أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 25 أكتوبر 2020

الوجيز في أصول الفقه - الدكتور عبد الكريم زيدان

الوجيز في أصول الفقه

الدكتور عبد الكريم زيدان

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ يعتبر علم أصول الفقه من العلوم العالية والرفيعة بالنسبة لغيره من علوم الشريعة، لأنه يحتاج إلى ذهنٍ صافي، وفكر وقَّاد، ونظرٍ مشبعٍ بالفطنة والذكاء الحاد، مع سرعة استحضارٍ للأدلة، وبه يتمكن الفقيه من فهم كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،واستنباط الأحكام من نصوصها، ومن مصادرها المعتبرة، وذلك ضمن قواعد وضوابط هذا العلم الشريف.

وعلم أصول الفقه: هو العلم الذي يبحث في أدلة الفقه الإجمالية، ويبحث عن كيفية الاستفادة منها، وكلمة (أصول) جمعٌ مفردها أصل، والأصل هو ما ينبني عليه غيره، وكلمة (الفقه) في اللغة الفهم، وفي الاصطلاح: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبط من الأدلة التفصيلية، فـ(أصول الفقه): هي القواعد العامة من الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة والسبب والشرط والمانع والأهلية ودلالة الألفاظ، والاجتهاد.

  • وإذا أردنا الحديث عن أهمية هذا العلم ابتداءً؛ فنقول:

1-المحافظة على أحكام الشريعة الإسلامية؛ لأن علم أصول الفقه يقوم بحماية أدلة التشريع كي لا يقوم الناس بتجاوزها، كما أنه ساهم في حفظ وحماية أدلة الأحكام والمستندات الخاصة بها، بالإضافة إلى ذلك أنه قام بوضع مصادر أصلية وفرعية للتشريع، وذلك حتى يتم حفظ الشريعة بقواعدها.

2-ضبط أصول الاستدلال:حيث أن علم أصول الفقه يُميز بين الأدلة المزيفة والأدلة الصحيحة، وما يُقبل منها وما يُرد.

3-سهولة وتيسير عملية الاجتهاد: حيث أن علم أصول الفقه سهل من عملية الاجتهاد، كما أنه ساعد في إعطاء الحوادث الجديدة الأحكام المناسبة لها.

4-منع تفسير نصوص الكتاب والسنة بحسب الرأي والهوى، حيث يقوم علم أصول الفقه بضبط تفسير النصوص، ووضع معنى واضح لها، مما يمنع الناس من وضع تفسيرات أخرى غير صحيحة، أو محاولة التلاعب بالتفسير.

5-تقليل حدوث الخلافات، حيث يقوم علم أصول الفقه بوضع الرأي الحاسم في الكثير من الأمور، مما يمنع الناس من الاختلاف في الأمور الدينية، والذي ينشأ عنها الكثير من الخلافات مثل الفهم الخاطئ للقرآن الكريم والسنة النبوية.

6-بيان طرق الجميع بين الأدلة التي ظاهرها التعارض.

7-العمل على صقل الملكة الفقهية، والتي تساعد الفقيه أو الطالب على الفهم الصحيح، كما تمكنه من الإدراك والفهم الكامل لأدلة الأحكام المتعلقة بالفقه، وتتيح لهم الإطلاع على مختلف طرق الاجتهاد والاستنباط.

8-يساعد علم أصول الفقه في معرفة الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الخلافات بين المذاهب والعلماء، مما يؤدي إلى التماس الأعذار لهم.

9-يقوم علم أصول الفقه بالقضاء على الخلافات الفقهية غير المعتبرة، من خلال معرفة المردود من الأقوال وغير المردود، كما يساعد في حفظ وزن وقيمة الأقوال المعتبرة.

10-يساهم علم أصول الفقه في دعوة الناس إلى اتباع الأثر والدليل، ويبعدهم عن التقليد الأعمى والتعصب المذهبي؛ فعلم أصول الفقه يساعد في تقريب الخلاف الحادث بين المذاهب الإسلامية وبعضها البعض، كما يعمل على وضع حد للتعصب الطائفي والمذهبي، والذي ينتج عن الكثير من العوامل، وأهم هذه العوامل هو الجهل بأصول هذه المذاهب.

11-بيان الطريقة الصحيحة للاستدلال، حيث أنه ليس كل دليلٍ يكون صحيحاً يكون الاستدلال به صحيح، بالإضافة إلى تمكين الدارسين لقواعد الأصول من أجراء الكثير من الموازنات والمقارنات بين الآراء المختلفة للفقهاء المسلمين من ناحية، ومن ناحية أخرى آراء فقهاء القانون وذلك للوصول إلى قانون أكثر مناسبة، ومنع حدوث تعارض بين قوانين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية.

12-معرفة أصول وأسس جميع المذاهب الفقهية، بالإضافة إلى الوقوف على ترتيب الأدلة الخاصة بكل مذهب من المذاهب؛ حيث أن بعض المذاهب قدموا القياس على قول الصحابي، والبعض الآخر لا يعترف بذلك، وجعل العكس هو الكلام الصائب، وما إلى ذلك.

13-يقوم علم أصول الفقه بوضع وتوضيح ضوابط يجب أن تكون موجودةً في أسس فتوى، وكذلك الشروط التي يجب توافرها لدى الشخص المفتي، بالإضافة إلى آداب المفتي.

14-ضبط قواعد الخاصة بالمناظرة والحوار، وذلك يتم عن طريق الرجوع إلى الأدلة الصحيحة الموثوق بها.

15-حفظ العقيدة الإسلامية الصحيحة بحماية أصول الاستدلال، والرد على شبه المنحرفين من المبتدعة والفرق الكلامية، لا سيما نُفاة الصفات عن الرب سبحانه، حيث يمكن الاستفادة من علم الأصول.

16-الوقوف على سماحة وسهولة الشريعة الإسلامية، كما يُساعد في الإطلاع على مميزات هذا الدين، وذلك عن طريق دراسة الحكمة والعلة.

17-حماية الفقه الإسلامي من الفوضى الفقهية، كما تحميه من الجمود؛ حيث أن الفقه الإسلامي مناسبٌ لكل زمان ومكان، وفي كل العصور والمجتمعات.

  • أول من صنف في علم أصول الفقه:

وقد بدأ هذا العلم، بصورته المدونة، وليداً عل شكل قواعد متناثرة في ثنايا كلام الفقهاء وبيانهم للأحكام، فقد كان الفقيه يذكر الحكم، ودليله ووجه الاستدلال يه. كما أن الخلاف بين الفقهاء كان يعضد بقواعد أصولية يعتمد عليها كل فقيه لتقوية وجهة نظره، وتعزيز مذهبه وبيان مأخذه في الاجتهاد.، أول من دون هذا العلم، وكتب فيه بصورة مستقلة، هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة (204 هـ )، فقد ألف فيه رسالته الأصولية المشهورة. وتكلم فيها عن القرآن، وبيانه للأحكام. وبيان السنة للقرآن، والإجماع، والقياس، والناسخ والمنسوخ، والأمر والنهي. والاحتجاج يخبر الواحد، ونحو ذلك من الأبحاث الأصولية. وكان نهجه في هذه الرسالة يتسم بالدقة، والعمق، واقامة الدليل على ما يقول، ومناقشة آراء المخالف بأسلوب علمي رائع رصين، ثم تتابع الأمة بعد ذلك على التأليف في أصول الفقه.

  • أهم الموضوعات التي تناولها الدكتور زيدان في كتابه باختصار:

بدأ الدكتور زيدان بالمقدمة والتي عرج فيها على أهمية علم أصول الفقه في بيان مناهج الاستنباط وقواعده، ثم ذكر تعريفه باعتباره مركباً إضافياً، وتعريفه باعتباره اسماً ولقباً لعلم مخصوص، والغرض من دراسته، ومدى الحاجة إليه في الوقت الحاضر، وجعل كتابه هذا في أربعة أبواب:


الباب الأول: في مباحث "الحكم"، "والحاكم"، "والمحكوم فيه"، "والمحكوم عليه"، وفيه بيان تعريف الحكم الشرعي، وأقسام الحكم التكليفي من: (الواجب- المندوب -المباح -المكروه -والحرام)، وما يلحق به من (العزيمة والرخصة)، وأقسام الحكم الوضعي من: (السبب والشرط والمانع)، وما يلحق به من (الصحة والبطلان)، وبين المقصود بالحاكم  وهو الله تعالى، ووسيلة التعرف على أحكام الله، ثم ذكر المحكوم فيه، وعليه، وذكر الأهلية بنوعيها (الوجوب، والأداء)، وعوارضها، وهي إما سماوية، وهي: (الجنون، والعته، والنسيان، والنوم والإغماء، والمرض، والموت)، والعوارض (المكتسبة: من الجهل، والخطأ، والهزل، والسفه، والسكر، والإكراه).


الباب الثاني: أدلة الأحكام: وتقسيماتها، وشروطها، وترتيبها، وحجيتها، وقد ذكر عشرة من الأدلة: اثنان متفق عليها: (القرآن، والسنة)، واثنان احتج بهما الجمهور: (الإجماع، والقياس)، وست أدلة مختلف فيها بين الفقهاء (الاستحسان، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع، والعرف، قول الصحابي، وشرع من قبلنا)، ويُلحق بها (الاستصحاب)؛ لأنه دليل دفع لا إثبات.

الباب الثالث: في طرق استنباط الأحكام وقواعده، ويبحث في القواعد الأصولية اللغوية، ودلالاتها، من: (الخاص، العام، المطلق، والمقيد، الأمر، النهي، المشترك، والحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، والظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم، والخفي، والمشكل، والمجمل، والمتشابه، وعبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النص، واقتضاء النص، ومفهوم المخالفة)، ثم مقاصد التشريع العامة من الحفاظ على الضروريات الخمس، والناسخ والمنسوخ، والتعارض والترجيح.

 الباب الرابع: في الاجتهاد والتقليد: (تعريفه، ومن هو المجتهد؟ وشروط الاجتهاد وحكمه، وتغير الاجتهاد ونقضه، وتجزئه)، والتقليد (تعريفه، وحكمه التقليد ، وتقليد المذاهب الأربعة).

مميزات كتاب الدكتور عبد الكريم زيدان:

1-مراعاة أقوال الفقهاء المجتهدين على اختلافها وتنوعها، وايرادها بموضوعية تامة، وذكر الراجح منها، وطريقته الفريدة في الترتيب والتبويب.

2-ربط القوانين الفقهية بالقوانين الوضعية المصرية والعراقية لكونها الأشهر، مع بيان ما يُوافق وما يُخالف الشريعة الإسلامية منها.

3-اختيار التفصيل في بعض المسائل التي هي مجال بحث الفقهاء وذلك زيادةً في الإيضاح، مع كثرة ضرب الأمثلة، وقرب العبارة وسهولتها بالنسبة للدارس.


وختاماً: المذاهب الأربعة والتقليد:

أولاً:المذاهب الإسلامية مدارس فقهية لتفسير النصوص واستنباط الأحكام وليست هي شرائع قائمة بذاتها بحيث يحرم مخالفتها أو مناقشتها والإعتراض عليها.

ثانياً:الشريعة الإسلامية أوسع من أي مذهب وحجة عليه، وليس أي مذهب حجة على الشريعة الإسلامية مهما كان هذا المذهب.

ثالثاً: المسوغ لتقليد المذهب كونه مظنة تعريف المقلد بحكم الشرع.

 رابعاً:على المقلد أن يطهر نفسه من التعصب الذميم للمذهب الذي يقلده، لا سيما في الأقوال التي تُخالف الكتاب والسُّنة وإجماع السلف.

خامساً:لا إلزام على المقلد باتباع جميع أقوال مذهبه، ولهذا له أن يسأل أي عالم من غير مذهبه عن حكم الشرع في مسألة تهمه.

سادسا :لا نضيق باختلاف المذاهب، أو يكون شغلنا الشاغل دعوة الناس إلى الامتثال الحرفي لما فيها؛ فإن ذلك مذموم وقبيح.


 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق