أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 أكتوبر 2020

الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم

للإمام الموفق عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

(541 -620 هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه رسالة صغيرة الحجم، غزيرة الفائدة، أراد الإمام الموفق من خلالها الرد على بعض المبتدعة في مسألة كلام الله تعالى، وإثبات أن الله تعالى يتكلم حقيقةً، بحرف وصوت مسموع، وقد ردَّ على الأشاعرة الذين زعموا أن كلام الله نفسي، وقد أجاد رحمه الله في الرد عليهم، وبيَّن حقيقة قولهم ولازم مذهبهم من إبطال الوحي، وتعطيل الشرائع، وتكذيب الرسل، وإنكار الكتب، ومخالفة إجماع السلف؛ بالإضافة إلى تناقض الأشاعرة في هذا الباب بين الحقيقة والمجاز، والإظهار والكتمان. 

وقد بين الإمام ابن قدامة رحمه الله سبب تأليف هذه الرسالة، بقوله: "فإني وقفتُ على سقطةٍ من سقطات أهل الجهالة، وهفوةٍ من هفوات أهل الضلالة، ذكر فيها أنه يُبين خلق الحروف من الكتاب والسنة، ويُرشد من وقف عليها إلى طريق الجنّة!! فهممتُ ألا أُجيبه، لظهور فساد قوله، والاستغناء بما لا يجفى من جهله؛ حتى سُئلتُ ردَّ جوابه، وبيان خطأ قوله من صوابه؛ فأقول وبالله التوفيق ...".

وهذه المسألة قد تناولها الإمام ابن قدامة بالبحث والتفصيل في العديد من كتبه، واعتنى بها أيما عناية؛ فألمح إليها في"المناظرة في القرآن"، و"تحريم النظر في كتب الكلام"، و"لمعة الاعتقاد"، و"البرهان في بيان القرآن"، و"ذم التأويل"، وغيرها، وقد وظَّف الشيخ ابن قدامة بعض عبارات الخصم في الرد عليه؛ وذلك في مواضيع متنوعة، أشار المحقق إليها في بعض العناوين الفرعية، نذكرها إجمالاً:

1-إثبات أن كلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد (نزل في أوقات متفرقة ومتجددة) لكنه غير مخلوق، فآحاده متجددة؛ فيتكلم الله بما شاء متى شاء، وإبطال دعوى الكلام النفسي الذي تثبته الأشاعرة، وقولهم إن القرآن يُنسب إلى الله مجازاً وليس هو كلامه بل هو عبارات وحكايات مخلوقة عبَّر بها جبريل بإلهامٍ من الله تعالى، وبيَّن الإمام ابن قدامة أن الحق هو أن هذا القرآن كلام الله حقيقةً تكلم به بحرفٍ وصوتٍ مسموع.

2-بيان تناقض الأشاعرة وأنه إذا لم يكن هذا القرآن كلام الله؛ فأين هو كلام الله الذي أنذر به الكافرين، وبشر به المؤمنين، وتحدى به البلغاء والفصحاء أن يأتوا بمثله، ونزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين ؟!!

3-وإثبات أن القرآن هو هذا الكتاب العربي المُبين، بلفظه ونظمه ومعناه، المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سورٌ، وآياتٌ وحروف، وكلمات، له أول، وآخر، وأجزاء، وأبعاض، وهو مائة وأربع عشرة سورة، أولها الفاتحة، وآخرها المعوذتان،  وهذا ثابتٌ بالكتاب، والسنة وإجماع السلف، وقد أجمع السلف على عدِّ حروفه وآياته وأحزابه وأجزائه.

4-وبيان أن القول بخلق القرآن جهلٌ وضلالٌ وكفران، لأنه تكذيبٌ لله تعالى، ومخالفةٌ لإجماع المسلمين، والحق أن الكلام يُنسب إلى من قاله مُنشئاً -إن صحَّ التعبير -لا لمن قاله مؤدياً ومُبلغاً، وإذا بلغه المبلغ عن قائله لم يخرجه ذلك عن كونه كلام القائل الأول له.

وقد ذكر ابن قدامة شبهاتٍ كثيرة أثارها المتكلمون من الأشاعرة والكلابية؛ وردَّ عليهم فأوجعهم، وقضَّ مضاجعهم؛ ومنها:

أولاً: اعتراضهم بقول الأخطل:

قال الإمام ابن قدامة: "اعترضوا على هذا من وجوه أحدها، أن الأخطل قال:

                 (إن الكلام لفي الفؤاد وإنما … جُعل الكلام على الفؤاد دليلاً)

وقال في الجواب عليه: "وهذا شاعرٌ نصرانيٌّ عدو لله ورسوله ودينه، فيجب اطراح كلام الله ورسوله وسائر الخلق تصحيحاً لكلامه، وحمل أقوالهم على المجاز صيانةً لكلمته هذه عن المجاز؟!".

إلى أن قال رحمه الله:"والجواب عن الأول (أي: هذه الشُّبهة) من وجوه:

أحدها: أنهم يحتاجون إلى إثبات هذا الشعر؛ ببيان إسناده، ونقل الثقات له، ولا نقنع بشهرته؛ فقد يشتهر الفاسد، وقد سمعنا شيخنا أبا محمد بن الخشاب إمام أهل العربية في زمانه يقول: قد فتشتُ دواوين الأخطل القديمة؛ فلم أجد هذا القول فيها.

الثاني: لا نُسلم أن لفظه هكذا، إنما قال: (إن البيان من الفؤاد)؛ فحرفوه، وقالوا: (الكلام).

الثالث: أن هذا مجاز أراد به أن الكلام من عقلاء الناس في الغالب إنما يكون بعد التروي فيه، واستحضار معانيه في القلب، كما قيل لسان الحكيم وراء قلبه، فإن كان له قال، وإن لم يكن له سكت، وكلام الجاهل على طرف لسانه، والدليل على أن هذا (أي كلام الأخطل) مجازٌ من وجوهٍ كثيرة:

أحدها: ما ذكرناه، وما تركنا أكثر مما ذكرنا يدل على أن الكلام هو النطق، وحمله على حقيقته بحمل كلمة الأخطل على مجازها أولى من العكس.

(=وقال ص 39 بعد أن ذكر جملةً من الآيات التي تؤكد أن الكلام هو المنطوق دون حديث النفس: وقال تعالى: {ويكلم الناس في المهد وكهلاً} يعني به النطق… وقال ص 40: وأجمعوا على أنه لو حلف لا يتكلم لم يحنث إلا أن ينطق، ولو قال: امرأته طالقٌ إن بدأها بالكلام، لم يتعلق ذلك إلا ببداية النطق).

الثاني: أن الحقيقة يستدل عليها بسبقها إلى الذهن وتبادر الأفهام إليها، وإنما يُفهم من إطلاق الكلام ما ذكرناه. (=وقال ص 38: والكلام هو الحروف المنظومة، والكلمات المفهومة، والأصوات المعلومة).

الثالث: ترتيب الأحكام على ما ذكرناه دون ما ذكروه.

(=قال ص 36: وأجمعوا -أي المسلمون -على أن القرآن الذي نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن السفر به إلى أرض العدو، ومنع المحدث مسَّه، هو هذا الذي في مصاحفنا، وأجمعوا على أن القرآن الذي منع الجُنب والحائض من قرائته هو هذا، وانظر: ص 49 -50)

الرابع: قول أهل العربية الذين هم أهل اللسان، وهم أعرف بهذا الشأن.

(=وقال ص 40 -41: وقال أهل العربية الكلام من اسم وفعل وحرف، وقالوا: الكلام ما أفاد، ولا يكون إلا من جملة فعليه ومبتدأية… وإنما هو النطق الذي يسمعه المكلَّمُ فيؤثرُ فيه تارةً خوفاً، وتارةً رجاءً، وتارةً سروراً، وتارةً حزناً، وتارةً تكليفاً، وتارةً إسقاطاً، وأشباه هذا، أما ما في النفس؛ فلا يتعدى إليه، ولا يؤثر شيئاً فيه، فلا يكون كلاماً ولا تكليماً) .

الخامس: الاشتقاق الذي ذكرناه.

(=وقال ص 40: والتكليمُ فعلٌ مُتعدٍّ، يُقال: كلمتُ فلاناً، وقد قيل: اشتقاقه من الكلم وهو الجرح؛ لأنه يؤثر في المُكلَّم، والمؤثر والمتعدي إنما هو النطق الذي يسمعه المُكلَّم...) .

السادس: أنه لا تصحُّ إضافة ما ذكروه إلى الله تعالى؛ فإنه جعل الكلام في الفؤاد، والله تعالى لا يُوصف بذلك، وجعل اللسان دليلاً عليه، ولأن الذي عنى الأخطل بالكلام هو التروي والفكر واستحضار المعاني، وحديث النفس ووسوستها؛ فلا يجوز إضافة شيء من ذلك إلى الله تعالى بلا خلاف بين المسلمين.

ومن أعجب الأمور أن خصومنا ردوا على الله وعلى رسوله، وخالفوا جميع الخلق من المسلمين وغيرهم، فراراً من التشبيه على زعمهم، ثم عادوا إلى تشبيهٍ أقبح وأفحش من كل تشبيه، وهذا نوعٌ من التغفيل!.

ومن أدل الأشياء على فساد قولهم: تركهم قول الله تعالى، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وما لا يُحصى من الأدلة، وتمسكوا بكلمةٍ قالها الأخطل؛ جعلوها أساس مذهبهم، وقاعدة عقدهم؛ فلو انفردت عن مُبطلٍ، وخلت عن مُعارضٍ لما جاز أن يُبنى عليها هذا الأصل العظيم؛ فكيف وقد عارضها ما لا يمكن رده؛ فمثلهم كمثل رجلٍ بنى قصراً على أعواد الكبريت في مجرى السيل.

ثانياً: الرد على قول الكلابية والأشاعرة: بأن القرآن الذي هو كلام الله تعالى إنما هو كلام الآدميين:

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: "الثاني (يعني من الشُّبه) قالوا: سلمنا أن كلام الآدمي صوتٌ وحرف، ولكن كلام الله بخلافه؛ لأنه صفته، فلا تُشبه صفات الآدميين، ولا  كلامه كلامهم".

قال رحمه الله: "قلنا جواب (هذا القول) من وجوه:

أحدها: أن الاتفاق في أصل الحقيقة ليس بتشبيه، كما أن اتفاق البصر في إدراك البصر، والسمع في إدراك المسموعات والعلم في إدراك المعلومات ليس بتشبيهٍ كذلك هنا.

الثاني: أنه لو كان ذلك تشبيهاً؛ كان تشبيههم أقبح وأفحش على ما ذكرنا. 

(=وقد شبه المبتدعة من الأشعرية وغيرهم كلامهم بكلام الله تعالى، فزعموا أنه من قولهم، مستدلين بقول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}، قال ص 38:ومن زعم أنه عمل حروفه فهو تيسٌ ليس معه كلام.

وقال مُجيباً على من قال إن هذا القرآن هو قوله ص 21 في الوجه "الثاني": أنه إن كان هذا يصيرُ قوله بتلاوته إياه، لم يبق لله قولٌ ولا كتابٌ ولا لنبيه عليه السلام خبر، وينبغي أن تبطل الحجج والاستدلالات، وتذهب البراهين، وتنقطع المناظرات، وهذا قولٌ قبيحٌ جداً -ثم قال في "الوجه الثالث" من الرد: أن هذا القول (يعني زعمه أن القرآن من عمله) خرقٌ لإجماع المسلمين، ومخالفة الخلق أجميع، فإنه لا خلاف بين المسلمين أن القرآن ما هو قول تاليه، ولو ادعى ذلك مُدَّعٍ ظاهراً من المسلمين لقتلوه، وإن أنكر هذا القائل هذا؛ فليُظهره للمسلمين، ويدَّعِ أن هذا القرآن قوله وتصنيفه ونظمه وتأليفه، وأنه الذي عمل كلماته وحروفه، ولينظر ما يحلُّ به) .

الثالث: أنهم إن نفوا هذه الصفة، لكون هذا تشبيهاً، ينبغي أن ينفوا سائر الصفات من الوجود والحياة والسمع والبصر وغيرها.

الرابع: أننا نحن لم نفسر هذا إنما فسره الكتاب والسنة كما تقدَّم، وهم لم فسروه بما لم يرد به كتابٌ ولا سُنة ولا يُوافق الحقيقة ولا يجوز نسبته إلى الله تعالى.


ثالثاً: الجواب على الأشعرية في اعتراضهم على تفسير صفة الكلام:

قال ابن قدامة: "الثالث (يعني من الشُّبه) قالوا: إن مذهبكم في الصفات أن لا تفسر، فكيف فسرتم كلام الله بما ذكرتم".

فأجاب رحمه الله: "وأما قولهم إنكم فسرتم هذه الصفة (صفة الكلام). قلنا: إنما لا يجوز تفسير (أي تأويل) المتشابه الذي سكت السلف عن تفسيره (بيان حقيقته)، وليس كذلك الكلام، فإنه من المعلوم بين الخلق، لا شبهة فيه، وقد فسَّره الكتاب والسُّنة".

وهنا نجد أن ابن قدامة رحمه الله -يجعل صفة الكلام من جملة الصفات التي لم يسكت السَّلف عن بيان حقيقتها، وعلَّل ذلك بأن هذا البيان والكشف ورد دليله في الكتاب والسنة: من كونه بصوت، وأنه مسموع، وأنه بحروف وكلمات، وقد سمعه موسى عليه السلام، وسمعه نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فانتفى كونه من المتشابه المطلق؛ بل هو من المُحكم "بحقيقته" ومعناه، خلافاً للصفات الأخرى التي قد تشتبه حقيقتها على السامع، ولا سبيل له إلى العلم بكيفيتها؛ فتكون من المتشابه المطلق الذي لا يعلم حقيقته إلا الله عز وجل، وإنما سكت السلف عن بيان حقيقتها؛ لأن ذلك يدخل في الكيفية، ولا يعلم أحدٌ كيفية الباري سبحانه، ولا كيفية صفاته، ولم يرد دليلٌ ببيانها.

ثم قال بعد ذلك: "إنما نحن فسرناه بحمله على حقيقته: تفسيراً جاء به الكتاب والسنة وهم -أي المبتدعة -فسروه بما لم يرد به كتابٌ ولا سنة، ولا يُوافق الحقيقة، ولا يجوز نسبته إلى الله تعالى"، فذكر أن التفسير الحاصل هنا هو حملها على الحقيقة المعهودة، وبذلك نفهم تفريق ابن قدامة بين إثبات المعنى للصفة في الجملة الذي هو طريقته العامة في المتشابه، وبين إثباته للمعنى الخاص الذي لا يتطرق إليه شبهة تمثيل ولا تكييف.

رابعاً: الجواب على شبهة المخارج والأدوات:

قال ابن قدامة: "الرابع (من الشُّبه)، قالوا: إن الحروف لا تخرج إلا من مخارج وأدوات، والصوت لا يكون إلا من جسم والله يتعالى عن هذا".

فأجاب رحمه الله: "وأما قولهم إن الحروف تحتاج إلى مخارج وأدوات، قلنا: احتاجها إلى ذلك في حقنا لا يوجب ذلك في كلام الله تعالى، فإن قالوا: بل يحتاج الله تعالى كحاجتنا قياساً له علينا أخطأوا من وجوه:

أحدها: أنه يلزمهم في سائر الصفات التي سلموها كالسمع والبصر والعلم والحياة؛ فلا يكون ذلك في حقنا إلا في جسم، ولا يكون البصر إلا من حدقة ولا السمع إلا من انخراق، والله تعالى خلاف ذلك.

الثاني: أن هذا تشبيهٌ لله تعالى بنا، وقياسٌ له علينا، وهذا كفر.

الثالث: أن بعض المخلوقات لم تحتج إلى مخارج في كلامها كالأيادي والأرجل والجلود التي تتكلم يوم القيامة، والحجر الذي سلَّم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والحصى الذي سبَّح في كفه، والذراع المسمومة التي كلمته.

وقال ابن مسعود: "كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل"، ولا خلاف في أن الله تعالى قادرٌ على إنطاق الحجر الأصم بلا أدوات، فكيف عجَّزوا الله تعالى عن الكلام بلالا أدوات.

خامساً: الجواب على شبهة التعاقب الداخل في الحروف:

قال الإمام ابن قدامة: "الخامس (من الشبه)، قالوا: إن الحروف يدخلها التعاقب؛ فالباء تسبق السين، والسين تسبق الميم، وكل مسبوقٍ مخلوق!!".

وأجاب رحمه الله: "وقولهم إن التعاقب يدخل في الحروف، قلنا: إنما كان ذلك في حق من ينطق بالمخارج والأدوات، ولا يوصف الله تعالى بذلك".

سادساً: الجواب على شبهة منع التعدد والتجزؤ في كلام الباري:

قال الإمام ابن قدامة: "السادس (من الشبه)، قالوا:  أن هذا يدخله التجزئ والتعدد، والقديم لا يتجزأ ولا يتعدد".

وأجاب رحمه الله: "وقولهم إن القديم لا يتجزأ ولا يتعدد غير صحيح، فإن أسماء الله معدودة، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى} (الأعراف 180)، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعاً وتسعين اسماً، من أخصاها دخل الجنة"، وهي قديمةٌ، وقد نصَّ الشافعيُّ رحمه الله على أن أسماء الله غير مخلوقة، وقال الإمام أحمد: من قال إن أسماء الله مخلوقة فقد كفر، وكذلك كتب الله تعالى فإن التوراة والإنجيل، والزبور، والقرآن: متعددة، وهي كلام الله غير مخلوقة، وإنما هذا شيئٌ أخذوه من علم الكلام، وهو مطرح عند جميع الأئمة الأعلام، قال أبو يوسف: من طلب العلم بالكلام تزندق، وقال الشافعي رحمه الله: ما ارتدى أحدٌ بالكلام فأفلح، وقال أحمد: ما أحب أحدٌ الكلام فكان عاقبته إلى خير، وقال محمد بن أحمد بن إسحاق بن خويز منداد المالكي: كتب البدع عند مالك وسائر أصحابنا هي كتب الكلام والتنجيم وشبه ذلك، لا تصح إجارتها، ولا تُقبل شهادة أهله".

سابعاً: الجواب على شبهة المبتدع في خلق حروف القرآن:

قال ابن قدامة رحمه الله: "وأما استدلاله على خلق الحروف بقوله تعالى: {الله خالق كل شيء} (الزمر 62)، والحروف شيء"

فأجاب رحمه الله: "قلنا: هذه شبهة المعتزلة في أن القرآن مخلوق، ونحن وأنتم قد اتفقنا على أن القرآن غير مخلوق، وهو حروف، فلزم أن لا تكون مخلوقة، على أ، هذه الآية لا بُد من تخصيصها، بأن الله تعالى وصفاته ليس شيءٌ منها مخلوقاً، وكلام الله صفة من صفاته وهو حروف وأصوات بما بيناه، وكذلك قوله: {خلق لكم ما في الأرض جميعاً} (البقرة: 29) يخرج منه القرآن وكل كلام لله تعالى من التوراة والإنجيل وغيرها، وهي حروف على ما قدمنا".


            ثامناً: الجواب على دعوى أن الحروف في فواتح السور هي أسماء، وليست حروفاً.

قال ابن قدامة رحمه الله: "وقد بلغني عن بعض متحذلقيهم أنه قال (الم) ليست حروفاً، وإنما هي أسماء الحروف، فألف اسم للألف، ولامٌ اسم لها، وكذلك ميم؛ فخالف (يعني هذا القائل) بهذا القول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه سماها حروفاً، وكذلك أصحابه، وسائر الناس؛ فإنهم يُسمونها ححروفاً، ويقولون: الحروف المقطعة في أوائل السور… ثم إن أسماء الحروف حروف؛ فاسم الألف ثلاث أحرف: ألف، ولام، وفاء. واسم اللام ثلاثة، واسم الميم ثلاثة، فيكون ذلك تسعة أحرف؛ فكأنه قال: إنها ليست ثلاثة أحرف إنما هي تسعة أحرف، والخلاف في كونها حروفاً لا في عددها، وقد ثبت أنها حروف فلا يضرُّ الخلاف في عددها"، إذ لا فائدة في النزاع بعد تقرير المقصود، وقد ذكر ابن قدامة بعض العبارات التي تؤيد كلامه في أن القرآن حروف عن وأبي بكر، والشعبي، وسعيد بن جبير.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق