أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 فبراير 2021

نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار -تأليف العلامة الشيخ أبي العون محمد بن أحمد السّفاريني (1188 هـ)

نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار

تأليف العلامة الشيخ أبي العون محمد بن أحمد السّفاريني (1188 هـ)

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا كتابٌ نفيس تكلم فيه السفاريني رحمه الله على حديث سيد الاستغفار، وقد ذكر فيه هذا الحديث ابتداءً، وأتبع ذلك بذكر من رواه من الأئمة، وترجم لهم، وترجم للراوي الأعلى، وأوضح ما فيه من اللطائف والحِكَم والأسرار والفوائد والأحكام اللغوية والشرعية، وبيَّن وجه تسميته بسيد الاستغفار، وما تضمنه من الثناء على الله بربوبيته وألوهيته، وتحدث فيه عن السيادة بمعناها العام، وسيادة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمعناها الخاص، وآداب الداعي المستحبة من تقديم الثناء على الله والذكر له، وما ينبغي أن يكون عليه الداعي بهذا الحديث من كمال الافتقار لله عز وجل، وصدق الرغبة في حصول المغفرة، مع مشاهدة منة الله وفضله، ومطالعة الإنسان لعيوب نفسه وما أودعه الله فيه من أسرار الخلق، والحكمة البالغة في تكوينه، ورؤية تقصيره في العمل.

وقد أطال السفَّاريني النفس عند حديثه عن حكمة الله في الخلق، وعظيم لطف الله في تصويره لأعضاء الإنسان الظاهرة والباطنة، ومراتب الاستغفار، وأحوال المستغفرين، وقد تكلم عن كل ذلك بطريقة تذهل الألباب، وتُبهر العقول، وذكر اختلاف العلماء في مكان العقل هل هو في الرأس أم في القلب، وأن الصواب في ذلك: أن العقل منشؤه في القلب وثمرته في الرأس والدماغ.

وضمَّ إلى كتابه الرد على الفرق المنحرفة من أهل الحلول والاتحاد، كذلك الرد على النصارى، لا سيما في مباحث التوحيد، وذكر أصل الشرك ومن الذي أدخله إلى قبائل العرب، وأن شرك العرب كان من جنس شرك قوم نوح، وأن الأصنام أصلها تماثيل قومٍ صالحين.

وكل ذلك بعد مقدمة طويلة نسبياً وحافلة بالفوائد العلمية والتربوية: في الحث على طلب العلم وبيان فضله، وفضل طلبه، ذكر المحقق فضائل الاستغفار من كلام الحافظ ابن حجر، وابن القيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر منهجه في هذا الكتاب، وتعقباته على الإمام السفاريني في بعض عباراته المنتقدة عليه، وقد أطال المحقق الكلام في الحاشية جداً في بعض المواضع، وما أحوجنا في هذا الزمان إلى الاختصار والاقتصاد وذكر الزبدة تيسيراً على القارئ.

وفيما يلي ذكر هذا الحديث، وشرحه باختصار، ويلي ذلك بيان مطالب الكتاب وموضوعاته الرئيسية.

الحديث وشرحه:

وقد رواه الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (اللَّهمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلا أنتَ خلَقتني وأنا عبدُكَ وأنا على عَهدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ وأبوءُ بذنبي فاغفر لي فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ).

وهذا الحديث يُسمى بـ"سيد الاستغفار"، والسيد هو الفاضل، أي هو أعظم صيغ الاستغفار وأفضلها، وأجمعها لمعاني التوبة والرجوع والأوبة إلى الله سبحانه. والاستغفار: هو طلب المغفرة من الله جل جلاله، ومن أسماء الله تعالى الغفّار والغفور.

{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (الشورى: 25)، {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (البروج: 14)، وأصل المغفرة من الغفر: وهو التغطية والستر، ومغفرة الله لعباده تتضمن إلباس المذنبين أثواب العفو والتجاوز، فيُلقي عليهم سبحانه ستره الجميل، ويُقابلهم 

وقد تضمن هذا الدعاء تقديم الاعتراف بالربوبية وتوحيدها، والإلهية، والإقرار لله بالخلق والتمسك بالعهد والوعد على حسب الاستطاعة، والاعتراف بالنعم، والإقرار بالذنوب واللمم، ثمَّ طلب المغفرة.

(اللَّهمَّ) أي: يا الله، والميم، قيل إنها: عوضٌ عن حرف النداء (يا)، وقيل: إنها للتعظيم. و(الله) هو الاسم الجامع لمعاني جميع الأسماء والصفات، فكأن السائل إذا قال: اللهم! كأنه قال: أدعو الله بجميع أسمائه الحسنى وصفاته العُلا. ولهذا قال الحسن: اللهم مجمع الدعاء. 

(أنتَ) وهذا ضمير خطاب منفصلٍ مبنيّ يُخاطب به العبد ربَّه سبحانه مُشيراً إليه بخصال التعظيم وأوصاف الجلال: (ربِّي) أي: الذي أُقرُّ له بالربوبية، فهو سبحانه وحده الخالق المالك المدبر لأمر جميع المخلوقات. وفي تعريف الطرفين (أنت ربي) إفادة الحصر، فأفاد أنه لا ربَّ للعباد إلا الله جل في علاه.

(لا إلَهَ) أي لا معبود بحقِّ في الوجود (إلا أنتَ) فيه توحيد الله بالعبادة والرغبة والرهبة والدعاء والثناء، وفيه إبطالٌ لكل معبودٍ سواه، وأن كل إله غيره عاطلٌ وباطل، وهو سبحانه الإله الحق.

(خلَقتني) والخلق هو أخصُّ أوصاف الربوبية، المتضمن لطلب الحفظ والإعانة والصيانة عن الوقوع في الذنب أو العودة إليه بعد التوبة منه أو تكراره بعد الإقلاع عنه، وذكر الخلق يُناسب الاعتراف بالذنب والتقصير في حق الله عز وجل، ويُناسب الإقرار بالتفريط في جنب الله. كذلك هو مناسبٌ في ذكر أعظم نعمةٍ منَّ الله بها على عبده وهي نعمة إخراجه من العدم إلى الوجود، ثم جعله غارقاً في أسباب النعيم، عارفاً لأسباب اللذة، مُتذوقاً لها.

(وأنا عبدُكَ) وهذه هي الكَسرة العظيمة التي يُحبها الله ويرضاها، فالله يُحب أن يرى عبده على عتبة العبودية يتملق له، ويتذلل ويتمسكن بين يديه، يبخشوع وحضور قلبه وسيلان دمعه، ولذلك قيل لبعضهم: أيسجد القلب؟ قال: نعم؛ يسجد سجدةً لا يرفع رأسه منها إلى يوم القيامة، وإذا سجد القلب هذه السجدة سجدت معه جميع الجوارح، فهو الملك والأعضاء جنوده. فنحن بحاجة إلى هذه الكَسرة التي تتمكن من القلب وتملكه حتى يصبح أسيراً بقيد العبودية، ناكس الرأس بين يدي الله عز وجل.

و(أنا عبدك) هذا الشعار العظيم فيه هذا غاية الافتقار والتذلل لله سبحانه، والعبادة لله: هي اسمٌ جامعٌ لكل ما يُحبه الله ويرضاه، وتقديم الأنا في باب الافتقار والعجز جائزٌ بل مُستحب، والعبودية تتضمن الإخلاص في الطلب والقصد والرجاء؛ ثم هو ينسب نفسه إلى معبوده سبحانه وتعالى، كأنه يقول: لا أخرج عن طور عبوديتك، طوعاً ولا قهراً، فأنا عبدك الخالص في عبوديته لك سواءٌ جئتك طائعاً مختاراً أو مقهوراً مغلوباً على أمري، على حدِّ قوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (مريم: 93)، فأنا عبدٌ لك برعوناتي وأخطائي وأهوائي، مُقيمٌ في ساحتك، آكل من رزقك، وأشرب من مائك، وأستعين بقوتك وحولك، ولا غنى لي عن فضلك، ولا عن عفوك فطالما تكرمت علي وتحنَّنت إلي، وتوددت إليَّ. كذلك فإن الأنا فيها دعوى، وأصدق هذه الدعاوي هي دعوى العبودية لله، فإنها صدقٌ كلها، وإخلاصٌ كلها.


(وأنا على عَهدِكَ) وهذا إخبارٌ يُفيد الإنشاء والالتزام، فهذا إقرارٌ مني أن التزم عهدك الذي عاهدتك عليه من لزوم الطاعة واجتناب المعصية، لا أزول عنه ولا أحول، وإن بدر مني تقصير فليس نقضاً لذلك العهد، وإنما لضعف نفسي وقلة حيلتي في مغالبة شهوتي، وها أنا اعتذر، وأقرُّ بخطأي، ولا أتنصل من عبوديتي لك.

 وأنا على (وعدِكَ ما استطعتُ) أي مُقيمٌ على الطريق الذي وعدتي في آخره بالنجاة والفوز، فاجعلني في ذمتك، ومن أهلك المرضيين، ولا تطردني من ساحات مغفرتك، فأنا شيء ورحمتك وسعت كل شيء، وأنت الذي إذا وعد وفَّى، وإذا أوعد أحبابه عفا.

 (أعوذُ بِكَ) ألتجئ واحتمي واتحصن بك يا ملاذي وإلهي ومولايَ لا بغيرك، فكلُّ متعوذٍ بغيرك خائب، وكل مُعتضمٍ بسواك ناكب

(من شرِّ ما صنعتُ) أي من سوء فعلي وقصدي، وقبح جُرمي وعملي، فإن صنيعي مما أتبرأ إليك منه، لأن فيه مخالفة ومعصية لأمرك، وما فعلته إلا لهوان نفسي عليَّ، وإلا فشأنك العفو والمغفرة، وشأني التقصير والذنب.

بوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ) أي اعترف لك بنعمك عليّ الظاهرة والباطنة، والتي لا تُعد ولا تُحصى، وحقُّ هذه النعم شكر من أنعم بها علينا، وألا يُعصى الله بها، ولكن عصيناك بها وهذا من سوء فعلنا، ولذلك قدم الاستعاذة من سوء الفعل وقرنه بفضل الله علينا بالنعم. 

(وأبوءُ بذنبي) وهذا إقرارٌ ثانٍ واعتراف بالذنب، وشأن الكريم إذا سمع الاعتذار أن يعفو ويتجاوز، نسأل الله سبحانه أن يغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا، ويعفو عنها فيما نستقبل، والذنب يشمل كل تقصير، وكل خطأ، وكل عيب، وكل زلة.

(فاغفر لي) يعني ذنوبي، وهذا يعمُّ كل ذنب.

(فإنَّهُ) أي الشأن (لا يغفرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ) على حد قوله سبحانه:                                                                                                                                                                                                                         {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران: 135). فالله هو الغفور وهو الغفار، وكما قيل:

أدعوك ربي كما أمرتَ تضرُّعاً. .. فإن رددتَ يدي فمن ذا يرحمُ


  • مطالب الكتاب وفصوله:

  • مطلب ذكر الحديث ومن وراه وتخريج الحديث بإيجاز.

  • مطلب في ذكر تراجم رواة الحديث ورواية الصحابي، وفيه: موضوع علم الحديث وحده وغايته، وترجمة راوي الحديث.

  • فصلٌ في ترجمة الإمام أحمد، وذكر من سمع منهم، ومكانته العلمية، ووفاته رحمه الله.

  • مطلبٌ في ترجمة الإمام الترمذي، ومكانة جامع الترمذي، ووفاته.

  • مطلبٌ في ترجمة الإمام النَّسائي، ووفاته، وبعضاً من سيرته، ونسبته.

  • مطلبٌ: في ذكر الاستغفار وفضيلته والحث عليه.

  • مطلب في أن الدعاء في موضعه أفضل من غيره.

  • مطلبٌ في ذكر حديث الدواوين الثلاثة وبيان معانيه.

  • والشروط المتممة لكلمة التوحيد، وأسنان مفتاح الجنة.

  • مطلبٌ في ذكر سبب تسمية سيد الاستغفار بهذا الاسم، وعلى من تطلق لفظة (السيد)، وما ورد فيها.

  • مطلبٌ: سيادة رسول الله على البشر، وسبب تسمية الدعاء بسيد الاستغفار. 

  • مطلبٌ في ذكر أفضلية هذا الدعاء على غيره من الأدعية، ومجمل معاني الدعاء.

  • مطلبٌ في آداب الدعاء المستحبة، وآداب الداعي وما ينبغي أن يكون عليه حاله عند ذكره لسيد الاستغفار، وذكر بعض أعداء الإنسان من نفسه وفي خلقه وشيطانه، وما سخر الله لحماية الإنسان من هواه وشيطانه.

  • مطلبٌ في بداية شرح حديث سيد الاستغفار، وتركيب كلمة (اللهم) ومعناها، والتناسب بين حروف هذا اللفظ ومعناه.

  • مطلبٌ: في معنى (أنت ربي)، و (لا إله إلا أنت).

  • مطلبٌ: في الكلام على أنواع التوحيد، واعتراف جميع الخلق بتوحيد الربوبية، وبيان فساد عقيدة النصارى والرد عليهم، وبيان عجز المتكلمين في باب توحيد الربوبية ولجوؤهم إلى دليل التمانع، وأن غالب شرك الأممم من تعظيم القبور وتماثيل الصالحين، والتشابه بين شرك العرب وشرك قوم نوح، وأن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية ويتخذون الأصنام للشفاعة.

  • مطلبٌ في أن المتصوفة جعلوا توحيد الربوبية غاية السالكين، وأنه لا سبيل لمن أقر بتوحيد الربوبية إلا أن يُتبعه بتوحيد الألوهية، وأن بعض الفرق الضالة تثبت للأشياء صانعاً غير الله.

  • مطلبٌ: في التفصيل في قوله عليه الصلاة والسلام (خلقتني)، وأحوال ابن آدم من نشأته إلى بعثه، وأحوال هذه النشأة.

  • مطلبٌ في: مبدأ الخلق وعجائب التكوين، والنظر في جسم الإنسان وتقسيمه، وخلق الرأس وتكوينه، وخلق الأنف وتكوينه، وخلق الفم وتكوينه، وخلق الأسنان، وخلق الشفتين، وخلق الحنجرة، وقبول شهادة الأعمى، وخلق اليدين، وخلق الأظفار، وعظام البدن وحكمته سبحانه فيها، وباطن الجسم، والقلب وتكوينه وعجائبه، ومبدأ الحواس والعقل من القلب أو الدماغ؟ والقلب أول الأعضاء تكوناً والرد على المخالف.

  • مطلبٌ في بيان قوله عليه الصلاة والسلام (وأنا عبدك)، وفيه: تعريف العبادة ومستلزماتها، وأن ما صرف لغير الله من العبادة شرك.

  • مطلبٌ في درجة العبودية وشرفها وعلو مكانة أهلها، وكونها المرتبة العظمى، ومعنى (من عرف نفسه عرف ربه)، وسعة رحمة الله وعفوه.

  • مطلبٌ: في كيفية نيل العبد درجة العبودية، وكون مدار العبودية على قاعدتين.

  • مطلبٌ في معنى قوله (وأنا على عهدك).

  • مطلبٌ في الفرق بين (العهود)، و(العقود)، والذمة لغةً وشرعاً، والميثاق المأخوذ على بني آدم، ومعنى (وأنا على وعدك)، ومعنى (أعوذ)، ومعنى (من شر ما صنعت)، ومعنى (أبوء لك بنعمتك عليّ)، وأركان الشكر.

  • مطلبٌ في نعم الله عز وجل وكونها تعمُّ جميع الخلق، وذكر الخلاف، وأقسام النعم.

  • مطلبٌ في أن شكر النعم يُديمها، وكفرها يُزيلها، وأقسام الذنوب، وأول أقسام الذنوب استيلاءً على الإنسان، وأقسام الذنوب بالنسبة لضررها، ومعنى (فاغفر لي)، والفرق بين التكفير والمغفرة، وبعض ما ورد في محو السيئات، ولا تُمحى السيئات من الصحائف إلا بعد أن يُوقف العبد عليها.

  • مطلبٌ: السيئة التي تدخل الجنة والحسنة التي تدخل النار، والعارف يسير بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس، وسعة عفو الله ومغفرته، واقتران الاستغفار بالتوبة وعدم الإصرار، وحقيقة الاستغفار ومعناه، وحالات المستغفر، واستحباب الزيادة على الاستغفار والتوبة، وصيغ الاستغفار.

  • مطلبٌ في: الإخلاص في ذكر سيد الاستغفار يُشهد العبد جميع منازل العبودية، وأنه لا بُد أن يكون هناك وقتاً للأوراد أول النهار وآخره، وعلة تخصيص الأوراد بالصباح والماء، وتخريج الحديث بطرقه.





الأربعاء، 24 فبراير 2021

تشجير أهم الكتب الفقهية المطبوعة على المذاهب الأربعة -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تشجير أهم الكتب الفقهية المطبوعة

على المذاهب الأربعة

باسل بن عبد الله الفوزان


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا كتاب مُفيدٌ في بابه، جديدٌ في أسلوبه وطريقته، حيث يُسهل على طلبة العلم معرفة أهم الكتب المعتمدة في المذاهب الفقهية الأربعة، والتي يحسن بالطالب معرفتها، والإلمام بأسمائها، ومعرفة أصحابها، لا سيما وأنها كتبٌ مخدومةٌ من أصحابها، وقد حُققت ونُقحت، وهذا بالطبع لا يعني أنها نصوص مُقدسة لا ينبغي مخالفتها، أو يدعي أحدٌ وجوب الجمود على ما ورد في هذه الكتب، أو ادعاء عدم الحاجة إلى النظر فيها من جديد، أو زعم كونها لا تقبل العرض على الكتاب والسنة، استناداً إلى أن من قام بتأليفها ووضعها هم العلماء المجتهدون والمحققون.


ومع ما في هذا الكتاب من الجهد الكبير، والنَفَس الجميل؛ إلا أننا نرى أن الفقيه الحق -بعد دراسته وتمرُّنه على مذهب فقهي مُعين، لا ينبغي أن يحبس عينيه ويُجمّد عقله في أتون الأقوال وثنايا الآراء فقط، ويحصر نفسه بين جدران المذهب، تاركاً الاستفادة من جهود العلماء الآخرين، وعبقرياتهم الفذّة، ولكنه يتعرف إلى معتمد مذهبه، وينظر في آراء المتقدمين من أهل المذهب، ويعقد مقارنة تستند إلى الدليل، وينظر بعدها إلى آراء المذاهب الأخرى ومدى موافقتها أو مخالفتها للمعتمد وآراء المتقدمين.

ولا يُلتفت إلى من قال بغلق باب الاجتهاد، لا سيما وأن المتأخر قد توفرت لديه مواد العلم الخام أكثر من المتقدمين، ومن يتقن الأصول والفروع وطرق تخريج المسائل، وتوفرت لديه الملكة ووفرة الدراسة للمذهب، فإنه بإمكانه الاجتهاد وتخريج الفروع الفقهية على الأصول الصحيحة للأئمة الفقهاء، وينبغي مراعاة أصول العقيدة السلفية السُّنية للأئمة رضوان الله عليهم، وترك ما أحدثه المتكلمون في مفاصل المذهب وجوانبه.

كذلك؛ فإنه مما يؤسف له -خصوصاً بين متأخري فقهاء المذاهب أن بعض شروحهم أصبحت ألغازاً لأصولها السهلة، بحيث تصرَّف كثيرٌ من المتأخرين بعبارات الشيوخ وفتاويهم، حتى أصبحت بعض الألفاظ مُوهِمة، نشأت منها آراء جديدة لا تمتُّ إلى الفقه بصلة، ولم تخطر للأئمة على بال، وشُرحت على أنها جزءٌ من ذلك الأصل البعيد، ومن ثم تناقله بعضٌ عن بعض، كما هو ظاهرٌ في أكثر حواشي المتأخرين.

ومن المناسب هنا تأييد قولنا بما قاله ابن القيم في "الطرق الحكمية" (2/ 608): وإنَّما المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة ويبنونها على ما لم يخطر لأصحابها ببال، ولا جرى لهم في مقال، ويتناقله بعضهم عن بعض، ثمَّ يلزمهم من طرده لوازم لا يقول بها الأئمة.

ثم قال: ولا يحلُّ أن ينسب إلى إمامه القول، ويُطلق عليه أنَّه قول بمجرَّد ما يَراه في بعض الكتب التي حفظها أو طالَ المنتَعَها من كلام سِبين إليه، فإنَّه قد اختلطت أقوال الأئمة وفتاوهم بأقوال المنتَسِبين إليهم واختياراتهم، فليس كلُّ ما في كتبهم منصوصًا عن الأئمة، بل كثيرٌ منهم يخرج على فتاواهم، وكثيرٌ منهم أفتَوْا به بلفظه أو بمعناه، فلا يحلُّ لأحدٍ أن يقول: هذا قول فلان ومذهبه إلا أن يعلم يقينًا أنَّه قوله ومذهبه.

وقد تضمن هذا البحث التعريف بكتب الأصول المعتمدة والشروح والحواشي، ونظمها على هيئة تشجير (وهي وضع رسومات توضيحية لسلسلة شروح وحواشي الكتب المبسوطة على شكل مشجر) مُوجَز لأهمِّ هذه الكتب وأجود طبعاتها.

  • قواعد مهمة في المذهبية:

أولاً: نحن لا نهدر جهود العلماء السابقين والمجتهدين المنتسبين إلى المذاهب الفقهية المختلفة بل نستفيد منها جميعاً دون تعصُّبٍ لواحدٍ على حساب الآخر، ونأخذ بكل رأي وجدنا دليله أ{جح وحجته أقوى، مهما كان قائله.

ثانياً: تعاملنا مع الكتب الفقهية يقوم على قاعدة أن هؤلاء العلماء المجتهدين هم بشرٌ غير معصومين، وأنه يقع منهم الخطأ كما يقع منهم الصواب، وإن كان صوابهم أكثر، فليس كلامهم كله قولاً فصلاً، يُلغِي كل خلاف، ويمنع من مخالفتهم.

ثالثاً: أنه لا يوجد أحدٌ يجب على المسلمين تقليده، وامتثال أقواله وأعماله إلا واحداً، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأما غيره من العلماء والمجتهدين فيؤخذ من كلامهم ويُترك.

رابعاً: نعتقد أن كل مجتهدٍ معذورٌ في خطئه إذا كان كلامه مما يسعه الدليل ويحتمله النص، ويأخذ في ذلك أجره مرة واحدة، وأنه مأجورٌ أجرين إذا أصاب، كما ثبت ذلك في الحديث.

خامساً: لا بُد من تنقية المذاهب الفقهية من الشوائب والأخطاء والانحرافات في أبواب العقيدة والسلوك، لا سيما المخالف منها للكتاب والسنة وإجماع السلف، وذلك من خلال إعادة النظر في التراث الفقهي بعين الإنصاف والعدل.

سادساً: أن معظم الخلافات والإشكالات الفقهية والعقدية استثارها متأخرة المقلدين في المذاهب الإسلامية، وأما الأئمة المجتهدين فهم على طريقة محمودةٍ في الدين، ويقيناً أن الأئمة أنفسهم لو بُعثوا واطلعوا على ما أحدثه المتأخرون من المنتسبين إليهم؛ لتبرأوا منهم، وأنكروا ما فعلوه أشد الإنكار.

سابعاً: لا يُقبل قول متعصبة المُقلدة في ردِّ النصوص الصحيحة بالعلل الواهية والسافطة علمياً، كقولهم: إن هذا النص منسوخٌ وليس معهم ما يدلُّ على نسخه، أو: لا يُراد من هذا النص ظاهره ولا قرينة تؤيد قولهم، أو ادعاء أن علماءهم المتأخرين أعلم بهذا النص من غيرهم، أو: اطلعوا على شيءٍ لم يطلع أحدٌ عليه، وما أكثر هذا في المتأخرين.

ثامناً: أن أئمة الفقهاء نصحوا أتباعهم برد أقوالهم المخالفة إلى الكتاب والسنة، فعذروا مقلديهم من الوقوع في هذه المخالفة العظيمة، ونصحوهم أن يأخذوا مما أخذوا منه، وأن يدعوا من أقوالهم ما يظهر لهم مخالفته للكتاب والسنة، وأعلنوا لهم طريقتهم في الاتباع، وأُثر هذا عن المحققين في المذاهب الفقهية المتنوعة، ذلك عنهم مبثوثٌ مشهور.

تاسعاً: ينبغي على المتفقه أن يحفظ آيات الأحكام، ويتدبرها بمزيد عنايةٍ واهتمام؛ مثل كتاب "أحكام القرآن"؛ للجصاص الحنفي، و"أحكام القرآن"؛ لأبي بكر ابن العربي المالكي، و"أحكام القرآن"؛ للقرطبي المالكي، و"أحكام القرآن"؛ للكيا الهراسي الشافعي، وغيرهم

عاشراً: ينبغي على المتفقه الاعتناء بكتب أحاديث الأحكام، مثل (بلوغ المرام) لابن حجر، و(عمدة الأحكام) لعبد الغني المقدسي، كذلك الاعتناء بكتب التخريج الحديثية، والتي وضعها العلماء لدراسة الأحاديث التي استدلَّ بها مجتهدو المذهب؛ ومثال ذلك (معرفة السنن) للبيهقي، و (التلخيص الحبير تخريج أحاديث الرافعي الكبير)؛ لابن حجر، وكتاب (العناية معرفة أحاديث الهداية)، و (الطرق والوسائل في تخريج أحاديث خلاصة الدلائل) كلاهما للشيخ عبد القادر بن محمد القرشي، وكذلك (المجموع شرح المهذب) للنووي، وغيرها، واعتماد أحكامهم على الآثار في ذلك.

حادي عشر: ينبغي على المتفقه أيضاً الاعتناء بفقه السلف في القرون المفضَّلة، لا سيَّما فقه الصحابة والآخذين عنهم من التابعين؛ ومظان ذلك في الجوامع والمصنفات والحديثية، وهذا النوع من الفقه مهمٌ جداً للطالب، لأن السلف هم الذين شَهِدُوا التتريل، وهم أعلَمُ الناس كذلك بناسخ القرآن ومنسوخه،و مُحكَمه ومتشابهه، وأعلَمُ الناس بوجوه اللغة والبلاغة، وأدرَكُ الناس لقرائن النصوص.

ثاني عشر: ضرورة الاعتِناء مَد من كتب المذاهب، والتنبُّه إلى تصرُّف بعض المتأخِّرين واجتهاداتهم ممَّا يُخالِف أصحاب المذهب أصلاً. 

قال ابن القيِّم - رحمه الله - في ذمِّ ما أحدَثَه المتأخِّرون من الحِيَل: "والمتأخِّرون أحدَثُوا حيلاً لم يصحَّ القول بها من الأئمَّة، ونسَبُوها إلى الأئمَّة وهم مُخطِئون في نسبتها إليهِم ولهم مع الأئمَّة موقفٌ بين يدي االله - عزَّ وجل".

قال: "فكثيرًا ما يُحكَى عن الأئمَّة ما لا حقيقةَ له، وكثيرٌ من المسائل يخرِّجها بعض الأتباع على قاعدةٍ متبوعة، مع أنَّ ذلك الإمام لو رأَى أنها تُفضِي إلى ذلك لما التزَمَها".

ثالث عشر: وممَّا ينبَغِي على المتفقِّه أن يقرأ هذه الكتب المعتمدة على شيخٍ مُتقِنٍ، مأمونٍ في دينه وعقيدته، لا سيما من يتبع نهج السلف، في العقيدة، وهؤلاء من أتباع المذاهب الفقهية الأربعة كُثر بحمد الله تعالى.

رابع عشر: الحذَر من تتبُّع رخص وزلات العُلَماء من كتبهم وأقوالهم، فليس هذا من هدي السلف، وذلك محرم بإجماع العلماء.

خامس عشر: لا تخلو بعض الكتب الفقهية المذكورة من بعض الملاحظات والأخطاء العقدية فينبغي التنبه لذلك.

  • عيوب المذاهب الفقهية في القرون المتأخرة، وكيفية التعامل معها:

1-مخالفة بعض الفروع الفقهية للنصوص الصحيحة، ويتبع هذا الأمر تقديم الآراء على هذه النصوص ضرورةً، سواءً بقصد أو بغير قصد، وينبغي في مثل هذا تقديم النصوص الصحيحة الثابتة، والاعتذار عن مخالفة صاحب الكتاب أو الحاشية أو المتن.

2- امتلاء الكتب المذهبية بالأحاديث الضعيفة، وبناء الأحكام عليها، وبالإمكان التساهل في بعض الأحاديث الضعيفة التي لم يشتد ضعفها، وتوافق عموم الأدلة، ولكن الأمر المستنكر هو نقل بعض الأحاديث الواهية والمنكرة، بل والقصص المكذوبة استدلالاً أو استئناساً لفعل بعض الأعمال المردودة وغير المقبولة شرعاً، ولذلك ينبغي النظر والاعتناء بالأسانيد وتحقيق تلك الآثار وفق القواعد العلمية المضبوطة والنظر كذلك في القصص والحكايات المنقولة، وبيان ما فيها من الخطأ والصواب.

3- تقديم أقوال المتأخرين على أقوال الأئمة والمتقدمين، وهذا عيبٌ آخر نلحظه في الكتب المذهبية المتأخرة، إذ يُقدمون في كثيرٍ من الأحيان أقوال الفقهاء المتأخرين على أقوال أئمة المذاهب أنفسهم وأقوال تلامذتهم الأولين.


4-الانحباس في مذهب واحد، وعدم الاستفادة من المذاهب الأخرى، بحيث لا يتعدونه ولا يتجاوزونه إلى المذاهب الأخرى، ليستفيدوا من جهود علمائها ورجالها، ومحققيها وأدلتها، وليس هناك شكٌّ في أن هذا الانحباس داخل جداران المذب، يُعد تضييعاً لجهود علماء كبار، وإهداراً لنتاج عبقريات ضخمة حفل بها كل مذهب، لا لسبب معقول إلا أن هؤلاء ليسوا من مذهب هذا العالم.

5-خلو كثير من الكتب المذهبية من الأدلة الشرعية، وكذلك فإن كثيراً من كتب المتأخرين تُخالف كتب الأئمة والمجتهدين الكبار، ولا تُقبل دعوى أن كتب المتأخرين نسخت كتب المتقدمين.

6- شيوع التقليد والجمود وإقفال باب الاجتهاد في وجه كل من يبحث عن حلول للقضايا المستجدة والمعاصرة، ولا شك أن هذا الفعل القبيح نشره بعض ضيقي الأفق، وأصحاب الفكر الجامد، الذين أرهبوا كل من يُقدم على هذه الخطوة، وأبدى استعداداً للنظر والبحث، بحجة أن من يفعل ذلك فإنما يطعن في الأئمة والعلماء السابقين، كما أنهم كانوا معصومين لا أخطاء لهم، وغالوا في ذلك ولفقوا القصص والحكايات التي لا تمتُّ إلى الدين والواقع بصلة.


ملاحظة/ بعض مواد هذا المقال مستفاد من كتاب: بدعة التعصب المذهبي؛ لمحمد عيد عباسي، المكتبة الإسلامية، عمان -الأردن.









الثلاثاء، 23 فبراير 2021

البينات في حكم إهداء ثواب الأعمال للأموات -تأليف: أبي معاذ ظافر بن حسن آل جعبان

البينات في حكم إهداء ثواب الأعمال للأموات

تأليف: أبي معاذ ظافر بن حسن آل جعبان


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتيب هو جزء من كتاب (التعزية وحكمها في الكتاب والسُّنة) وهو بحث قيِّمٌ نفيس، اقتبس منه الباحث هذه المسألة: (إهداء ثواب الأعمال للأموات)، وأسماه بـ(البينات في حكم إهداء ثواب الأعمال للأموات)، وتوصل من خلاله إلى أن ثواب جميع الأعمال الظاهرة تصل إلى الميت وأما الأعمال الباطنة كالإيمان والتوحيد والرغبة والرهبة فإنها لا تصل إلى الميت

واختلف العلماء في القُرب التي يصل إلى الميت ثوابها، على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما لا يصل إلى الميت ثوابها بالاتفاق؛ كالإيمان والتوحيد والإجلال والتعظيم لله عز وجل.

القسم الثاني: ما يصل ثوابه إلى الميت بالاتفاق؛ كالصدقة الجارية من النفقات، والأوقاف، وبناء المساجد، وبث العلم، والاستغفار له، ودعاء الولد الصالح لوالديه، وأداء فريضة الحج عنه، وما أوجبه على نفسه من ذلك بنذرٍ ونحوه، وأداء الدين عنه، والصوم عنه (ويدخل فيه صيام الفرض: عن رمضان حيث أمكنه القضاء ولم يفعل، والواجب من النذر والكفارة)، ولا فرق في ذلك أن يؤديه القريب أو الغريب، وحكى الإجماع على وصوله الإمام ابن قُدامة، والنووي.

القسم الثالث: أعمالٌ مختلفٌ فيها؛ كقراءة القرآن عن الميت، وإهداء ثوابها ل، وهذه المسألة وقع فيها خلافٌ بين أهل العلم، على قولين:

القول الأول: أنه لا يصل  ثواب القراءة يصل إلى الميت، وهو مشهور مذهب الشافعي، واستدلَّ بقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، وأنه لم يرد نصٌّ يُجوِّزُ القراءة عن الميت، فتكون القراةء عنده بدعة منكرة؛ لأنها عبادة، والأصل في العبادة التوقيف، وكذلك لم يرد هذا الفعل عن السلف الصالح.

وقد ذهب إلى هذا القول من المعاصرين: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن قعود، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ بكر أبو زيد، وغيرهم رحمهم الله تعالى.

القول الثاني: أن ثواب القراءة يصل إلى الميت، وهذا مذهب الجمهور الأئمة الثلاثة، وجماعةٌ من الشافعية، وغيرهم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال ابن القيم بجوازها كما في "الروح" بشرط أن تكون القراءة تبرعاً لا بأجرة. وجوابهم عن قول الشافعية أن القول بوصول ثواب الحج والصدقات والصيام وعدم وصول ثواب القراءة هو تفريق بين المتماثلات، الأمر الذي يُخالف قواعد الشرع، ومبادئه الكلية.

  • مسألة: الاستئجار على تلاوة القرآن وإهداء ثوابها للميت؟

والجواب: أن أهل العلم متفقون على عدم جواز ذلك، وهو مذهب الحنفية والمالكية، والمشهور عند الشافعية والحنابلة..

  • مسألة إهداء ثواب الأعمال إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟

والجواب: أنه لا يجوز إهداء شيء من الأعمال إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لأن السلف رضي الله عنهم من الصحابة وغيرهم لم يفعلوه، وللنبيِّ صلى الله عليه وسلم مثل أجور من تبعه من غير إهداء؛ لأنه هو الذي دلنا على كل خير، ثم إن المُهدي يحرم نفسه من الثواب فقط، وأما صلاتنا وسلامنا عليه، وطلبنا له الوسيلة، فهذا دعاءٌ فيه لنا، يثيبنا الله عليه.





الاثنين، 22 فبراير 2021

الجواب الشافي عن السؤال الخافي -للإمام الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني

الجواب الشافي عن السؤال الخافي

للإمام الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني


تحقيق: د. عبد الرؤوف بن محمد بن أحمد الكمالي


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه رسالة صغيرة الحجم، كبيرة القدر، كثيرة العلوم، جمَّة النفع، نفيسةً في بابها، اختصرت بحوث مطوَّلة في مسائل القبر ونعيمه وعذابه وسؤاله، وبعض ما يجري في القيامة من أحوال البعث والحشر والعرق، للإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، يُجيب فيها عن أسئلةٍ وُجهت إليه، وعدتها ثلاثون سؤالاً، فأجاب عنها رحمه الله في هذه الورقات.

  • وهذه المسائل وأجوبتها باختصار، هي:

  1. هل يُقعد الميت ويُسأل، أم يُسأل و وهو راقد؟

والجواب أنهما يسألانه وهو قاعد؛ ولحديث: (فيأتيه ملكان فيُجلسانه).

  1. وهل تعود الروح إلى الجسد عند السؤال؟

نعم، ولكن ظاهر الحديث أنها تحلُّ في نصفه الأعلى.

  1. وأين تُقيم الروح بعد السؤال؟

والجواب: أن روح المؤمنين في عليين، وروح الكافرين في سجين، ولكل روح اتصال بجسدها، وهو اتصال معنوي لا يشبه الاتصال بحياة الدنيا، بل أشبه شيء به حال النائم وإن كان هو أشد من حال النائم انفصالاً.

  1. وهل يسمع الميت كلام من يلقنه أم لا ؟

فالجواب: نعم يسمع؛ لوجود الاتصال الذي أشرنا إليه.

  1. وهل الميت يعلم بمن يزوره ؟

نعم، إنه قد يعلم إذا أراد الله ذلك؛ فإن الأرواح مأذون لها في التعرف.

  1. وماذا يقول منكر ونكير له؟

يسألانه كما في حديث البراء الطويل عند أحمد: من ربُّك؟ وما دينك؟ وما الرجل الذي بُعث فيكم.

  1. وهل يُكشف للميت حتى يرى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليُسأل عنه؟

والجواب: لا، وهذه دعوى بغير دليل.

  1. وهل عذاب القبر على الروح أم الجسد، أم كلاهما؟

فالجواب: أنه عليهما ماً؛ لكنه يقع على الروح حقيقة، ويتألم الجسد مع ذلك أو يتنعم.

  1.  أين مقرُّ الأرواح؟

والجواب أن الروح تكون في عليين أو في سجين، ولها بجسدها اتصالاً معنوياً، بحيث تتألم بتألمه، وتتنعم بتنعمه.

  1. وأين يغرس الريحان أو الجريد من القبر؟

فالجواب: أنه ورد في الحديث الصحيح مطلقاً، فيحصل المقصود بأي موضع غرس في القبر.

  1. وهل يصل ثواب القراءة إلى الميت؟

والجواب: أن هذه مسألة مشهورة، وقد كتبت فيه كراسة، ولعله كتاب (أحوال الميت من حين الاحتضار إلى الحشر)، قال: والحاصل منها: أن أكثر المتقدمين من العلماء على عدم الوصول، وأكثر المتأخرين من العلماء على الوصول، وأن المختار الوقف عن الجزم بالمسألة، مع استحباب عمله والإكثار منه.

  1. وهل للإنسان تصرفٌ في الأعمال بحيث يتمكن من إهدائها؟

والجواب على ما قاله ابن حجر أنه لا يملك ذلك.

  1. وهل تنتقل روح الميت بانتقال جثته أم لا؟

فالجواب: نعم قد قدمنا أن الروح وإن لم تكن داخلة في الجسد، لكن لها به اتصال، فإلى أي موضع نقل، الاتصال مستمر.

  1. وإذا تفرقت الأعضاء في أماكن مختلفة أين تكون الروح؟

فالجواب: أن الروح متصلة بكل منهما، ولو فرق بعدد أعضاء الميت فالجواب كذلك.

  1. وهل يُشرع معالجة المحتضر أم أن الأفضل ترك ذلك؟

فالجواب: أنه إذا انتهى إلى حركة المذبوح فترك العلاج أفضل، وإلا فالعلاج مشروع، وربك على كل شيء قدير.

  1. وهل من أخل بشيء من هذه العبادات، هل يقضيها يوم القيامة؟

فالجواب: أنه لا قضاء هناك بالفعل، وإنما قضاؤه أن يؤخذ من نوافل ذلك العمل فيكمل به ما وقع فيه الخلل من فرائضه، فإن لم يكن له نوافل فمن حسناته من جنس آخر، فإن لم يكن له حسنات فيطرح عليه بمقدار ما بقي عليه من سيئات، إلا أن يعفو الله ويسمح.

  1. وهل في القيامة عمل أم عقوبة؟

والجواب أنه لا يوجد عمل، وإنما ثواب أو عقاب.

  1. وهل يرخص لمؤدب الأطفال الذي يكثر منه الحدث أن يمس المصحف أم لا؟

فالجواب: أنه يسامح مثله في ذلك؛ لما ذكر من المشقة، ولكن يتيمم؛ فإن زمنه أسهل من زمن الوضوء، فإن استمرت المشقة فلا حرج.

  1. وهل الملكان الكاتبان يجلسان على قبر الميت ويستغفران له؟

والجواب أنه إن  كان الحديث ثابتاً كما رواه الترمذي؛ فإنهما يكونان كذلك.

  1.  وهل هما الملكان "السائق" و"الشهيد" أم غيرهما؟

فالجواب: أنهما هما الكاتبان، بخلاف من فسره بغيرهما. وقد اختلف في ذلك على أقوال، ذكرها الطبري وغيره.

  1. وهل يكون في يوم الحشر على كل قدم سبعون ألف قدم؟

ولا أعلم بماذا أجاب الحافظ عن ذلك.

  1. وهل تدنو الشمس في القيامة من رؤوس الخلائق ؟

فالجواب: نعم، هو حق؛ ورد به الحديث الصحيح، فوجب الإيمان به.

  1. وهل في القيامة شمس؟

فالجواب: نعم، لكن في الموقف فقط، ثم تطرح الشمس والقمر بعد ذلك في النار إذا انقضى أمر الموقف.

  1. وهل يحشر الناس في العَرَق كما قيل؟

فالجواب: نعم، ثبت ذلك في الحديث الصحيح، وأن منهم من يلجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يصل إلى صدره، وإلى ركبتيه، وغير ذلك، على قدر أعمالهم.

  1. وهل يحشر الناس بهذه الأجساد أم هي غيرها؟

فالجواب: نعم، إن الذي يعيده الله تعالى هي الأجساد الأول لا غيرها، وهذا هو الصحيح بل الصواب، ومن قال غيره فقد أخطأ عندي؛ لمخالفته ظاهر القرآن والحديث.

  1. وهل تكون العينان في الرأس أم في الوجه؟

فالجواب: أنهما في الوجه على ما كانتا عليه في دار الدنيا.

  1. وهل يكون الخلق كلهم طولا واحداً أم يكونون مختلفين؟

فالجواب: أن كل واحد منهم يكون على ما مات عليه، ثم عند دخول الجنة يصيرون طولا واحدا؛ ففي الحديث: «يبعث كل عبد على ما مات عليه».

  1. وهل يحشر الناس في القيامة بشعور أم بغير شعور؟

فالجواب: نعم، يبعثون كذلك، ثم يدخلون الجنة جردا مرداً، كما ثبت في الحديث.

  1.  وهل يعرف الناس بعضهم بعضاً أم لا؟

فالجواب: نعم، يعرف بعضهم بعضاً.

  1. وهل يميت الله العصاة في النار إماتة صغرى أم كيف الحال؟

فالجواب: نعم، ثبت ذلك في «صحيح مسلم»: أن من يدخل النار من عصاة هذه الأمة يميتهم الله إماتة. وقال العلماء: هي إماتة صغرى، ثم يخرجهم بالشفاعة، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.