أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 23 أغسطس 2022

الجواب الذي انضبط عن (لا تكن حُلواً فتُسترط) للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السَّخاوي الشافعي (٨٣١ -٩٠٢ هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الجواب الذي انضبط عن (لا تكن حُلواً فتُسترط)

للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السَّخاوي الشافعي

(٨٣١ -٩٠٢ هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه رسالة نافعة في الحث على الاعتدال والإنصاف، وذم الغلو والإجحاف،  للإمام الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي -رحمه الله تعالى -وقد وضعها جواباً على سؤال ورد إليه حول صحة حديث: (لا تكن حُلواً فتُسترط =أي فيُهضم حقك -ولا مُراً فتُعقِي) أي فتلفظ وتُطرح، ونسبه السخاوي إلى ابن قتيبة في "أدب الكتاب".

فبيَّن رحمه الله أن هذه العبارة إنما هي من الأمثال التي اشتهرت على ألسنة الناس، وليس من الأحاديث التي تُنسب إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الجملة لم يجدها في كتاب ابن قُتيبة (=والصواب كما بيّن المُحققان: أن هذه العبارة موجودة فيه ص ١٦٩، لكن لم يرد فيه نسبتها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم كما زعم السائل).

ثم بين معنى هذا المثل، وفحواه، وأن الاستراط هو الابتلاع والهضم، والإعقاء هو اشتداد المرارة، والمعنى: لا تتجاوز الحد في المرارة فتُرمى، ولا في الحلاوة فتُبتلع، أي: كُن متوسطاً في الحالين، ذلك أن التوسط في الأمور هو المحمود، وليس المراد بالتوسط النفاق والمراوغة، لأن العلاقات التي يشوبها اللون الرمادي هي علاقات مغشوشة مذمومة، لا سيما تلك التي يمتزج فيها القليل من الصراحة مع الكثير من المجاملة.

ثم ذكر ما يدل على صحة معنى هذا المثل من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، والحكم النافعة، ومقولات السلف، الدالة على ذم الشطط والغلو، ومدح التوسط والاعتدال، وبيان ذلك فيما يلي:

١-من كتاب الله تعالى:

قوله تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (البقرة: ٦٨). 

وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان:٦٧). 

وقوله جل شأنه: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (الإسراء: ١١٠). 

وقوله جل وعلا: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (الإسراء: ٢٩).

٢-من الحديث النبوي الشريف:

جاء في الحديث الصحيح، عن أبي أمامة مرفوعاً: (بُعثتُ بالحنيفيةِ السمحةِ).

وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة مرفوعاً: (والقصدَ القصدَ تبلُغوا).

 وفي الحديث الذي رواه مسلم، عن جابر بن سمرة، قال: (كُنْتُ أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا).

وصحَّ عن بُريدة الأسلمي مرفوعاً: (عليكمْ هَدْيًا قاصدًا، فإنَّه منْ يُشادَّ هذا الدينَ يغلبُهُ). وفي الصحيح، عن أبي موسى مرفوعاً: (إنَّ من إجلالِ اللهِ إكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلِمِ، و حامِلُ القُرآنِ، غيرُ الغالي فيهِ، و لا الجافي عَنهُ، و إكرامُ ذي السُّلطانِ المُقسِطِ).

وفي حديث عامر بن الطُفيل، أنه سئل عن صفة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: (كانَ أبيضَ مليحًا مُقْصِدًا).

وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعاً: (إياكم والغلوَّ في الدينِ فإنما أهلَك مَن كان قبلَكم الغلوُّ في الدينِ)

٣-من الأقوال المأثورة:

-قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يكن حُبّك كلفاً، ولا بُغضك تلفاً.

-وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه: إن دين الله بين الغالي والجافي، وخير الناس هذا النمط الأوسط، يلحق بهم التالي، ويرجع إليهم الغالي.

- وصح عن ابنِ مسعودٍ، قوله: اقتصادٌ في سُنَّةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في بدعة.

وقال معاذ بن جبل: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. 

وقال أكثم بن صيفي: الانقباض عن الناس مكسبة العداوة، وإفراط الأُنس مكسبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط.

وقال مُطرِّف بن الشِّخير: الحسنة بين السيئتين.

وقال وهب بن منبه: (خير الأمور أوساطها)، وروي حديثاً لكنه ضعيف.

وقيل: الاقتصاد نصف العيش.

وقيل: لا تكن رطباً فتُعصر، ولا يابساً فتُكسر.

وقال بعض الحكماء: لا تكن في الإخاء مكثراً، ثم تكون فيه مُدبراً، فيُعرف سرفك في الإكثار، وجفاؤك في الإدبار.

٤-من الشعر العربي.

قول الشاعر:

لا تكن سُكَّراً فتأكُلك الناسُ .. دع، ولا حنظلاً تُذاق فتُرمى

وقال ابن عُيينة المهلبي:

عليك بأوساط الأمور فإنها .. نجاةٌ، ولا تركب ذلولاً ولا ضعباً

وقيل: 

حُبُّ التناهي غلط .. خيرُ الأمور الوسط





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق