أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 16 نوفمبر 2021

وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم (وأظلمت المدينة) أبو بلال د. نزار عبد القادر ريان

وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(وأظلمت المدينة)

أبو بلال د. نزار عبد القادر ريان

قراءة: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تزدحم الأحداث، وتمرُّ اللحظات الأخيرة سريعاً كالخيال، ويقع الخبر الذي لم يخطر للصَّحابة على بال، في لحظةٍ تصمت فيها الدُّنيا، ويسكن الكون، وتهدأ الأصوات، ويقرع الخبر الجلل آذان الصحابة؛ "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم"، في أثقل يومٍ في ذاكرة الأمة، حيث يُمسي الجميع باهتاً أمام هذه الفاجعة العظيمة، والحادثة الأليمة، واكتست المدينة بالحُزن المُعتَّق، فهذا يبكي بحرقه، وذاك يندب حبيبه، وآخر تخرُّ قواه فلا تُقلُّه قدماه، وتتفتق القلوب بالأسى، حتى أنكروا قلوبهم.

في هذا الموقف العظيم لا شك أن تطوف خواطر كثيرٍ منهم في اللحظات الأخيرة من حياته مع كل واحدٍ منهم، فهذا يذكر آخرة نظرةٍ له عليه الصلاة والسلام، وذاك يذكر آخر ابتسامةٍ، وذاك يذكر آخر كلمةٍ، ورابعٌ يذكر آخر وصيَّةٍ، وخامسٌ يذكر آخر ابتسامةٍ، في أيامٍ ثقيلة الخطوات، خلت منها الدروب والأزقة والطرق من الحبيب صلى الله عليه وسلم. 

لم تكن وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حدثاً عادياً بالنسبة للصحابة الكرام، فقد تشتت أحلام كثيرٍ منهم، وتاهت كلمات البعض، وخيَّم الصمت على كثيرٍ منهم، لأنهم فقدوا أعزَّ وأحبَّ إنسانٍ عرفوه بصدقه وأمانته وشمائله، وكان عطوفاً رحيماً رؤوفاً بهم، فكان لهم كالأب لأبنائه، والصديق لأصدقائه، والمُعلِّم لتلامذته، وقد رافقوه في حضره وسفره، ولازموه في جهاده وهجرته، وشاركوه أفراحهم وأتراحهم.

وكيف يكون فراقه عادياً، وهو الذي كان يُربِّت على أكتاف المحزونين، ويُواسي الغارمين، ويُساعد الفقراء والمحتاجين، يُجلُّ الكبير، ويعطف على الصغير، ويُعطي من حُرِّ ماله، ولم يدَّخر عنهم وقتاً ولا مالاً، فلا شكَّ أن موته صلى الله عليه وسلم مُصيبةٌ كان لها وقعها العظيم على الصحابة رضوان الله عليهم.

(مات النبيُّ صلى الله عليه وسلم)، وأظلمت المدينة؛ فلم تعد السماء صافيةً كما كانت، ولم تكتحل عيون الصحابة بالرقاد، وهل فراقٌ كفراق سيدنا محمد؟

ولا شك أن في وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عزاءٌ لكل مُصاب في أهله وماله، ولا شكَّ أن وفاته صلى الله عليه وسلم كانت مُصيبةً في الدين ليس وراءها مرمى.

ونحن بحاجةٍ ماسَّة وكبيرة إلى أن نتعزى بهذا الكتاب لا سيما في هذا العصر المتموج بجلائل المصائب وكثرة الهرج.

وهذا الكتاب يُمثل الحلقة الأخيرة من السيرة النبوية الشريفة ويستعرض فيه الكاتب -رحمه الله -الأيام الأخيرة من حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، منذ اشتداد مرضه يوم الخميس قبل وفاته بأربعة أيام إلى يوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى يوم الاثنين، ثاني عشر من ربيع الأول، وقد بلغت الروايات التي ذكرها المؤلف -رحمه الله -(١١٨) حديثاً، وفيها تكرار وتقطيع، مع الاقتصار على المقبول بقسميه الصحيح والحسن، دون الضعيف المردود، وقد بنى الكاتب هذا الكتاب على حديث أنسٍ في الترمذي وابن ماجه: (لمَّا كانَ اليومُ الَّذي دخلَ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المدينةَ أضاءَ منْها كلُّ شيءٍ، فلمَّا كانَ اليومُ الَّذي ماتَ فيهِ أظلمَ منْها كلُّ شيءٍ، وما نفَضنا عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ الأيديَ حتَّى أنْكَرنا قلوبَنا).

ولم يمرَّ وقتٌ طويلٌ على المؤلف -رحمه الله -وهو الداعية السياسي، والعالم المجاهد -حتى اصطفاه الباري سبحانه في جملة الشهداء الأخيار الأبرار، حينما قُصف وهو في منزله بغزَّة بغارةٍ صهيونية غادرة، فاستشهد هو وزوجاته الأربع، وثلاثةٌ من أولاده، رحمهم الله رحمةً واسعة.

وقد جاء هذا البحث في اثني عشر مطلباً وخاتمة:

المطلب الأول: الأمارات الدالة على اقتراب أجله وحضوره.

المطلب الثاني: تلطُّف النبيِّ صلى الله عليه وسلم في إطلاعهم على وفاته.

المطلب الثالث: تطلُّع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى بيت أم المؤمنين عائشة ليُمرض فيه عندها.

المطلب الرابع: آخر الخطب النبوية قبل موته صلى الله عليه وسلم.

المطلب الخامس: اقتراب الموعد، وتسليط الضوء على بيت عائشة.

المطلب السادس: آخر صلوات النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمسلمين ووصيته لهم.

المطلب السابع: بداية احتضاره ووصيته للمسلمين في ذلك.

المطلب الثامن: آخر الكلمات النبوية لخاتمة حياته.

المطلب التاسع: اختيار النبيِّ صلى الله عليه وسلم للدار الآخرة، وتعجله الرحيل منها.

المطلب العاشر: وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأثر ذلك على أصحابه.

المطلب الحادي عشر: غُسل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والصلاة عليه ودفنه.

المطلب الثاني عشر: في بكاء الصحابة رضوان الله عليهم كلما تذكروا النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق