الصبر مطية النجاح
لأبي عبد الله محمد بن أحمد ابن ظهير الإربيلي (٦٠٢ -٦٧٧ هـ)
جمع: عبد القادر المبارك (ت ١٩٤٥ م)
تقديم مازن المبارك
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذه قصيدة بائية لطيفة، نظمها الشيخ العالم محمد بن أحمد بن عمر الحنفيّ مذهباً، المراكشيِّ أصلاً، أحد أعيان الأدب، وفحول المتأخرين في الشعر، وقد قصد جمعها عبد القادر المباركح حيث إنه كلما وقف على قطعةٍ منها سجلها على غلاف الكتاب الذي يجدها فيه، ولما تمَّت لديه، نشرها في مجلة الحقائق الدمشقية، بعد أن شرح غريبها، وفسَّر ألفاظها.
وقد تضمنت هذه القصيدة العديد من الأغراض الحميدة، والمعاني الشريفة، التي أجلُّها الحث على التوبة والاستغفار، والزهد في هذه الدار، والعمل لدار القرار، والاتعاظ بأحوال الناس والاعتبار، واستشراف العاقبة الحسنة بحسن العمل لله سبحانه.
وعدد أبيات هذه القصيدة (١٢١) بيتاً، ويمكن تحديد أغراضها في النقاط التالية:
- بيان حقيقة الإنسان وأصل خلقه.
- التأكيد على أن الإنسان مخلوق مكرم خلق لغاية أرادها االله سبحانه وتعالى وهي العبادة.
- التأكيد على أن الإنسان لديه القدرة على التمييز بين الخير و الشر.
- التأكيد على أن االله زود الإنسان بالقدرة على التعلم والمعرفة، ليكون مستخلفاً في الأرض، معمراً لها.
- التأكيد على أن الإنسان مسؤول عن أعماله .
- تربية المتعلم على العبودية الله والخضوع له،كما خضع الكون.
- التأكيد على خضوع الكون لسنن سنها االله وفق أقدار معينة.
-التأكيد على أن الحياة دار ممر وابتلاء، وأن متاعها زائل .
- إيثار الآخرة على الدنيا، لكن دون إهمال الحياة الدنيا .
- السير في هذه الحياة وفق إرادة االله .
- الصبر والمجاهدة في هذه الدنيا؛ لأن الحياة تتطلب ذلك
ومن المعاني التي تضمنها القصيدة:
الإشارة إلى أن موت الأصحاب يُصيب الرجل بالموت وهو على قيد الحياة:
وإذا المرء طال عمراً أذاقته ... المنايا بموتها أصحابه
وفي الحث على المشورة، والاحتياط في الأمر:
ومن الحزم أن تشاور في الأمـر ... فكم فات ذا صواب صوابه
وفي تشبيه بعض الناس في أخلاقها بالوحوش الضارية التي لا ترعى حقاً ولا ذمَّةً:
ومن الناس مشبه الوحش لا ... يرضيه إلا عدوانه واغتصابه
وفي ذكر تباين الناس في الكرم والضيافة؛ حتى بلغ ببعضهم البخل أن يعقر ضيفه، بينما بلغ الكرم بالآخر أن كلابه لا تنبح لكونها شبعى:
ومن الناس عاقر الضيف كالكلب ... ومنهم من لا تهر كلابه
وفي بيان أن الجهل غُربة، والعقل أنس وراحة:
توحش الجاهل الإقامة في الأهل ... ولا يوحش اللبيب اغترابه
وفي أن اللبيب تكفيه الإشارة:
والحكيم الرشيد يخجله العتب ... ولا يخجل اللئيم سبابه
وفي بيان أن أذى اللسان سلاح العاجز:
وإذا اغتابك اللئيم فشكراً ... حيث أضحى جهد اللئيم اغتيابه
وفي أن إجابة السفيه تكمن في الإعراض عنه:
وإذا ساءك السفيه بما شاء ... فترك الجواب عنه جوابه
ويقول في معنى تبدُّل أحوال الناس، وارتفاع الوضيع:
كيف ترجو الوفاء من أهل دهر ... قد تساوت أبناؤه وذئابه
طال فيه العدول عن سنن القصد ... وطالت رؤوسه أذنابه
وفي معنى أن الرزق مكتوب، قلَّ أم كثر:
ولقد يرزق المقيم ويكدى ... من سعى دهره وطال اغترابه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق