أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 18 يوليو 2025

لا نأسف على الإزعاج د. أحمد خيري العمري بقلم: أ. محمد ناهض حنونة

لا نأسف على الإزعاج

د. أحمد خيري العمري

بقلم: أ. محمد ناهض حنونة


تمهيد: "لا نأسف على الإزعاج" هو دعوة للاستفاقة من غفلة الأيام المتسارعة، حيث يمر العمر كأنه ومضة، وتتحول العلاقات والتفاصيل اليومية إلى أوهام تشغلنا عن الأساس. يذكّرنا الكتاب بأن الزمن لا ينتظر، وأننا نعيش "أيامًا معدودات" لا تحتمل التبديد في ما لا ينفع، وأن على المرء أن يراجع موقعه من أولوياته قبل أن يصبح مجرد اسم على لافتة نعي، وعشبًا ينمو فوق قبره.

في هذا السياق، يحثنا العمري على أن نُثمر لا أن نستهلك، أن نترك أثرًا لا أن نلهث خلف الأصداء، وأن نستثمر في ما يبقى بعدنا لا فيما يُنسى. من رمضان إلى الصلاة، ومن الصداقات إلى المعارك الذهنية مع التاريخ والدين، كلها محطات تُظهر أن الحياة لا تحتمل العبور العابر، بل تستحق أن تُعاش بوعيٍ وعمق وصدقٍ مع النفس.

رمضان جديد كأنه أول العهد به

في مطلع كتابه "لا نأسف على الإزعاج"، يدعونا الدكتور أحمد خيري العمري إلى استقبال رمضان لا بوصفه تكرارًا لمواسم العبادة الماضية، بل باعتباره حدثًا جديدًا، وكأنه أول عهدنا به. هو ليس نهاية لموسم، بل بداية لفتحٍ جديد. يذكّرنا أن العلاقة مع هذا الشهر يجب أن تكون كالصداقة الصادقة التي تُحسن الوفاء بحقها، فمن عرف هذا الشهر حق المعرفة، اغترف من كنوزه ما لا يُحصى. وهذا ليس مقتصرًا على رمضان، بل يشمل الصلاة والقرآن والصدقة، وكل ما يعيد صياغة الإنسان من الداخل.

الحياة... أيام معدودات وزمنٌ يتساقط

يمضي العمري بنا إلى التأمل في عجلة الزمن التي لا ترحم. كلّ لحظةٍ تمر تصبح جزءًا من تلك "الأيام المعدودات" التي تحدّث عنها القرآن. نحن لا نشعر بانقضائها، لكنها تذوب سريعًا. سنوات مضت، وعقود انقضت، وكأنها بالأمس. الزمان، في تعبيره: "عزيزُ قومٍ ذلّ"، يتوسل أن نعيه فلا نلبّي، ويتوارى ونحن مشغولون بالتفاصيل التافهة. إنها دعوة إلى الصحوة من الغفلة التي تجعلنا نظن أن لنا وقتًا، بينما الواقع أن كل شيء ينقضي.

صداقات مؤقتة... وعشب ينمو على رؤوسنا

الكاتب لا يغفل البعد الوجودي المرعب في مسيرة الإنسان: أن نُنسى بعد موتنا. صداقاتنا، أحزاننا، أفراحنا، كلها ستمر وتُطوى. سيبكينا من يحبنا لأيام معدودات، ثم تنشغل الحياة عنّا، كما شغلتنا عمّن سبقونا. حتى أجسادنا ستصبح سمادًا لعشب ينمو على قبورنا. لكن ما يدعو إليه العمري ليس اليأس، بل تحويلاً لهذا المصير إلى معنى: أن نكون سمادًا لثمرٍ باقٍ، أن نصنع في أيامنا المعدودات ما يُثمر للناس من بعدنا، أن نُعطي لوجودنا على هذا الكوكب أثرًا يتجاوز مجرد النمو والفناء.

العلاقات الشخصية... الوهم الكبير

يتوقف الكتاب طويلاً عند العلاقات الشخصية، وينتقد بشدة تضخيمها في وعينا حتى تصبح مركز الحياة. نحن نستهلك أعصابنا وعواطفنا لأجل مشاعر عابرة، أو رضا أشخاص لا يغير غيابهم الكثير. نتعلق بوهم أن السعادة تكمن في رضا الآخرين عنا أو بقربنا منهم، وننسى أن المطلوب هو التخرج من هذه الحياة بنتيجة. رمضان يأتي ليضع الأمور في نصابها من جديد، يلفت أنظارنا إلى ما يستحق، وينزع الوهم من حول التفاصيل، ويعيدنا إلى "المهم".

قراءة جديدة... ومراجعة ذهنية للمرويات

ثم ينتقل الكاتب إلى نقدٍ جريء للعقلية التي تستدعي أحداثًا من السيرة كغزوة بدر، لا كدروس، بل كمسكّنات للهزائم أو تبريرات للعجز. يرى العمري أن كثيرين يتعاملون مع آية ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ...﴾ على أنها سحر جاهز لتبرير الخسائر، ثم يلجؤون لاحقًا إلى آيات أخرى للتخفيف من وقع الفشل. وهو يدعونا إلى مراجعة جادة لما حدث حقًا في بدر، لا من أجل الشك، بل لفهم أعمق يقود إلى تعقّل وتجديد.


خاتمة: لا نأسف على الإزعاج، بل نشكر من أيقظنا

ما يقوله العمري في هذا الكتاب قد يبدو قاسيًا في بعض جوانبه، لكنه قسوة المحب الذي يوقظك من غفلتك. إنه "إزعاج" مقصود، لكننا لا نأسف عليه، بل نشكره لأنه نفض الغبار عن أعيننا، ونبّهنا إلى أن الحياة قصيرة، وأن الوقت عدوّ إذا لم نتخذه حليفًا. إنها دعوة لعيشٍ واعٍ، يثمر، ويترك أثرًا، ويمضي خفيفًا راضيًا... في أيام معدودات.


عبارات جميلة تضمنها الكتاب:

السمكة لا تنتبه أبداً إلى أنها تعيش في الماء، والإنسان المتدهور كذلك (ص 62)

السؤال دوماً حافز، وسريانه كسريان الكهرباء، يعطي ضوءاً وطاقة (ص 73)

سورة التوبة سورة غاضبة جداً؛ لدرجة أنها لا تبدأ بالبسملة (ص 121)

لا تؤجل توبة اليوم إلى الغد؛ فقد يكون للغد معصية أخرى (ص 93)

الإيجابية هي أن تدرس كل المصاعب التي تُحيط بك، وتعتبرها تحديات تستفز كل طاقاتك ومواهبك (ص 100)

في داخل كل منا بئر، وفي كل بئر يوسف، بقي أن تأتي تلك الأصوات تدعونا، وحبالٌ تمتد لتخرجنا (ص 103)

ليس من طريق مختصر إلى الآخرة نتجاوز فيه الدنيا، لكنك لا تصل إلى الآخرة على أي حال دون عبورها، أنت تريد مكاناً جيداً هناك، وهذا يُحتم عليك أن يكن مرورك منها مؤثراً (ص 113).

كل ما هو سطحي ويتعلق بالمظهر، سيكون جذاباً أكثر في رحلة التدلي إلى القعر (ص 129).

الدعاء مهم، ولكن بعد أن تنهي استعدادك وتجهيزاتك، وبعد أن تفعل كل شيء، لكن البعض يدخل امتحاناته، وبخوض اختباراته وهو لم يفعل إلا الدعاء (ص 150).

عندما نقول "جاء النصر" فإننا نقصد جاء العون والمدد والمساعدة بعدما بذلنا كل ما في وسعنا وأقصى ما يمكننا (ص 151)

أول مرة تعرف المسلمون على كلمة "الجهاد" لم يكن هناك قتال، وكانوا لا يزالون في مكة التي كانت فيها الدعوة سلمية (ص 157)

الاستخلاف مفهوم عام يمكنك تحقيقه في نفسك، أما الخلافة فهي نظام حكم سياسي نشأ في ظروف تاريخية معينة (ص 167)

تستطيع أن تكون قزماً، وتستطيع أن تكون عملاقاً، لا علاقة للأمر بطولك، بل بالمفاهيم التي تحملها في رأسك (ص 170)

بدأت سورة الكهف بفتية خائفين على إيمانهم، وانتهت بذي القرنين صاحب حضارة قوية، مؤمنة وعادلة (ص 176)

لقد كانت كلمة السر "اقرأ" وهي الباسوورد لكل تغيير في التاريخ (ص 231)

ليس ثمة مفتاح واحد للفرج، للفرج حزمة مفاتيح، وعليك ان تستعملها جميعاً، كي يفتح الفرج بابه، وكل مفتاح يُمهّد للفتح، وعليك أن تستخدمها جميعاً كي يأتي الفرج حقّاً (ص 239)

ليست المشكلة في حدوث الهزائم؛ فهذا أمر طبيعي لا بُد أن يحدث في كل تجربة بشرية، (أُحُد) تحدث دائماً، المهم هو اليوم التالي لـ(أُحُد) كيف سنفسر أحداثها، وكيف سنواجه الحقائق فيها.

تتغير الجموع عندما تجد البديل الأفضل الذي تتمسك به (ص 261)

كي تصل إلى "سورة النصر" عليك أن تقرأ القرآن كله، وتطبق القرآن كله (ص 262).






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق