الصلوات المبتدعة (الصلاة لحجيرية نموذجاً)
من وضع: فتحي سعيد الحجيري الشاذلي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
غزَّة -فلسطين
تمهيد/ لما نزل قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبيّ يا أيُّها الَّذين آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56) لم يُبادر الصحابة، وهم الفُصحاء البُلغاء لاختراع صلواتٍ على النبيِّ من عندهم، أو تأليف كلامٍ من وضعهم، لكنهم جاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله كيف نُصلِّي عليك ؟! فعلَّمهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية، وهي التي أحال العلماء عليها عند ذكر الصلاة والسلام عليه: صلى الله عليه وسلم، كما فعل الإمام النوويُّ في "الأذكار"، وغيره من العلماء الأخيار الأبرار.
فالصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم تكن مثاراً للعبث، أو مجالاً للزيادة والنقصان بحسب الأهواء والأمزجة، وإنما هي دعاءٌ مخصوص كسائر الأدعية العظيمة، وهي وسيلةٌ شريفة لمن أراد التوسُّل المشروع إلى الله تعالى، وفضائلها يعجز المسلم عن حصرها.
ويشرح لنا ذلك الإمام النوويُّ رحمه الله؛ حينما قال: "وأمَّا ما قاله بعضُ أصحابنا -يعني الشَّافعية -وابن أبي زيد المالكي من استحباب زيادة على ذلك وهي: "وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وآلَ مُحَمَّدٍ" فهذا بدعة لا أصل لها. وقد بالغ الإِمام أبو بكر العربي المالكي في كتابه "شرح الترمذي" في إنكار ذلك وتخطئة ابن أبي زيد في ذلك وتجهيل فاعله، قال: لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم علَّمنا كيفيةَ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فالزيادة على ذلك استقصار لقوله، واستدراك عليه صلى الله عليه وسلم، وبالله التوفيق".
فبيَّن لنا رحمه الله أن هذه الزيادة في صيغة الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بدعةٌ وإن كان معناها صحيحاً، لأن الزيادة فيها استقصارٌ لقوله، واستداركٌ عليه صلى الله عليه وسلم، واعتداءٌ على مقام النبوَّة والرسالة، وأكمل الهدي هدي مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
فالقول بأنَّ صلاةً أخرى تفوقها؛ كـ(صلاة الفاتح) التي يُرددها كثيرٌ من المبتدعة، والتي تعدل عندهم ختمات من القرآن! إنما هي فعلٌ شيطاني، وأما نسبتها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأنه علَّمها لمنتحلها "التيجاني" ليُبلغها أتباعه زورٌ وبُهتانٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعظم ما يفتريه إنسان، لأنه يزعم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خصَّه بشيءٍ من العلم دون الأمة، أو كتم شيئاً من الرسالة والبلاغ، وذلك أجهل الجهل، وأعظم الضلال!!!
بل إن بعض هذه الصلوات تتضمن ضروباً من الشرك المُحرَّم؛ ومنها (صلاة التَّاج)، وهي قولهم: اللهم صلٌ على سيدنا محمدٍ صاحب التاج والمعراج والبراق والعلمِ دافعِ البلاءِ والوباءِ!! والقحطِ والمرض!! والألمِ !!… وهذا من الشرك الأكبر، المُخرج من دين الله سبحانه، فينسبون إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر عليه من دفع البلاء والوباء والقحط والمرض، وهذا كفرٌ والعياذ بالله تعالى.
ومن الصلوات البدعية المعاصرة: (الصلوات الحجيرية)؛ لمؤلفها فتحي سعيد الحجيري، وفيها يقول: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد ألف الأولية النورانية، وباء البسملة في مبتدئ المعارف، وتاء التجلي، وثاء الثناء، وجيم جمال جلال صفات كمالك!.. وقاف الحقائق، ولام لوحك المحيط، وميم مددك الفياض.. واللهم صلِّ على سيدنا محمد نقطة باء البدء في عالم الابتداء، وكعبة المرسلين والأنبياء، والذات المحمود البهاء…"!
وأنت ترى كيف يضع هذا المبتدع لكل حرف هجاء صلاةً من الصلوات المبتدعة، وهذا كله في صيغةٍ واحدة؛ فكيف بغيرها من الصيغ. ومن ثمَّ يجعل هذا "الحُجيري" لكل حرفٍ باباً من الصلوات المتضمنة للشرك بالله عز وجل، والاستغاثات بغيره سبحانه التي هي بابٌ من أبواب الردة، بالإضافة إلى التوسلات المُحرمة، عدا الغلو المُحرم في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أوصافه، ونسبته إلى ما هو منه بريء، ولا يرضاه لو كان حيَّاً، كما تضمنت عقائد الحلولية كما يقول الغلاة في قدم النور المُحمدي، وتصُّرفات الأقطاب وغيرها من الضلالات.
أما عن مصدر هذه الصلوات المبتدعة، والدافع الأساس لاختراعها؛ فهو كما يقول محمد أحمد لوج في كتابه "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي": "فما من صوفي يريد تشريع ذكر من الأذكار، أو صلاة من الصلوات المبتدعة، إلا ويدَّعي أنه لقي الخضر، وأنه هو الذي أعطاه إياه، وما من أحد منهم يرتكب جريمة خُلقيَّة أو جنائيَّة، أو يهمل فريضةً من فرائض الله، إلا ويوجه منتقديه، بأنَّ صاحب الظاهر ليس من حقه أن ينتقد صاحب المقام الخضري، فمتى ما اشتهر شخصٌ منهم بمخالفة الأوامر والنواهي الشرعيَّة، قالوا عنه: كان خضريَّ المقام، أو كان يسير على سنن الخضر!!".
وبهذا تعلم أن الغرض الأساس لهؤلاء المتصوفة والمبتدعة هو حُبُّ الظهور، وتسخير الدين ليكون مركباً للدنيا؛ فيستخدمون اسم الطاعة واسم الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تحقيق الوجاهة في قلوب الناس، وهكذا هي بواطنهم، ونفوسهم تدعوهم إلى الجهالات والضلالات دون التفاتٍ إلى نور الوحي، ودون النظر إلى اكمال الله للرسالة المُحمديَّة، وتمام البلاغ المُحمَّدي، ومعلومٌ أن الجهالة والضلالة لا تقوم دليلاً لشيء، ولا تدلُّ على شيء سوى الخيبة والخسران؛ فهؤلاء الأدعياء يُخادعون الناس بهذه الصلوات المُنمَّقة والمسجوعة والمتكلِّفة، ولكنها هباء خواء، يحسبها الظمآن ماءً، وهي لا تعدل شيئاً في ميزان الله، والله يتولانا والمسلمين برحمته.
قال الإمام النوويُّ رحمه الله:وأقصر صيغ الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، هي ما جاء في الآية: وهي (اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد)، والواجب منه: (اللَّهمّ صلِّ على النبي)، وإن شاء قال: (صلى الله على محمد)، وإن شاء قال: (صلى الله على رسوله)، أو (صلى الله على النبي). ولنا وجه أنه يجوز أن يقول: (وصلى الله على أحمد). ووجه أنه يقول: (صلَّى الله عليه)، والله أعلم.
وأختم هنا بذكر بعض الصلوات المشروعة، التي سنَّها لنا نبيُّ الرحمة صلى الله عليه وسلم، وذكرها بعض أهل العلم، وقالوا: إن عدد الصيغ الثابتة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلغت ستةً وثلاثين صيغة، فواعجباً لمن يستبدل ما هو خير بما لا خير فيه؛ ونقتصر على ذكر سبعةٍ منها:
1- اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (رواه أحمد والطحاوي، بسند صحيح، عن رجل من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم).
2-اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (رواه البخاري ومسلم، عن كعب بن عجرة).
3 - اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم و وآل إبراهيم إنك حميد مجيد (رواه أحمد والنسائي وأبو يعلى، عن طلحة بن عُبيد الله).
4 - اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد (رواه مسلم وأبو عوانة، عن أبي مسعود الأنصاري).
5 -اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد عبدك ورسولك وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم (رواه البخاري والنسائي والطحاوي وأحمد، عن أبي سعيد الخدري).
6 - اللهم صل على محمد و على أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (رواه البخاري ومسلم، عن أبي حُميد الساعدي).
7 - اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد (النسائي والطحاوي، عن أبي هريرة) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق