبيعة الاشياء، ومعرفة كيفية حدوثها؟!
ومن خلال هذه نستطيع ربط الأسباب بمسبباتها، والنتائج بمقدماتها..
وفي جولةٍ تشمل الكون المحيط بنا، وحسب قدراتنا البشرية المتواضعة، سنثبت أن الله تعالى موجود،
وذلك من خلال الآيات المحكمة المنثورة على صفحة هذا الكون، ومن بعض الآيات المُضمَّنة في أعظم الكتب الموحاة إلى الرسل والأنبياء (القرآن الكريم)،
والتي لم يستطع العقل البشري إدراك إعجازه العلمي والمادي، والتوصل إلى حقائق هذا الإعجاز إلا في العصور المتأخرة..
                    _______________

وبدايةً لا بُدَّ من الإشارة إلى جملة من المبادئ في مسألة إثبات وجود الله سبحانه وتعالى:
- أنَّ إثبات وجود الله ابتداءً لا يحتاج إلى بحثٍ طويل، أو تفكير عميق حتى نوقن به.
- أن الخطاب المتوجِّه لإثبات وجود الله هو خطاب عقول أولاً وقبل كُلِّ شيء.
- أنه يستوي في إدراك هذه الحقيقة العقول الراقية المبدعة، والعقول البسيطة الساذجة.
- الاستناد على الحقائق العلمية، واحترام العقل البشري، ضرورة لتقرير قضية الوجود.
                    _______________
وقد تعرَّض الكتاب في الجملة إلى ثلاثة أدلة تثبت وجود الله سبحانه، نجملها فيما يلي:
1) الخلق .
2) الميثاق .
3) الآيات الكونيَّة.
                    _______________
👈الدليل الأول على وجود الله: (دليل الـخـلـق):
وهو أن الله سبحانه أوجد الأشياء جميعها من العدم، ومن ثم جعل لها أسباباً للتكاثر والتناسل والتوالد، وهو دليلٌ حسِّيٌ نراهُ جميعاً، ونلمسه أيضاً؛ لأننا نعيشه.

ومن الأدلة على أن الله هو الخالق:
١) أنه أخبر  سبحانه وتعالى عن نفسه أنَّه موجودٌ، وأنَّه هو الخالق؛ فقال سبحانه:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: ٢٩).
وجه الدلالة من الآية:
• أن الله سبحانه وحده هو الذي خلق الكون بقدرته، ونظَّمه بحكمته وإرادته.
• وأن الكون بعظمته واتساعه ومخلوقاته مُسخَّرٌ لخدمة الإنسان، وتيسير أمور حياته.
• أن البشرية جمعاء لا تستطيع ادِّعاء أن لها دخلاً في خلق هذه الأشياء.

٢) أن الكفار أنفسهم بجبروتهم وطغيانهم لم يستطيعوا أن يُجادلوا في قضية خلق الله لكل شيء في الكون، من سماوات، وأرض، وإنسان، وحيوان، وزرع، وماء، وشمس، ونجوم..الخ.

وجاء ذلك في عدة آيات:
- قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } (العنكبوت: ٦١).

- ويقول سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (العنكبوت: ٦٣).

- وقال جلَّ وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (لقمان: ٢٥).

- وقال جلَّ شأنه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } (الزخرف: ٩).

٣) التحدي الإلهي بالقدرة على الخلق،
وهذا التحدي سيبقى قائماً إلى يوم القيامة، فلن يستطيع علماء الدُّنيا، ولو اجتمعوا أن يخلقوا ذُبابةً واحدة مع حقارة جسمها، وضعف بنيتها.
يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (الحج: ٧٣).

٤) أن قدرة الله على الخلق مطلقة لا تخضع لقانون الأسباب،
بينما الإنسان مُكبَّل من قدميه إلى أعلى رأسه بالأسباب،
وقد يأتي الأسباب جميعها ولا يحصل على النتائج!...
فقد يلتقي الذكر والأنثى ولا يأتي الولد!
وقد يأتي إنسانٌ من ذكر بلا أنثى (كحواء عليها السلام).
أو يأتي الولد من أنثى بلا ذكر (كعيسى عليه السلام)
وقد يأتي الإنسان بلا ذكر ولا أنثى (كآدم عليه السلام)
كل ذلك ليلفتنا الخالق إلى أننا لا نعيش بالأسباب وحدها..

٥) أن العقل البشري يُحيل وجود شيءٍ بلا موجد، حتَّى في أبسط الأشياء، فإنه يُحيل وجودها بلا موجد،
وذلك كالطعام بلا مُعالجٍ لطبخه، أو وجود فِراشٍ على الأرض بلا فارشٍ..
فكيف بهذه العوالم الضخمة الهائلة، من سماءٍ وما حَوَت من أفلاك، وشمس وأقمار وكواكب..
وأرضٍ وما خُلق فيها من إنسان ونبات وحيوان، مع اختلاف مقاديرها، وأحجامها، وأبعادها، وأجناسها، وألوانها..
                      _______________
👈شبهاتٌ وردٌّ:
يحاول بعض المضللون الأغبياء إنكار قضية خلق الله لهذا الكون، وصولاً إلى إنكار وجود الله سبحانه! واخترعوا لذلك نظريات تبريرية كاذبة حاولت الإجابة عن كيفية نشوء الكون وحدوثه..

وقبل الدخول في أيَّة جدالات عقيمة مع هؤلاء، نسألهم: هل شهدتم نشأة الخلق في بداياته؟
فإن قالوا: لا.. نسألهم:
لمَ تجادلون عن شيء لم تشاهدوا أو تروا منه شيئاً ؟!...
وإن قالوا: نعم.. كانوا كاذبين والحالة هذه؛ لأنَّنا مثلهم في طريقة شهود ذلك، ونحن لم نشاهد شيئاً من ذلك، ولم يدَّعِ أحدٌ ممَّن سبقهم من الأقوام ذلك الأمر؛ فثبت بذلك كذبهم وبطلان ادِّعائهم!.

وقد أكذبهم الله في كتابه الحكيم، ووصفهم بالمُضلِّين؛ فقال عنهم:
{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (الكهف: ٥١).

ثُمَّ إن الله سبحانه وتعالى أعلن عن نفسه: أنه وحده هو الذي خلق!
ولم يجرؤ أحدٌ من الخلائق -من نشأتهم الأولى إلى يومنا هذا- أن يدَّعي لنفسه أنه الخالق!.

وإذا كانت هناك قوَّةٌ أخرى أوجدت شيئاً من هذا الكون، فلماذا لم تُعلن عن نفسها ؟

● ومن هذه الشبهات:
1) يقول بعضُ الناس: إن هذا الكونُ خُلقَ بالمصادفة!.
والجواب أن نقول لهم:
إن الصدفة لا تُنشئ نظاماً دقيقاً كنظام الكون الذي لم يختل رغم مرور ملايين السنين..
وإذا كانت الصدفة قد أوجدت كوناً منظماً مُحكماً، فلمَ لا توجد كوناً آخر بنفس الدِّقة والنظام، الأمر الذي لم نشهده بعد، فدلَّ على بطلانه!.

2) ويقول بعض الملاحدة:
الكون كان عبارة عن ذرات ساكنة، ثُمَّ تحركت، وتكثَّفت، واتحدت!.
والجواب أن نقول لهم:
من الذي أوجد هذه الذرات الساكنة؟
ومن الذي حركها من السكون؟
أليس هو الخالق سبحانه وتعالى؟!.

3) ويقول بعض الماديين:
إن هذه الحياة بدأت بخلية واحدة  في الماء نتيجة تفاعلات كيماوية!.
والجواب هو أن نسألهم: من الذي أوجد هذه التفاعلات لتصنع هذه الخلية؟

4) يقول بعض المضللون:
إن أصل الإنسان قرد، ومع تطور الحياة أصبح بصفاته التي هو عليها اليوم!.
والجواب:
أن هذه النظرية يملؤها الغباء،
فنحن لم نشهد قرداً تحوَّل إلى إنسان.
وإذا كان أصل الإنسان قرداً، فلم بقيت القرود على حالها حتَّى الآن، ولم تتحول إلى بشر؟.
وما المانع من أن يحدث لها هذا التحول ما دام قد حدث في الماضي؟.

5) يقول بعض المغرورين:
إن هناك تهجيناً، وتحسيناً وخلطاً لأنواع الكائنات الحيَّة، لتنتج نوعاً أكثر جودة، وهذا من صنع الإنسان وقدرته على الخلق!.
والجواب: أن هذا العمل لا يمكن تسميته خلقاً،
بل هو اكتشافٌ علميّ،
وتسخيرٌ للأسباب التي أودعها الله في هذه الكائنات لإنتاج أنواعٍ جديدة من الأولى السابقة لها..
فالوجود الأول لها من الله،
وأنتم تستخدمون ما خلق الله من العلم المتاح بقدرة الله وإرادته،
وكل الاكتشافات العلمية التي تأتوننا بها إنما جاءت من الموجودات،
ولا يوجد اكتشافٌ علميٌّ واحدٌ من عدم..
كذلك فإن العلماء أنفسهم، لم يقولوا: خلقنا، بل قالوا: اكتشفنا، وهذه حُجَّةٌ أخرى عليكم..
-------------------------------------------

👈الدليل الثاني على وجود الله: (دليل الميثاق):
الميثاق: هو العهد الذي أخذه الله سبحانه وتعالى من بني آدم على أنفسهم بأن الله هو خالقهم ورازقهم ومالكهم ومدبر أمورهم.

● الدليل: قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } (الأعراف: ١٧٢).

●  وجه الدلالة:
• أن الله سبحانه أشهد جميع بني آدم على أنه ربُّهم وخالقهم ومالكهم، فشهدوا طوعاً واختياراً.

• أنه لما تطاول الزمان وبعد العهد، غرس الله في نفس كل إنسان شعوراً يدلُّه على وجود الله، يتوجَّه إليه في النوائب والمصائب والحوادث (الفطرة).

• أن في كل نفسٍ وازعٌ داخليٌّ تعرف به إجمالاً ما أحلَّ الله لها، فتستريح له وتنسجم معه، ما يؤكد انه أمرٌ مشروع يرضي الله، وتعرف ما حرَّم عليها؛ فيصيبها انزعاجٌ، وذعرٌ وهي ترتكبه، ما يؤكد أنه إثمٌ وخطيئة (مقاييس الخير والشر).

• أنَّ الله سبحانه وتعالى، جعل في كُلِّ نفسِ كائنٍ حيّ دليلٌ على وجوده، (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ)،
قال سبحانه:  {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الذاريات: ٢١)..

- (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) :
لو نظرنا إلى الرُّوح التي تمدُّنا بالحياة والحركة، فإننا نوقن بوجودها بداخلنا، ونستدلُّ على ذلك بآثارها من الحركة والحياة، ولكننا لا نعرف حقيقة هذه الروح؟، لأنَّها غيبٌ طُوي عنَّا معرفتها، وإن أكبر علماء الدُّنيا لا يعرفُ عنها شيئاً..!!

ولو استخدمنا نفس هذا القانون في الكون الفسيح بكلِّ ما فيه من كائنات ومخلوقات، فإننا نوقن بأنَّ لهذا الكون مُوجداً مُدبِّراً لأموره هو الله .

- (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ):
إذا نظرنا إلى الأجهزة الداخلية لأجسامنا، وآلية عملها، نجد أنَّ التحكُّم بها أمرٌ في غاية الاستحالة، فلا يملك أحدٌ التحكُّم بعدد نبضات قلبه، أو بسرعتها وبطئها،
كذلك حركة التنفُّس لا يمكن لإنسانٍ أن يُوقفها رغم أنفه، وهي حركةٌ تتمُّ بالقهر، ولا سلطان لنا عليها، فإذا صدر الأمر الإلهي بأن تتوقف، فلا أحدٌ يستطيعُ أن يُعيدها..
كذلك حركة المعدة إذا نزل فيها الطعام، والأنزيمات التي تُفرز من الغدد المتعددة، وامتصاص ما يُفيد من الطعام، وطرد ما لا يُفيد، كُلُّها أعمالٌ لا دخل لإرادة الإنسان بها..
وكرات الدم البيضاء التي يتمُّ تصنيعها داخل نخاع العظم، لتتوجه إلى الميكروب وتقضي عليه، عمليَّةٌ أُخرى لا ندري عنها شيئاً..

وحتَّى الأعضاء التي أخضعها الله لإرادتنا، فإن خضوعها لنا ظاهري، وليس خضوعاً حقيقيَّاً..
وهذا الأمر ثابتٌ بالدليل المادي:
فأنت تُبصر بعينيك، وحتى لا تغترَّ، وتعتقد أن هذا الإبصار من ذاتك، أوجد الله من له عينان مفتوحتان ولا يُبصر (الأعمى)..
وأنت تمشي بقدمين سليمتين، ولكن الله تعالى أوجد من له قدمان ولا يمشي..

وأنت لك يدان تتحركان، وتفعل بهما ما تشاء، ولكن الله سبحانه أوجد من له يدان، ولا تستطيعان الحركة..
وأنت تتحدث بلسانك، وغيرك له لسان ولا يقدر على الكلام، ومن له أذنان ولا يسمع،
وكل هذه أمثله قليلة وضعها الله في الكون، ليلفتنا أنه ليس لنا ذاتيَّة، وأنَّ الأمر كُلَّه لله وحده.. فهذا الجسد مُسخَّر لك بقدرة الله، وكل أفعالك وإراداتك وإحساسك يتمُّ بقدرة الله ومشيئته.

- (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ):
إذا نظرنا إلى قوله سبحانه: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} (النجم: ٤٣)،
نجدُ أنَّ الضحك والبكاء هما اللغة التعبيرية الموحَّدة التي يفهمها جميع البشر، على اختلاف لغاتهم، وجنسياتهم، فلا توجد ضحكة إنجليزية، وضحكة أمريكية، وضحكة أفريقية..
بل هي ضحكةٌ واحدةٌ لجميع البشر.. ولا يوجد بكاءٌ آسيوي، أو بكاء استرالي، وإنما هو بكاءٌ واحد..

وهي إذا اصطنعت تختلف، وإذا جاءت طبيعية تكون موحَّدة، وتستطيع بسهولة أن تميِّز بين ذلك الانفعال الحقيقي الذي يأتي من الله تلقائياً، والانفعال المصطنع المتكلَّف من البشر..

وليس من الضرورة أن يضحك النَّاس معاً، أو يبكوا معاً، ولا يملك إنسان صادقٌ أن يضحك ضحكة طبيعية باصطناعٍ وتكلُّفٍ خالصٍ منه..
إنما يأتي الموقف المُضحك؛ فتتعالى له الضحكات تلقائياً، بدون أدنى ترتيب أو تخطيط..
ويأتي الموقف المؤلم، فتفيض له العيون بالدموع، ويبكي المرءُ رغم أنفه..

وهذا خيطٌ آخر يدلُّنا على أن الإنسان خاضعٌ لقدرةٍ عُليا، تستطيع أن تفعل به ما تشاء، ولا يملك لنفسه أمام هذه القدرة إلا أن يُقرَّ بوجودها،

- (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ):
إذا جاءك قدر الله بالمرض، فامنعه عن نفسك، وقل لن أمرض!.. وإذا جاءك قدر الله بالموت، فامنعه عن نفسك، وقل لن أموت!..

وإذا جاءك قدر الله في مكروه كأن تُصاب في حادث، أو تسقط من مكان، فتتهشم عظامك، فامنعه عن نفسك، وقل لن أصاب ولن أسقط!.. إن هذا هو قهر القدرة الذي لا تستطيع أن تقف أمامه، إلا وأنت خاضعٌ له شئتَ أم أبيت! رضيتَ به أم لم ترضَ به..!

- (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ):
قد تجدُ إنساناً ينسجمُ مع فنٍّ من فنون العلم المختلفة، ولا ينسجمُ مع فنٍّ آخر منها،
وقد ينجذب نحو سماعٍ كلامٍ في مجالٍ مُعيَّن، ولا يلقي بالاً لكلامٍ آخر ليس في مجال اهتمامه وتخصُّصه،
لكنَّ القرآن الكريم (وهو كلام الله)، تنسجمُ معه كُلُّ النفوس البشريَّة، حتَّى وإن لم تفهم معاني ألفاظه، لأنَّ الارتباط به نابعٌ من الداخل (الإيمان الكامن)..
أليس هذا إعجازاً نقفُ عليه؛ ليلفتنا إلى الله سبحانه وتعالى ؟! وأنَّه هو الخالق، وهو الموجد..
----------------------------------------

👈الدليل الثالث: الآيات الكونية:

إن آيات الله الكونيَّة تملأ الأرض والسماء والبحار والجبال، وهي كثيرةٌ لا تنتهي،
وهي أكبر من أن يُحيط بها بسرٌ مهما كانت قدرته وعلمه، وللأسف كثير منّا غافلون عنها..
ولأجل هذه الغفلة الملازمة لنا؛ فقد وضع لنا سبحانه وتعالى كتاباً لا يخلق مع مرور الأزمان، أشار في آياته المُحكمة إلى حقيقة وجوده سبحانه، وإن آيةً وحدة كافيةٌ لأن يؤمن جميع من على ثراها..
وقد تضمنَّت بعضِ النُّصوصِ القرآنيَّة لفتاتٌ علميَّة مُثيرة للنَظر...

ونحن نعلم أن القرآن هو كلام الله المُتعبَّد بتلاوته إلى يوم القيامة، ومعنى ذلك أنَّه يستحيل أن يحدث تصادمٌ بينه وبين الحقائق العلميَّة في الكون، لأنَّ القرآن الكريم كلامُ الله،
والله عندما يتحدَّث عن خلقه في كتابه، فلا يمكن أن يكون هناك خطأ أو تناقض.. والقرآن الكريم مع مرور السنين لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، ولو حدث مثلُ هذا التصادُم؛ لضاعت قضيَّةُ الدِّين كُلِّهِ،

فما الَّذي يجعلُ مُحمَّداً عليه الصلاةُ والسَّلام، يُغامر بذكرِ مثل هذه القضايا العلميَّة،
التي قد يثبُتُ عدم صِحَّتها؛ فيذهبَ الديِّنُ أدراجَ الرِّياح!!..

● ولكنَّ التصادم يحدثُ من شيئين:

1) إما عدم فهم الحقيقة القرآنيَّة بالشكل الصحيح..

2) أو عدمُ صحَّةِ النظريَّة العلميَّة ..
                    _______________

* انظر مثلاً إلى قوله تعالى: (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مُبصرة)/الإسراء: ١٢/ لقد وصف الله تعالى النهار بأنه هو المُبصر، وليست العين المجردة..
وأثبت العلم أن العين لا تُبصر بذاتها ولا بذاتيتها، ولكنها تبصر بالضوء الذي ينعكس على الأشياء، ثُمَّ تدخل أشعة النور إلى العين فتبصر!..
ويؤكد ذلك أن الضوء إذا ذهب، وجاء الظلام الدامس، فإن العين لا تُبصر شيئاً..

الشاهد/ لقد نزلت هذه الآية والبشرُ كُلُّهم لا يعلمون كيف يتمُّ الإبصار؟.. فماذا لو تقدَّم العلم، وكشف عكس ما تقوله الآية، فهل كنا نستطيع أن نقرأها في الصلاة ؟!!.. أما وإن الآية الكريمة جاءت موافقةً للحقيقة العلمية، فحُقَّ لنا أن نفرح بهذا الفتح الكونيِّ الكبير!..
                  _______________

* كذلك، قوله سبحانه: (والأرضَ مَددْنَاها)/الحجر: ١٩/
لم يُحدِّد أرضاً بعينها، ومعنى ذلك أنك إذا وصلت إلى أي مكانٍ يُسمَّى أرضاً، فإنَّك تراها أمامك ممدودة، أي: مُنبسطة..
وفي الوقت ذاته لا يُهمِّنا كُلُّ من أنكر كرويَّةِ الأرض، خصوصاً وأننا استطعنا أن نرى الأرض على هيئة كرةٍ تدور حول نفسها..
لأنَّه لا يُمكن أن تكون الأرض ممدودة إلا إذا كانت كرويَّة، فلو كانت مُربَّعة أو مُثلَّثة أو مُسدَّسة أو على أي شكلٍ هندسيٍّ آخر، فإنَّك تصلُ فيه إلى حافَّة، ولا ترى الأرض أمامك مُنبسطةً، ولكنَّك ترى حافَّة الأرض، ثُمّ الفضاء..
وعليه فإن دلالة الآية تجمع بين كروية الأرض، وكونها ممدودة في آنٍ واحد..
والعجيب: أن يُقرَّ العلماء بأن القرآن الكريم هو أول كتابٍ في العالم ذكر أن الأرض كرويَّة.
                    _______________

* كذلك قوله سبحانه: (وهو الَّذي جعل النَّهار خِلفةً لمن أردا أن يذَّكَّر أو أراد شُكوراً)/الفرقان ٦٢/
ومعنى الآية أنَّ الليل والنهار يخلفُ كُلٌ منهما الآخر، كما يحدث في الحراسات المستمرَّة، تذهبُ نوبة حراسة لتأتي أخرى، وهكذا..
ولا توجد بقعةٌ من بقاع الأرض هي نهارٌ دائمٌ بلا ليل، أو ليلٌ دائمٌ بلا نهار، بل كل بقاع الأرض فيها ليلٌ وفيها نهار..
ولو أنَّ الأرض ثابتةٌ لا تدور حول نفسها، ووجد الليل والنَّهارُ معاً ساعةً واحدة، فلن يُخلف أحدهما الآخر، بل يظلُّ الوضع ثابتاً كما حدث في ساعة الخلق، وبذلك لا يكون النهار خلفة لليل، ولا الليل خلفة للنهار.. وهذا يدلُّ على أنَّ الأرض كُرويَّة.. وأنَّ الأرض تدور حول نفسها..!!..
                  _______________

* وعند حديثه عن أطوار الجنين في بطن أُمِّه، قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [المؤمنون: ١٢ - ١٤]
ففي هذه الآيات تجد أن القرآن جاء بوصفٍ دقيقٍ لأطوار الجنين، بعد أربعة عشر قرناً، يوم أن كانت الدُّنيا كُلُّها لا تعرف شيئاً عمَّا في بطن الأُم!.

وهذه الآيات تذكر :
أولاً أن خلق الإنسان من طين، وهي المادة الأولى التي خلق منها، والطين موجود في كُلِّ مكانٍ في الأرض،
وقام العلماءُ بتحليل الطِّين، فوجوده مركَّباً من ثمانية عشر عنصراً، منها: الحديد، والبوتاسيوم، والمغنيسيوم، وغيرها من المواد..
ثُمَّ قاموا بدراسة جسم الإنسان، فوجدوه يتكون من نفس هذه المواد الثمانية عشر التي يتكون منها الطين!.. 
وهذه حقيقة قرآنيَّة علميَّة، أثبتتها المشاهدة المعملية المخبرية التحليلية، مما يعطي هذا الكلام (القرآن الكريم) قوَّة ورصانة..
                    _______________
ثُمَّ بدأ القرآن بالحديث عن أطوار خلق الإنسان في بطن أُمِّه؛ فقال: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ)، و(القرار المكين) هو رحم الأم، ثُمَّ تأتي مسألة (العلقة)..
يُحدثنا البروفيسور الكندي (كيث ل. مور)، وهو من أشهر علماء العالم في علم الأجنَّة، ورئيس قسم التشريح والأجنة بجامعة (تورنتور) بكندا..
فيقول: إن الجنين عندما يبدأ في النمو في طن أمه، يكون شكله يشبه العلقة أو الدودة، ولما قيل هل: إن العلقة عند العرب معناها ادم المتجمد، ذُهل!.
وقال: إن ما ذكر في القرآن ليس وصفاً دقيقاً فقط لشكل الجنين الخارجي، ولكنه وصفٌ دقيقٌ لتكوينه، ذلك أنه في مرحلة العلقة تكون الدِّماءُ محبوسةً في العروق الدقيقة في شكل الدم المتجمِّد..
                      _______________

فإذا جئنا إلى المرحلة الثانية (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً)؛ نجد أنَّ هناك تطابقاً بين الوصف الدقيق في الآية، وبين صورة الأشعة التي التقطت للجنين في مرحلة المضغة، وقد وُجدت فيها تجويفات تشبه علامات الأسنان..
                    _______________

وقد تجاوز الوصف القرآني مرحلة الشكل الخارجي، إلى التكوين الداخلي، فقال جلَّ جلاله في سورةٍ أخرى: (مُضْغَةً مُخَلَّقَةً وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)/الحج: ٥/، وعندما جيء بالمضغة الآدمية من بطن الأم، وطولها سنتيمتر واحد، وتمَّ تشريحها تحت الميكروسكوب الالكتروني، وُجد أنَّ بعض أجهزة الجنين بدأت تتخلَّق، وبعضها لم يتخلَّق..
                    _______________

* ولنا أن نتأمَّل آيةً أخرى تتعلق بخلق الإنسان؛ في قوله: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: ٥٦]. 

أشارت الآية إلى حقيقة علمية أثبتها العلم الحديث، وهي أن الجلد هو مركز الإحساس في جسم الإنسان، وبفقدانه يفقد الإنسان الإحساس، ولذلك أخبر سبحانه أنه كلما احترقت جلود الكافرين فإنه يبدلُهم جلوداً غيرها حتى يذوقوا ألم العذاب..
وعندما سمع العالم التايلاندي (تاجانات جاش) هذه الآية أسلم على الفور..
                      _______________

* وفي قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: ٣٠]، وفي هذه الآية سِرٌّ من أسرار الحياة؛ وهو الماء!..
وقد أثبت العلم الحديث من خلال الأقمار الصناعية، حينما التقطت صوراً لكواكبٍ أخرى قريبة من الأرض، ووجدوا فيها ماء، فكان حديثهم عن احتمال وجود حياة أخرى على تلك الكواكب..

ولا يُهمُّنا إن كانت توجد حياة خارج الكرة الأرضية أم لا توجد.. ما يُهمُّنا هو اعتراف العلم ويقينه أن وجود الماء معناه وجود الحياة، وهذا ما عرضه القرآن الكريم من قبل أربعة عشر قرناً من الزمان!..
                      _______________
* وفي قوله سبحانه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١]،
يقول البروفيسور (يوشيهيدي كوزاي) مدير مرصد (طوكيو):
لقد كنا نعتقد منذ سنوات أن السماء كانت ضباباً، ولكننا الآن وبعد التقدم العلمي عرفنا بأنها ليست ضباباً ولكنها دخانٌ؛ لأن الضباب خامدٌ وبارد، والدخان حارٌّ وفيه حركة.. وقال: إني متأثِّرٌ جداً باكتشاف هذه الحقيقة في القرآن!..
                    _______________
* وفي قوله جل شأنه: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: ٢٥]،
يقول الدكتور (استروخ) من أشهر علماء وكالة (ناسا) الأمريكية للفضاء: إن المعدن الوحيد الذي حيَّر العلماء هو الحديد؛ فقدرات الحديد لها تكوينٌ مُميَّز.. إن الالكترونات والبروتونات في ذرة الحديد لكي تتحد محتاجةٌ إلى طاقة هائلة، تبلغ أربع مرات الطاقة الموجودة في مجموعتنا الشمسية، ولذلك فلا يُمكن أن يكون الحديد قد تكوَّن على الأرض..
ولا بُدَّ أن يكون عنصراً غريباً وفدَ إلى الأرض وتكوَّن فيها.. ولما قرءوا الآية أيقنوا أن هذا الكلام ليس من كلام بشر!.
                    _______________
* وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: ٥٣]،
يقول العلماء: إن الصور الحديثة التي التقطت للبحار، قد أثبتت أن بحار الدنيا ليست موحدة التكوين، بل هي تختلف في: الحرارة، والملوحة، والكثافة، ونسبة الأكسوجين، وفي صورةٍ التقطت بالأقمار الصناعية ظهر كل بحرٍ بلون مختلف عن البحر الآخر، فبعضه أزرق قاتم، وبعضها أسود، وبعضها أصفر..
وذلك بسبب اختلاف درجات الحرارة في كل بحرٍ عن الآخر..
                      _______________
* وقال سبحانه: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: ١٩، ٢٠]،
يقول البروفيسور (شرايدر) من أكبر علماء البحر في ألمانيا الغربية: من خلال وسائل العلم الحديثة استطاع العلماء تصوير البرزخ بين البحرين، وبيَّنت (لا يبغيان)، بأن مياه أي بحرٍ حين تدخل إلى البحر الآخر عن طريق البرزخ، فإنها تأخذ وقت دخولها خصائص البحر الذي تدخل له، فلا تبغي مياه بحرٍ على آخر فتغيرها..
                    _______________

* وقال جل وعلا: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } [النور: ٤٠]،
يقول البروفيسور (دورجاروا) أستاذ علم الجيولوجيا البحار: لقد كان الإنسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين متراً، ولكننا الآن نغوص أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة، فنجد ظلاماً شديداً على عمق مائتي متر.. والمعروف أن لوان الطيف سبعة، منها الأحمر، والأصفر والأزرق والأخضر والبرتقالي، فإذا غصنا في أعماق البحر، تختفي هذه الألوان واحداً بعد الآخر، واختفاء كل لونٍ يُعطي جزءاً من الظُلمة، حتى تصل إلى الظلمة الكاملة.. كذلك البحر ينقسم إلى طبقات في كل طبقةٍ موجٌ من فوقه موج، مثل التي على سطح البحر، وهذه حقيقة علمية مؤكدة.. ولما سمع بهذه الآية، قال: إن هذا لا يمكن أن يكون علماً بشيراً..

-------------------------------------------
مختصر الأدلة المادية على وجود الله؛ لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي.
اختصره: ا. محمد حنونة.
منشورات وزارة التربية والتعليم المصرية. 2003- 2004م.
#حقوق النشر محفوظة.