أحكام السترة في مكة وغيرها
وحكم المرور بين يدي المُصلي
تأليف الشيخ محمد بن رزق بن طرهوني
مكتبة العلم -جدة
تمهيد/ هذه الرسالة الأثريَّة تتعلق بسُنة اتخاذ السُّترة في الصلاة، وهي من سُنن الهُدى، التي علمها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأمرهم بها؛ فقال: (لا تُصلوا إلا إلى سُترة).
وكان عليه الصلاة والسلام أول من التزم بهذه السُّنة، وكان أحرص الناس عليها؛ فكان يُصلي في مسجده إلى جدار يستره، وكانت تُحمل له العَنَزةُ تُنصب بين يديه في أسفاره، وكان بين مُصلاه وبين الجدار ممرُّ شاةٍ، وكان يتحرَّى الصلاة عند الاسطوانة، والصلاة إلى راحلته، ولو أن يخُطَّ خطاً -كما ذكر بعض العلماء في تأويل حديث ابن عباس أنه: (صلى إلى غير جدار).
وكان يجعل بينه وبين جدار الكعبة ثلاثة أذرع، ويمنع من أراد المرور بين يديه إنساناً كان أو حيواناً، وهذا كله مصداق قول الله عز وجل: {وما أريد أن أُخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} (هود: 88).
ثم كان أول من التزم بهذا الأمر بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم: صحابته الكرام، الذين عُرفوا بإعظامهم لأوامر النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت تقع منهم موقعاً عظيماً، وكانوا أسرع الناس تنفيذاً لها، وما ذاك إلا لإخلاصهم في محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وصدقهم فيها.
وقد جعل الباحث هذا الكتاب قسمين:
الأول: تقريرٌ لهذه السُّنة، وذكر الآثار عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين في هذه السُّنة، ومقدار أقل السترة، والمسافة بين المُصلي وبين سترته، وأنواع السترة التي كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يتخذها، وأنه كان يتخذ سترةً في مكة وغيرها، وأمر النبيِّ المُصلي بدفع المار، والتغليظ في ذلك.
الثاني: في ذكر بعض الشبهات، والبحوث الفقهية التي أُثيرت في موضوع السُّترة، والجواب عليها، ومنها:
-هل اتخاذها واجبٌ على المصلي أم لا ؟
-وهل يتخذها في كل مكان وعلى كل حالٍ أم لا ؟
-وهل المار بين المصلي وسترته كمن مرَّ من ورائها ؟
-وما حكم المرور بين يدي المُصلي؟
-وهل تبطل الصلاة أو ينقص أجرها بالمرور بين يدي المصلي ؟
-وهل يمنع المُصلي من يمرُّ أمامه أم يتركه يمر ؟
وقد أطال المؤلف في التخريج ونقد الأدلة حديثياً وفقهياً، وبذل فيه جهداً كبيرا ً لا سيما في تتبع الطرق، والحكم على الروايات، فجزاه الله عنا خير الجزاء، ولكننا قد نُخالف المؤلف في بعض المسائل التي ذكرها، ونرى أن غيرها أرجح منها؛ مثل: مسألة وجوب السترة؛ فإننا نرى استحبابها لا وجوبها، ومسألة بطلان الصلاة بمرور الكلب والحمار والمرأة، ونرى أنه لا يُبطل الصلاة شيء.
والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق