أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 سبتمبر 2020

إثبات الشفاعة للذهبي (ت 748 هـ) -تحقيق: إبراهيم باجس عبد الحميد

إثبات الشفاعة للذهبي (ت 748 هـ)

تحقيق: إبراهيم باجس عبد الحميد

مكتبة أضواء السلف، الطبعة الثانية، 2000م.

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنّونة


تمهيد/ تعتبر مسألة الشفاعة من المسائل العقدية المُهمة عند أهل السنة والجماعة، والتي يجب الإيمان والتصديق بها، على ما جاء في الكتاب والسُّنة الصَّحيحة. 

وقد أغلظ علماء أهل السُّنة والجماعة وأنكروا على من يردُّها، أو يردُّ الأحاديث الصحيحة الواردة فيها، من أمثلة المعتزلة والخوارج، والشيعة الزيدية. 

وهذا جزءٌ حديثيٌّ لطيف، أورد فيه الإمام الذهبيُّ (محمد بن أحمد بن عثمان)-رحمه الله -طائفةً صالحة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تُثبت الشفاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة، عازياً كل حديثٍ في الغالب إلى مصدره، مع الحكم عليه بالصحة أو الضعف.

 وهو لم يقصد إلى استقصاء جميع الأحاديث الواردة في الشفاعة؛ لأن ذلك يطول جداً، وإنما أراد إثبات هذه العقيدة الإيمانية بالأدلة النبوية.

والإمام الذهبيُّ رحمه الله غنيٌّ عن التعريف؛ وهو الذي ذاع صيته، وانتشر علمه في حياته وبعد مماته رحمه الله، وقد ترجم له الكثيرون في كتبهم، وله التآليف الكثيرة في مختلف الفنون.

وقد ذكر رحمه الله أحاديث كثيرة، عن (23) صحابياً، من (66) طريقاً، عن: أنس بن مالك، وأبي بكر الصديق، وعمران بن حُصين، وأبي موسى الأشعريّ، وأبي بكرة الثقفي، وأم حبيبة، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأبي أمامة، والعباس، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن بُسر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله أبي الجدعاء وجابر بن عبد الله، وعمر بن الخطاب، وعوف بن مالك الأشجعي، وعقبة بن عامر، والحارث بن أُقيش، وعبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي، ومصعب الأسلمي، وأم سلمة.

ونذكر هنا بعض المقدمات المنهجية والموضوعية المختصرة، والمتعلقة بمسألة الشفاعة:

أولاً: تعريف الشفاعة في اللغة والاصطلاح:

الشفاعة في اللغة: الوساطة.

الشفاعة في الاصطلاح: "هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم"، أو طلب الخير للغير.

وهي ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وقد نصَّ على الإجماع كلٌّ من: أبو الحسن الأشعري، والقاضي عياض، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيِّم، وغيرهم رحمة الله على الجميع.

ثانياً: أقسام الشفاعة من حيثُ القبول والرد:

الأول: شفاعةٌ منفيَّة، وهي التي تُطلب من غير الله تعالى؛ فيما لا يقدر عليه إلا الله، كقوله تعالى في حقِّ المُشركين: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} (المدثر: 48)؛ فنفى أن يكون للكفار شفيعاً يشفع فيهم.

الثاني: شفاعة مثبتة، وهي التي تُطلب من المولى جل وعلا؛ لأنها ملكه  وحده سبحانه، ولا تكون إلا لأهل التوحيد، فيأذن الله لمن يشاء من الأنبياء والشهداء والصالحين والملائكة والمؤمنين أن يشفعوا لمن شاء من خلقه ورضي.

وفي هذا ردٌّ على طوائف الغلاة الذين ينكرون الشفاعة من أصلها، وردٌ أيضاً على طوائف أهل الضلال ممن يظُنُّ أن لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وللصالحين أن يُدخلوا الجنة من شاءوا، ويُخرجوا من النار من شاءوا.

ثالثاً: شروط الانتفاع بالشفاعة المثبتة (شرطان):

الأول: إذن الله سبحانه وتعالى للشافع أن يشفع؛ قال تعالى:{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (البقرة: 255)؛ فهذه الآية تُثبت الشفاعة بشرطها.

الثاني: رضا الله تبارك وتعالى عن المشفوع لهم؛ قال سبحانه: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون} (الأنبياء: 28)؛ فبيَّن أن الشفاعة نائلةٌ من يرتضي الرحمن من عباده أن يُشفع لهم، وكلا من الشافع والمشفوع له مُشفقون وجلون من خشيته سبحانه.

رابعاً: أنواع الشفاعة المثبتة لنبينا صلى الله عليه وسلم:

أولها: وأعظمها الشفاعة العظمى، وهي خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في أن يأتي الله تعالى لفصل القضاء بين عباده يوم القيامة، وهي المقام المحمود الذي وعده الله عز وجل كما قال تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (الإسراء: 79).

الثانية: شفاعته في استفتاح باب الجنة، وأول من يستفتح بابها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخلها من الأمم أمته، وهي خاصَّةٌ به أيضاً.

الثالثة: شفاعته في دخول أقوام من أمته إلى الجنة بغير حساب، وعدتهم سبعين ألفاً، كما ورد في حديث عكاشة بن محصن في الصحيحين.

الرابعة: شفاعته في أن يَدخُلَ سائر أهل الجنة الجنة من باقي الأمم، وهي تبعٌ للنوع الثاني.

الخامسة: شفاعته في أقوام قد أمر بهم إلى النار، واستوجبوا دخولها أن لا يدخلوها ابتداءً؛ رحمةً من الله بهم، وشفاعةً من سيد الناس صلى الله عليه وسلم.

السادسة: شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن يدخلون النار؛ فيحدُّ الله عز وجل له حدَّاً؛ فيُخرجهم منها، بإذنه ورضاه سبحانه.

السابعة: شفاعته فيمن دخلها من أهل التوحيد أن يخرجوا منها فيخرجون قد امتحشوا وصاروا حمماً، فيُطرحون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.

الثامنة: شفاعته في أقوامٍ تساوت حسناتهم وسيئاتهم ولم يؤمر بهم إلى الجنة ولا إلى النار؛ فيشفع فيهم بعد أن يستأذن الله فيهم؛ فيدخلون الجنة بفضل الله ورحمته، وبشفاعته صلى الله عليه وسلم.

التاسعة: شفاعته في  تخفيف العذاب عن بعض الكفار، وهذه خاصة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب.

العاشرة: شفاعته  صلى الله عليه وسلم في رفع درجات أقوام من أهل الجنة، وزيادة نعيمهم فيها.

نسأل الله جل في عُلاه أن يُثيبنا الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم، ويرفع مقامنا فيها بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق