آداب الزفاف في السُّنة النبوية المطهرة
الإمام محمد ناصر الدين الألباني
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذه رسالة مُفيدة ونافعة للشباب المقبل على الزواج، وقد تضمنت طائفة كبيرة من الآداب الرفيعة، والتوجيهات العظيمة التي جاء بها المصطفى صلى الله عليه وسلم، بيَّن فيها الألباني ما يباح للرجل إن نوى الخطبة، وما ينظر من مخطوبته، وما يكون من إذن البكر واستئمار الثيب، وما يباح من إعلان النكاح، والحث على تخفيف المهور، والبعد عن الإسراف والمفاخرة، والوليمة ومن يصنعها ويشارك فيها، ومن يُدعى إليها، وحكم تلبية الدعوة في الأعراس، وما يحرم من خطبة الأخ على أخيه، وحرمة لباس الذهب على الرجال، وحرمة خلوة الخاطب بخطيبته دون محرم.
ثم ما يتبع ذلك من الآداب السامية في الزفاف والمعاشرة، وكيف يستقبل الزوج زوجته في الليلة الأولى، وما يفعلان قبل المعاشرة من الملاطفة والدعاء بالبركة وصلاة ركعتين، ومن ثم الملاعبة والمؤانسة والمحادثة.
ثم ما يجب على هذين القلبين النقيين من حسن المعاشرة والمعاملة الطيبة، والملاطفة والممازحة بأدب ووقار، بلا تغافل ولا إساءة، ولا تهاون بحقوق أو واجبات، ووجوب طاعة الزوجة زوجها، وخدمته فيما لا يشق عليها، ومراقبته لبيته وماله وولده، وحفظه في غيبته وحضوره، وأن تفعل ما يسره ويرضيه.
وهي -في جملتها -نموذجٌ حيٌّ للنواحي الصحيحة التي تناولتها رسالة الإسلام، وأختم هذا التمهيد، بوصية أم إياس: أمامة بنت الحارث لابنتها عند الزواج بعشر وصايا:
قالت أمامة بنت الحارث لابنتها حين أرادوا أن يحملوها إلى زوجها:
«أيْ بُنيَّةُ إنَّ الوصيَّة لو تُرِكت لِفَضل أدبٍ تُرِكتْ لذلك منكِ، ولكنَّها تذكرةٌ للغافل، ومعونةٌ للعاقل،
ولو أنَّ امرأةً استغنت عن الزوج لغِنى أبويها وشدَّة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناسِ عنه، ولكنَّ النساء للرجال خُلِقْنَ، ولهنَّ خُلِق الرجال،
أيْ بُنَيَّةُ إنكِ فارقتِ الجوَّ الذي منه خرجتِ، وخلَّفتِ العُشَّ الذي فيه درَجتِ، إلى وَكْرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فأصبَحَ بملكه عليكِ رقيبًا ومليكًا، فكوني له أَمَةً يكنْ لكِ عبدًا وشيكًا،
يا بُنَيَّةُ احْمِلي عنِّي عشرَ خِصالٍ يَكُنَّ لكِ ذخْرًا وذِكرًا:
الصحبةَ بالقناعة، والمعاشرةَ بِحُسن السمع والطاعة، والتعهُّدَ لموقع عينيه، والتفقُّدَ لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منكِ على قبيحٍ، ولا يشُمَّ منكِ إلَّا أطيبَ ريحٍ، والكحلُ أحسن الحُسن، والماء أطيب الطيب المفقود، والتعهُّدَ لوقت طعامه، والهدوءَ عنه حين منامه، فإنَّ حرارة الجوع ملهبةٌ، وتنغيص النوم مبغضةٌ، والاحتفاظَ ببيته وماله، والإرعاءَ على نفسه وحَشَمه وعياله، فإنَّ الاحتفاظ بالمال حُسْنُ التقدير، والإرعاءَ (الإبقاء) على العيال والحَشَم حسنُ التدبير، ولا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا، فإنكِ إن أفشيتِ سرَّه لم تأمني غَدْرَه، وإن عصيتِ أَمْرَه أَوْغَرْتِ صدرَه، ثمَّ اتَّقي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحًا، والاكتئابَ عنده إن كان فَرِحًا،
فإنَّ الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظامًا، يكنْ أشدَّ ما يكون لكِ إكرامًا، وأشدَّ ما تكونين له موافقةً أطولَ ما تكونين له مرافقةً، واعلمي أنكِ لا تَصِلِين إلى ما تُحبِّين حتى تُؤْثِرِي رِضاه على رِضاكِ، وهواه على هواكِ، فيما أحببتِ وكرِهتِ واللهُ يَخِير لك...» فَحُمِلتْ إليه فَعَظُمَ موقعُها منه وولدتْ له الملوكَ السبعةَ الذين ملكوا بعده اليمنَ.
[«بلوغ الأرب» للألوسي (٢/ ١٩)]
ومن هذه الآداب الثابتة في السُّنة النبوية:
1-ملاطفة الزوجة عند البناء بها: بأن يقدم إليها شيئا من الطعام والشراب ونحوهما.
2-وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها.
3-صلاة الزوجين معاً.
4-ما يقول حين يجامعها، وهو: "بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا".
5-كيف يأتيها؟ ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء من خلفها أو من أمامها.
6-تحريم الدبر: ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها.
7-الوضوء بين الجماعين: يعني إذا أراد العود؛ لأنه أنشط له.
8-الغسل أفضل: لكن الغسل أفضل من الوضوء؛ لأنه أزكى وأطيب.
9- اغتسال الزوجين معاً: ويباح لكل منهما النظر إلى الآخر.
10- وضوء الجنب قبل النوم.
11- حكم هذا الوضوء: وليس ذلك على الوجوب وإنما للاستحباب المؤكد.
12- تيمم الجنب بدل الوضوء: ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحياناً.
13- واغتسالهما قبل النوم أفضل.
14- تحريم إتيان الحائض: ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها.
15- كفارة من جامع الحائض: من غلبته نفسه؛ فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريباً أو ربعها = 4جرام ذهب عيار 22.
16- ما يحل له من الحائض: ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض
17- متى يجوز إتيانها إذا طهرت: فإذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها، جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط، أو تتوضأ، أو تغتسل أي ذلك فعلت جاز له إتيانها؛ لأن اسم "التطهر" يقع على كل من هذه الأمور الثلاثة؛ ولأنه ليس في الدليل ما يحصر معنى قوله عز وجل: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} بالغسل فقط.
18- جواز العزل: ويجوز له أن يعزل عنها ماءه.
19- الأولى ترك العزل: ولكن تركه أولى لأمور:
الأول: أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها.
الثاني: أنه يفوت بعض مقاصد النكاح وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم.
20- ما ينويان بالنكاح؟ وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما.
21- ما يفعل صبيحة بنائه: ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره ويسلم عليهم ويدعو لهم وأن يقابلوه بالمثل.
22- وجوب اتخاذ الحمام في الدار: ويجب عليهما أن يتخذا حماماً في دارهما ولا يسمح لها أن تدخل حمام السوق فإن ذلك حرام.
23- تحريم نشر أسرار الاستمتاع: ويحرم على كل منهما أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع.
24- وجوب الوليمة: ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها.
25- السنة في الوليمة: وينبغي أن يلاحظ فيها أموراً:
الأول: أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول.
الثاني: أن يدعو الصالحين إليها فقراء كانوا أو أغنياء.
الثالث: أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة.
26- جواز الوليمة بغير لحم: ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر ولم لم يكن فيه لحم.
27- مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة: ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها.
28- تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة: ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء.
29- وجوب إجابة الدعوة: ويجب على من دعي إليها أن يحضرها.
30- الإجابة ولو كان صائماً: وينبغي أن يجيب ولو كان صائماً.
31- الإفطار من أجل الداعي: وله أن يفطر إذا كان متطوعاً في صيامه، ولا سيما إذا ألحَّ عليه الداعي.
32- لا يجب قضاء يوم النفل: ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم.
33- ترك حضور الدعوة التي فيها معصية: ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع.
34- ما يستحب لمن حضر الدعوة: ويستحب لمن حضر الدعوة أمران:
الأول: أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وهو أنواع:
-"اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيما رزقتهم".
-"اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني".
-"أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون".
الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة:
-"بارك الله لك".
-"اللهم بارك فيهما وبارك لهما في بنائهما".
-"على الخير والبركة وعلى خير طائر".
-"بارك الله لك وبارك الله عليك وجمع بينكما في -على -خير".
35-ولا يقول: "بالرفاء والبنين" كما يفعل الذين لا يعلمون فإنه من عمل الجاهلية وقد نهي عنه.
36- قيام العروس على خدمة الرجال: ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس نفسها إذا كانت متسترة، وأمنت الفتنة.
37- الغناء والضرب بالدف: ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور.
38- الامتناع من مخالفة الشرع: ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة حتى ظن كثير منهم - بسبب سكوت العلماء -أن لا بأس فيها وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها:
الأول: تعليق الصور على الجدران سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة لها ظل أو لا ظل لها يدوية أو فوتوغرافية فإن ذلك كله لا يجوز ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها.
الأمر الثاني مما ينبغي اجتنابه: ستر الجدار بالسجاد ونحوه ولو من غير الحرير؛ لأنه سرف وزينة غير مشروعة.
الثالث: ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلال يفعلن ذلك تجملاً بزعمهن! وهو مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرابع: هذه العادة القبيحة الأخرى التي تسربت من فاجرات أوروبا إلى كثير من المسلمات وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم بـ مانيكور وإطالتهن لبعضها.
الخامس: ومثلها في القبح - إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطر السليمة - ما ابتلي به أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للأوربيين الكفار حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غير حليق!
السادس: لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه بـ "خاتم الخطبة" فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضاً - لأن هذه العادة سرت إليهم من النصارى.
39- تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء =ولهذه المسألة ذيولها المطوَّلة.
40- وجوب إحسان عشرة الزوجة: ويجب عليه أن يحسن عشرتها ويسايرها فيما أحل الله لها - لا فيما حرم - ولا سيما إذا كانت حديثة السن.
41- وصايا إلى الزوجين: وختاما أوصي الزوجين:
أولا: أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة ولا يقدما عليها تقليداً أو عادة غلبت على الناس أو مذهباً.
ثانيا: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق