أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 14 يوليو 2025

تحفة الحبيب في شرح نهاية التدريب لِلْعَلَامَةِ شِهَابُ الَّذِينَ أَحَمد بن حَجَازِي الْفَشْني الْمُتَوَفَّى بَعْدَ عَام ٩٧٨ هـ بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تحفة الحبيب في شرح نهاية التدريب

لِلْعَلَامَةِ شِهَابُ الَّذِينَ أَحَمد بن حَجَازِي الْفَشْني الْمُتَوَفَّى بَعْدَ عَام ٩٧٨ هـ

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد: مما ورد في جملة المأثورات عن العلماء الراسخين في الفقه وطلابه، قولهم الجامع: "تفقَّهْ قبل أن تُرَأَّس، فإنك إن ترأستَ فلا سبيل إلى التفقّه." وهي كلمةٌ ماضيةٌ كالسيف، تنمُّ عن نظرٍ ثاقب في مراتب الطلب، وتدلّ على أن الفقه لا يُنال على ظهر الإمارة، ولا يُدرك تحت ظلال الجاه والرئاسة.

وقد رأينا في هذا الزمان كثرةً من الطلبة والمهتمين، أُعجبوا بكتاب «غاية التقريب» للإمام القاضي أبي شجاع - رحمه الله -، وهو تأليفٌ لطيفٌ نافع، قد حوى من الفوائد الجمّة، والمباحث المحكمة، ما جعله يتبوأ مكانةً عاليةً بين مختصرات الفقه، فهو كتابٌ ذو قَدمٍ راسخة، ويدٌ باسطة، جمع فيه مؤلّفه جلّ الأحكام، وضمّن أغلب الأبواب، فاستحق أن تُصرف إليه الهمم، وتُنشد له الرحال، ويُكبّ عليه طلاب العلم حفظًا وفهمًا.

وقد رأى العلامة الشاعر الشرف العمريطي أن ينظمه في سلكٍ بديع، يُيسّر حفظه، ويُقرّب معانيه، فنظمه نظمًا رائقًا، مُحكمَ السبك، سهلَ اللفظ، دقيقَ المعنى، على صغر حجمه، فكان نظمُه له وسيلةً إلى ضبط المتن، وتثبيت قواعده في الصدور.

لكن لما كان في بعض مواضعه من الإيجاز ما قد يُشكل على المبتدئ، ويستدعي الرجوع إلى شروح العلماء – والمراجعة ليست متيسرةً لكل أحد، ولا متاحةً في كل وقت – جاء العلامة الفشني بشرحه المبارك «تحفة الحبيب»، فحلّ فيه العُقَد، وكشف فيه المغلَق، واستقى من كتب الأئمة المتقدمين، واستضاء بأنوار العلماء المحققين، وأضاف إلى ذلك أنفاسًا من فقه الروح ومقاصد الشريعة، مستشهدًا بأدلة الكتاب والسنة، ومستخرجًا من بطون الكتب فوائد نفيسة قلّ أن تُلتمس في غيره.

فاجتمع في شرحه التوثيق والتحقيق، والتأصيل والتفهيم، فكان معينًا لطلاب الفقه على الفهم الصحيح، ومدخلاً لهم إلى علمٍ راسخٍ متين.


أبو شجاع وكتابه

هو القاضي العلامة المدقق، الإمام الناسك، الفقيه الصالح، المحسن التقي المعمَّرُ: شهاب الدين أحمد بن الحسن بن أحمد الشافعي العباداني الأصفهاني. ولد سنة ٤٣٤ للهجرة بالبصرة، روى عنه الحافظ السلفي وقال: هو من أولاد الدهر.

قال عنه في «معجم البلدان» عاش ما لا أتحققه وذلك بعد الخمس مئة، درس بالبصرة أزيد من أربعين سنة في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه. قال أبو شجاع: والدي مولده بعبادان، ومولد جدي بأصبهان.

وقال الديربي: إنه عاش مئة وستين سنة، والله تعالى أعلم. وقيل: لم يختل له عضو من أعضائه، فقيل له في ذلك؟ فقال: ما عصيت الله تعالى بعضو منها في الصغر فحفظها الله علي في الكبر.

اشتهر صيته في الآفاق بالعلم والورع، وانتفع به خلائق، ثم ولي سدة القضاء فصدع بالحق وحكم بالعدل، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وكان من المقسطين. وفي آخر أيامه زهد في الدنيا، واستوطن المدينة المنورة، وعمل في خدمة الحرم النبوي الشريف.

ولما وافته المنية دفن بمسجده الذي بناه في منزله عند باب جبريل عليه السلام ورأسه قريب جداً من الحجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ورضي الله عن صاحبيه الكرام.

آثاره العلمية:

  1. شرح «الإقناع» لقاضي القضاة أبي الحسن الماوردي.

  2. «غاية الاختصار»، أو «غاية التقريب».

كتاب غاية الاختصار (لأبي شجاع)

أما «غاية الاختصار» فهو من أجمع وأبدع ما صنف في فقه الإمام الشافعي، سهل على طلاب الفقه فهم وحفظ الأحكام الشرعية، لذلك عني العلماء به قديماً وحديثاً فمن شارح، ومن ناظم، ومن مصحح، ومن جامع الأدلته، ومن محقق لنصوصه.. هذا وإن دل على شيء فإنه يبرهن على غزارة علمه، وانتقاء الفاظه، وصدق إخلاص مؤلفه.

فمن شراحه:

1- أبو بكر بن محمد الحصني الدمشقي المتوفى ۸۲۹ هـ - وكتابه: «كفاية الأخيار». مشهور متداول.

2- أحمد الأخصاصي المتوفى ۸۸۹ هـ - ومؤلفه: «شرح مختصر أبي شجاع».

3-محمد بن قاسم الغزي المتوفى ۹۱۸ هـ - وكتابه: «فتح القريب المجيب» وعليه حواش كثيرة: كالبيجوري، والعزيزي، والبرماوي وعمر نووي والقليوبي وهو كتاب مختصر ومتداول.

4- أحمد بن محمد المنوفي المتوفى ۹۳۱ هـ - وكتابه: «الإقناع»، وآخر اختصره به ونقحه وسماه: «تشنيف الأسماع بحل ألفاظ أبي شجاع».

5-ولي الدين البصير المتوفى بعد ۹۷۲ هـ - وكتابه: «النهاية في شرح الغاية» مطبوع حققه محمد محيي الدين عبد الحميد.

6- محمد الخطيب الشربيني المتوفى ۹۷۷ هـ - وكتابه: «الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع». وعليه حواش للمدابغي، والأجهوري، والبجيرمي والنبراوي، وتقريرات أيضاً للباجوري والشيخ عوض، وهو من أكثر الشروح انتشاراً، واعتمد عليه الفشني في «تحفة الحبيب».

7- أحمد بن قاسم العبادي المتوفى ٩٩٤ هـ - وكتابه: «فتح الغفار بكشف مخبآت غاية الاختصار».

وممن نظمه:

1- أحمد الإبشيطي المتوفى ۸۸۳ هـ.

2- عبد القادر بن المظفر المتوفى بعد ۸۹۲ هـ.

3- أحمد ابن عبد السلام المنوفي المتوفى ٩٣١ هـ.

4-الدوسري المتوفى بعد ١٢٤٣هـ - وسماه: «نشر الشعاع على متن أبي شجاع».

5- شرف الدين يحيى بن نور الدين موسى العمريطي المتوفى ۹۸۹ هـ وهو كتابنا وأشهرها والمعروف من بينها.

وممن صححه:

* أبو بكر بن قاضي عجلون المتوفى ۹۲۸ هـ. وسماه: «عمدة النظار في تصحيح غاية الاختصار»

وممن جمع أدلته:

* د. مصطفى البغا في كتابه: «التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب».

* وممن حققه:

- ماجد الحموي، وكتابه: «متن الغاية والتقريب».

هذا وقد ترجم «غاية الاختصار» إلى الفرنسية عام ١٨٥٩م، وإلى الألمانية سنة ۱۸۹۷ م وإلى غيرها من اللغات.


العمريطي ونظمه

هو العلامة المفضال، الفقيه الصالح الناصح، الورع المتواضع، شرف الدين يحيى بن نور الدين موسى بن رمضان بن عميرة العمريطي الشافعي الأنصاري الأزهري.

أحد علماء القرن العاشر، كان أعجوبة في سلاسة وبساطة نظمه للعلوم الشرعية فإنه نظم مؤلفات قيمة حقق فيها وحلق، وأجاد ودقق، فمن هذه الكتب «الورقات» في الأصول الإمام الحرمين، و «الآجرومية» في النحو، و «تحرير تنقيح اللباب» في الفقه و «غاية الاختصار» وهو كتابنا فكان - كما قالوا عنه - سهل المبنى، ظاهر المعنى، جيد السبك، كثير الفوائد لا يفتقر من وضوحه لشارح كما قال رحمه الله تعالى:

فجاء مثل الشرح في الوضوح ... وكنت فيه كالأب النصوح

فحقاً إنه أفاد بجميع منظوماته طلاب العلم الشرعي، فسهل عليهم استحضار العلوم وذلل لهم عباراتها، فكان بنظمه كما قيل في المثل: (عَمِلَهُ عَمَلَ من طَبَّ لمن حب) فنهل طلاب العلم من علومه، ثم قام جماعة من العلماء بشرح هذه الكتب و بیان دقائقها ليعظم نفعها، وكان ذلك إبان حياته فجزاه الله تعالى عن المسلمين والمنتفعين به خير الجزاء، وهو القائل - حقق الله مراده - في نظمه (نهاية التدريب):

 أرجو بذاك أعظم الثواب ... والنفع في الدارين بالكتاب

مؤلفاته:

1-«الدرة البهية في نظم الآجرومية» أتم نظمها في عام ٩٧٠ هـ.

2-«التيسير في نظم التحرير» أرخ لإتمامه شهر رجب عام ٩٨٨ هـ.

3-«تسهيل الطرقات في نظم الورقات» وأرّخ لنظمه ربيع الأول ۹۸۹ هـ 

4- «نهاية التدريب في نظم غاية التقريب» كذا سماه في آخره، ولم يشر لتاريخ نظمه.

وهذه الكتب الأربعة مشهورة ومتداولة بين أيدي طلاب العلم الشرعي.

هذا وإني لم أقف على تأريخ لمولده، ولا لمدة حياته، ولا لوفاته، ولا المعرفة شيوخه وتلاميذه. ولعل هذا يدل على انطوائه لكن نوه صاحب «تحفة الحبيب» بوجوده وقت شرحه فقال في مقدمة كتابه: حفظه الله تعالى بما حفظ به أولياءه الكرام، ولحظه بما لحظ به أصفياءه..

ثم قال: أعلى الله درجته دنيا وأخرى، ثم قال عنه في باب السواك: لطف الله به، ثم قال في كتاب الصلاة: أعلى الله درجته، والظاهر كما نقل مترجموه أن وفاته بعد عام ۹۸۹ هـ لما أشار به لإتمام نظم «تسهيل الطرقات» السالف الذكر رحمه الله تعالى رحمة واسعة 


ترجمة العلامة الفشني

هو العلامة الفاضل والمربي الكامل أحد رجالات القرن العاشر المشتغلين بالحديث والفقه، صاحب التحقيقات الشريفة، والتأليف النافعة المفيدة، شهاب الدين الإمام أحمد بن حجازي بن بدير الفشني الشافعي أحد الفقهاء المبرزين، والعلماء المحصلين، الذين بذلوا جهدهم في تدعيم قواعد رسالتهم بالدعوة إلى العلم الصحيح، والنصيحة لهذه الأمة المحمدية.

و(الفشني) بفتح الفاء وسكون الشين نسبة إلى (فشنة) قرية من قرى بخارى، منها أبو زكريا يحيى بن زكريا بن صالح الفشني البخاري. لكن نحن بصدد ما ذكره ياقوت في «معجم البلدان» ٤ / ٢٦٧: أن الفشن قرية بمصر من أعمال البهنساء وتعد مركزاً إدارياً لمحافظة بني سويف، وحدد الأطلس الجغرافي موقعها في جنوب الفيوم، شمال أسوان على جانب نهر النيل. 

 وكتابه هذا جمع فيه بين مضمون المؤلف القديم والحديث حيث صاغه بأسلوب سهل لطيف قريب التناول.

شيوخه الذين نقل عنهم في كتابه «تحفة الحبيب»:

  1. شمس الدين الخطيب الشربيني صاحب «مغني المحتاج» و «الإقناع» المتوفى۹۷۷ هـ

  2. الشهاب الرملي صاحب «نهاية المحتاج» المتوفى ١٠٠٤ هـ.

آثاره العلمية:

  1. «تحفة الحبيب» وهو كتابنا هذا نضد لأول مرة في المطبعة اليمنية عام ١٣١٤ هـ، ثم في عام ١٣٤٧ هـ، ثم عام ١٣٩٩ هـ

  2. «تحفة الإخوان في علم الفرح والأحزان» مخطوط موجودة في المجموعة (١٠٦٢ ) ك بالرباط.

  3. - «تحفة الإخوان في قراءة الميعاد في رجب وشعبان ورمضان» طبع بمصر ۱۲۹۷ هـ.

  4. - « القلادة الجوهرية في شرح نظم الآجرومية».

  5. «مواهب الصمد في حل ألفاظ الزبد» طبع مرات أولها في هامش « غاية البيان» عام ١٣١١هـ.

  6. «المجالس السنية في الكلام على الأربعين النواوية» فرغ منه عام ٩٧٨ هـ متداول.

  7. «الابتهاج في شرح نظم فرائض المنهاج» ذكره في «تحفة الحبيب» في كتاب الفرائض

  8. «غاية المرام» في بيان المكفرات ذكره في «تحفة الحبيب» في باب الردة.

  9. «المناسك» ذكره في «تحفة الحبيب» في كتاب الحج.

وكذلك العلامة الشارح لم تحظ له بتاريخ ولادة ولا وفاة إلا ما أشار به بما سطره عند فراغه من كتابه ( المجالس السنية ) رحمه الله تعالى.

التحميل: اكتمل تحميل 1115136 من 1270979 بايت.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق