أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 أغسطس 2021

ماذا قدَّم المسلمون للعالم (الجزء الأول والثاني) إسهامات المسلمين في الحضارة الإنسانية د. راغب السرجاني

ماذا قدَّم المسلمون للعالم (الجزء الأول والثاني)

إسهامات المسلمين في الحضارة الإنسانية

د. راغب السرجاني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لقد جاء الإسلام ليمنح هذا الإنسان أسباب الحياة الكريمة، وليطبعه في منظومةٍ متكاملة من العدل والحرية والكرامة، والذي يُريد أن يفهم مسيرة الإنسانية، لن يستطيع أن يُدرك ذلك بغير الاطلاع والتعمق في دراسة هذه الحضارة الراقية؛ لأنها تُمثل حلقةً مُهمَّةً من حلقات التاريخ، وقد كانت إسهامات المسلمين في مسيرة الإنسانية من الكثرة والأهمية بمكان، بحيث إن البشرية كلها تُذعن لهم في كل مجال من مجالات العلوم والارتقاء الحضاريي منذ عهد النبوة وإلى يومنا هذا.

ولا شكَّ أن الحالة العلمية والثقافية والاقتصادية -بل والأخلاقية في العالم الإسلامي تُعاني من تخلُّفٍ شديد، الأمر الذي لا يتناسب مع تاريخ هذه الأمة الكريمة، لذا نحن بحاجة إلى عودةٍ صادقة إلى تاريخنا المجيد لنجد فيه ضالتنا من العلم والهدى والأخلاق، لنتمثل سيرة أجدادنا الفاتحين الأبطال، وعلمائنا الأفذاذ.

وهذا كتابٌ نفيس لصاحب اللهجة الصادقة، والنظر الدقيق، والاستنباط الحسن الشيخ الدكتور راغب السرجاني، صاحب السلاسل التاريخية والدينية الكبيرة، والذي سد الثغرة المعرفية بالحضارة الإسلامية لدى عموم المسلمين، واستطاع أن يصل إلى قلوب وعقول كثيرٍ منهم. وقد عُرض هذا الكتاب في 24 حلقة عبر قناة التناصح، بواسطة مؤسسة التناصح للدعوة والثقافة والإعلام.

وقد تعرض المؤلف إلى حضارة العرب والمسلمين التي استندت إلى أعظم دستور وهو كتاب الله عز وجل، وسُنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومقارنتها بالحضارات الأخرى، وقد تميزت حضارتنا: بالعالمية، والوحدانية، والتوازن، والوسطية، والصبغة الأخلاقية. وتعرض في شرحه لبعض الطوائف والجماعات الإسلامية بإزاء المنهج السلفي، وبين ضرورة التزام العقيدة السلفية، وقد فسَّر الواقع المصري في ظل هذه الأحداث والأمور.

أهمية هذا الكتاب:

1- التعرف إلى حقبة مُشرقة من تاريخ حضارتنا الإسلامية التي تعرضت لكثير من المحاولات لطمس هويتها وتعزيز ثقافة الانهزامية فيها.

2-التعرف إلى أهم المجالات التي استطاع المسلمون تطويرها سواء في العلوم التجريبية أو التطبيقية أو النظرية، الإنسانية والثقافية والحضارية.

3-التعرف إلى إبداعات المسلمين السابقة والمتقدمة من خلال وضع النظم المحكمة والاختراعات المدهشة والاكتشافات العلمية التي لم يسبقهم إليها أحد من الأمم الأخرى.

4-التعرف إلى شهادات المنصفين من علماء ومفكري الحضارة الغربية ونظرتهم المقدرة لتاريخنا المجيد.

5-دعوة المسلمين إلى استعادة مجدهم الضائع، ونبذ كل تلك الخلافات التي تخنق المواهب والإبداعات وتنقلهم إلى دائرة الصراع والفرقة.

أولاً: إسهام المسلمين في جانب الأخلاق والقيم: 

وكان المسلمون هم أول من اعتنى بحقوق الإنسان، والحيوان، والطير، والمرأة، والعمال والخدم، والرقيق، والمرضى، والبيئة، وذوي الاحتياجات الخاصة، واليتيم، والأرملة، والمسكين من خلال نظم راقية، لا تصل إليها نظر الغرب الحديثة.

ثانياً: إسهام المسلمين في تعزيز الحريات: 

وقد شرع الإسلام أحكاماً عظيمة تكفل حقوق كثير من الخلق، سواء في جانب العقيدة، أو التفكير، أو حرية الرأي، وحرية النفس ضمن ضوابط لا تُقيد الحركة، وحرية التملك والثراء والغنى، مع مراعاة الوسطية في مواساة الفقراء والمحتاجين، والرد على الإعلام الذي يحاول تشويه ذلك.

ثالثاً: إسهام المسلمين في تدعيم الأسرة وتكوينها: 

وذلك من خلال اختيار الزوجة الصالح، وتأسيس البيت الصالح، ورعاية الأبناء، والنظام الدقيق في بناء الأسرة الصغيرة، وعلاقتها بالأسرة الكبيرة أو الممتدة، بالإضافة إلى دور الأسرة في الحفاظ على المجتمع.

رابعاً: إسهام المسلمين في تعزيز التكافل الاجتماعي: 

وذلك من خلال نظام المؤاخاة، والمواساة والتكافل والصدقات وتفقد الجيران، والعدل مع الآخرين، والرحمة بهم.

خامساً: العلاقات الدولية في الإسلام:

وهو بذلك ينظم علاقة المسلم بغير المسلم سواء الذي يساكنه أو البعيد عنه، وجعل أصل العلاقة بين الناس: السلام، وبين أسباب الحرف، وأهدافها، وأخلاقيات الحرب التي يجب الانضباط بها.

سادساً: المؤسسات العلمية في الدولة الإسلامية:

وقد تبنى الإسلام نظرة متكاملة للعلم، وحدد دور العقل فيه، وأنه لا نزاع بين العلم والدين، وأنه حق مكفول للجميع، وأنه أول من عزز الجانب التجريبي الذي وصلوا من خلاله إلى اكتشاف الحقائق العلمية، والعملي، والجانب التطبيقي الذي يستفيد من العمل والنظريات العلمية، واكتشافهم لنظام الميكانيكا، من خلال الساعة التي أهداها هارون الرشيد لشارلمان ملك فرنسا، وقد أبدع المسلمون وأسهموا بمئات الاختراعات التي قدموها في مسيرتهم العلمية، وقاسوا قطر الأرض، وتفرق  6 أو  7% عن الاكتشاف العلمي الحديث له.

ووضح حرص المسلمين الشديد على الأمانة العلمية، ومناهج البحث العلمي. ويعتبر المسجد هو المؤسسة الأولى في الإسلام، فهو المدرسة التي تنشر العلم، ودار الفتوى، ودار القضاء، وتعلم المسلمون أن المسجد هو أهم شيء في حياتهم، واشتهرت عدة حلقات في زمن الصحابة؛ كحلقة عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، وكان يذهب إلى السوق ليأتي بالناس، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، ومعاذ في دمشق، وغيرهم وسار الفقهاء والعلماء والمحدثون على ذات الطريق، وكانت أشهر المساجد التي تبث العلم: المسجد النبوي، والأموي، ومسجد عمرو بن العاص بمصر، والفسطاط.

سابعاً: المؤسسات التعليمة والكتاتيب وتعليم الأطفال:

 وتحدث فيه عن نظامها، ومنهاجها، ودعمها، وتاريخها، وأهم من تخرجوا منها، وأسباب تكوينها، والمساجد والمدارس، والمكتبات وأنواعها، ومكتبة بغداد (جامعة إسلامية متطورة)، وهيئة العلماء، وكيفية الطلب، ومكانة العلماء في الدولة الإسلامية، والإجازة.

سابعاً: إسهامات المسلمين في العلوم الحياتية:

وذلك من خلال تطوير العلوم القديمة، كالطب، والفيزياء، والبصريات، والجغرافيا، والفلك، وابتكار علوم جديدة: كالكيمياء، والصيدلة، والجيولوجيا، والجبر، والميكانيكا.

ثامناً: إسهامات المسلمين في العلوم الدينية والفكرية:

وذلك من خلال والكم الهائل من الكتب والمؤلفات في الجبر والهندسة والحساب والفلك، وكلها اختراع إسلامي أصيل، بالإضافة إلى كتب التاريخ والحوادث مثل الموسوعة العلمية الكبيرة: المبتدأ والخبر في أخبار من غبر، لابن خلدون، وقد وضع له مقدمة عُرفت باسم "المقدمة"، وكتبه في أحد القلاع بالجزائر، وبقي 4 سنوات يكتب فيه.

بالإضافة إلى وضع القواعد في التصور العقدي وإصلاح التصورات لدى الأمم السابقة، والرد على أتباع الديانات المخالفة، وتفنيد الشُّبه، والحفاظ على التوحيد، بالإضافة إلى إصلاح علوم الفلسفة والمنطق، وتطوير الكتابة في التاريخ، والاجتماع والأدب، واللغات الأخرى. وقد وضع المسلمون وأهم المراجع العلمية في تاريخ الحضارة الإسلامية، وبينوا تطور الكتابة في حياة المسلمين، وما وهبهم الله من ملكة الحفظ، ودورها العظيم في حفظ أصول الدين وفروعه. 

 وفي الجزء الثاني، تحدث الكتاب عن:

أولاً: المؤسسات والنظم في الحضارة الإسلامية:

وأهم هذه المؤسسات هي مؤسسة الأمارة والخلافة، وقد عني المسلمون بوضع شروط مُعينة للخليفة، وكيفية اختيارهم، وعقد البيعة، وولاية العهد، وأسهموا في تطوير نظرية الحكم، والشورى، وعلاقة الحكام بعموم الناس، والفتن السياسية من المنظور الدينى، والوزارة وعظمتها في الحضارة الإسلامية، وتطوير نظام الوزارة، وإنشاء الدواوين، سواءً ديوان الجند، أو العطاء، أو الأوقاف، أو ديوان البريد والاتصالات، بالإضافة إلى بيت المال، ونظام الشرطة، والحسبة، والجيش، ومؤسسة القضاء والرقابة القضائية، ومهام القضاة وطرق تعيينهم، ومعايير اختيارهم، كذلك ديوان المظالم وما يتبعه.

ثانياً: النظام الصحي في الإسلام:

بما فيه من المستشفيات التي أنشأها المسلمون، وكانت أول مستشفى في الإسلام بناها الوليد بن عبد الملك سنة 91 هـ، واستقبل فيها الناس من كل أنحاء العالم، وكانت تعالج الجذام، والمستشفى الأول في أوروبا كانت بعد هذه المشفى بـ 9 قرون، حوالى 900 سنة، وكانت في باريس، وكانت متدنية في الخدمة الطبية والنظافة الصحية. وكان يجلس على السرير 4 أو 5 مرضى، والميت لا يحركونه إلا بعد 24 ساعة، وكتب المسلمون عن تخلف المستوى الطبي في الغرب، والفرق بين المستوى الحضاري والطبي. 

وكان يدخل المريض على الطبيب المتخصص، وهناك حجر صحي، ويأخذ المريض ملابس من المستشفى، ولكل مريض سرير، ويُصرف له من الطعام الجيد، والدواء من المشفى. ومعظم المستشفيات مجانية، والصيدلية كذلك اختراع إسلامي محض، وهناك مستشفيات ثابتة في كل مدينة لاستقبال المرضى، وهناك مستشفى متنقلة، فيما يُعرف بالقوافل المتنقلة، حتى تصل الخدمة الطبية إلى المناطق النائية، ويصل حمل القافلة إلى 40 جمل، في عهد السلطان محمود السلجوقي، وكان في قرطبة وحدها 50 مستشفى، كذلك أنشأت مستشفى النوري الذي أنشأها نور الدين محمود واستمرت إلى عام 1098 ميلادية، والمستشفى المنصوري الذي أنشأها الأمير المنصور الموحدي، ومستشفى قلاوون الذي أنشأه سيف الدين قلاوون وكانت تسع لـ 4000 مريض،ـ وكانت بغداد مدينة طبية متكاملة، كما وصفها ابن جُبير في رحلته.

وذكر السرجاني نشأة العلوم الطبية وتطورها، واهتمام المسلمين بها، ولا شك أن الطب أصبح يُحقق كل مقاصد الشريعة؛ ولذلك عده الشافعي أفضل العلوم بعد علوم الشريعة، لأنه يُساهم في حفظ النفس والنسل والعقل؛ حتى يُمارس الإنسان حياته بشكل طبيعي، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم أمر أمراً مُباشراً بتعلم الطب: (ما جع لالله من داء إلا جعل له دواء)، وأقر لهم الحجامة، والإسلام دين الرحمة، والرحمة غالبةٌ على أحكام الشريعة.

ثالثاً: مظاهر الجمال في الحضارة الإسلامية:

وذلك من خلال الحديث عن الفنون الإسلامية الجميلة، وفن العمارة، وبناء الفنادق، وفن الزخرفة، والخط العربي، وجمال الآلات والمصنوعات، وإبداعات المصنوعات، وكون هذا الجمال مستمد من الكتاب والسنة، وانتشار الحدائق في الحضارة الإسلامية، والنافورات، واعتناء الناس بمظهرهم، من جمال الجسم، والثوب، والبيت، والمدينة، والشارع، والسلوك، والذوق، والابتسام، وطلاقة الوجه، وسلامة الصدر، وحسن الخلق، وجمال الأسماء والألقاب، والعناوين، وذكر قرطبةً مثالاً لأنواع متعددة من الجمال.

رابعاً: أثر الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوروبية:

وذلك في معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، كالأندلس، وصقلية، وتأثر الغربيين بالحضارة الإسلامية من خلال الحروب الصليبية في كافة المجالات السابقة، وشهادة المنصفين منهم في تفوق الحضارة الإسلامية على حضارتهم في كافة الميادين. 

خامساً: الأوقاف في الحضارة الإسلامية: 

والوقف هو استمرارٌ لحاة الخير، وهو إبداعٌ إسلاميٌّ صرف لم يعرفه العالم من قبل، وأول من وقف في الدنيا هو نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي أوقف بساتين مخيرق بعد غزوة أحد، ثم صارت سُنة وتسارع الصحابة للوقف، فوقف عمر وعلي وطلة، وتوبة بن نمر في زمن هشام بن عبد الملك (105 -125 هـ) أنشاأ ديواناً للأوقاف، وذلك في مصر، ثم ابتعت كل الدول هذا النظام، وكان يتولى هذا الملف قاضي القضاة، ثم كثر العبء عليه؛ فتولاه شخصٌ آخر في القرن الرابع الهجري.

وكان أبرز مجالات الوقف: بناء المساجد، ومستشفى الوليد بن عبد الملك وقفاً على المجذومين، واهتمام المسلمين ببناء المدارس كانت بداية وقفية، وأكثر منها نور الدين محمود الحنفي، وصلاح الدين الأيوبي الشافعي، كذلك السلطان برقوق المملوكي، أوقف داراً لتعليم القرآن، وجعلوا للأوقاف أموراً عديدة يُنفق منه عليها: فجعلوا وقفاً للحج، ووقف للأسارى، ووقف لتجهيز الشباب اللزواج، وقف لإعطاء الذهب والحلي للمرأة ليلة زفافها، ووقف لابن السبيل، ووقف لإصلاح ذات البين، ووقف لإصلاح الطريق، ووقف في تونس لكسوة المواليد، ووقف الأواني، وذكر بعض ذلك ابن بطوطة في رحلته إلى دمشق، ووقف خداع المريض؛ فيقف شخصان يمران على المرضى ويُبشرونهم بالشفاء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق