الرسالة التبوكية
(أو: زاد المُهاجر إلى ربِّه)
الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيِّم الجوزيّة
(691 -751 هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن أساس هذا الدين، هو: الانقياد والتسليم لله عز وجل بالإخلاص والطاعة، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالمحبة والمتابعة، وأما المراء والجدال وقضاء الأوقات في اللهو والعبث، فليس من الدين في شيء، ومن أعظم ما يشغل به الإنسان أوقاته هو النظر في كتب من أفنى عمره في الدعوة إلى الله: من أمثال الإمام ابن قيِّم الجوزية رحمه الله تعالى، لعلَّ هذا الإنسان يظفر ببعض الهدايا المُعجَّلة من أولئك الصادقين في طريق سيره إلى الله تعالى، بما حوته من عظيم المعاني وكبير الأثر، ولعلها كذلك -تنهض بحاله للجدِّ في طريق الهجرة إلى الله ورسوله علماً وعملاً ودعوةً وجهاداً.
ومن نفائس الكتب التي يُمكن أن تقع عليها عينان: كتاب (الرسالة التبوكيَّة أو: زاد المُهاجر إلى ربه)، والتي كتبها ابن القيم لإخوانه وأحبابه في الشَّام، في طريق عودته من الحج؛ وبعثها لهم يحثُّهم فيها على التعاون على الخير، والتناصح في الله، وكان عمره آنذاك يزيد على الأربعين عاماً بقليل، وذلك سنة (733 هـ).
ولا شكَّ أن الحالة الشعورية التي اتفقت لابن القيِّم في طريق تبوك، وهو مُسافرٌ في الحرِّ والشمس، ينام في العراء، ويُقاسى آلام الوحشة والغربة، ويعيشُ مع أُناسٍ لم يألفهم ولا يعرف طباعهم، في بقعةٍ كانت فيها غزوة العُسرة، كل ذلك جعله يُجدد في نفسه معاني الإيمان العظيم، الذي يدفعه إلى التضحية ببذل كل شيء في سبيل مرضاة من يُحب (وهو الله سبحانه وتعالى)، وقد أذكى ذلك فيه مشاعر الحنين للوطن، وأسعدته الذكريات الجميلة بروابط المحبة الصادقة لإخوانه في العقيدة… فجعل من سفره هذا هجرةً للقلب لا تنقطع؛ وذلك بهجرة ما يكرهه الله من الذنوب والمعاصي، وإتيان ما يُحبه الله من الخير والطاعات، مع زاد العلم والعمل الصالح، وكلنا مُسافرون إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن الهجرة الحقيقية هي هجرة القلب؛ وأما هجرة البدن فتابعةٌ لهجرة القلب، والقلب متبوع.
وقد ترك ابن القيِّم هذه الرسالة ذُخراً لإخوانه في طريقهم إلى الله، وغنيمةً باردةً لأحبابه الذين من بعده، وشاء الله سبحانه أن تصلنا هذه الرسالة، لنقرأها ونأخذ بما فيها من الموعظة والحكمة، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير ما جازى عالماً عن أمته.
وإذا نظرنا إلى أبرز موضوعات الكتاب؛ فسنجد أن الهجرة إلى الله ورسوله هي محوره التي يدور عليها، وأن طريق ذلك هو الوصية بالبر والتقوى، والتعاون عليها كما أمر الله، وقد جعله قسمين:
القسم الأول: في شرح قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوانْ.
والقسم الثاني: في معنى وصف الهجرة بالقلب إلى الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك عُرفت باسم زاد المُهاج إلى ربه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق