أصول في البدع والسُّنن (أو)
طريق الوصول إلى إبطال البدع بعلم الأصول
قراءات في كتاب "الاعتصام" للشاطبي
تأليف محمد أحمد العدوي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لم يعد خافياً على أهل زماننا أهمية معرفة البدع، ومعرفة أحكام المبتدعين، كيف لا ؟ وقد كثر خطرهم، وفشا أمرهم، واستغل كثيرٌ منهم جهل العوام، وسذاجة الجماهير لترويج أنفسهم بالكلام الكذب، والأحاديث الموضوعة، ، في عصرٍ كثر فيه التخليط، وانقسم المسلمون على أنفسهم، وأصبح التفرق فيه شديد، ولا يهدأ لهؤلاء الضُّلال بال حتى يعيدوا الأمة إلى قفار الجهل ومراتع الضلال وبراثن الخرافة، حيث إلغاء العقل، والعبودية التامة لكهنوت الطرقوتية، والتسليم التام لطواغيت السياسة.
هذه البدع التي شوَّهت الجمال الفطري لهذا الدين، وطمست المعالم الزاهية للسُّنَّة النبويَّة، وحالت بين الناس وبين فهم دينهم على الوجه الصحيح، وحرمتهم من ذوق حلاوة التشريع الإسلامي، وحبستهم عن رؤية سماحته ونظرته الوسطيَّة للأمور، ونقلتهم إلى دوائر مظلمة من حلقات الرقص، والضرب بالسيوف والشيش، وخرافات المسوخ.
هذه البدع التي صورتنا أمام الآخر بصورة مقززة، تنفر منها الطباع، وتجعلنا أقرب إلى الهزل والكسل منا إلى الجد والعلم، لا سيما أصحاب الطرق، وتكراري لذكر الطرق لأنَّها اليوم تمثل رأس الحربة التي قتلت أدب الخلاف في نفوس جماهير الأمة، وبسببهم هاجت الفتن العنيفة… فأعمال هؤلاء وطقوسهم تقف حائلاً أمام دخول كثير ممن ألف الحضارة والعلم وكفر بالخرافة والجهل، فإذن لا تستطيع أن تدعو الناس إلى هذا الدين، أو ترغب شعوب الحضارة فيه.
وإنك لو استعرضت أنواعاً من البدع، لرأيتها في جملتها سوساً ينخر في عظام الأمة، هذا في دينها، وهذا في أخلاقها، وهذا في مالها وثروتها، وهذا في منزلتها العلمية، ومكانتها بين الأمم..
وهذا الكتاب هو خلاصة مركَّزة لكتاب "الاعتصام" للشاطبي (ت ٧٩٠ هـ)، والذي يُعدُّ بحثاً مستفيضاً في أصول البدع والسنن، وقد حوى إحدى عشرة قاعدة، وتحت كل قاعدة فروعٌ عليها، توقف القارئ على البدع الفاشية في هذا العصر، وتجيب على أغلب الشبهات والتساؤلات التي قد يطرحها البعض من كتب أهل العلم المعتبرين.
ولا شك أن مثل هذا البحث هو رافدٌ كبير، ينتفع به المسلمون في أمر دينهم ودنياهم، ويكون عوناً عظيماً لدعاة الإصلاح والوحدة، وخلاصٌ كبير لهذه الأمة من هذه الحقبة المظلمة بشيوخ السلاطين والحكام.
وقد رأينا في العقد الأول من هذا القرن تحولات فكرية جذرية لبعض شيوخ الانحراف، تبعها انقلاب في التصورات والمفاهيم لدى شريحة عريضة من بعض أبناء المؤسسات العريقة، الذين أصبحوا من أنصار البدع بعد أن كانوا محاربين لها، بل نبتت في هذه الأجواء المشحونة بالحقد والضغينة بدع أخرى جديدة، وفي أحضانهم فرَّخت، وتحت أكنافهم تعيش، وعلى حسابهم تبقى، نسأل الله تعالى أن يُريح البلاد والعباد منهم.
أما أصول الكتاب، فهي كما يلي:
الأصل الأول: في تعريف البدعة لغةً وشرعاً، وقيودها، ومحترزاتها.
الأصل الثاني: في تقسيم البدعة إلى "حقيقية وإضافية"، وذكر الأمثلة عليها، والتفريق بين البدعة والمصلحة المرسلة، وضرب الأمثلة على ذلك.
الأصل الثالث: العادة المحضة لا يدخلها الابتداع المذموم، وإنما يدخل في العادة المشوبة بالعبادة،من جهة الطريقة التي رسمها الشارع فيها؛ فإذا خُولف بها الوجه المشروع، واعتُبر ذلك ديناً يُتقرب به إلى الله تعالى، كانت بدعةً من هذه الجهة، بل هي معصيةٌ وابتداعٌ باعتبارين، الأول: باعتبار المخالفة، والثاني باعتبار التعبد بذلك لله تعالى.
الأصل الرابع: التفريق بين البدع والمصالح المرسلة: وقد يشتبه على بعضهم الأمرين من جهة أن البدع والمصالح المرسلة يجريان من وادٍ واحد، وهو أن كلاً منهما لم يُقَم على خصوصه دليلٌ شرعي، ولكن المصالح المرسلة: هي كل ما لم يأتِ دليلٌ في الشرع باعتباره ولا بإلغائه، ويؤخد من مقاصد الشرع العامة، ويُعتبر من وسائلها، والنظر فيها معقولُ المعنى من أجل حفظ أمرٍ ضروري، أو رفع حرجٍ لازمٍ في الدين، ولا مدخل لها في التعبدات، وذلك أرجعها بعضهم إلى قوله (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). بخلاف البدعة التي تكون في التعبدات، ومن شأنها أن تكون غير معقولة المعنى، وأنها تكون في المقاصد دون الوسائل.
الأصل الخامس: أن الاستحسان عند القائل به لا يصلح مُتمسكاً للمُبتدع، والاستحسان هو الدليل الذي ينقدح في نفس المجتهد، وتقصر عنه عبارته، ويكون مستنده عمومات الأدلة، لا الهوى والشهوة، وهناك خلافٌ كبيرٌ بين العلماء في اعتباره وإلغائه، لذا يجب على المبتدع ألا يتعلق بدليلٍ مُختلف فيه، والشيء الحسن إنما يكتسب حسنه من الشرع لا من العقل.
الأصل السادس: في تحقيق أن ما رآه المسلمون حسناً؛ فهو عند الله حسن، أن المراد به خصوص جنس الصحابة، أو المجتهدون الكُمَّل من هذه الأمة، أو يكون المراد الاستغراق الحقيقي، بمعنى الذي اجتمعت عليه كلمة المسلمين أنه حسن فهو عند الله حسن، والمقصود الأول بهذا الحديث هم القرون المفضلة ابتداءً، وهو حديثٌ موقوف على ابن مسعود، وليس مرفوعاً إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
الأصل السابع في أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم العادية والجبلية أنها للإباحة، وأما أعماله التي فعلها على سبيل القدورة فهي دائرةٌ بين الوجوب والاستحباب.
الأصل الثامن: فيما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم من التعبدات مع قيام المقتضي وانتفاء المانع، دليلٌ على أن تركه سُنة، وهو ما يُعرف بـ"السنة التركية".
الأصل التاسع: مرتبة القياس بعد مرتبة الكتاب والسنة.
الأصل العاشر: طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم مقدمتان على طاعة كل أحد، والتشريع هو حقٌّ خالصٌ لله عز وجل، والرسول مبلغٌ عن الله أحكامه ودينه.
الأصل الحادي عشر: في معنى من (أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أو (كل بدعةٍ ضلالة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق