أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 25 أكتوبر 2020

شروط الأئمة الستة -ويليه شروط الأئمة الخمسة -بقلم:أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

شروط الأئمة الستة

للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي (448 - 507 هـ)

ويليه شروط الأئمة الخمسة

للحافظ أبي بكر محمد بن موسى الحازمي ( 548 -584 هـ)

بقلم:أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

تمهيد/ هذا الكتاب صنفه الإمام محمد بن طاهر المقدسي الفلسطيني لبيان الشروط التي وضعها أصحاب الكتب الستة عند تصنيفهم لها، وبيَّن فيه أن لكل واحدٍ منهم شرطاً التزمه وجرى عليه في تخريج لمحفوظه من الأحاديث، ولذا قال في بيان سبب تأليفه: "وإن بعض أهل الصنعة سألني ببغداد عن شرط كل واحدٍ من هؤلاء الأئمة في كتابه، فأجبته بجواب أنا أنذكره ههنا بعينه ورمَّتِه"..

    والكتاب الثاني هو للإمام أبي بكر محمد بن موسى الحازمي، وفيه بيان شروط الأئمة الخمسة، وهم الستة عدا ابن ماجه؛ وقد قال في مقدمته: "فقد سألتني وفقك الله لاكتساب الخيرات، وجنبني وإياك موارد الهلكات أن أذكر لك شروط الأئمة الخمسة، في كتبهم المعتمدة، على نقلهم وحكمهم.. وما قصدوه من غرض كل واحدٍ منهم في تأسيس قاعدته، وتمهيد مرامه…."، ولعل كلام الحازمي أوفى وأوسع من كلام ابن طاهر، وفي كُلِّ خير.

وقد رأيتُ هنا الاقتصار على ما يحتاج إليه طالب العلم والحديث من المعاني التي ذكراها في كتابيهما، وما لم يذكراها وأرتبها بطريقة تُسهل فهمها، والرجوع إليها، فنقول وبالله التوفيق:

  • من هم الأئمة الستة؟

البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

  • هل صرَّح هؤلاء الأئمة بشروطهم في مصنفاتهم ؟

يقول ابن طاهر: "اعلم أن البخاريَّ ومسلماً ومن ذكرنا بعدهم لم يُنقل عن واحدٍ منهم أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني (يعني سوى اشتراط اللقي عند البخاري، والاكتفاء بالمعاصرة عند مسلم)، وإنما يُعرف ذلك من سبر كتبهم، فيُعلم بذلك شرط كل رجلٍ منهم".

  • أولاً: الإمام أبو عبد الله البخاري:

وهو أول الأئمة الستة: وهو محمد بن إسماعيل البخاري، وكنيته أبو عبد الله، ولد ببخارى سنة (194 هـ)، ومات بخرتنك قرب سمرقند سنة (256 هـ)، ومن تصانيفه "الجامع الصحيح المختصر"، ويعتبر كتابه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل.

وهو أول من صنف في الصحيح المجرد، وسبب تأليف ما رواه الحازمي بسنده إلى الإمام البخاريِّ، أن إسحاق بن راهويه -شيخه -قال: "لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال البخاريُّ: فوقع ذلك في قلبي، فأخذتُ في جمع الجامع الصحيح". وقد ابتدأ تأليفه في الحرم النبويِّ الشريف، ولبث فيه ست عشرة سنة، وأتمَّه ببُخارى.

وما كان يضع فيه حديثاً إلا بعد أن يغتسل ويُصلي ركعتين، ويستخير الله في وضعه، وقد روى الفربريُّ وغيره، عن البخاري، قال: "ما أدخلتُ في الصحيح حديثاً إلا بعد أن استخرتُ الله تعالى، وتيقنتُ صحته"، وقد اقتصر في جامعه على الصحيح، ولم يستوعب كل الصحيح، فقد ترك منه أكثر مما أثبته؛ لئلا يطول الكتاب، وقد خرجه من مائة ألف حديث صحيح.

وجميع ما في البخاري من الأحاديث الموصولة بلا تكرير (2602) حديث، ومن المتون المعلقة المرفوعة التي لم يصلها في موضع آخر من كتابه (195) حديثاً وصلها في كتب أخرى له أو وصلها من جاء بعد.

وجملة ما في الكتاب من التعاليق (1341) حديث معلق، وجملة ما في الصحيح من المتابعات (344) حديث، وعليه فجملة ما في البخاري من الأحاديث (9082) حديث. وهذا العدد لا يشتمل على ما في الكتاب من الموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين؛ فمن بعدهم.

  • ماذا يعني البيهقي والبغوي بقولهما: أخرجه البخاري ؟

والجواب أنهما يعنيان أن البخاريّ أخرج أصل الحديث.

  • ثانياً: الإمام مسلم بن الحجاج:

وثانيهم -الإمام مسلم: وهو مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، وكنيته أبو الحسين، ولد بنيسابور سنة (204 هـ)، وتوفي بها سنة (261 هـ)، وله الصحيح، وهو تلميذ البخاري. 

وكتابه الصحيح هو ثاني الكتب الستة بعد صحيح البخاري، وقد اختاره مسلمٌ من ثلاثمائة ألف حديثٍ مسموعة، وعدد أحاديثه أكثر من عدد أحاديث البخاري، حيث بلغت أحاديثه (12 ألف) حديث بالمكررات، وبدون المكررات (4 آلاف) حديث، وأحاديث صحاح وليس فيها ضعيفٌ أو حسن.

وقد جعل مسلمٌ في بداية الكتاب مقدمة مهمة في "علم أصول الحديث"، مع بيان سبب التأليف، واقتصر حديثه على المرفوع ولم يذكر من الموقوف إلا نادراً، وليس فيه حديثٌ مُعلق سوى حديثٍ واحدٍ في التيمم.

  • ما هو شرط كُلٌّ من البخاريِّ ومسلم لإخراج الحديث في صحيحه؟

اشترط البخاريُّ ومسلمٌ على تخريح الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابة من غير اختلافٍ بين الثقات الأثبات، ويكون اسناده متصلاً غير مقطوع.

  واشترط البخاريُّ في "صحيحه" المُعاصرة واللُّقي، أي: أن يكون الراوي عاصر شيخة وثبت عنه سماعه منه، وشرط مسلم المعاصرة، وزاد بعضهم مع إمكان اللقي، وكلاهما اعتى بجمع الصحيح من الحديث.

  • أيهما أصحُّ شرط البُخاري أم شرط مُسلم ؟

أصحُّهما شرط البخاري؛ لأمور، منها: 

1- أن شرط البخاري أشدُّ من شرط مُسلم؛ لأنه يشترط اللقي والمعاصرة، وأما مسلم فيكتفي بالمعاصرة.

2-أن الذين انفرد بهم البخاري دون مسلم وتُكلم فيهم ثمانون رجلاً، بينما الذين انفرد بهم مسلمٌ وتُكلم فيهم مائة وستون رجلاً.

3-لم يكثر  البخاري الإخراج لمن تُكلم فيه، خلاف مسلم فإنه أكثر من الإخراج عمن تكلم فيه.

4-أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيهم أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وجالسهم، وعرف أحوالهم، واطلع على حديثهم، خلاف مسلم؛ فإن أكثر من تفرد بتخرج حديثهم ممن تكلم فيهم ممن تقدم عن عصره، ولا شك أن المحدث أعرف بحديث شيوخه ممن تقدم عنهم.

5-أن البخاري يخرج عن الطبقة الأولى البالغة في الحفظ والإتقان، ويُخرج عن الطبقة الثانية التي تليها في طول الملازمة اتصالاً وتعليقاً، ومسلمٌ يخرج عن هذه الطبقة أصولاً.

  • هل كل حديث في البخاري أصحُّ من أحاديث مسلم ؟

والجواب: لا يلزم ذلك؛ وإنما أحاديث البخاري أصح من حيث الجملة، وإلا فقد توجد بعض الأحاديث في مسلم أقوى من بعض الأحاديث في البخاري.

  • هل اشترط البخاري ومسلم إخراج كل حديث صحيح ؟

والجواب: أنهما لم يشترطا إخراج كل حديث صحيح، فقد نقل أهل العلم عن البخاريِّ أنه قال: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح"، ونقلوا عنه أيضاً: "وتركتُ من الصحاح مخافة الطول"، وقد صحح البخاريُّ نفسه أحاديث لم يذكرها في صحيحه، وذلك واضحٌ بصورة كبيرة في سؤالات الترمذيِّ له، كما في "سنن الترمذي"، ونقل أهل العلم عن مسلمٍ كذلك قوله: "ليس كل شيء عندي صحيحٌ وضعته هاهنا، إنما وضعتُ ما أجمعوا عليه".

  • ما الذي تميَّز به البخاريُّ عن مسلم والعكس ؟

فاق البخاريُّ مسلم في شرط الصحة ودقة الفقه والاستنباط، بينما فاق مُسلمٌ في الصناعة الحديثية التي تتعلق بسياق الأحاديث وطرقها متتابعةً وشواهدها، ولذا قال بعضهم:

(فقلتُ لقد فاق البخاريُّ صحةً … 

كما فاق في حسن الصناعة مسلم)

  • ما هي مراتب الحديث الصحيح، وبماذا انتقدت ؟

قال جمعٌ من أهل العلم أن أعلى مراتب الصحيح (ما اتفق عليه الشيخان على صحته)، ثم (ما انفرد به البخاري)، ثم (ما انفرد به مسلم)، ثم (ما كان على شرطهما ولم يُخرجاه)، وثم (ما كان على شرط البخاري ولم يخرجه)، ثم (ما كان على شرط مسلم)، ثم (ما أخرجه الذين اشترطوا في كتبهم الصحة).

وانتقدت: بأن المتواتر أعلاهاً صحةً، ودُفع هذا الانتقاد بأن المتواتر إنما هو من مباحث المتن، وليس من مباحث الإسناد، فهو خارجٌ من البحث أصلاً، فهو صحيحٌ بلا بحث.

وانتقدت أيضاً بأن ما رواه الجماعة أعلى صحةً مما أخرجه الشيخان، ودُفع بأن من لم يشترط الصحة لإخراج الحديث لا يزيد إخراجه للحديث صحةً، ولكن الذي يظهر أ، ما أخرجه الجماعة (الستة) ينبغي أن يكون أعلى رتبةً من المتفق عليه؛ لأنه يكن متفقاً عليه وزيادة، والبخاري ومسلم يدخلان في الجماعة.

  • هل يشترط في الحديث الصحيح أن  يكون عزيزاً ؟

لا يشترط في الحديث الصحيح أن يكون له إسنادان، لأنه يوجد في الصحيحين وغيرهما أحاديث صحيحة وهي غريبة، واشترط بعض العلماء ذلك؛ كأبي علي الجبّائي من المعتزلة، وأبي عبد الله الحاكم، وقولهم هذا خلاف ما أجمعت عليه الأمة، وقد استوفى الرد عليه كلاً من الإمام ابن طاهر في (شروط الستة، ص 22 -24)، والحازمي في (شروط الخمسة، ص 33- 40).

  • ثالثاً: الإمام أبو داود السجستاني:

وثالثهم -الإمام أبو داود: وهو سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، ولد بسجستان سنة (202 هـ)، ومات بالبصرة سنة (275 هـ)، وله كتاب "السنن"، وعدد أحاديث كتابه (4800) حديث، وقد اختارها من بين (500) ألف حديث، حيث قال: "كتبتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبتُ ما ضمنته وجمعتُ في كتابي هذا أربعة آلاف وثمانمئة حديث من الصحيح، وما يُشبهه وما يُقاربه" يعني من الحسن والضعيف المنجبر.

وقد اهتم رحمه الله بفقه الحديث أكثر من اهتمامه بالأسانيد، ويذكر في الباب أحاديث قليلة، ولا يُعيد الحديث في الباب إلا لزيادة فيه، وما كان من الأحاديث فيه وهنٌ شديد؛ فإنه يُبينه، وما سكت عنه فهو صالحٌ يعني للاحتجاج، واشتمل على كثيرٍ من المراسيل.

 وقد حدث عنه الترمذي، والنسائي، وكتب عنه أحمد حديث العتيرة، ومن أشهر رواة السنن عنه: أبو سعيد الأعرابي، وأبو علي اللؤلؤي، وأبو بكر بن داسه.

  • ما هو شرط أبو داود في سننه ؟

يشترط أبو داود في "سننه" أن يكون صالحًا للاعتبار والاحتجاج به، ويترك ما هو شديد الوهن، ولا يروي عن من اجتُمِعَ على تركه حديثه من الرجال، حيث قال: "ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما كان فيه وهن شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض".

وكذلك يحتجُّ بالمراسيل؛ قال: "وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل سفيان الثوري، ومالك، والأوزاعي حتى جاء الشافعي، فتكلم فيها وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل، وغيره. فإذا لم يكن مسند غير المراسيل، فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة".

وأما الحديث الغريب فيتركه ولو كان مرويًا من الثقات، ويستند إلى أقوال السلف في ذلك مثل قول إبراهيم النخعي: "كانوا يكرهون الغريب من الحديث"، وقول يزيد بن أبي حبيب: "إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة، فإن عرف وإلا فدعه".

  • رابعاً: الإمام أبو عيسى الترمذي:

ورابعهم -الإمام الترمذي: وهو محمد بن عيسى الترمذي، وكنيته أبو عيسى، ولد سنة (209 هـ) بترمذ، وبها توفي سنة (279 هـ)، ومن شيوخه البخاري، وأبو داود.

وله كتاب "السنن"، ويشتمل على (3956) حديث، قد رتبه على الأبواب مقتدياً بالبخاري ومسلم، وأبي داود، فجمع بين طرقهم، وأضاف إلى كتابه بيان مذاهب الصحابة التابعين والفقهاء، وكتابه في الجملة حسن الترتيب قليل التكرار، وليس في سنن الترمذي حديثٌ موضوع، ولا يُعتد بقول ابن الجوزي رحمه الله الذي أشار إلى وجود ثلاثة عشر حديثاً موضوعاً، وقد حكم الترمذيُّ على أحاديثه بالصحة والحسن والضعف، وبينَّت المستفيض والغريب والمُعل، وسكت على بعض الأحاديث، وقد بين منهجه في آخر كتابه الجامع عند حديث عن العلل.

  •  ما هو شرط الترمذيِّ في كتابه ؟

قال الترمذيُّ (كما قال الإمام الحازمي في كتابه الأئمة الخمسة، ص56): "ما أخرجتُ في كتابي إلا حديثاً عمل به الفقهاء"، يعني ولو واحداً.

  • خامساً: الإمام النسوي أو النسائي:

وخامسهم -الإمام النسائي: وهو أحمد بن شعيب النسائي، وكنيته أبو عبد الرحمن، ولد في نسا من نيسابور سنة (215 هـ)، ومات بالرملة سنة (303 هـ)، وله كتاب "السنن الصغير" المعروف بالمجتبى، وهو من رواية ابن السُّني، وهو المعدود في الأصول الخمسة. وأما سنن النسائي الكبير فهو من رواية ابن حيويه، وابن الأحمر، وابن قاسم، ولا يُعد من الأصول الخمسة، ومن شيوخه أبو داود والترمذي.

وأما الأصل الذي في الخمسة؛ فهو السنن الصغرى أو (المجتبى) وهو منتقى من السنن الكبرى، وقد انتقاه بناءً على طلب أمير الرملة منه، بانتقاء الصحيح من السنن الكبرى، وعدد أحاديثه بالمكرر (7275) حديث، وبحذف المكرر (4 آلاف) حديث، وهو أقل الكتب الستة بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً، ولذلك ذكروه بعد الصحيحين في المرتبة، وكان لا يكاد يُخرج لمن غلب عليه الوهم، ولا من كان فاحش الخطأ.

  • ما هو شرط النسائي (النسوي) في كتابه ؟

وشرط الإمام النسائي أنه لا يترك راوياً إلا إذا اجتمع الجميع على ترك حديثه، وفسر ابن حجر (الجميع) بطبقتي المتشددين والمتوسطين، فقال: إنما أراد بذلك إجماعاً خاصاً، وهو ما ذكرناه. 

ومن الأمثلة على المتشددين: شعبة، ويحيى القطان، ويحيى بن معين، وأبو حاتم. ومن الأمثلة على المتوسطين: سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، والإمام البخاري.

  • ما هي طريقة عمل الإمام الترمذي في سننه ؟

ربما سلك الإمام الترمذي طريقة الإمام مسلم في بعض الأحان؛ فقد نصَّ مسلم على أنه ربما أخرج الحديث في صحيحه من طريق ضعيف لعلوه، والحديث معروفٌ عند أئمة هذا الشأن من طريق العدول، ولكن بإسنادٍ نازل. وقد أنكر أبو زرعة على مسلم إخراجه حديث أسباط بن نصر، وقطن بن نُسير، وأحمد بن عيسى المصري، فقال مسلم: إنما أدخلتُ من حديث أسباط، وقطن، وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إليَّ عنهم بارتفاع ويكون عندي برواية من هو أوثق منهم بنزول، فأقصتر على ذلك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات.

  • هل نُسَخ الترمذيِّ كلها واحدة ؟

ليست كل نسخ الترمذي واحدة؛ ففي بعضها يقول: حسن، وفي بعضها: حسن صحيح، وذلك في الحديث الواحد، ومثال ذلك حديث (الصلح جائزٌ بين المسلمين). وقال الصنعاني في "توضيح الأفكار": لم يُتبعه الترمذيُّ بتصحيحٍ ولا تحسين، وفي كثيرٍ من النُّسخ حسنٌ صحيح.

  • ماذا قال ابن حزم في الترمذي ؟

ذكر الذهبيُّ عن ابن حزمٍ أنه قال في كتابه "الإيصال" عن الترمذي: "مجهول"، وكذا ذكر ابن حجر عنه، ورد العلماء على ابن حزم قوله؛ فقالابن حجر: "أما ابن حزم فنادى على نفسه بعد الاطلاع، وذلك لما وصف الترمذي بالجهالة"، وقد أشار الشيخ أحمد شاكر في "مقدمة الترمذي" إلى أن الذهبي قد يكون وهمَ في ذلك، ونقل هذا الوهم عنه ابن حجر، فإن ابن حزم أخرج للترمذي حديثاً في المُحلى (9/ 297) ولم يذكر جرحاً ولا تضعيفاً.

  • ما هي رتبة الإمام الترمذي في التصحيح ؟

الترمذي معروف بالتساهل في التصحيح؛ فينبغي أن تتبع الأحاديث الموجودة فيه، ويُحكم عليها بما تستحق، وقد شرع في هذا الشيخ أحمد شاكر وقد عاجلته المنية رحمه الله تعالى، وحقق منه الباقي محمد فؤاد عبد الباقي، وعطوة عوض.

  • سادساً: الإمام ابن ماجه:

وسادسهم -ابن ماجه: وهو محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، وكنيته أبو عبد الله، ولد سنة (209 هـ)، وتوفي (273 هـ) صاحب "السنن" وغيره.

  وبلغت عدد أحاديث كتابه (4341) حديث، وفيه زوائد كثيرة عما ورد في الكتب الخمسة السابقة، وقد اختلف العلماء في الحكم عليها؛ فرأى المزيُّ أن "كل ما انفرد به ابن ماجه عن الخمسة ضعيف"، ولكن الحافظ ابن حجر يقول: "إنه انفرد بأحاديث كثيرة صحيحة".

وأعلى ما عنده هو الثلاثيات إلا أنها بطريق جبارة بن المغلس، وقد نظم ابن الجوزي في سلك الموضوعات من أحاديث نحو ثلاثين حديثاً، وفعل مثل ذلك مع الترمذي، إلا أن ما في ابن ماجه من الضعيف جداً والواهي يقل عن هذا المقدار إلى الثلثين، وقد اشتهر أن الرجال الذين انفرد بهم ابن ماجه ضعاف، وإن كان بين الأحاديث التي انفرد بها صحاح. 

وللحافظ الشهاب البوصيري (مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه) تكلم فيه على كل إسناد من أسانيد تلك الزوائد بما يليق بحاله من صحة وحسن وضعف.

وأول من أدخل كتاب ابن ماجه (السنن) في عداد الأصول الستة هو الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي؛ فتتابع أكثر الحفاظ على ذلك في كتبهم في الرجال والأطراف، إلا أنهم اختلفوا هل هو سادس الخمسة أم سادس الستة؟.

  • ما هو شرط ابن ماجه في "سننه" ؟

لم يتعرض الإمام ابن ماجه لذكر شرطه في الأسانيد التي أوردها في سننه، وكذا لم يكتب مقدمة يوضِّح فيها منهجه، قال ابن الملقن: "وأما سنن أبي عبد الله بن ماجه القزويني فلا أعلم له شرطاً، وهو أكثر السنن الأربعة ضعفا.."، لكن الإمام أبا زرعة الرازي قال في وصف السنن: "طالعت كتاب أبي عبد الله بن ماجه، فلم أجد فيه إلا قدراً يسيراً مما فيه شيء..".

وقد بيّن الإمام ابن ماجه بعض الأحاديث المعلولة التي أوردها في كتابه، وذلك في مواضع يسيرة جداً، ومن ذلك ما فعله بعد إيراده لحديث النهي عن الوضوء بفضل المرأة والنهي عن الاغتسال بفضلها، قال: "الصحيح هو الأول، والثاني وهمٌ".

  • اذكر مقاصد الأئمة الخمسة في تخريجهم للحديث ؟

قال الإمام الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة": 

وأما فرق ما بين الأئمة الخمسة من القصد:

1-فغرض البخاري تخريج الأحاديث الصحيحة المتصلة واستنباط الفقه والسيرة والتفسير؛ فذكر عَرَضاً الموقوف والمُعلق وفتاوى الصحابة، والتابعين، وآراء الرجال؛ فتقطعت عليه متون الأحاديث وطرقها في أبواب كتاب.

2-وقصد مسلم تجريد الصحاح بدون تعرض للاستنباط؛ فجمع أجود ترتيب، ولم تتقطع عليه الأحاديث.

3-وهمَّةُ أبي داود جمع الأحاديث التي استدل بها فقهاء الأمصار وبنوا عليها الأحكام؛ فصنف سننه، وجمع فيها الصحيح والحسن واللين والصالح، وهو يقول: "ما ذكرتُ في كتابي حديثاً أجمع الناس على تركه، وما كان ضعيفاً صرَّح بضعفه، وما كان فيه علة بينها، وترجم على كل حديث بما قد يستنبط منه عالمٌ، وذهب إليه ذاهبٌ وما سكت عنه فهو صالحٌ، وأحوج ما يكون الفقيه إلى كتابه.

4-وملمح الترمذيِّ الجمع بين الطريقتين؛ كأنه استحسن طريقة الشيخين؛ حيث بينا وما أبهما؛ وطريقة أبي داود حيث جمع كل ماذهب إليه ذاهبٌ فجمع كلتا الطريقتين، وزاد عليهما ببيان مذاهب الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، واختصر طرق الحديث؛ فذكر واحداً وأومأ إلأى ما عداه، وبيَّن أمر كل حديثٍ من أنه: صحيح، أو حسن، أو منكر، وبيّن وجه الضعف، أ, أنه مستفيض، أو غريب. قال الترمذيُّ: ما أخرجتُ في كتابي هذا إلا حديثاً عمل به بعض الفقهاء سوى حديث: (فإن شرب في الرباعة فاقتلوه)، وحديث: (جمع بين الظهر والعصر بالمدينة من غير خوفٍ ولا سف).

تنبيهات على بعض الأخطاء اللغوية التي وقعت في هذا الكتاب، حتى لا تؤثر على فهم الطالب:

ص 18/ خ: (مثل تلك الآخر) = والصواب (مثل تلك الأخر).

ص 47/ تشكيل (موسى بن عُلي) بضم العين.

ص 49/ خ: (تفرد بالحديث أو شاذه) = والصواب (شاده) أي عضده وقواه.

ص 53/ خ: (الفاسق يخلف) = والصواب (يخاف).

ص 73/ خ: (يم الفضل الصائغ) =والصواب (ثم).

والحمد لله رب العالمين.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق