الزكاة في مال الصبي والمجنون حسب الشروط العامة للزكاة
دراسة فقهية مقارنة
أ. د. محمد مصطفى الزحيلي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا الكتاب يتناول حكم زكاة غير المكلفين كالصبيِّ والمجنون، وهل يجب على ولي الصبي والمجنون أن يؤدي الزكاة عنهما من مالهما، إذا بلغ نصاباً؟ وكذلك الأمر بالنسبة للمعتوه، والمُغمى عليه، وفاقد الوعي والإدراك، وخاصة عند الهرم والشيخوخة.
ورجَّح الباحثُ أدلة الجمهور من وجوب الزكاة في مال هؤلاء جميعاً؛ لأن الزكاة عبادةٌ مالية، تجب في المال، ومحلها المال، ومناطها المال، والصبي والمجنون يملكان المال، والذي يؤدي زكاتهم هو الولي المسؤول عنهما.
والنصاب شرعاً: هو المقدار الذي حدده الشرع لترتيب الحكم عليه، كنصاب الشهادة، ونصاب الزكاة: هو مقدار المال الذي تجب عنده الزكاة.
والصبيُّ: هو الصغير دون الغلام، أو هو الولد الذي لم يبلغ، وهو يُرادف الصغير من الولادة حتى البلوغ، يدلُّ لذلك حديث (رُفع القلم عن ثلاث… وفيه: وعن الصبيِّ حتى يبلغ)، وفي روايةٍ (حتى يكبر)، وفي روايةٍ (حتى يحتلم).
والمجنون: هو من حصل لديه اختلال في العقل؛ أو آفةٌ في الدماغ، بحيث يمتنع لديه جريان الأقوال والأفعال على نهج العقلاء أو الطريقة المعتادة إلا نادراً (والندرة لا قياس عليها، وإنما العبرة بالغالب، فإن صدر عنه فعلاً يُِبه تصرُّف العقلاء فإن ذلك لا يُصيّره عاقلاً)، ويستمر حكمه حتى الإفاقة، كما جاء في الحديث (وعن المجنون حتى يعقل) وفي روايةٍ: (حتى يفيق) ومثل الجنون في الأحكام:
١. (الصَّرع) على تفاوت الجنون فيه كلياً أو جزئياً، وهو علَّةٌ في الجهاز العصبي تصحبها غيبوبة، وتشنج في العضلات، وتمنع الدماغ من فعله منعاً غير تام.
٢. و(المُغمى عليه): وهو في معنى النائم بسكون العقل عن العمل، وهما يُنافيان أهلية الأداء لا الوجوب، لأن أهلية الأداء تقوم بالتمييز بالعقل، وقد جاء في الحديث فيمن يُرفع عنهم القلم: (وعن النائم حتى يستيقظ).
٣.و(السفيه): وهو نقصٌ في العقل، وخفَّةٌ فيه، تبعث الإنسان على التصرف في ماله خلاف مقتضى العقل والشرع مع قيام العقل حقيقة، ولذلك قال الحنفية: لا يمنع من أحكام الشرع ولا يُحجر عليه، وقال الجمهور: بالحجر عليه؛ لأنه كالصبي المميز.
٤.و(الخرف): وهو من خرف عقله، أي: فسد عقله من الكبر، وهو في معنى الجنون ولا يُسمى جنوناً، لأن الجنون يعرض من أمراض سوداوية ويقبل العلاج، بينما الخرف لا يمكن فيه ذلك. ولهذا لم يقل في الحديث (والخرف حتى يعقل)؛ لأن الغالب أنه لا يبرأ منه إلى الموت. يظهر أن الخرف رتبةٌ بين الإغماء والجنون، وهي إلى الإغماء أقرب. وقال الشافعية: الجنون هنا كالإغماء.
٥. و(السُّكر): وهو زوال العقل بتناول الخمر وما يُلحق بها، بحيث لا يدري السكران بعد إفاقته ما صدر منه حال سكره، وذلك لاختلاط العقل والهذيان، ويتعطل معه التمييز بين الأمور الحسنة والقبيحة.
٦.و(العَته): وهو نقص العقل من غير مسِّ جنون، يجعل صاحبه قليل الفهم، مُخلّط الكلام، فاسد التدبير، ويأخذ المعتوه حكم الصبي المميز؛ لأنها آفةٌ توجب خللاً في العقل، فيصيرُ صاحبه مختلط الكلام، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء، وبعضه كلام المجانين، وكذا سائر أموره.
و(البلوغ) صفةٌ في السنِّ أو الإنزال أو الحيض ينتقل بها الإنسان من صفة الصغر إلى صفة الكبر ويجري عليه قلم التكليف غالباً إذا سلم العقل.
و(العقل) صفةٌ يميز بها صاحبه بين الحسن والقبيح، ويُزيله الجنون والإغماء النوم، وفي عبارةٍ مفصلةٍ وأدق، قال الغزالي: يُزيله الجنون، ويغمره الإغماء، ويستره النوم.
وبدايةً: فإن للصغير أهلية وجوبٍ كاملة، وهي صلاحية الإنسان لأن تثبت له حقوق، وتجب عليه واجبات، لأن مناطها الإنسانية، فهو إنسان، ويستوي فيها الصغير والكبير.
وأما أهلية الأداء فهي صلاحية الإنسان لصدور الفعل عنه على وجهٍ يُعتدُّ به شرعاً، ومناطها البلوغ، لكن تثبت استثناءً عند جمهور الفقهاء للصبي المميز المأذون له من وليه؛ فيكون له حينئذٍ أهلية أداءٍ ناقصة بحدود الإذن له من الولي. (فقال الحنفية والمالكية والحنابلة: ينعقد تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء فيما أذن له الولي، وإلا كان موقوفاً على إجازة وليه، وقال الشافعية: لا ينعقد تصرفه أصلاً).
ولذلك تثبت بحكم الشرع الولاية للأب والجد على الصغير حتى البلوغ، فإن لم يوجد وليٌّ؛ فتثبت للوصيِّ المعين من الولي أو القاضي.
وقد اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة على الصبيِّ والمجنون تبعاً لاختلافهم في اشتراط الأهلية لوجوب الزكاة، وذلك على سبعة أقوالٍ (انظرها، ص ٣١ -٣٣)، وأهم هذه الأقوال قولان:
الأول: قال الحنفية وبعض الفقهاء: يشترط لوجوب الزكاة أن يكون الشخص بالغاً عاقلاً. ولا تجب الزكاة على الصبي والمجنون على تفصيلٍ عند بعض العلماء، والذي جملته أن الزكاة عبادةٌ بدنية محضة كالصلاة والصيام؛ فيُشترط لها التكليف، والصبي والمجنون غير مكلفان.
2. الثاني: وهو الراجح، قال الجمهور: لا تشترط الأهلية لوجوب الزكاة، وعليه فتجب الزكاة على الصبي والمجنون؛ لأن شروط الزكاة من (الإسلام والحرية والملك التام) متوفرة فيهما، ويخرجها عنهما وليهما، لأنها زكاةٌ وجبت في المال، كزكاة البالغ العاقل، فإن لم يخرجها الوليُّ عنهما، فإنه بجب على الصبيِّ إخراجها بعد البلوغ، وكذلك المجنون بعد الإفاقة.
واستدلَّ الجمهور بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) وهذا الحديث هو النصُّ في هذه المسألة.
وهذا الحديث إسناده ضعيف، ضعف الترمذي، وابن حجر، وقال ابن الكمال: "فإن الحديث لم يثبت".
ولكن هذا الحديث كما قال الحافظ: له شاهد صحيحٌ مرسل عند الشافعي.
وأكده الشافعي بعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقاً.
ويتقوى بقول وعمل كبار الصحابة كعمر وعلي وابن عمر وعائشة وجابر والحسن بن علي رضي الله عنهما، فهو في الجملة صحيح السند ظاهر الدلالة.
وقال الترمذي: اختلف أهل العلم في هذا: فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة، منهم عمر، وعلي، وعائشة، وابن عمر. وبه يقول مالك، والشافعي وأحمد، وإسحق.
وقالت طائفة: ليس في مال اليتيم زكاة، وبه يقول سفيان وأبو حنيفة وابن المبارك.
مباحث الكتاب
المبحث الأول: الشروط العامة للزكاة...
المطلب الأول: الشروط العامة للزكاة في الأشخاص ....
الفصل الأول: تعريف الصبي وأهلية بلوغه....
الفصل الثاني: تعريف الجنون والعقل ..
المطلب الثاني: الشروط العامة للزكاةه في المال....
الفرع الأول: الشروط المتفق عليها في المال لوجوب الزكاة ..
الفرع الثاني: الشروط المختلف فيها في المال لوجوب الزكاة...
المبحث الثاني: حكم الزكاة في مال الصبي والمجنون....
الطب الأول: الآراء الفقهية وأدلتها..
المطلب الثاني: الموازين والترجيح...
أهم المصادر والمراجع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق