أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 3 ديسمبر 2021

سلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج تأليف أحمد الميقري شميلة الأهدل

سلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج

تأليف أحمد الميقري شميلة الأهدل

١٣٣٦ -١٣٩٠ هـ

اعتنى به: فهد الحُبيشي

بقلم أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ يعتبر كتاب (منهاج الطالبين) للإمام يحيى بن شرف النووي رحمه الله، من أهم كتب السادة الشافعية، لما ناله من عنايةٍ فائقةٍ، شرحاً واختصاراً وتحريراً وتحشيةً وتنقيحاً، وكونه الواسطة التي انعقدت عليها مصنفات المذهب، وكونه أحد الكتب المعتمدة في الفتوى عند الشافعية، بالإضافة إلى اشتماله على المسائل العملية المتنوعة التي يكثر وقوعها والسؤال عنها.

ويُعتبر (المنهاج) في جملته مختصراً لكتاب "المحرر" للرافعي، وقد اعتنى العلماء ببيان مصطلحات الإمام النووي في كتابه المنهاج فألفوا في ذلك الكتب والرسائل ووضعوا لذلك المقدمات المختصرة والمطولة، ومنها هذه الرسالة النافعة الموسومة بـ(سلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج)، وهي مهمَّةٌ لكل طالب علم، وخاصة للمتخصص في الفقه الشافعي.

وقد ابتدأ المؤلف رسالته ببيان سبب تأليف الرسالة، وبين أن ما جاء في رسالته من أبحاث ليس فيه جديد، وإنما سبقه فيه غيره من الشراح وأصحاب الحواشي، وقسم المؤلف رسالته هذه إلى أربعة فصول:

تناول في الفصل الأول: ذكر المنهاج ومؤلفه وذكر من اعتنى بحفظه واختصاره ونظمه وشرحه، وذكر فيه سنده لكتاب المنهاج، ومختصرات ومنظومـات وشـروح المنهاج ومعتمد الفتوى وغيرها.

وأما الفصل الثاني؛ فذكر فيه أمهات المنهاج التي اختصر منها وهي المحرر للرافعي والوجيز للغزالي مع بيان بعض الشروح التي خدمت هذه الكتب.

أما الفصل الثالث: فكان لبيان مصطلحات الإمام النووي في كتبه وما يقدم منها إذا اختلف بعضها عن بعض، فبين كتـب النـووي ومراتبها، ثم بيَّن أهم المصطلحات، مع بيان قضايا مهمة مثل زيادات النووي على المحرر، والمسائل الضعيفة في المنهاج، ومنزلة اختيارات النووي في المذهب وغيرها.

أما الفصل الرابع: فكان في اصطلاحات صاحب التحفة والنهاية والمغني وغيرهم من الفقهاء وذكر اصطلاحات مهمة ينبغي لطالب العلم الإلمام بها ومعرفتها، والمؤلف في رسالته هذه لم يخلها من الفوائد التي تكون أحياناً خارجة عن موضوع الرسالة.

هذا وقد جمع المؤلف شتات هذا الموضوع من كتب متعددة أهمها:-

١-الفوائد المدنية.

٢-الفوائد المكية.

٣-مطلب الإيقاظ.

٤-تحفة المحتاج.

٥-نهاية المحتاج.

٦-مغني المحتاج.

الفصل الأول: 

في ذكر المنهاج ومؤلفه 

وذكر من اعتنى بحفظه واختصاره ونظمه وشرحه فأقول:

أولاً:  جملة الكتب والأبواب في كتاب المنهاج:

جملة كتب المنهاج: أربعة وستون كتاباً.

وأبوابه: اثنان وخمسون باباً.

وفصوله: مائتا فصل وأحد عشر فصلاً.

وفروعه: أحد عشر فرعاً.

ثانياً: ممن اعتنى باختصاره: 

(١) أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (ت 745 هـ) في كتابه (الوهاج في اختصار المنهاج).

(٢) وزكريا الأنصاري في كتابه (منهج الطلاب) فاختصر الاسم والمسمى، وشرحه بالدليل والتعليل، في كتابه (فتح الوهاب إلى شرح منهج الطلاب)، واعتنى بهذا الشرح الشيخ سليمان البجيرمي (ت 1221 هـ)، والشيخ سليمان الجمل (ت 1204 هـ)، فكتاب عليه حاشيتين الأول في أربع مجلداتٍ والثاني في خمس مجلدات، وكذلك الشيخ محمد بن أحمد الأهدل (ت 1289 هـ) كتب عليه حاشية عظيمة سماها (مفتاح الباب)، كما شرح (منهج الطلاب) الشيخ الجلال أحمد المحلي (ت 884 هـ) كما أنه شرح (المنهاج) أيضاً.

ولابن عبد الحق (ت 950 هـ) شيخ ابن حجر (ت 974 هـ) حاشية على شرح الجلال المحلي كثيراً ما يسـتمد منها ابن حجر الهيثمي في تحفته.

ومنهج الطلاب اختصره الإمام العلامة محمد بن أحمد الجوهري (ت 1215 هـ)، وسماه (نهج الطلاب)، اختصر الاسم والمسمى أيضاً، وشرحه شرحاً عظيماً.

ثالثاً:  ممن اعتنى بنظمه: 

(١) الإمام السيوطي (ت 911 هـ) في "الابتهاج إلى نظم المنهاج".

(٢) كما نظمه عز الدين محمد بن عبد الكريم الموصلي،.

(٣) وغيرهما كثير؛ كشهاب الدين أحمد بن محمد الطوخي (ت 893 هـ).

رابعاً: شُرَّاح المنهاج:

وأما الذين شرحوه فكثيرون، منها: 

شرح الإمام العلامة صفي الدين أحمـد بـن العماد الأقفهسي (ت 808 هـ)، في كتابه "البحر المواج إلى شرح المنهاج"

وشرحه العلامة محمد بن عبد االله الزركشي (ت 749 هـ)، في كتابه (الديباج إلى شرح المنهاج).

وشرحه سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني (ت 805 هـ)، في كتابه (تصحيح المنهاج).

وشرحه بدر الدين محمد بن فخر الدين الأبار المارديني بشرح سماه "البحر المواج" في أربعة عشر مُجلداً.

وشرحه جمال الدين محمد بن موسى الدميري (ولد بحدود 850 هـ)، في كتابه "النجم الوهاج إلى شرح المنهاج" في أربعة مجلدات.

وشرحه تقي الدين أبو بكر بن أحمد بن قاضي شهبة(ت 851 هـ).

وشرحه أبو الفضل محمد بن أبي بكر المعروف بـابن شهبة الأسدي (ت 874 هـ) بشرحين، أحدهما: "بداية المحتاج على شرح المنهاج" و "إرشـاد المحتاج إلى شرح المنهاج".

وشرحه أبو الفضل محمد بن عبد االله بن قاضـي عجلون (ت 876 هـ)، بشرح سماه "هادي الراغبين إلى شرح منهاج الطالبين".

وشرحه شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي (ت 973 هـ)، في كتاب "تحفة المحتاج إلى شرح المنهاج"

وشرحه جمال الدين محمد بن أحمد الرملي (ت 1004 هـ) في كتابه "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج".

وشرحه العلامة الخطيب محمد الشربيني (ت 977 هـ)، في كتابه "مغني المحتاج إلى شرح المنهاج". وهذه الثلاثة الشروح كل شرح في أربعة مجلدات ضخمة

وشرحه العلامة جلال الدين محمد بن أحمد المحلي ولم يسم كتابه.

وشرحه شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي (ت 783 هـ).

وشرحه تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (ت 756 هـ) في "الابتهاج إلى شرح المنهاج"، وصل فيه إلى الطلاق في ثمانية أجزاء، ولم يُتمَّه.

وشرحه جمال الدين عبد الرحيم بن حسن الأسنوي.

وشرحه بدر الدين فرج بن محمد الأردبيلي (ت 749 هـ).

وشرحه الشيخ زكريا بن محمد الأنصـاري (ت 926 هـ).

وشرحه محمد بن أحمـد عبد الباري الأهدل -رحمه االله تعالى- بشرح سماه "إعانة المحتاج إلى شرح المنهاج" وقد شرع فيه إلى الطلاق ومات قبل أن يُتمَّه.

وللإمام السيوطي في "در التاج في إعراب مشكل المنهاج".

خامساً: أحسن شروح المنهاج:

من أحسن الشروح المذكورة شرح الإمام العلامة ابن حجر الهيتمي المسمى بـ"تحفة المحتاج" فقد قيل: إنها حوت العلم لفظاً وضمناً. وشرح الإمام العلامة محمد بن أحمد الرملي المسمى بـ"نهاية المحتاج"، ثم شرح الإمام العلامة الخطيب محمد الشربيني المُسمى بـ"مُغني المحتاج".

سادساً: الشروح المعتمدة:

وقد اختلف في شرح ابن حجر والرملي:- 

1. فذهب علماء مصر إلى اعتماد ما قاله الشيخ محمد رملي في كتبه، خصوصـاً في نهايته؛ لأنها قرأت عليه إلى آخرها في أربعمائـة مـن العلمـاء، فنقـدوها وصححوها، فبلغ صحتها إلى حد التواتر.

2. وذهب علماء: حضرموت، والشام، والأكراد، وداغستان، وأكثـر أهل الـيمن والحجاز إلى أن المعتمد ما قاله ابن حجر في كتبه؛ فإن اختلفت قدم ما في تحفته لما فيها من إحاطة بنصوص الإمام مع مزيد تشبع المؤلف فيهـا، ولقراءة المحققين لها عليه الذين لا يحصون كثرة، فإن اختلفت كتب ابن حجر مع بعضها فالمقدم أولاً التحفة، ثم فتح الجواد، ثم الإمداد، ثم الإيعاب شرح العباب، ثم فتاواه.

سابعاً: بيان مُعتمد الفتوى:

ولا تجوز الفتوى بما يخالف ابن حجر والرملي بل بما يخالف التحفة والنهاية، فإن اختلفا فيتخير المفتي بينهما إن لم يكن أهلاً للترجيح، فإن كان أهلاً له فيفتى بالراجح.

وإذا لم يتعرض ابن حجر والرملي لمسألة؛ فيفتى: بكلام شيخ الإسلام زكريا في "شرح البهجة الوردية" ثم شرح "المنهج" لكن فيه مسائل ضعاف.

ثم بكلام الخطيب الشربيني في "مُغني المحتاج"، وهو كتابٌ مجموع مـن شروح المنهاج مع توشيحه من فوائد من تصانيف شيخ الإسلام زكريا، ويستمد كثيراً من كلام شيخه الشهاب الرملي، ومن شرح ابن شهبة الكبير على المنهاج.

 ثم يُفتى بكلام حاشية الزيادي، ثم بكلام حاشية ابن قاسم، ثم بكلام عميرة، ثم بكلام الشبراملسي، ثم بكلام حاشية الحلبي، ثم بكلام حاشية الشوبري، ثم بكلام حاشية العناني، ما لم يُخالفوا أصل المذهب كقول بعضهم: ولو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها صـح الوقوف عليها! وحواشي المتأخرين غالباً موافقة للرملي فالفتوى بها معتبرة.

وهؤلاء الأئمة المذكورين من أرباب الشروح والحواشي، كلهم إمام في المذهب يستمد بعضهم من بعـض، فيجـوز العمل والإفتاء والقضاء بقول كل منهم وإن خالف من سواه، ما لم يكن سـهواً، أو غلطاً، أو ضعيفاً ظاهر الضعف.

واعلم أن الرملي في الربع الأول من النهاية يماشي الشـيخ الخطيب الشربيني ويوشح من التحفة ومن فوائد والده، ولهذا فأكثر مخالفات الشمس الرملي لابن حجر بسبب متابعته لوالده الشهاب الرملي، ولذا تجد توافق عبارات المغني والنهاية والتحفة، وليس ذلك من باب وضع الحافر على الحافر كما قد يتوهم، وفي الثلاثة الأرباع يماشي التحفة ويوشح من غيرها.

كذلك فإن ابن حجر يستمد كثيراً في التحفة من حاشية شيخه ابن عبد الحق على شرح المنهج للجلال المحلي.

ولكل من التحفة والنهاية والمغني اصطلاحات خاصَّة، سيأتي بيانها.

الفصل الثاني:

 في ذكر أمهات المنهاج التي اختصر منها 

وذكر أسماء مؤلفيها وذكر وفياتهم

أهم المصادر والمراجع التي اعتمد عليها النووي في تصنيف كتابه "المنهاج" ما يلي: 

أولاً: "المحرر" للرافعي (ت 624 هـ)، وهو من أجل كتب الشافعية وأحكمها كما قـال الإمام النووي. وسُمي مُحرراً لقلة لفظه، لا لكونه ملخصاً من كتاب بعينه، وقيل: إن المُحرر مختصرٌ من الوجيز للغزالي، والوجيز مختصرٌ من الوسيط له أيضاً (=وهو كتاب أكبر من الوجيز، وأحد الكتب الخمسة المتداولة بين الشافعية التي يعول عليها).

وقد شرح المُحرر عددٌ من الأعلام، منهم: شهاب الدين أحمد بن يوسف السندي (ت 895 هـ) في أربعة مجلدات، في كتابٍ سماه سماه "كشف الدرر في شرح المحرر" التزم فيـه ذكر الخلاف بين الأئمة الثلاثة مع تنقية مذهبه، وبيان خلاف الترجيح بين الرافعي والنووي وما عليه الفتوى. ثم شرحه شرف الدين الشيرازي. 

واختصر محرر الرافعي: تاج محمود بن محمد الأصـفهيدني الكرماني (807 ه)، في كتابه "الإيجاز"، كما اختصره علاء الدين علي بن محمد الناجي (ت 714 هـ)، كما اختصره النووي في "المنهاج"، وزاد عليه مائة واثنتان وثمانون مسألة (=منها نحو خمسين رد منه على صاحب المحرر، لأن صاحب المحرر ذكرها علـى خـلاف المختـار في المذهب، ومنها مائة واثنتان وثلاثون مسألة زيادة منه).

وقد اختصر وجيز الغزالي عددٌ من الأئمة، منهم مؤلفه أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ) في كتابه "الخلاصة"، ثم اختصره تاج الدين عبد الرحمن بن منعة الموصلي (ت 671 هـ) في كتابه "التعجيز في مختصر الوجيز"، واختصره الإمام سراج الدين عمر بن محمد الزبيدي (ت بعد 900 هـ)، وسماه "الإبريز في تصحيح الوجيز". 

وأما الذين شرحوا الوجيز فكثيرون، منهم: أبو حامد محمد بن إبراهيم السهيلي الحاجري (ت 610 هـ)، وشرحه الإمام الرافعي بشرحين: صغير لم يُسَمَّ، وكبيرٌ سماه "العزيز" أو "فتح العزيز إلى شرح الـوجيز" في عشـرة مجلدات.

وأما الذين اختصروا "العزيز شرح الوجيز" للرافعي، فكثيرون أيضاً، أشهرهم الإمام النووي في كتابه "الروضة"، واختصر الروضة الشيخين: إسماعيل بن المقري الزبيدي في كتابه "الروض"، وصفي الدين أحمد بن عمـر المزجـد في "العباب". 

واختصر روض الزُّبيدي: العلامة ابن حجر الهيتمي في كتاب "النعيم"، كما شرح ابن حجر كتاب العباب في "الإيعاب". 

وممن اختصر روضة النووي الإمام السيوطي سماه كتاب "الغُنية". كذلك اختصرها عبد الغفار القزويني في كتابه "الحاوي الصغير" ونظمه ابن الوردي (ت 749 هـ) في "البهجة" التي شرحها شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرحين.

وقد اعتنى بروضة النوواي عددٌ من الأئمة عملوا عليها حواشي، منهم: الإمام الأذرعي بتحشية الروضة بالحواشي الجليلة، ومثله الإمـام الأسنوي، وابن العماد، والبلقيني. ثم جاء الإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي (ت 7944 هـ) وجمع الحواشي الأربع السابقة في كتابه "الخادم للروضة" في أربعة عشر مجلداً.

واعتنى الشيخ إسماعيل بن المقري كتاب "الحاوي الصغير" لعبد الغفار القزويني، فاختصره إلى "الإرشاد"، الذي شرحه ابن حجر بشرحين.

وأما وسيط الغزالي، فقد شرحه عدد من الأئمة، منهم: تلميذ الإمام الغـزالي: محمد بن محي الدين محمد بن يحيى النيسابوري (ت 548 هـ) في ستة عشر مجلـداً، وسماه بـ"المحيط إلى شرح الوسيط"، وشرحه أبو العباس أحمد بن علي بن مرتفع المعروف بابن الرفعة (ت 710 هـ) في ستين مجلداً سماه "المطلب العـالي إلى شرح وسيط الغزالي" ولم يكمله. وشرحه أبو العباس أحمد بن محمد القمولي (ت 777 هـ) في كتاب سماه "البحر المحيط إلى شرح الوسيط"، ثم لخصه وسماه "جواهر البحر المحيط"، ولخص هذا التلخيص سراج الدين عمر بن محمد اليمني-(ت 887 هـ)، وسمـاه "جـواهر الجواهر" وشرحه كثير غير من ذُكر.

وأما الذين اختصروا وسيط الغزالي، فكثيرون أيضاً، منهم: إبراهيم بن هبة االله الإسـنادي (ت 721 هـ)، كما اختصره الإمام الغزالي في كتابه "الوجيز" كما مرّ.

وكتاب الوسيط مختصرٌ من كتاب البسيط للغزاليِّ أيضاً، و"البسيط" اختصره من "نهاية المطلب في دراية المذهب" لإمام الحرمين عبد الملك بن محمد بن عبد الله الجويني (ت 478 هـ)، جمعه بمكة المكرمة وأتمه بنيسابور، في أربعين مجلداً، ثم شرع الجويني في تلخيصه ولكنه لم يتم، وقد جمع "نهاية المطلب" من الأم والإمـلاء والمسند للشافعي ومختصر المزني. واختصر "نهاية المطلب" الإمام أبو سعد عبد الله بن محمد اليمني المعروف بابن أبي عصرون (ت 585 هـ) في كتاب سماه "صفوة المذهب من نهاية المطلب" في سبع مجلدات.

ثانياً: ثم كتاب "الأم"، وهو من أعظم كتب الشافعية الشرقية والغربية، وقد جمع أجزاءه المتفرقة صفي الدين أحمد بك الحسيني المعظم، وطُبع على نفقته.

الفصل الثاني:

في بيان مصطلحات الإمام النووي في كتبه

وما يقدم منها إذا اختلف بعضها عن بعض

أولاً: ترتيب كتب الإمام النووي إذا اختلف بعضها عن بعض؛ فإنه يُقدّم:

١."التحقيق" شرح التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي.

٢.ثم "المجموع" شرح المهذب للإمام أبي إسحاق الشيرازي أيضاً.

٣.ثم "التنقيح" شرح وسيط الإمام الغزالي رحمه االله تعالى.

٤.ثم "الروضة" مختصر فتح العزيز للإمام الرافعي رحمه االله تعالى .

٥.ثم "المنهاج" مختصر المحرر للإمام الرافعي أيضاً رحمه االله تعالى .

٦.ثم "فتاواه".

٧.ثم "شرح مسلم".

٨.ثم "تصحيح التنبيه".

٩.ثم "نكته" أي التنبيه

ثانياً: اصطلاحات الإمام النووي في كتبه:

ذكر في المنهاج عبارات تعلم منها أن الخلاف أقـوال للشافعي، أو أوجـه لأصحابه، أو مركب منهما، وهي سبعة عشر.

فالأظهر، والمشهور، والقديم، والجديد، وفي قول، وفي قول قديم، وفي قول كذا، والقولان، والأقوال، هذه يعبر بها عن أقوال الإمام الشافعي رضي االله تعالى عنه.

والأصح، والصحيح، وقيل، وفي وجه، والوجهان، والأوجه، لأوجه الأصحاب والنص للمركب منهما يقينا.

والمذهب حين يعبر به محتمل لأن يكون من أقـوال الشـافعي أو مـن أوجـه الأصحاب أو من المركب منهما، وقد يعبر في بعض المسائل بالمنصوص وفي بعضها بفي قول أو وجه، وقد يعبر لما فيه خلاف بقوله وكذا,

ثالثا:ً شرح هذه الاصطلاحات:

(١) وتعبيره بـ(الأظهر) يستفاد منه أربع مسائل:-

الأولى: أن المسألة الخلافية، أي: ذات خلاف.

والثانية: الأرجحية، يعني أن في المسالة قولاً راجحاً وقولاً مرجوحاً، والراجح هو المذكور، والمرجوح هو المقابل.

والثالثة: كون الخلاف فيه قولياً، أي من قول الإمام الشافعي أو من أقواله لا من الأوجه التي ذكرها أصحابه .

والرابعة: ظهور المقابل، يعني أن المقابل ظاهر في نفسه وإن كـان المعتمـد في الفتوى والحكم على الأظهر.

وجملة ما في المنهاج من التعبير بالأظهر أربعمائة إلا خمسة:

منها: التعبير بأظهرها في موضعين: أحدهما في الرهن، والآخر في الوصايا.

ومنها: التعبير بأظهرهما في كتاب العتق في فصل أعتق في مرض موته

(٢) وتعبيره بـ (المشهور) يستفاد منه أربع مسائل :-

الأولى: أن المسألة خلافية وقد مر معنى ذلك.

الثانية: الأرجحية وقد مر معنى ذلك أيضاً.

والثالثة: غرابة المقابل، أي كونه خفياً غير مشهور، فهو ضعيف.

والرابعة: كون الخلاف قولياً، أي من قولي الإمام الشافعي أو من أقواله لا من الأوجه التي لأصحابه رضي االله عنهم .

وجملة ما في المنهاج من التعبير بالمشهور ثلاث وعشرون عبارة:

منـها التعـبير بالأشهر في الشهادات في فصل لا يحكم...الخ

(٣) والتعبير بـ(الأصح) يستفاد منه أربع مسائل: 

الأولى والثانية: الخلافية، والأرجحية، و قـد مـر معناهما.

والثالثة صحة المقابل، لقوة الخلاف بقوة دليل المقابل.

والرابعة كون الخلاف وجهاً لأصحاب الإمام الشافعي، يستخرجونه من قواعده ونصوصه، ويجتهدون في بعضها، فالخلاف لأصحابه في المسألة. وقد يشذون عنها كالمزني وأبو ثور، فلا تعد أقوالهم وجوهاً في المذهب.

وجملة ما في المنهاج من التعبير بالأصح ألف وثمانية وثلاثون عبارة تقريباً:

منها ما لفظه "صُحّح" في الضمان. 

ومنها تعبيره بـ"أصحها" في موضعين: أحدهما في الجـراح، وثانيهما: في العدد.

ومنها "أصحهما الثاني" في الصلح.

ومنها واحد ضعيف في باب زكاة الفطر

(٤) التعبير بـ(صحيح) يستفاد منه أربع مسائل: 

الأولى والثانية: الخلافية، والأرجحية، وقد مـر معناهما .

والثالثة: فساد المقابل، أي كونه ضعيفاً لا يعمل به، والعمل بالصحيح.

والرابعة: كون الخلاف وجهاً للأصحاب، يستخرجونه من كلام الإمام الشافعي فإن قوي الخلاف لقوة دليل المقابل عبر بالأصح المشعر بذلك، وإن لم يقو الخـلاف بأن ضعف عبر بالصحيح.

فائدة/ ويجوز تقليد مقابل الأظهر والأصح في حقِّ نفسه، دون مقابل المشهور والصحيح، وليس هذا في القضاء ولا الإفتاء، ويجب اتفاقاً نقض قضاء القاضي وإفتاء المفتي بغير الراجح من مذهبـه.

وجملة ما في المنهاج من التعبير بالصحيح مائة وستة وسبعون

(٥) طريق علمنا بالراجح من أقوال الإمام الشافعي:

وطريق علمنا به يحصل بأمور:

١.إما بالنص على أرجحيته .

٢.وإما بالعلم بتأخيره.

٣.وإما بالتفريع عليه.

٤.وإما بالنص على فساد مقابله .

٥.وإما بموافقته لمذهب مجتهد.

فإن لم يظهر مرجح فللمقلد أن يعمل بأي القولين شاء.

(٦) والتعبير بـ (الجديد) وهو ما قاله بعد دخوله مصر، وأشهر رواته:-

١.البويطي.

٢.والمزني

٣.والربيع المرادي.

٤.والربيع الجيزي.

٥.وحرملة.

٦.ويونس بن عبد الأعلى.

٧.وعبد الله بن الزبير المكي.

٨.ومحمد بن عبدا لله بن عبدالحكم.

٩.وأبوه عبد الله بن عبد الحكم.

ومن الكتب الجديدة للإمام الشافعي: المختصر، والبويطي، والأم. 

فإذا عبر الإمام النووي بالجديد فيستفاد منه أربع مسائل:

الأولى: أن المسألة الخلافية، والمعنى أن قوله في الجديد بحكم في مسألة يخالف قوله القـديم فيها.

والثانية: الأرجحية، والمعنى أن في المسألة قولين: قولاً راحجـاً: وهـو القـول الجديد، وقولاً مرجوحاً: وهو القديم، والمراد القول الجديد الذي عبر به.

والثالثة: كون الخلاف من قول الإمام الشافعي .

والرابعة: كون المقابل قديماً، أي قولاً قديماً للشافعي.

وجملة ما في المنهاج من التعبير بالجديد خمس وسبعون عبارة تقريباً .

(٧) والتعبير بالقديم، وهو ما قاله قبل دخولـه مصر، وأشهر رواته:-

١.أحمد بن حنبل.

٢.والزعفراني

٣.والكرابيسي.

٤.وأبو ثور.

-ويستفاد من هذا التعبير أربع مسائل:

الأولى: أن المسألة الخلافية، وهي أن قوله في الجديد في مسألة يخالف قوله القديم منها.

والثانية: المرجوحة، وهي كون القديم مرجوحاً، والجديد راجحاً.

والثالثة: كون الخلاف قولياً.

والرابعة: كون المقابل هو الجديد، والعمل عليه.

وجملة ما في المنهاج من التعـبير بالقديم ثمانية وعشرون لفظة.

(٨) والتعبير بـ(المذهب)، يستفاد منه أربع مسائل:-

الأولى أن هذه المسألة الخلافية: يعني أن في المسألة خلافاً.

والثانية: الأرجحية، يعني أن ما عبر فيه بالمذهب هو الراجح.

والثالثة: كون الخلاف بين الأصحاب أي في حكاية المذهب، فبعضهم يحكـي الخلاف في المذهب، وبعضهم يحكي عدمه، وبعضهم يحكي القطع بالمذكور وبعضهم يحكي الخلاف أقوالاً، وبعضهم يحكي وجوهاً، وغير ذلك، فيعبر النووي عن ذلـك بالمذهب.

والرابعة: مرجوحية المقابل، أي أن مقابل المذهب مرجوح لا يعمل به.

وجملة ما في المنهاج من التعبير بالمذهب مائة وسبعة وثمانون عبارة.

(٩) التعبير بـ(قيل)، يستفاد منه أربع مسائل :

الأولى: الخلافية، يعني أن في المسألة خلافاً بين الأصحاب.

والثانية: كون الخلاف وجهاً من أوجه الأصحاب لا قولاً من أقوال الشافعي.

والثالثة: ضعف المذكور بقيل.

والرابعة: كون مقابله الأصح أو الصحيح الذين يعبر ما في أوجه الأصحاب لا أن مقابله الأظهر أو المشهور؛ لأنه إنما يعبر ما عن أقوال الشافعي لا غير .

وجملة مـا في المنهاج من التعبير بقيل أربعمائة وتسعة وثلاثون عبارة.

وجملة المسائل الضعيفة في المنهاج بدون صيغة (قيل) أو (في قول) سـبع عشـرة مسالة (انظرها، ص ٧٨ -).

(٩) التعبير بـ(في قولٍ كذا)، يستفاد منه أربع مسائل:

الأولى: الخلافية في المسالة.

والثانية: كون الخلاف أقوالاً للشافعي .

والثالثة: ضعف القول المذكور .

والرابعة: كون مقابله الأظهر أو المشهور، والعمل به.

وجملة ما في المنهاج من التعبير بـ "في قول كذا" اثنتا ومائة عبارة.

 فهي مـع جملـة التعبير بقيل ستمائة وواحدة وأربعون قولاً كلها ضعيفة ما عدا خمسة عشر موضـعاً رجح المتأخرون اعتمادها، اثنا عشر منها التعبير فيها بـ: "قيل"، و ثلاثة التعبير فيهـا بقوله: "وفي قول". (انظرها: ص ٦٧ -٧١).

(١٠) التعبير بـ(القولين)، يُستفاد منه ثلاث مسائل: 

الأولى: الخلافيـة في المسألة.

الثانية: وكـون الخلاف أقوالاً للشافعي أكثر من اثنين.

الثالثة: وأرجحية أحدهما بترجيح الأصحاب لـه، أو بالنص.

وجملة ما في المنهاج من التعبير بالأقوال ستة عشر عبارة (انظرها: ص -٧٢).

(١١) التعبير بـ(النص) و(المنصوص)، حيث يختلف مقصوده بكل منهما، فإنه تـارةً يعـبر بالنص، ويعني به نص الشافعي فقط، وتارةً يعبر بالمنصوص، ويعني به الراجح عنده من نص الشافعي، أو وجه للأصحاب.

فيستفاد من تعبيره بالنص أربع مسائل:-

الأولى، الخلافية، بمعنى أن مقابل النص يخالفه .

الثانية: الأرجحية، يعني أن ما عبر فيه بالنص هو الراجح في المذهب .

والثالثة: كون النص من أقوال الشافعي فقط.

والرابعة: أن مقابله ضعيف لا يعمل به.

ويستفاد من تعبيره بالمنصوص أربع مسائل:-

الأولى: الخلافية، يعني أن في المسالة خلافاً مذكوراً .

والثانية: الأرجحية، بمعنى أن ما عبر فيه بالمنصوص هو الراجح.

والثالثة: كون المنصوص عليه هو إما قول الشافعي، أو نـص لـه، أو وجـه للأصحاب.

والرابعة: كون مقابله ضعيفاً لا يعمل به.

وجملة ما في المنهاج من ذكر النص ستة عشر، وجملة ما عبر فيه بلفظ المنصوص ثلاثة عشر (انظرها، ص ٧٣).

(١٢) التعبير بـ (في وجهٍ كذا)، يستفاد منه أربع مسائل:-

الأولى: الخلافية في المسألة بين الأصحاب .

والثانية: كون الخلاف أوجهاً ثلاثة فأكثر للأصحاب .

والثالثة: ضعف الوجه المذكور .

والرابعة: كون مقابله هو الأصح أو الصحيح، والعمل بالمقابل .

وقد يصف الوجه بالشذوذ، فيفيد قوة ضعفه، أو يصفه بواه، والمـراد ضـعيف جداً.

وجملة ما في المنهاج من الرمز بـ"في وجه كذا" سبعة وعشرون موضـعاً منـها وجه موصوف بالشذوذ في الفصل الثالث بعد كتاب الإقرار، ومنها وجه موصوف بواه في كتاب الغصب.

(١٣) التعبير بـ(الوجهين)، يستفاد منه أربع مسائل:

الأولى: الخلافية.

الثانية: وانحصارها في وجهين.

الثالثة: وكون الخلاف للأصحاب.

الرابعة: وكون مقابل الضعيف منهما الأصح أو الصحيح.

وجملة ما في المنهاج من ذكر الوجهين سبعة مواضع (انظرها، ص ٧٤).

وكلها مرجحة إلا في موضعين:-

أحدهما: في كتاب صلاة الجماعة.

والثاني: في كتاب النفقات فتركها الإمام النـووي بـلا ترجيح فرجحها الأئمة الأعلام رضي االله عنهم.

(١٤) التعبير بـ(الأوجه) يستفاد منه أربع مسائل:-

الأولى: الخلافية.

الثانية: وانحصارها في أكثر من وجهين .

الثالثة: وكون الخلاف للأصحاب .

الرابعة: وكون مقابل الضعيف منها الأصح والصحيح.

وجملة ما في المنهاج من المسائل المذكورة بـ"في قول أو وجه" ثلاث مسائل (انظرها، ص ٧٥).

(١٥) وتعبير في (قول أو في وجه) يستفاد منه أربع مسائل:-

الأولى: الخلافية.

الثانية: والتردد في كونها من أقوال الشافعي أو من أوجه الأصحاب .

الثالثة: وكون الوجه أو القول ضعيفاً .

الرابعة: وكون مقابله في القول: الأظهر أو المشهور، وفي الوجه: الأصح أو الصحيح.

وجملة ما في المنهاج من المسائل المذكورة بـ"في قول أو وجه" ثلاث مسائل، (انظرها ص ٧٥).

(١٦) التعبير بـ (كذا) أو (وكذا)، يستفاد منه: 

الأولى: الخلافية فيما بعدها، فإن عـبر بعـدها بـ:-

الأصح فمقابله الصحيح.

أو بالصحيح فمقابله الضعيف .

أو بالأظهر فمقابله الظاهر.

أو بالمشهور فمقابله الخفي، وقد علمت الاصطلاح فيها مما مر.

وجملة ما في المنهاج من التعبير بـ"كذا" ثلاثمائة وثلاثة وتسعون.

تنبيه: اعلم أن المشهور أقوى من الأظهر من جهة أن المشـهور قريـب مـن المقطوع به، لأنه يقابله الخفي، وهو لا يجوز العمل به.

وأما من جهة التصحيح، فتصحيح الأظهر أقوى من تصحيح المشهور، لأنه يقابله الظاهر، وهو يجوز العمل به كما عرفت مما مر، لأن قوة مقابله تشعر بصرف العناية للتصحيح صرفاً كلياً بخلاف المشهور بضعف مقابله المغني عن تمام صـرف العنايـة للتصحيح، وكذا يقال في الأصح والصحيح.

(١٧) اختيارات الإمام النووي:

واعلم أن اختيارات الإمام النووي رحمه االله كلها ضعيفة من حيث المذهب وإن كانت قوية من حيث الدليل، إلا اختياراته في الروضـة، فإنها بمعنى الصحيح أو الراجح إلا في اختياره عدم كراهة المشمس في الروضة، فهو ضعيف مـن جهـة المذهب.

(١٨) اختلاف عبارات الإمام النووي التصحيحية:

وقد يوجد منه التعبير في الروضة بـ"الأصح" وفي المنهاج بـ"الصحيح" في حكم واحد، وهذا منشأ اختلاف الاجتهاد في الأرجحية، فعند التعارض يرجع إلى تأمـل المدرك .

ويوجد له في بعض كتبه التعبير بـ"الأظهر"، وفي بعضها التعـبير عـن ذلـك بـ"الأصح"، فإن عرف أن الخلاف أقوال أو أوجه فواضح، والأرجح الدال على أنه أقوال؛ لأن مع قائله زيادة علم بنقله عن الشافعي رضي االله تعالى عنه بخلاف نافيـه عنه.

(١٩) المعتمد في المذهب:

اعلم أنه حصل الاتفاق بين الأئمة الأعلام من الشافعية علـى أن المعتمد ما اتفق عليه الشيخان. فإن اختلفا فالمعتمد ما قاله النووي رحمه الله تعالى. فإن وجد للرافعي ترجيح دون النووي فهو المعتمد. ومحل هذا ما لم يجمع المتأخرون على أن ما قالاه سهو، وإلا فالمعتمد حينئذ مـا قاله المتأخرون. فإن لم يتعرض الشيخان لذلك الحكم فالكتب المتقدمة على الشيخين لا يعتمد على شيء منها إلا بعد الفحص والتحري حتى يغلب على الظن أنه المذهب.

وإذا اختلف المصنف والفتوى فالعمدة ما في المصنف، وإن وجـدنا كلامـاً في الباب وكلاماً في غير الباب فالعمدة ما في الباب.

تنبيه: وفي الاصطلاح أن المـراد بالأصـحاب المتقدمون وهم أصحاب الأوجه غالباً، وضبطوه بالزمن، وهم من الأربعمائة، ومـن عداهم لا يسمون بالمتقدمين ولا بالمتأخرين.

الفصل الرابع 

في اصطلاحات صاحب التحفة والنهاية والمغني وغيرهم من الفقهاء 

مما أودعوه في طي إشاراتهم

اعلم أن الاصطلاح هو: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص بينهم فحيـث قالوا: (الإمام) يريدون به إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن محمد الجويني.

و(القاضي) عند الإطلاق يريدون به القاضي حسين.

أو (القاضيان) يريدون ما الروياني والماوردي.

أو (الشارح) أو (الشارح المحقق) يريدون به الجلال المحلي، شارح المنهاج.

أو (شارح) يريدون به واحداً من الشراح لأي كتاب كان.

أو (قال بعضهم) فهو أعم من شارح .

أو (الشيخان) يريدون ما الرافعي والنووي.

أو (الشيوخ) يريدون بهم الرافعي والنووي والسبكي.

وحيث قال في التحفة: (شيخنا) فيريد به شيخ الإسلام زكريا الأنصاري وكذلك الخطيب، وهو مراد صاحب النهاية بقوله: (الشيخ).

وإن قال الخطيب (شيخي) فيريد به الشهاب أحمد الرملي، وهو مراد الجمال بقوله: (أفتى به الوالد).

أو (لا يبعد كذا) فهو احتمال.

أو (على ما شمله كلامهم) فهو إشارة إلى التبري منه، أو أنه مشكل.

أو (كذا قالوه) فهو تبرٍ، أو مشكل ومثله (كذا قاله فلان) و (إن صح هذا فكذا) فهو عدم ارتضائه. أو (كما أو لكن) فهو المعتمد.

فائدة/ واعلم "أن ما بعد (كما) معتمد في التحفة لابن حجر، وأن ما اشتهر من أن المعتمد ما بعـد (لكن) محله إذا لم يسبقه كما، وإلا فهو حينئذ المعتمد عنده، إلا إن قال: (لكن المعتمد كذا) (والأوجه كذا)، فهو حينئذ المعتمد.

وقول ابن حجر: (على المعتمد) يعني به الأظهر من القولين أو الأقوال للشافعي. وقوله: (على الأوجه) يعني به: الأصح من الوجهين أو الأوجه للأصحاب.

أو (على ما اقتضاه كلامهم) بصيغة بتر كقولهم: (على ما قاله فـلان) بـذكر (على) أو (هذا كلام فلان) كله بتر، والمعتمد مقابله.

و(الذي يظهر) بحث، وهو: ما يفهم فهماً واضحاً من الكلام العام للأصـحاب المنقول عن صاحب المذهب بنقلٍ عام.

أو (لم نر فيه نقلاً) يريدون نقلاً خاصاً.

أو (هو محتمل)؛ فإن ضبطوه بفتح الميم الثانية فهو راجح، أو بالكسر فـالمعنى ذو احتمال مرجوح، فإن لم يضبطوه بشيء يلزم مراجعة كتب المتأخرين، فإن وقع بعـد أسباب التوجيه فهو بالفتح راجح، أو بعد أسباب التضعيف فهو بالكسر مرجوح.

أو (على المختار) إن كان لغير النووي فهو خارج عن صاحب المذهب، فـلا يعول عليه، وإن وقع للنووي في الروضة فهو بمعنى الأصح في المذهب لا بمعناه المصطلح عليه إلا في اختياره عدم كراهة المشمس فهو بمعنى الضعيف.

أو (وقع لفلان كذا) فهو ضعيف إلا أن يلحقوه بترجيح فيكون راجحاً .

أو (في أصل الروضة) فالمراد عبارة النووي في الروضة التي لخصها واختصرها من لفظ العزيز.

أو (في زوائد الروضة) فالمراد الزائد فيها عن لفظ العزيز.

أو (نقله فلان عن فلان) أو (حكاه فلان عن فلان) فالمعنى واحد.

أو (سكت عليه) أي ارتضاه.

أو (أقره فلان) فهو كالجازم به.

أو (نبه عليه الأذرعي) معناه أنه معلوم من كلام الأصحاب، وإنما للأذرعي التنبيه عليه لا غير. أو (كما ذكره الأذرعي) فالمراد أن ذلك من عند نفسه.

أو (الظاهر كذا) فهو من بحث القائل.

و (الفحوى) هو ما فهم من الأحكام بطريق القطع.

و (المقتضى) و (القضية) هو الحكم بالشيء لا على وجه الصراحة.

أو (زعم فلان) فهو بمعنى قال، إلا أنه أكثر ما يقال فيما شك فيه.

ومن اصطلاحهم أنهم إذا نقلوا عن الإمام الحي فلا يصرحون باسمه لأنه ربما رجع عن قوله وإنما يقال: (قال بعض العلماء) فإن مات صرحوا باسمه .

والمقرر الناقل متى قال (وعبارته) تعين عليه سوق العبارة المنقولة بلفظها ولم يجز له تغيير شيء منها وإلا كان كاذباً.

ومتى قال: (قال فلان) كان بالخيار بين أن يسوق عبارته بلفظها أو بمعناها مـن غير نقلها، لكن لا يجوز له تغيير شيء من معاني ألفاظها.

وقولهم: (ملخصاً) فالمراد أن يأتي من ألفاظه بما هو المقصود .

وقولهم: (المعنى كذا) المراد به التعبير عن لفظه بما هو المفهوم منه.

وقولهم: (فيرد عليه كذا) وما اشتق من الورود، يقال لما لا يندفع بزعم المعترض.

وقولهم: (ويتوجه) وما اشتق منه أعم منه من غيره.

وقولهم: (مع ضعف فيه) قد يقال لما فيه ضعف شديد أيضاً.

وقولهم: (ولقائل) لما فيه ضعف ضعيف.

أو (وفيه بحث) ونحوه لما فيه قوة سواءٌ تحقق الجواب أم لا.

و (قيل) و(يقال) و)لا يبعد) و(يمكن) صيغ تمريض تدل على ضعف مدلولها بحثاً كان أو جواباً.

أو (أقول) أو (قلت) لما هو خاص بالقائل أو (حاصله) أو (محصله) أو (تحريـره) أو( تنقيحه) أو (نحو ذلك) فإشارة إلى قصور في الأصل أو اشتماله على حشو.

(تأمل) إشارة إلى دقة المقام مرة، وإلى خدشٍ فيه أخرى، فهو إشارة إلى الجواب القوي. (فتأمل) بالفاء إشارة إلى الضعيف. (فليتأمل) إشارة إلى الأضعف.

(وفيه نظر) يستعمل في لزوم الفساد.

(ولقائل) إذا كان بسؤال قوي فجوابه أقول أو نقول بإعانة سائر العلماء.

(فإن قيل) إذا كان السؤال ضعيفاَ فجوابه أجيب ويقال .

(لا يقال( لما كان أضعف وجوابه لأنا نقول .

(فإن قلت) للسؤال إذا كان قوياً وجوابه قلنا أو قلت.

(قيل) يقال لما فيه اختلاف وضعف ما قالوه.

(محصل الكلام) يقال للإجمال بعد التفصيل.

(وحاصل الكلام) يقال للتفصيل بعد الإجمال.

(والتعسف) ارتكاب ما لا يجوز عند المحققين وقد يطلق على ارتكـاب مـا لا ضرورة فيه.

(وفيه تساهل) يستعمل في كلامٍ لا خطأ فيه.

(التسامح) هو استعمال اللفظ في غير موضعه الأصلي كالمجاز.

(التأمل) هو إعمال الفكر.

(التدبر) تصرف القلب بالنظر في الدلائل.

(تدبر) للسؤال في المقام.

(فتدبر) بمعنى التقرير والتحقيق لما بعده.

(وفي الجملة) يستعمل في الجزئي والإجمالي.

(وبالجملة) في الكليات والتفصيل.

(اللهم إلا أن يكون كذا) قد يجيء حشواً أو بعد عموم حثاً للسـامع، وتنبيهـاً للمقيد المذكور قبلها.

(وقد يفرق) و(إلا أن يفرق) و(يمكن الفرق) صيغ فرق.

(وقد يجاب) و(إلا أن يجاب) و(لك أن تجيب) كلها جواب من قائله.

(ولك رده) و(يمكن رده) صيغ رد.

(لو قيل كذا) صيغة ترجيح.

ومثله (لم يبعد) ومثله (ليس ببعيد) ومثله (لكان قريباً) ومثله (أو أقرب).

وإن قالوا: (وإن) أو (ولو) فهو إشارة إلى الخلاف، فإن لم يوجد خلاف فإن لم يوجد خلاف فهو لتعميم الحكم، وأن البحث والإشكال والاستحسان والنظر لا يرد المنقول والمفهوم لا يرد الصريح.

(الأشهر كذا والعمل على خلافه) تعارض الترجيح من حيث دليـل المـذهب والترجيح من حيث العمل فساغ العمل بما عليه العمل.

وقول الشيخين (وعليه العمل) صيغة ترجيح.

(اتفقوا) و(هذا المجزوم به) و(هذا لاخلاف فيه)، يقال فيما يتعلق بأهل المـذهب لا غير.

(هذا مجمع عليه)، يقال فيما اجتمعت عليه الأئمة.

(وفي صحته نظر) دليلٌ على أم لم يرو فيه نقلاً.

(ينبغي) الأغلب استعمالها في المندوب تارةً والوجوب أخـرى، ويحمـل علـى أحدهما بالقرينة وقد يستعمل للجواب والترجيح .

(لا ينبغي) قد تكون للتحريم أو الكراهة.

(وانتحله) ادعاه لنفسه وهو لغيره.

(وليس بشيء) تأكيد للضعيف.

(وفي النفس منه شيء) صيغة رد.

(وزعم كذا ممنوع) صيغة توجيه.

(لم أعثر عليه)صيغة استغراب.

خاتمة في بيان بعض الاصطلاحات

(الكتاب): اسم لجملة مختصة من العلم، مشتملة علـى أبـواب وفصول ومسائل غالباً. (والباب) اسم لجملة مختصة من الكتاب، مشتملة على فصول ومسائل غالباً. (والفصل): اسم لجملة مختصة من الباب، مشتملة على مسائل غالباً.  و(الفرع): اسم لألفاظ مخصوصة، مشتملة على مسائل غالباً.

(والمسألة): مطلوب خبري يبرهن عليه في العلم. (والتنبيه):  لفظ عُنوِنَ به وعُبّر به عن البحث اللاحق الذي تقدَّمت له الإشارة. 

و(القاعدة): أمر كلي يتعرف منه أحكام جزئياته، ويرادفها الضابط. وفرَّق بعضهم بين القاعدة والضابط بأن القاعدة: ما لا يخص باباً مـن أبـواب الفقه، فإن اختص ببعض الأبواب سمي ضابطاً. 

وعليه (فالضابط): أمر كلي ينطبق على بعض جزئياته، لتعرف احكامه. 

(والقانون): المعنى الكلي المنطبق على جزئياته عند تعرفها منه.

(والتتمة): هي ما تمم به الكتاب أو الباب، وهو قريب من معنى الخاتمة

(والمقدمة) هي طائفة من الكلام قدمت أمام المقصود لارتباطها به.

(والتذنيب): جعل الشيء ذنابةً للشيء، وهو كالتتميم والتكميل لما قبله.

(والدقيقة): مأخوذة من دق الشيء صار دقيقاً، أي غامضاً.

(واللطيفة): طائفة من الكلام تؤثر في النفس وتورث نوعـاً مـن الانبساط.

(والنكتة) طائفة من الكلام منقحة، مشتملة على لطيفة مؤثرة في القلوب.

و(الفائدة) هي كـل نافع ديني أو دنيوي، وهي: حصول مهم يؤثر في الفؤاد. 

(والإفادة) بيان ما في الضمير لمن ليس له ذلك.

(والاستفادة): طلب تحصيل الشيء ممن عنده ذلك.

(والعبارة): ما قصد به الإفادة من لفظ أو غيره.

(والفرق) ما أبدى معنى مناسباً للحكم في إحدى الصورتين غـير مقصـود في الأخرى.

(اعلم) كلمة يؤتى بها لشدة الاعتناء بما بعدها، والمخاطب بذلك كل من يتأتى منه العلم مجازاً، لأنه موضوع لأن يخاطب به.


ومما قيل في مدح المنهاج للنووي:

قد صنف العلمـاء واختصروا فلـم ***  يأتوا بمـا اختصـروه كالمنـهاج

جمع الصحيح مع الفصيح   *** وفاق بالتـــرجيح عنـد تلاطـم الأمـواج

لم لا وفيــه مــع النــواوي الرافعــي *** حـبران بـل بحـران كالعجـاج

مـن قاسـه بسـواه مـات وذاك مـن *** خسف ومن غبن وسـوء مـزاج

(-) و(المنهاج): هو الطريق الواضح، والمقصود بالفصيح هو ما استبدله الإمام النووي بالألفاظ غير الفصيحة الموجودة في المحرر كما نبه على ذلك في مقدمة المنهاج

وقيل أيضاً:

حـوى في الشـرح منـهاج النـواوي *** بتصحيح الشريعة والفتاوي

كتابٌ لا يُعادله كتابٌ *** يزيد على راوية كل راوي

روى سبعين ألفاً باختصارٍ *** وكم من كامناتٍ في الفحاوي

فحسبُك درسُه في كلِّ حينٍ *** فهو يكفيك عن بحرٍ وحاوي

(-) المقصود بالكامنات المسائل المفهومة من المتن. و(البحر) كتاب للروياني جمع فيه (الحاوي) للماوردي وفوائد وفتاوى والده






الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

أثر طمأنينة القلب وريبته في الأحكام الشرعية د. سلمان بن نصر الداية

أثر طمأنينة القلب وريبته في الأحكام الشرعية

د. سلمان بن نصر الداية

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ القلب هو بيتُ الإخلاص، والحارس على النيّات، وقد جعل الشارع للقلب أحكامه الخاصَّة به، التي يثبت بها الإيمان، ويرسخ بها اليقين، ويقوى الاعتقاد، وجعل له مدداً من الأذكار الشرعية التي تحوطه من وسوسة الشيطان، وتحول بينه وبين التمادي في الغفلة، كما أن له تأثيراً على العقل في إمداده بالهدايات الدينية، وحمايته من السير في متاهات أهل الضلال، وحمله على سلوك الصراط المستقيم والسير فيها، حيث تسطع الفطرة في أجلى مظاهرها، وأول عهدها.

ويأتي هذا البحث النفيس للإجابة عن السؤال التالي: (هل للقلب اعتبار في تقرير الأحكام الشرعية أو منعها، أم أن شأنه فيها الفهم والإدراك فقط وليس أكثر؟)، وذكر الباحث ثلاثة مذاهب في هذه القضية، اثنين على طرفي نقيض، وثالثٌ متوسط، وهي:

المذهب الأول: أن طمأنينة القلب لها اعتبار في إنشاء الأحكام الشرعية مُطلقاً، وهو قول أكثر المتصوفة، ومعتمد أهل البدع.

المذهب الثاني: أن طمأنينة القلب لا اعتبار لها مطلقاً في الأحكام الشرعية، لأنه استحسان بطريق العقل، أو تمسُّك بالهوى.

المذهب الثالث: وهو قول الجمهور، وهو اعتبار طمأنينة القلب في طائفة من الأحكام الشرعية: "غـير" ذات النص، ولا المعنى الناشئ عن الـنص:كدلالـة الإشـارة، ودلالـة الاقتضاء، ودلالة المفهوم بقسميه: الموافق والمخالف، ولا الأحكـام الناشئة عن أدلة التشريع التي رعتها النصوص على الجملة: كسدّ الذريعة، والمصلحة، المرسلة والعرف، وغيرها. وما سوى ذلك فيمكن للقلب أن يفصل فيها بإثبات أو بنفي.

وإليه ذهب كثير من العلماء، منهم الطبري، والكيا الهراسي ، والغزالي ، وفخر الدين الرازي ، والآمدي ، وابن رجب، والمناوي، وغيرهم، وهو مذهب أكابر الصحابة، والتابعين.

وأما عمدة أصحاب القول الأول، فهو حديث: 

ستفت قلبك، البر ما أطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك).

وحديث: (البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمأن إليه القلب، ولو أفتاك المفتون).

وأجاب عليها أصحاب القول الثاني من وجهين:

أحدهما: أن الأحاديث التي ذُكِرت وما في موضوعها ضعيفة؛ إذ لو صحت لكان ذلك إبطالاً لأمره بالعمل بالكتاب والسنة؛ لأن أحكام الله ورسوله لم تثبت بما استحدثته النفوس، وبما استقبحته. 

ولكن هذا الاعتراض غير صحيح، لأن الأحاديث صحيحة عند علماء الحديث والأثر، وقد تلقاها السلف بالقبول، بل قد تأيدت بآثار من الصحابة تؤذن بقبولهم لها، كما ورد عن ابن مسعود، وبشير بن كعب، وعمر، وابن عمر، وأبي الدرداء، وغيرهم.

والثاني: أنه لا يجوز العمل بها لا في مورد النصوص، ولا في المسائل التي لا نص فيها، واختلفت فيها الأمة؛ أما في مورد النص فظاهر البطلان وأما في غير مورد النص فباطل –أيضاً- لأمور ثلاثة:

(١) أن كل ما نُصَّ عليه بخصوصه قد قامت على حكمه دلالة، فلو كان فتوى القلب ونحوه دليلاً معتبراً لم يكن لنصب الدلالة الشرعية عليه فائدة، فيكون عبثاً، والعبث مدفوع في الشريعة.

(٢) أن الله تعالى قال: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردُّوه إلى الله والرسول}، وهو أمر صريح بالرجوع عند التنازع إلى الله والرسول دون حديث النفوس وفتيا القلوب، لا سيما مع وجود أهل الذكر الراسخين الذين يفتون عن علمٍ وخشية.

(٣) أن الله تعالى قال: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وهو صريح في مسألة أهل الذكر عند جهالة حكم المسائل، فلو كان يجوز حسمها بفتيا القلب لكان سؤال أهل الذكر عبثاً، والعبث مدفوعٌ كما أسلفنا.

ويُمكن أن يُجاب على أصحاب هذا القول، بأن: عدم اعتبار طمأنينة القلب بالكلية يقضي بتعطيل الأحاديث والآثار السابق ذكرها في المسألة، فَتعين عندنا القول باعتبارها، ولا تعد هذه الطمأنينة قسماً ثالثاً منفصلاً أو زائداً على الكتاب والسنة، بل هو ضمن ما يدعو إليه الكتاب والسنة؛ وذلك أن االله تعالى هو الذي قال: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً}. وهو الذي قال: {ويجعل لكم نوراً تمشون به}.

كذلك: فإنه لا يُصار إلى تعطيل الخبرين (الآية والحديث) إلا عند تعذر الجمع بينهما وبين الآية، وليس بمتعذر، فتعين المصير إليه، وقد ذكر العلماء في ذلك تأويل للجمع بينهما: 

أحدهما: أن يكون المفتي لا على كفاءة، ولم يوثق بعلمه ودينه، فإن المستفتي يعود إلى ما حاك في صدره.

الثاني: وإنما تكون فتوى العالم على نحو ما يسمع، أو على ما يرى من ظاهر الأمر، ولو كان ثمة ما يخفَى لو رآه لأثَّر في الفتوى، وكان المستفتي يعلم ذلك، أو يشعر به، فلا يجوز له ألبتة أن يعتمد فتيا العالم، وليراع ما يطمئن إليه قلبه، أو تسكن إليه نفسه؛ لحديث: (إنكم تختصمون إليَّ، ولعل أحدكم ألحن بحجته من أخته، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقتطع له قطعة من النار).

واستدلَّ أصحاب القول الثالث (وهم الجمهور): 

بأنه يعمل بطمأنينة القلوب في طائفة من مسائل الاشتباه الذي يحصل في المباحات، لا فيما يشتبه أمره بين الحظر والإباحة، فإنه يترك تمسكاً بالنصوص، وأن طمأنينة القلب، وانشراح الصدر معتبر، لكن لا في جميع أبواب الفقه، إذ لا يمكن إعمال ذلك في تشريع الأعمال، وإِحداث التعبدات، فلا يقال: إذا أطمأنت نفسك إلى هذا العمل فهو مشروع، ولا يقال: استفت قلبك في إحداث هذا العمل.

فإن انعدم من يفتيك في قضيَّةٍ ما من أهل الذكر، وقد اطمأن إليه قلبك فَقَبِلْته، أو ارتاب له واضطرب فأنكرته وتركته، فإنه معتبر شرعاً لاعتبار الشارع لأصله الذي أنتجه، وأعني بذلك اعتبار الشارع طمأنينة القلب في بناء أحكام من هذا القبيل فتأمله فإنه دقيق.

موضوعات هذا البحث:

مقدمة، وفيها: أهمية القلب، ورتبته من البدن.

المبحث الأول: في طمأنينة القلب وريبته والألفاظ ذات الصلة، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الطمأنينة والألفاظ ذات الصلة ، وفيه خمسة فروع :

الفرع الأول: الطمأنينة في اللغة والاصطلاح .

الفرع الثاني : السكينة في اللغة والاصطلاح .

الفرع الثالث: الفرق بين الطمأنينة والسكينة .

الفرع الرابع: التحديث في اللغة والاصطلاح .

الفرع الخامس: الفرق بين الطمأنينة والتحديث .

المطلب الثاني: الريبة والألفاظ ذات الصلة ، وفيه ثلاثة فروع :

الفرع الأول: الريبة في اللغة والاصطلاح .

الفرع الثاني: الحيكة في القلب لغةً واصطلاحاً.

الفرع الثالث : الفرق بين الريبة والحي

المبحث الثاني في أثر طمأنينة القلب وريبته في بناء الأحكام الشرعية، يذكر فيها مذاهب الخلاف في اعتبار طمأنينة القلب، بدءاً بأضعفها وانتهاءً بأقواها، وفيه ثلاث مطالب:

المطلب الأول: في المذهب الأول وأدلته .

المطلب الثاني: في المذهب الثاني وأدلته .

المطلب الثالث: في المذهب الثالث وأدلته 

*  وخلاصة ما جاء في هذا البحث، هو:

(١) أن الله تعالى رعى مصالح الأنام بالوحيين، حيث أقامهما أصولاً تستوعب جميع الفروع والمسائل لتمنحها أحكاماً شرعية عادلة.

(٢) إن الشريعة قد منحت القلب حظاً من القضايا محددة السبيل ليحسم أمرها بإقدام أو إحجام، وأعطتها قدسية الحكم الشرعي.

(٣) منعت الشريعة القلب من الافتئات على مسائل النصوص، وكذا التي ترجع إلى النصوص من أنواع المفهوم والإجماع، والقياس ومصادر التشريع الأخرى التي اعتمد العلماء.

(٤) لا يصار في المسائل بطمأنينة القلوب أو ريبتها إلا عند غياب دليل الشرع والعالم الراسخ.




الاثنين، 22 نوفمبر 2021

أصول في البدع والسُّنن (أو) طريق الوصول إلى إبطال البدع بعلم الأصول قراءات في كتاب "الاعتصام" للشاطبي تأليف محمد أحمد العدوي

أصول في البدع والسُّنن (أو)

طريق الوصول إلى إبطال البدع بعلم الأصول

قراءات في كتاب "الاعتصام" للشاطبي

تأليف محمد أحمد العدوي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لم يعد خافياً على أهل زماننا أهمية معرفة البدع، ومعرفة أحكام المبتدعين، كيف لا ؟ وقد كثر خطرهم، وفشا أمرهم، واستغل كثيرٌ منهم جهل العوام، وسذاجة الجماهير لترويج أنفسهم بالكلام الكذب، والأحاديث الموضوعة، ، في عصرٍ كثر فيه التخليط، وانقسم المسلمون على أنفسهم، وأصبح التفرق فيه شديد، ولا يهدأ لهؤلاء الضُّلال بال حتى يعيدوا الأمة إلى قفار الجهل ومراتع الضلال وبراثن الخرافة، حيث إلغاء العقل، والعبودية التامة لكهنوت الطرقوتية، والتسليم التام لطواغيت السياسة.

هذه البدع التي شوَّهت الجمال الفطري لهذا الدين، وطمست المعالم الزاهية للسُّنَّة النبويَّة، وحالت بين الناس وبين فهم دينهم على الوجه الصحيح، وحرمتهم من ذوق حلاوة التشريع الإسلامي، وحبستهم عن رؤية سماحته ونظرته الوسطيَّة للأمور، ونقلتهم إلى دوائر مظلمة من حلقات الرقص، والضرب بالسيوف والشيش، وخرافات المسوخ.

هذه البدع التي صورتنا أمام الآخر بصورة مقززة، تنفر منها الطباع، وتجعلنا أقرب إلى الهزل والكسل منا إلى الجد والعلم، لا سيما أصحاب الطرق، وتكراري لذكر الطرق لأنَّها اليوم تمثل رأس الحربة التي قتلت أدب الخلاف في نفوس جماهير الأمة، وبسببهم هاجت الفتن العنيفة… فأعمال هؤلاء وطقوسهم تقف حائلاً أمام دخول كثير ممن ألف الحضارة والعلم وكفر بالخرافة والجهل، فإذن لا تستطيع أن تدعو الناس إلى هذا الدين، أو ترغب شعوب الحضارة فيه.

وإنك لو استعرضت أنواعاً من البدع، لرأيتها في جملتها سوساً ينخر في عظام الأمة، هذا في دينها، وهذا في أخلاقها، وهذا في مالها وثروتها، وهذا في منزلتها العلمية، ومكانتها بين الأمم.. 

وهذا الكتاب هو خلاصة مركَّزة لكتاب "الاعتصام" للشاطبي (ت ٧٩٠ هـ)، والذي يُعدُّ بحثاً مستفيضاً في أصول البدع والسنن، وقد حوى إحدى عشرة قاعدة، وتحت كل قاعدة فروعٌ عليها، توقف القارئ على البدع الفاشية في هذا العصر، وتجيب على أغلب الشبهات والتساؤلات التي قد يطرحها البعض من كتب أهل العلم المعتبرين.

ولا شك أن مثل هذا البحث هو رافدٌ كبير، ينتفع به المسلمون في أمر دينهم ودنياهم، ويكون عوناً عظيماً لدعاة الإصلاح والوحدة، وخلاصٌ كبير لهذه الأمة من هذه الحقبة المظلمة بشيوخ السلاطين والحكام.

وقد رأينا في العقد الأول من هذا القرن تحولات فكرية جذرية لبعض شيوخ الانحراف، تبعها انقلاب في التصورات والمفاهيم لدى شريحة عريضة من بعض أبناء المؤسسات العريقة، الذين أصبحوا من أنصار البدع بعد أن كانوا محاربين لها، بل نبتت في هذه الأجواء المشحونة بالحقد والضغينة بدع أخرى جديدة، وفي أحضانهم فرَّخت، وتحت أكنافهم تعيش، وعلى حسابهم تبقى، نسأل الله تعالى أن يُريح البلاد والعباد منهم.

أما أصول الكتاب، فهي كما يلي:

الأصل الأول: في تعريف البدعة لغةً وشرعاً، وقيودها، ومحترزاتها.

الأصل الثاني: في تقسيم البدعة إلى "حقيقية  وإضافية"، وذكر الأمثلة عليها، والتفريق بين البدعة والمصلحة المرسلة، وضرب الأمثلة على ذلك.

الأصل الثالث: العادة المحضة لا يدخلها الابتداع المذموم، وإنما يدخل في العادة المشوبة بالعبادة،من جهة الطريقة التي رسمها الشارع فيها؛ فإذا خُولف بها الوجه المشروع، واعتُبر ذلك ديناً يُتقرب به إلى الله تعالى، كانت بدعةً من هذه الجهة، بل هي معصيةٌ وابتداعٌ باعتبارين، الأول: باعتبار المخالفة، والثاني باعتبار التعبد بذلك لله تعالى.

 الأصل الرابع: التفريق بين البدع والمصالح المرسلة: وقد يشتبه على بعضهم الأمرين من جهة أن البدع والمصالح المرسلة يجريان من وادٍ واحد، وهو أن كلاً منهما لم يُقَم على خصوصه دليلٌ شرعي، ولكن المصالح المرسلة: هي كل ما لم يأتِ دليلٌ في الشرع باعتباره ولا بإلغائه، ويؤخد من مقاصد الشرع العامة، ويُعتبر من وسائلها، والنظر فيها معقولُ المعنى من أجل حفظ أمرٍ ضروري، أو رفع حرجٍ لازمٍ في الدين، ولا مدخل لها في التعبدات، وذلك أرجعها بعضهم إلى قوله (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). بخلاف البدعة التي تكون في التعبدات، ومن شأنها أن تكون غير معقولة المعنى، وأنها تكون في المقاصد دون الوسائل.

الأصل الخامس: أن الاستحسان عند القائل به لا يصلح مُتمسكاً للمُبتدع، والاستحسان هو الدليل الذي ينقدح في نفس المجتهد، وتقصر عنه عبارته، ويكون مستنده عمومات الأدلة، لا الهوى والشهوة، وهناك خلافٌ كبيرٌ بين العلماء في اعتباره وإلغائه، لذا يجب على المبتدع ألا يتعلق بدليلٍ مُختلف فيه، والشيء الحسن إنما يكتسب حسنه من الشرع لا من العقل.

الأصل السادس: في تحقيق أن ما رآه المسلمون حسناً؛ فهو عند الله حسن، أن المراد به خصوص جنس الصحابة، أو المجتهدون الكُمَّل من هذه الأمة، أو يكون المراد الاستغراق الحقيقي، بمعنى الذي اجتمعت عليه كلمة المسلمين أنه حسن فهو عند الله حسن، والمقصود الأول بهذا الحديث هم القرون المفضلة ابتداءً، وهو حديثٌ موقوف على ابن مسعود، وليس مرفوعاً إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

الأصل السابع في أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم العادية والجبلية أنها للإباحة، وأما أعماله التي فعلها على سبيل القدورة فهي دائرةٌ بين الوجوب والاستحباب.

الأصل الثامن: فيما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم من التعبدات مع قيام المقتضي وانتفاء المانع، دليلٌ على أن تركه سُنة، وهو ما يُعرف بـ"السنة التركية".

الأصل التاسع: مرتبة القياس بعد مرتبة الكتاب والسنة.

الأصل العاشر: طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم مقدمتان على طاعة كل أحد، والتشريع هو حقٌّ خالصٌ لله عز وجل، والرسول مبلغٌ عن الله أحكامه ودينه.

الأصل الحادي عشر: في معنى من (أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أو (كل بدعةٍ ضلالة).



الجمعة، 19 نوفمبر 2021

الزكاة في مال الصبي والمجنون حسب الشروط العامة للزكاة دراسة فقهية مقارنة أ. د. محمد مصطفى الزحيلي

الزكاة في مال الصبي والمجنون حسب الشروط العامة للزكاة

دراسة فقهية مقارنة

أ. د. محمد مصطفى الزحيلي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب يتناول حكم زكاة غير المكلفين كالصبيِّ والمجنون، وهل يجب على ولي الصبي والمجنون أن يؤدي الزكاة عنهما من مالهما، إذا بلغ نصاباً؟ وكذلك الأمر بالنسبة للمعتوه، والمُغمى عليه، وفاقد الوعي والإدراك، وخاصة عند الهرم والشيخوخة.

    ورجَّح الباحثُ أدلة الجمهور من وجوب الزكاة في مال هؤلاء جميعاً؛ لأن الزكاة عبادةٌ مالية، تجب في المال، ومحلها المال، ومناطها المال، والصبي والمجنون يملكان المال، والذي يؤدي زكاتهم هو الولي المسؤول عنهما.

والنصاب شرعاً: هو المقدار الذي حدده الشرع لترتيب الحكم عليه، كنصاب الشهادة، ونصاب الزكاة: هو مقدار المال الذي تجب عنده الزكاة.

والصبيُّ: هو الصغير دون الغلام، أو هو الولد الذي لم يبلغ، وهو يُرادف الصغير من الولادة حتى البلوغ، يدلُّ لذلك حديث (رُفع القلم عن ثلاث… وفيه: وعن الصبيِّ حتى يبلغ)، وفي روايةٍ (حتى يكبر)، وفي روايةٍ (حتى يحتلم).

والمجنون: هو من حصل لديه اختلال في العقل؛ أو آفةٌ في الدماغ، بحيث يمتنع لديه جريان الأقوال والأفعال على نهج العقلاء أو الطريقة المعتادة إلا نادراً (والندرة لا قياس عليها، وإنما العبرة بالغالب، فإن صدر عنه فعلاً يُِبه تصرُّف العقلاء فإن ذلك لا يُصيّره عاقلاً)، ويستمر حكمه حتى الإفاقة، كما جاء في الحديث (وعن المجنون حتى يعقل) وفي روايةٍ: (حتى يفيق) ومثل الجنون في الأحكام: 

١. (الصَّرع) على تفاوت الجنون فيه كلياً أو جزئياً، وهو علَّةٌ في الجهاز العصبي تصحبها غيبوبة، وتشنج في العضلات، وتمنع الدماغ من فعله منعاً غير تام.

٢. و(المُغمى عليه): وهو في معنى النائم بسكون العقل عن العمل، وهما يُنافيان أهلية الأداء لا الوجوب، لأن أهلية الأداء تقوم بالتمييز بالعقل، وقد جاء في الحديث فيمن يُرفع عنهم القلم: (وعن النائم حتى يستيقظ). 

٣.و(السفيه): وهو نقصٌ في العقل، وخفَّةٌ فيه، تبعث الإنسان على التصرف في ماله خلاف مقتضى العقل والشرع مع قيام العقل حقيقة، ولذلك قال الحنفية: لا يمنع من أحكام الشرع ولا يُحجر عليه، وقال الجمهور: بالحجر عليه؛ لأنه كالصبي المميز.

٤.و(الخرف): وهو من خرف عقله، أي: فسد عقله من الكبر، وهو في معنى الجنون ولا يُسمى جنوناً، لأن الجنون يعرض من أمراض سوداوية ويقبل العلاج، بينما الخرف لا يمكن فيه ذلك. ولهذا لم يقل في الحديث (والخرف حتى يعقل)؛ لأن الغالب أنه لا يبرأ منه إلى الموت. يظهر أن الخرف رتبةٌ بين الإغماء والجنون، وهي إلى الإغماء أقرب. وقال الشافعية: الجنون هنا كالإغماء.

٥. و(السُّكر): وهو زوال العقل بتناول الخمر وما يُلحق بها، بحيث لا يدري السكران بعد إفاقته ما صدر منه حال سكره، وذلك لاختلاط العقل والهذيان، ويتعطل معه التمييز بين الأمور الحسنة والقبيحة.

٦.و(العَته): وهو نقص العقل من غير مسِّ جنون، يجعل صاحبه قليل الفهم، مُخلّط الكلام، فاسد التدبير، ويأخذ المعتوه حكم الصبي المميز؛ لأنها آفةٌ توجب خللاً في العقل، فيصيرُ صاحبه مختلط الكلام، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء، وبعضه كلام المجانين، وكذا سائر أموره.

و(البلوغ) صفةٌ في السنِّ أو الإنزال أو الحيض ينتقل بها الإنسان من صفة الصغر إلى صفة الكبر ويجري عليه قلم التكليف غالباً إذا سلم العقل.

و(العقل) صفةٌ يميز بها صاحبه بين الحسن والقبيح، ويُزيله الجنون والإغماء النوم، وفي عبارةٍ مفصلةٍ وأدق، قال الغزالي: يُزيله الجنون، ويغمره الإغماء، ويستره النوم. 

وبدايةً: فإن للصغير أهلية وجوبٍ كاملة، وهي صلاحية الإنسان لأن تثبت له حقوق، وتجب عليه واجبات، لأن مناطها الإنسانية، فهو إنسان، ويستوي فيها الصغير والكبير.

وأما أهلية الأداء فهي صلاحية الإنسان لصدور الفعل عنه على وجهٍ يُعتدُّ به شرعاً، ومناطها البلوغ، لكن تثبت استثناءً عند جمهور الفقهاء للصبي المميز المأذون له من وليه؛ فيكون له حينئذٍ أهلية أداءٍ ناقصة بحدود الإذن له من الولي. (فقال الحنفية والمالكية والحنابلة: ينعقد تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء فيما أذن له الولي، وإلا كان موقوفاً على إجازة وليه، وقال الشافعية: لا ينعقد تصرفه أصلاً)

ولذلك تثبت بحكم الشرع الولاية للأب والجد على الصغير حتى البلوغ، فإن لم يوجد وليٌّ؛ فتثبت للوصيِّ المعين من الولي أو القاضي.

وقد اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة على الصبيِّ والمجنون تبعاً لاختلافهم في اشتراط الأهلية لوجوب الزكاة، وذلك على سبعة أقوالٍ (انظرها، ص ٣١ -٣٣)، وأهم هذه الأقوال قولان:

الأول: قال الحنفية وبعض الفقهاء: يشترط لوجوب الزكاة أن يكون الشخص بالغاً عاقلاً. ولا تجب الزكاة على الصبي والمجنون على تفصيلٍ عند بعض العلماء، والذي جملته أن الزكاة عبادةٌ بدنية محضة كالصلاة والصيام؛ فيُشترط لها التكليف، والصبي والمجنون غير مكلفان.

2. الثاني: وهو الراجح، قال الجمهور: لا تشترط الأهلية لوجوب الزكاة، وعليه فتجب الزكاة على الصبي والمجنون؛ لأن شروط الزكاة من (الإسلام والحرية والملك التام) متوفرة فيهما، ويخرجها عنهما وليهما، لأنها زكاةٌ وجبت في المال، كزكاة البالغ العاقل، فإن لم يخرجها الوليُّ عنهما، فإنه بجب على الصبيِّ إخراجها بعد البلوغ، وكذلك المجنون بعد الإفاقة.

واستدلَّ الجمهور بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) وهذا الحديث هو النصُّ في هذه المسألة.

وهذا الحديث إسناده ضعيف، ضعف الترمذي، وابن حجر، وقال ابن الكمال: "فإن الحديث لم يثبت". 

ولكن هذا الحديث كما قال الحافظ: له شاهد صحيحٌ مرسل عند الشافعي. 

 وأكده الشافعي بعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقاً. 

ويتقوى بقول وعمل كبار الصحابة كعمر وعلي وابن عمر وعائشة وجابر والحسن بن علي رضي الله عنهما، فهو في الجملة صحيح السند ظاهر الدلالة.

وقال الترمذي: اختلف أهل العلم في هذا: فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة، منهم عمر، وعلي، وعائشة، وابن عمر. وبه يقول مالك، والشافعي وأحمد، وإسحق.

وقالت طائفة: ليس في مال اليتيم زكاة، وبه يقول سفيان وأبو حنيفة وابن المبارك.


        مباحث الكتاب

المبحث الأول: الشروط العامة للزكاة...  

المطلب الأول: الشروط العامة للزكاة في الأشخاص ....  

الفصل الأول: تعريف الصبي وأهلية بلوغه....  

الفصل الثاني: تعريف الجنون والعقل ..  

المطلب الثاني: الشروط العامة للزكاةه في المال....  

الفرع الأول: الشروط المتفق عليها في المال لوجوب الزكاة ..  

الفرع الثاني: الشروط المختلف فيها في المال لوجوب الزكاة...  

المبحث الثاني: حكم الزكاة في مال الصبي والمجنون....  

الطب الأول: الآراء الفقهية وأدلتها..  

المطلب الثاني: الموازين والترجيح...  

أهم المصادر والمراجع..



الخميس، 18 نوفمبر 2021

صفعات قادت إلى الخيرات أبو حفص، أحمد الجوهري عبد الجواد

صفعات قادت إلى الخيرات

أبو حفص، أحمد الجوهري عبد الجواد

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ إن القيم والأفكار والمبادئ لا تقوَّمُ بالجاه والشهرة وكيل المدائح وخلع الألقاب، وإنما قوامها وتقويمها بفضل العلم والأدب والاتباع، وإذا ما تأملنا هذا الكتاب النفيس نجد طاقةً زاهيةً من الورود، تضمُّ في سبلاتها عبقريات مخبوءة من العلماء الأعلام، وكل عالمٍ له قصته الفريدة، وبدايته الموفقة في طلب العلم، ويُصور لنا الكاتب -وفقه الله -كيف انتقل هؤلاء الأعلام من حالة الشرود والبُعد عن طلب العلم والتماسه إلى حالة الطلب له والعناية به، وبلوغ الآمال فيه.

ونجد أن هذا الكتاب أيضاً: ينقلب على الأوضاع السقيمة والأعراف السيئة التي حالت بين الناس وبين الإقبال على تعلُّم هذا الدين ومعرفة أحكامه، ويضع القارئ على أول خطوات دربه في الطلب، ونجد أنه يفتح لنا نوافذ جديدة من الأمل وأمام كل الشاردين عن حلق العلم والتحفيظ والدراسة، وأن هذا الذي يحتقره الناس ويزدرونه لجهله، يُمكن أن يكون العالم الذي تُشد إليه الركائب، ويرجع إليه الناس في أمور دينهم ودنياهم إذا طلب العلم بحقٍّ وصدق.

وأكثر ما جذبني إلى قراءة هذا الكتاب هو عنوانه المُميز وهو (صفعات) الذي يعني اللطم بقوة، والمراد باللطمات هي المواقف والأحداث والمحن التي تستثير القلب والوجدان، وتُحرِّك الهمم، وتثير الحميَّة نحو فعل الخيرات، على تنوعها وكثرتها، ولا شك أن أعظم هذه الخيرات هو طلب العلم، الذي يحصل به كل خيرٍ دنيوي وأخروي.

وقد أثَّرت هذه الصفعات في حياة كثيرٍ من أعلام المسلمين، فنقلتهم من حال الشرود إلى حال الطلب والعناية بالعلم، وأثرت فيهم أيما تأثير، فتوقدت أذهانهم، وفهموا فحوى هذه الصفعات، فصيرتهم فقهاء وعُباد ومجاهدين...

ولا يتصور القارئ أن هذه الصفعة لا بُدَّ آتيةً ممن هو أكبر منه سناً، أو أكثر منه علماً، بل قد تأتي من أستاذٍ في معهد أو من زميل الدراسة أو من صبيِّ في الشارع أو من لصٍّ في الطريق أو من رواد حلقة التعليم، ونظرنا دائماً هو إلى آثار هذه الصدمة أو الصفعة الإيجابية، التي تستحثُّ هذا الإنسان وتستظهر مخبوء طاقته، ليسير في طلب الخير، سواءً كان عبادةً أو علماً أو دعوةً أو جهاداً أو صدقةً.

وفي هذا الكتاب بيان: أن التعلم لا زمن له، وأن كبر السنِّ ليس عائقاً أمام تحصيله، وأن كثيراً من العلماء طلبوا العلم في الكبر، وأن النبوغ موهبةٌ يمنحها الله من يشاء من عباده، وقد ركز الكاتب من خلال القصص المتنوعة على أن يربط القارئ العلم بالعمل، وضرورة الاتصاف بنُبل النفس، وكرم الأخلاق، والأدب الجم، وحُسن السمت، فهذه كلها حقائق تُعلي من قيمة الرجل، وتُعينه في طريق طلبه.

ولا أنسى التأكيد على مبدأ إخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم، وابتغاء وجهه دون التكبر والافتخار به والمباهاة على الناس وغير ذلك من الأغراض الدنيوية، وأنه ينبغي لطالب العلم أن يشكر الله تعالى أن جعله وعاءً لأحكامه، ومُبلغاً لدينه، ووراثاً لأنبيائه، وأنه تعالى أنعم عليه بنعمة العلم والحكمة، وأن يزداد بعلمه خشية، فإن الله تعالى يقول: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.

وفي هذا الكتاب:

أولاً: عالمٌ بين محنتين: رافعةً وقاتلة (سيبويه =عمرو بن عثمان بن قنبر).

ثانياً: حجة الإسلام الغزالي ألهمه اللصوص مفتاح العلم.

ثالثاً: أبو حنيفة وتوجيه امرأة له لطلب الفقه.

رابعاً: قمر القرن الرابع عشر الهجري (الإمام الألباني).

خامساً: خيّاطٌ أُميّ هو المُفتي (محمد إسماعيل).

سادساً: صانع الكساء شيخ النحاة والقراء (الإمام الكسائي علي بن حمزة).

سابعاً: من شارب للنبيذ إلى أجلّ رواة الموطأ (الإمام القعنبي).

ثامناً: وزير العلماء لم يكن يدري تحية المسجد إلى أن تعلم وأصبح (ابن حزم).

تاسعاً: محمود شاكر عميد الأدب العربي بعدما انقطع عن دراسته لفترة طويلة.






الثلاثاء، 16 نوفمبر 2021

وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم (وأظلمت المدينة) أبو بلال د. نزار عبد القادر ريان

وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(وأظلمت المدينة)

أبو بلال د. نزار عبد القادر ريان

قراءة: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تزدحم الأحداث، وتمرُّ اللحظات الأخيرة سريعاً كالخيال، ويقع الخبر الذي لم يخطر للصَّحابة على بال، في لحظةٍ تصمت فيها الدُّنيا، ويسكن الكون، وتهدأ الأصوات، ويقرع الخبر الجلل آذان الصحابة؛ "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم"، في أثقل يومٍ في ذاكرة الأمة، حيث يُمسي الجميع باهتاً أمام هذه الفاجعة العظيمة، والحادثة الأليمة، واكتست المدينة بالحُزن المُعتَّق، فهذا يبكي بحرقه، وذاك يندب حبيبه، وآخر تخرُّ قواه فلا تُقلُّه قدماه، وتتفتق القلوب بالأسى، حتى أنكروا قلوبهم.

في هذا الموقف العظيم لا شك أن تطوف خواطر كثيرٍ منهم في اللحظات الأخيرة من حياته مع كل واحدٍ منهم، فهذا يذكر آخرة نظرةٍ له عليه الصلاة والسلام، وذاك يذكر آخر ابتسامةٍ، وذاك يذكر آخر كلمةٍ، ورابعٌ يذكر آخر وصيَّةٍ، وخامسٌ يذكر آخر ابتسامةٍ، في أيامٍ ثقيلة الخطوات، خلت منها الدروب والأزقة والطرق من الحبيب صلى الله عليه وسلم. 

لم تكن وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حدثاً عادياً بالنسبة للصحابة الكرام، فقد تشتت أحلام كثيرٍ منهم، وتاهت كلمات البعض، وخيَّم الصمت على كثيرٍ منهم، لأنهم فقدوا أعزَّ وأحبَّ إنسانٍ عرفوه بصدقه وأمانته وشمائله، وكان عطوفاً رحيماً رؤوفاً بهم، فكان لهم كالأب لأبنائه، والصديق لأصدقائه، والمُعلِّم لتلامذته، وقد رافقوه في حضره وسفره، ولازموه في جهاده وهجرته، وشاركوه أفراحهم وأتراحهم.

وكيف يكون فراقه عادياً، وهو الذي كان يُربِّت على أكتاف المحزونين، ويُواسي الغارمين، ويُساعد الفقراء والمحتاجين، يُجلُّ الكبير، ويعطف على الصغير، ويُعطي من حُرِّ ماله، ولم يدَّخر عنهم وقتاً ولا مالاً، فلا شكَّ أن موته صلى الله عليه وسلم مُصيبةٌ كان لها وقعها العظيم على الصحابة رضوان الله عليهم.

(مات النبيُّ صلى الله عليه وسلم)، وأظلمت المدينة؛ فلم تعد السماء صافيةً كما كانت، ولم تكتحل عيون الصحابة بالرقاد، وهل فراقٌ كفراق سيدنا محمد؟

ولا شك أن في وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عزاءٌ لكل مُصاب في أهله وماله، ولا شكَّ أن وفاته صلى الله عليه وسلم كانت مُصيبةً في الدين ليس وراءها مرمى.

ونحن بحاجةٍ ماسَّة وكبيرة إلى أن نتعزى بهذا الكتاب لا سيما في هذا العصر المتموج بجلائل المصائب وكثرة الهرج.

وهذا الكتاب يُمثل الحلقة الأخيرة من السيرة النبوية الشريفة ويستعرض فيه الكاتب -رحمه الله -الأيام الأخيرة من حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، منذ اشتداد مرضه يوم الخميس قبل وفاته بأربعة أيام إلى يوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى يوم الاثنين، ثاني عشر من ربيع الأول، وقد بلغت الروايات التي ذكرها المؤلف -رحمه الله -(١١٨) حديثاً، وفيها تكرار وتقطيع، مع الاقتصار على المقبول بقسميه الصحيح والحسن، دون الضعيف المردود، وقد بنى الكاتب هذا الكتاب على حديث أنسٍ في الترمذي وابن ماجه: (لمَّا كانَ اليومُ الَّذي دخلَ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المدينةَ أضاءَ منْها كلُّ شيءٍ، فلمَّا كانَ اليومُ الَّذي ماتَ فيهِ أظلمَ منْها كلُّ شيءٍ، وما نفَضنا عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ الأيديَ حتَّى أنْكَرنا قلوبَنا).

ولم يمرَّ وقتٌ طويلٌ على المؤلف -رحمه الله -وهو الداعية السياسي، والعالم المجاهد -حتى اصطفاه الباري سبحانه في جملة الشهداء الأخيار الأبرار، حينما قُصف وهو في منزله بغزَّة بغارةٍ صهيونية غادرة، فاستشهد هو وزوجاته الأربع، وثلاثةٌ من أولاده، رحمهم الله رحمةً واسعة.

وقد جاء هذا البحث في اثني عشر مطلباً وخاتمة:

المطلب الأول: الأمارات الدالة على اقتراب أجله وحضوره.

المطلب الثاني: تلطُّف النبيِّ صلى الله عليه وسلم في إطلاعهم على وفاته.

المطلب الثالث: تطلُّع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى بيت أم المؤمنين عائشة ليُمرض فيه عندها.

المطلب الرابع: آخر الخطب النبوية قبل موته صلى الله عليه وسلم.

المطلب الخامس: اقتراب الموعد، وتسليط الضوء على بيت عائشة.

المطلب السادس: آخر صلوات النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمسلمين ووصيته لهم.

المطلب السابع: بداية احتضاره ووصيته للمسلمين في ذلك.

المطلب الثامن: آخر الكلمات النبوية لخاتمة حياته.

المطلب التاسع: اختيار النبيِّ صلى الله عليه وسلم للدار الآخرة، وتعجله الرحيل منها.

المطلب العاشر: وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأثر ذلك على أصحابه.

المطلب الحادي عشر: غُسل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والصلاة عليه ودفنه.

المطلب الثاني عشر: في بكاء الصحابة رضوان الله عليهم كلما تذكروا النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.