أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 17 أغسطس 2022

شرح آخر ترجمة من صحيح البخاري (ويليه ختم الهمزية في السيرة النبوية للبوصيري) لأبي المواهب جعفر بن إدريس الكتاني

شرح آخر ترجمة من صحيح البخاري

(ويليه ختم الهمزية في السيرة النبوية للبوصيري)

لأبي المواهب جعفر بن إدريس الكتاني

(١٤٦ -١٣٢٣ هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ جرت عادة العلماء أنهم متى ختموا تدريس كتاب من الكتب العلمية، أنهم يعقدون للختم حفلاً كبيراً، ويجمعون لذلك العلماء والأعيان ووجوه الناس، بالإضافة إلى طلبة العلم وغيرهم، ويقرأ المدرس أو العالم في مجلس الختم آخر شيء في الكتاب، ويتعرض إلى بعض المباحث القيمة فيه، ومن أهم هذه الختمات التي تعقد تلك المتعلقة بكتب الصحاح والمسانيد، لا سيما صحيح الإمام البخاري، لما جمعه من أبواب الدين، ولاشتماله على شتى العلوم الشرعية من العقيدة والفقه والمصطلح والأدب والتفسير والسيرة والأخلاق والقصص، وغير ذلك.

وكان أبو المواهب الكتاني قد ختم البخاري أكثر من ٢٢ مرة، كما ختم صحيح مسلم بمثل هذا العدد، وذكر الشيخ عبد الحي الكتاني في (فهرسه) أن للشيخ أبي المواهب حاشية على الصحيحين ملأها فقهاً محرراً، ولكنه لم يتمها.

وهذا الكتاب تضمن العديد من المسائل المتعلقة بآخر حديث في البخاري، منها ما يتعلق بالعقائد والتفسير، ومنها ما يتعلق باللغة، والفقه، والمصطلح، والتراجم، والتصوف، وقد تضمن العديد من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وما لا أصل لها، ومن ثم تحدث عن فضيلة علم الحديث، وترجمة الإمام البخاري، وختم بالدعاء للحاضرين ولعموم المسلمين.

ثم دلف إلى كلمات ختم بها همزية البوصيري، مع شرح بعض أبياتها، والثناء على شمائل المصطفى وخصاله، وبيان رفعته وكرامته على ربه سبحانه، وأنه جمع المحاسن والفضائل، وذكر أبياتاً أخرى في المديح النبوي لغير البوصيري، وهذا يدلًّ على سعة اطلاعه وحفظه، وينقل أشعاراً لبعض غلاة المتصوفة، ونحو ذلك.

وقد تضمنت ختمة أبي المواهب عدة أمور منها:

-شرح مفردات آخر باب من أبواب البخاري.

-شرح آخر حديث من أحاديث البخاري

- فضل علم الحديث.

-ترجمة الإمام مجاهد بن جبر.

- ترجمة الإمام البخاري.

- ثم الخاتمة في الدعاء، الذي أطال فيه.

ويلي ذلك ختمة على همزية البردة للإمام محمد بن سعيد البوصيري، وفيها:

-شرح أبياتاً من البردة.

- وذكر مُلحاً من الفوائد اللغوية والشعرية.

وذكر في ختمة البخاري تفصيلاً:

-وجود الميزان من عقائد أهل السنة والجماعة.

-صفة الميزان.

-الميزان وأحوال أهله.

-وهل الميزان واحد أم متعدد؟

-صاحب الميزان الموكل به.

-كيف يكون الوزن بالميزان؟

-الفرق بين المقسط والقاسط.

-الأمور التي يوزن بها الميزان.

-الحكمة من الوزن بالميزان.

١-إظهار حال العباد لهم، محسنهم ومسيئهم.

٢-امتحانهم بالإيمان بالغيب في الدنيا.

٣-تعريفهم ما لهم من الجزاء على الخير والشر.

٤-إقامة الحجة عليهم في العقوبة، أو لهم في المثوبة.

٥-إظهار السعادة والشقاوة لعامة أهل المحشر.

-معنى قولهم: على شرط الشيخين.

-هناك من العباد مخصوصون، فلا توزن أعمالهم.

-الوزن ليس مقاصة بين العبد وربه (كما ذهب إليه المعتزلة).

-معنى قولهم: حسن، وحسن غريب.

-على العاقل أن يكون بصيراً في أمر دينه.

-من الأمور التي ترجح بميزان العبد يوم القيامة:

١-اتباع الحق في الدنيا.

٢-قضاء حاجة المؤمنين.

٣-تعليم الناس الخير.

٤-الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

٥-كرم الله عز وجل.

٦-قراءة سورة الواقعة.

٧-التهليل والتسبيح والتكبير.

٨-احتساب الولد.

٩-الخُلُق الحسن.

١٠-مداد العلماء.

١١-تخفيف العمل على الخادم.

١٢-الأضحية.

١٣-إنفاق الدابة في سبيل الله.

١٤-صلة الرحم.

أولاً: ترجمة الإمام أبي المواهب الكتاني:

هو أبو المواهب جعفر بن إدريس الكتاني، وينتهي نسبه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وسيدة النساء فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.  

ونسبه من أصح الأنساب الإدريسية، بلغ رتبة المتواتر من درجات النسب.  

قال العلامة أبو عبد الله محمد الدلائي في "نظمه" عن الأشراف، المسمى بجوهرة التيجان، حين ذكره آل الكتانى: 

ومن فروع النسب الإدريسي وغصن ذاك الجوهر النفيس

 الكتانيون بذاك عُـــــــــرفوا ودارهم من أرض فاس تعرف

نسبهم من أوصل الأنساب سببهم من أوثق الأسباب

وفضلهم في الناس ليس يُجهل قد عَذُبَ الوردُ وطاب المنهلُ

وقد كُتبت في هذا البيت مؤلفات عدة، أعظمها مؤلف المترجم رحمه الله "الرياض الربانية في الشعبة الكتانية، ذات المزايا الشافية الكافية".

وتواتر العلم والصلاح فيهم طبقة بعد طبقة إلى الإمام المترجم رحمه الله تعالى- ثم إلى هذا العصر، فمن أحفاده الشيخ حسن الكتاني -فك الله أسره.

مولده ونشأته:

ولد المؤلف -رحمه الله في عام ١٢٤٦ هـ/ ١٨٣٠م، في مدينة فاس التي كانت تزخر بكبار العلماء والأئمة والصالحين حين ذلك. حتى قالوا عن فاس: بأن العلم يتفجر من حيطانها، وعاميُّ فاس عالمٌ خارجها.

وقالوا: إن العلم بذره بالمدينة وزرع في العراق وحصد في مصر وطبخ في الأندلس وأكل في فاس، وكانت نشأته في القرن الثالث عشر حين كثرت الأئمة والمعتنون بالفقه خاصة، أمثال حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السُّلمي، الذي قيل إنه أدرك رتبة الاجتهاد، وابنه الإمام أحمد وكذلك المهدي بن الطالب بن سودة المري، والإمام الحافظ الفقيه محمد بن عبد الرحمن العلوي المدغري الحسني.

كما أنه عاصر بداية نكبة المغرب والعالم الإسلامي، وتمزق وحدته وتكالب أوروبا عليه وأهل الذمة إلى قبيل الاستعمار في المغرب فعاش أهم فترات حياة المغرب الأقصى من جهة والعالم الإسلامي عامة، وعاش أسباب الانحطاط.

طلبه للعلم:

كان المؤلف جداً لا يقرب اللهو منذ صغره، يخيط ليله بنهاره في طلب العلم والعبادة ولا يلعب مع الصغار منذ طفولته، منكبا على ما يعنيه، فحفظ القرآن وهو دون الحلم بروايات ورش وقالون وابن كثير، ومهمات المتون.  

وختم على شيوخه الكتب الكبار وكان له ولع كبير بالسنة الشريفة.  

شيوخه:

أخذ عن جلة من الشيوخ ذكرهم في فهرسته: "إعلام الأئمة الأعلام وأساتيذها بما لنا من المرويات وأسانيدها" (=من جمع ابنه العلامة عبد الرحمن الكتاني، المتوفى سنة ١٣٣٤ هـ)، ومنهم:

١-ابن عمه أبو المفاخر محمد بن عبد الواحد الكتاني الإدريسي الحسني.  وتأثر به تأثراً كبيراً خصوصاً في الاهتمام بالآثار وإحياء السنن وترك البدع.  

٢-والإمام أبو بكر بن كيران وعبد الهادي بن التهامي.

٣- ومحمد بن حمدون ابن الحاج صاحب نظم "مختصر خليل".

٤-وأحمد المرنيسي صاحب كتاب" نظام العسكر.  

٥+٦-ومحمد بن الطالب ابن سودة وأخوه المهدي.

٧-ومحمد بن عبد الرحمن المدغري.  

٨-وكذلك الإمام الحافظ عبد الله؛ دُعي: الوليد بن العربي العراقي الحسيني.

٩-والإمام محمد بن عبد الرحمان العلوي.

١٠- والإمام القاضي عبد الهادي بن عبد الله العلوي الحسيني.

١١- والعلامة محمد بن سعيد التلمساني، وغيرهم.  

ثناء العلماء عليه:

قد ترجمه جمع كبير من العلماء في كتبهم وذكروا مزاياه.  


فقد وصفه خير الدين الزركلي في الأعلام بأنه: (فقيه المالكية في عصره).

ووصفه علامة الحجاز المسند الكبير أبو الحسن علي بن طاهر الوتري، بقوله: (لخمي الزمان وابن قاسم العرفان على أنه ابن عرفة عند من حققه وعرفه).  

وقال العلامة المؤرخ عبدالسلام بن عبد القادر ابن سودة المري في كتابه: "إتحاف المطالع بوفيات القرن الثالث عشر والرابع: (علم الأعلام المحدث المشارك المطلع الحجة الحافظ الولي الصالح، له ولوع تكتب السنة شغوفا بالرواية والإسناد".

وترجمه العلامة الإمام محمد بن الحسن الحجوي في "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ضمن مشاهير المالكية، وقال: "الإمام الفقيه العلامة الورع الناسك الدال على الله بحاله ومقاله، النزيه في أحواله كان ناشراً للعلم، متحرياً في دينه متقشفاً في عيشه، عاكفاً على نفع الخلق، صارماً في قول الحق، من أهل الشورى، المتفق على نزاهته وفضله". 

ثم قال: "كان من الذين إذا رؤوا ذكر الله وبالجملة كان من خيرة من أدركنا نزاهة وديناً، عصمه الله من الدنيا وزخرفتها".

وقال العلامة محمد بن محمد مخلوف في شجرة النور الزكية: "العلامة العمدة، الفهامة المحدث النظار، الذي لا يجارى بعلمه وفهمه في كل مضمار، بيته بفاس معروف بالصلاح والعلم والعدالة والسؤدد والجلالة".

وقال الشيخ عبد الحي الكتاني في "فهرس الفهارس": "وبقي مدة وعليه المدار في النوازل والأحكام. . .. إلى قوله. ..لا يحابي ولا يرابي ولا يداهن".  

ثم قال: "وقد ختم المترجم الصحيح-أي البخاري- بالزاوية الكتانية بفاس أزيد من عشرين مرة، كما أقرأ بها أيضاً بقية الكتب الستة عدا ابن ماجه وأنجب عدة أولاد كانوا أطواد العلم، درسوا وخطبوا وأفتوا ونظموا ونثروا وحدثوا".

تلاميذه:

ممن أخذ عنه أبناؤه الأئمة الأعلام.  

١- أبو عبد الله محمد، صاحب "الرسالة المستطرفة ".  

٢-وأبو العباس أحمد، وأبو زيد عبد الرحمن العلامة المحدث.

٣- وأبو فارس عبد العزيز صاحب كتاب "إعلام أرباب الفكر بكراهية الاستئذان عند الذكر". 

٤-وأبو عبد الله الحسين الفقيه العابد الناسك. 

٥-وكذا أخذ عنه أبناء أخته الإمام محمد بن عبد الكبير الكتاني وعبدالحي بن عبد الكبير الكتاني، والطاهر بن الحسن الكتاني وغيرهم من آل بيته.  

٦-وأخذ عنه الإمام شيخ علماء المغرب أحمد بن محمد بن الخياط الإدريسي الحسني.

٧-والإمام المهدي بن محمد الوزاني الإدريسي الحسني، صاحب "المعيار الجديد.

٨- والعلامة المحدث محمد المدني بن جلون.

٩-ومحمد بن الحسن الحجوي صاحب "الفكر السامي".

١٠-والإمام أحمد بن محمد الرهوني.

١١-والعلامة الصاعقة أحمد بن الشمس الشنقيطي.

١٢-والعلامة الكبير جمال الدين القاسمي، وغيرهم كثير من علماء المشرق والمغرب.

وفاته:

بعد إصابته بداء السكري نتج عنه دمل كبير في ظهره وحرارة عالية، عانى منها الأمرين ستة أشهر، وقد أخر بنفسه عن يوم وفاته ونهى من البناء على قبره إذا مات وكانت وفاته رحمه الله تعالى، بفاس عشية يوم الجمعة حادي عشر شعبان سنة J١٣٢٣ هـ، واهتز لوفاته المغرب، ولما نعوه في مكة صلوا عليه صلاة الغائب، ولم يكن بها أحد من قرابته، لما له من طيب الذكر .  

وكانت له جنازة قل أن شهدت فاس مثلها. ودفن داخل قبة الشيخ دراس بن إسماعيل في جنبها الأيمن بالنسبة للواقف على قبره من جهة رجله، وذلك بالقباب خارج باب الفتوح.

ورثاه الشعراء والعلماء بقصائد كثيرة، وكانت خطبة الجمعة في جامع القرويين التي ألقاها العلامة أبو جيدة الفاسي الفهري رحمه الله، كلها عنه وعن رزء الإسلام في المصاب بالعلماء.  

مؤلفاته:

ألف المترجم كثيراً من المؤلفات قد قاربت المائة. وصفها العلامة عبد الحفيظ الفاسي بأنها  (متقنة نفيسة). وهي على طريقة أهل فاس في الاعتماد على النقول وقلة الكلام فيها بناء على الورع. وقد ذكرها المؤلف في كتابه: "إعلام الأئمة الأعلام" أذكر منها:  

١- إعلام الأئمة الأعلام وأساتيذها بما لنا من المرويات وأسانيدها، مطبوع.

٢-إتحاف الطالب الحاذق اللبيب بما يحصل العلم الرطيب الرحيب.مطبوع.

٣-أمور تتعلق بشعر ذي الحجة والأضحية.  

٤-الألبان المودعة في القوازيز في حكم الله في استعمال الحناطيز، وهو شيء كبير كانت النساء تغطي به رؤوسهن، وذكر فيه عدة شروط وأحكام تتعلق بحجاب النساء، مطبوع.

٥-الآيات التمامات فيما يتعلق بالحمامات.  

٦- أثر الخضاب بالحناء.  

٧-إتحاف النجباء العشر بالجواب عن المسائل العشر.  

٨-تأليف في "حديث إن الله يبغض أهل البيت اللحمين" مطبوع.

٩-تقييد فيما ورد في طلب العلم وفي آدابه.  

١٠- تأليف في حكم التدخين - في مجلد.

١١-تحفة بعض الجلاس النبهاء الحذاق الأكياس بما ينفي بحول الله الوسواس ويزيل الشك والوهم والالباس.  

١٢- تذكرة لبيب الحي فيمن حفر قبره وهو حي.  

١٣- التحذير من خطة-أي مهنة- القفاء.  

١٤-الأحاديث في نهي الولاة والحكام عن الجور والتبغيض من ذلك.

١٥- الحكم بثبوت شهر رمضان يعم بشرط عدم البعد جداً وأنه لا يثبت بقول المنجم.

١٦ - حكم الحكم العلام في دخول النهر والحمام.  

١٧- الدواهي المدهية للفرق المحمية، بحث في السياسة الشرعية. مطبوع.

١٨- الدراك فيما يتعلق بالسواك، وهو كالموسوعة في السواك. مطبوع.  

١٩ - رسالة في الدعوة إلى الجهاد.  

٢٠- سهام الإصابة لأهل الحرابة.  

٢١- الخابورا فيما يتعلق بيوم عاشوراء.  

٢٢- العرايا فيما تعلق بالضحايا. 

٢٣- الغيث المدرار والسر العمار فيما يتعلق باسم النبي المختار المكتوب على  

صناديق النار (الكبريت) جرأة وجسارة من الفجار أعداء الله ورسوله الكفار.  

٢٤- القمر المشرق المفلق على الثرثار المتمشدق المتفيهق، في شروط الاجتهاد والرد على من فتح بابه على مصراعيه.

٢٥- كتاب في حكم التقليد في العقائد.  

٢٦- كتاب في أن جمع العشاءين في المطر وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الأربعة.  

٢٧- كتاب فيما يتعلق بسدانة الكعبة.  

٢٨- المناصحة فيما يتعلق بالمصافحة.  

٢٩- منتخب الأقاويل فيما يتعلق بالسراويل،مطبوع.

٣٠-مجموع خطب جمعية، كان يلقيها بجامع أبي الجنود بفاس.  

٣١- مواهب الأرب المبرية من الجرب في السماع وآلات الطرب.  

٣٢- نزهة النسرين والحبق، في امتداد مختار المغرب إلى الشفق، مطبوع.

٣٣ - نصح ملوك الإسلام بالتعريف بما يجب عليهم تجاه أهل الذمة، مطبوع، تحت عنوان "أحكام أهل الذمة".

٣٤- النهي عما يعمل في المساجد من المنكرات والبدع ليلة 27 رمضان.  

٣٥-النزهة الكافية الشافية فيما هو حائل في الغسل وما ليس من تلك الناحية.  

وغير ذلك من المؤلفات التي قاربت المائة.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق