الكلام على حديث "أفرضكم زيد"
لابن عبد الهادي الحنبلي
بقلم: ا. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا جزء حديثي نفيس، تكلم فيه ابن عبد الهادي عن حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم -من رواية أنس: ((أفرضكم زيد))، لأن العلماء علّلوه بالإرسال، وقد رواه عددٌ من الثقات عن أبي قلابة مرسلاً، وذكر العلماء أن أبا قلابة لم يسمع هذا الحديث من أنس، وجعلوه من قسم الضعيف، وممن ضعف هذا الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية في عدد من مؤلفاته، وذكر الحافظ ابن حجر في "الدراية": أنه معلول، ثم قال في "الفتح": حديث حسن وله متابعات وشواهد.
ومن الملاحظ أن هذه اللفظة لم يروها البخاري في "صحيحه"، ولا مسلم، وإنما وقعت روايتهم لها بلفظ (إن لكل أمة أمينا. وإن أميننا، أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح)، مع اختلاف يسير، وقد جمع الحافظ ابن عبد الهادي في هذا الجزء طرق الحديث وألفاظه، وذكر متابعاته وشواهده، ونقل كلام أهل العلم فيه.
وخلص ابن عبد الهادي إلى أن الأقرب في هذه الأحاديث كلها والمروية عن ٦ من الصحابة، هو حديث أنس، والأظهر أنه مرسل، وباقي الأحاديث في أسانيدها مقال، وبعض ألفاظ الحديث صحيح ثابت متصل لا شك فيه، كـ(ذكر أبي عبيدة)، وبعضها ضعيف قطعًا كـ(أبو هريرة وعاء العلم، وعند سلمان علم لا يُدرك)، وبعضها مشكوك فيه ومحتمل كـ(أفرضكم زيد) وفيه ارتياب.
١-وبدأ المؤلف هذا الجزء برواية الحديث بإسناده عن عدة من شيوخه سمَّى منهم الحافظ أبا الحجاج المزي -رحمه الله- ثم خرَّج الحديث من المسند والكتب الستة وغيرها.
٢-ومدار الإسناد على (أبي قلابة)، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه بشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية، ومحمد بن عدي ثلاثتهم، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن النبيِّ مرسلاً، إلا قوله في أبي عُبيدة، فإنهم وصلوه في آخره، فجعلوه عن أنس عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الرواة الثلاثة ثقات أثبات.
٣-وروي الحديث موصولاً من رواية وهيب بن خالد، وسفيان بن سعيد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ثلاثتهم عن أبي قلابة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
٤- ثم ذكر ابن عبد الهادي أن العلماء اختلفوا في هذا الحديث قديمًا وحديثًا، فقال بعضهم: الصحيح أنه مرسل، وقال بعضهم: هو منقطع لم يسمعه أبو قلابة من أنس. وذكر ابن عبد البر: أن أكثر رواة هذه الحديث قد رووه عن أبي قلابة مرسلاً؛ كبشر بن المفضل، ومحمد بن أبي عدي، وهما ثقتان ثبتان.
٥-ثم نقل كلام الحافظ الدارقطني في "العلل"، وذكر فيه اختلاف الرواة وأنه يروى عن عاصم وخالد مرسلاً وموصولاً. وأن أصحَّ طرق هذا الحديث هو ما روه شعبة، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة عن أنس، وهو الذي أخرجه البخاري في "صحيحه"، ورواه مسلم في "صحيحه من حديث إسماعيل بن عليّة، عن خالد موصولاً.
٦-ثم نقل كلام الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه "الفصل للوصل المدرج في النقل"، ثم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي حكم بضعف هذا الحديث من هذا الوجه.
٧-ثم ذكر متابعات الحديث وشواهده، وتكلم عليها طريقًا طريقًا وأطال النفس في ذلك، ونقل في ثنايا ذلك كلام الأئمة على هذا الحديث وطرقه كالترمذي، والحاكم، والبيهقي، وابن عبد البر، وغيرهم.
٨-وتكلم على جرح الرواة بكلام شاف كافٍ، ونقل في ذلك عن الأئمة: كالإمام أحمد، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي حاتم الرازي، وأبي زرعة الرازي، وأبي داود السجستاني، وعمرو بن علي الفلاس، والنسائي، وابن عدي، وابن حبان، والدارقطني، والعقيلي، والجوزجاني، وأبي القاسم البغوي، وابن خراش، وابن الجنيد، والحاكم، والأزدي، والخطيب البغدادي، وغيرهم.
٩-وتكلم في ثنايا ذلك على قواعد هامة في علم الحديث، كتعارض الجرح والتعديل، وتكلم عن مراسيل الحسن البصري، وغير ذلك من الفوائد الفرائد المنثورة في ثنايا هذا الجزء البديع.
ونلخص كلام ابن عبد الهادي في المرويات:
١-رواية قتادة عن أنس مرفوعة وضعفها من قبل "سفيان بن وكيع" لقبوله التلقين، والأصح إرسالها.
٢- ورواية جابر رضي الله عنه، التي حكم عليها بالضعف الشديد، بسبب محمد بن الوليد وكان متهماً بالكذب، وفيه مندل بن علي تكلم فيه الأئمة النقاد.
٣- ورواية أبي سعيد الخدري، وضعَّفها برجلين هما: زيّدٍ العمّيّ والأكثر على تضعيفه، وسلام الطويل الذين اتفقوا على ضعف.
٤-وأما رواية عبد الله بن عمر مرفوعة، ومرَّة عن عبد الله عن أبيه عمر رضي الله عنهما، فضعفها ابن عبد الهادي بكوثر بن حكيم، وقد ضعف الأئمة وتركوه، وروي من وجه آخر عن ابن عمر عند أبي يعلى في مسنده، وهو ضعيف من جهة الحارثي وابن البيلماني، وكلاهما متفقٌ على ضعف.
٥-وأما رواية أبي محجن الثقفي رضي الله عنه، فهي ضعيفة من جهة أن أبا محجن غير معروف بالرواية، والراوي عنه وهو سعيد بن المرزبان ضعفه غير واحدٍ من الأئمة، وإسناده شاذ غريب.
٦-وأما رواية شداد بن أوس رضي الله عنه، في أمالي ابن أبي الفوارس، فحديثها موضوع وإسنادها ساقط، لأن عمر بن صبح كذاب، وفيه ضعيفان، وهما: بشير بن زاذان، وعبد الرحيم بن واقد.
٧-وروي الحديث عن الحسن مرسلاً بإسنادٍ صحيح إلى الحسن، ومعلوم أن مراسيل الحسن من أضعف المراسيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق