الرخصة في تقبيل اليد
تصنيف الحافظ أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ
(285 -381 هـ)
تخريج محمد الحداد
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن تقبيل اليد والرأس فضيلةٌ لا يستوجبها أيُّ أحد، لا المبتدع ولا الظالم ولا الفاسق ولا من يدعو الناس إلى تعظيمه، ولا من يعرض يده للناس ليُقبلوها على سبيل الرياء والكبر، ومن المؤسف أن بعضهم اتخذ هذا الأمر عادةً وديدناً، بحيث لا تسمح نفسه أن يمُرَّ من أمامه أحدٌ إلا بأن يُقبل يده لينال الرضا والاستحسان!! وإلا ناله السَّخط والغضب والإقصاء.
وربما بالغ بعضهم حتى جعل هذا التقبيل شعاراً له كلما غدا أو راح من عند شيخه، تعظيماً له وتذللاً لديه، حتى يتكرر ذلك مراتٍ كثيرة في اليوم الواحد، وهذا موجودٌ بكثرة عند أهل البدع من مشايخ الصوفية الذين يزعمون أن تقبيل أيديهم إنما هو للبركة والفضل! والمشاهد أن هذا الأمر تحول إلى شهوةٍ ظاهرة حيث يبتدئ هؤلاء بمدَّ اليد ليُقبلها الناس؟!
وقد يجد المتصدر لهذه الشهوة الخفيَّة لذَّةً غامرةً في قلبه -والعياذ بالله -بحيث يستحسن فعل من قبَّل يده، ويستقبح ويستنكر من يُعرض عن تقبيل يده، بل ربما يُغالي بعضهم فيُرغم أتباعه على تقبيل قبور الأولياء والصالحين، أو تقبيل تربتهم وعتباتهم، أو السجود أمامه وبحضرته، وهذا من الغلو المذموم، وإن فعله تعبُّداً وتقرُّباً إلى هؤلاء الأدعياء كان ذلك من الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام.
على أن تقبيل اليد في الجملة مشروعٌ وقد عدَّه المؤلف رخصةً، أي أنه يُندب في أوقاتٍ دون أوقات، ومع أشخاصٍ دون آخرين، وكونه مندوباً إنما هو لمن كان أهلاً لذلك كالعلماء والصُّلحاء وأهل الفضل المستمسكين بالسُّنة، والمعظمين للشَّريعة، وكذلك تقبيل أيدي الآباء والأمهات وهم أولى بهذا التكريم، وكذلك أيدي المجاهدين والمرابطين، وغيرهم ممن هو أهلٌ لهذا التكريم، أما بالنسبة لتقبيل الرأس والخد والجبهة وبين العينين فهو أسهل وأيسر، لا سيما مع من ذُكر ومع الأبناء والأقارب، والأصدقاء، والغائبين من السفر، وأهل العلم والفضل.
وجملة ما في الكتاب من الآثار (30) ثلاثون أثراً، بعضها في تقبيل الصحابة وغيرهم يد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبعضها في تقبيل الصحابة أيدي بعضهم، وتقبيل التابعين أيدي الصحابة، ونحو ذلك وبعضها صحيح وبعضها ضعيف، وكذلك جاءت الآثار في تقبيل العين، والرجل، واللسان، والوجه وقد ورد عن السلف رضوان الله عليهم.
وهنا نذكر ما ذكره المحقق من الآثار الواردة في التقبيل:
أولاً: تقبيل الصحابة وغيرهم يده -صلى الله عليه وسلم:
1-عمر رضي الله عنه.
2-فاطمة رضي الله عنها.
3-ابن عمر ومن معه رضوان الله عليهم.
4-كعب بن مالك رضي الله عنه.
5-عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
6-أسامة بن شريك رضي الله عنه.
7-وفد عبد القيس رضي الله عنهم.
8-أبو بزة رضي الله عنه.
9-الأعرابي.
10-زاهر بن حرام الأشجعي.
11-أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
12-قصة اليهوديين.
ثانياً: تقبيل الصحابة أيدي بعضهم:
1-علي يُقبل يد العباس رضي الله عنهما.
2-زيد بن ثابت يُقبل يد ابن عباس رضي الله عنهم.
3-أبو عُبيدة بن الجراح يُقبل يد عمر رضي الله عنهما.
ثالثاً: تقبيل التابعين يد الصحابة :
1-تقبيل ثابت ليد أنس بن مالك رضي الله عنه.
2-تقبيل يحيى بن الحارث يد واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.
3-تقبيل عبد الله بن رزين يد سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
4-تقبيل أبو مالك الأشجعي يد عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه.
رابعاً: تقبيل التابعين ومن بعدهم:
1-ابن عُيينة يُقبل يد الجُعفي.
2-أبو هارون يُقبل يد أيوب السختياني.
3-أبو وائل يُقبل يد عاصم بن بهدلة الإمام المقرئ.
4-طلحة بن مُصرِّف وخيثمة بن عبد الرحمن كلاهما يُقبل يد الآخر.
5-تقبيل طلحة يد مالك بن مغول.
6-أهل دمشق يُقبلون يد أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر.
خامساً: تقبيل الخد:
1-أبو بكر الصديق يُقبل خد عائشة رضي الله عنها.
2-أبو نضرة المنذر بن مالك -التابعي -يُقبل خد الحسن البصري.
3-كثيرٌ ممن قبَّل خدَّ أحمد بن حنبل بعد محنته.
سادساً: تقبيل الجبهة:
1-خزيمة بن ثابت يُقبل جبهة النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
2-أبو بكر الصديق يُقبل جبهة النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
3-أبو بُردة بن أبي موسى يُقبل جبهة شقيق بن سلمة.
4-سليمان بن داود الهاشمي سُقبل جبهة أحمد بن حنبل.
سادساً: تقبيل ما بين العينين:
1-تقبيل أبي بكر الصديق بين عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة بُحيرا الراهب.
2-رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل ما بين عيني جعفر رضي الله عنه.
3-رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل ما بين عيني عائشة رضي الله عنها.
4-رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل ما بين عيني العباس رضي الله عنه.
5-الملائكة تُقبل ما بين عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد حادثة شق صدره.
6-مسلم بن الحجاج يُقبل ما بين عيني الإمام البخاري.
سابعاً: تقبيل العين:
-تقبيل ثابت بن أسلم البُناني عين أنس بن مالك رضي الله عنه.
سابعاً: تقبيل اللسان:
-تقبيل سهل بن عبد الله التُستري لسان أبي داود صاحب السُّنن.
سابعاً: تقبيل الوجه:
1-رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل وجه زيد بن حارثة رضي الله عنه.
2-رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل وجه فاطمة رضي الله عنها.
3-رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل وجه عثمان بن مظعون بعد موته رضي الله عنه.
4-رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل وجه ابنه إبراهيم عليه السلام.
5-أبو الهيثم بن التيهان وتقبيله وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6-نُعيم بن النَّحام وتقبيله وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7-جابر بن عبد الله رضي الله عنه، يُقبل وجه أبيه بعد استشهاده والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يراه.
8-أبو بكر الصديق يُقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته.
9-مجاهد بن جبر يهمُّ بتقبيل ابن عباس لحُسن تفسيره.
10-الثوري ومعمر حين التقيا: تعانقا، وقبّل كل منهما الآخر.
وقد اختلف العلماء في حكم التقبيل:
1-فذهب بعضهم إلى كراهة ذلك مُطلقاً إلا للقادم من السَّفر، وهو مذهب مالك بن أنس، وسليمان بن حرب، وابن عبد البر، واستدلوا بأحاديث منها:
حديث أنس مرفوعاً: (قُبْلَةُ المسلمِ أخاهُ المُصافحةُ) ضعيف الجامع، 4082..
وحديث الحسين مرفوعاً: (تقبيل المسلم يد أخيه المصافحة) أخرجه ابن الأعرابي في القُبل وإسناده واهٍ مُسلسل بالضعفاء، ونسبه الزبيدي إلى الديلمي.
وحديث أبي أمامة (تمامُ تحيَّتِكُم بيْنَكُمُ المُصافَحةُ) في إسناده ضعيف، إرشاد الساري: 9/ 154، وفتح الباري لابن حجر: 11/ 57.
وحديث أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، أنه ذكر المصافحة، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا تقبيل المسلم يد أخيه)، أخرجه ابن الأعرابي في القُبل، وهو إسنادٌ واهٍ مع كونه مُرسلاً.
وحديث أبي هريرة في قصة البزاز الذي أراد تقبيل يد النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (فجذب يدَه رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وقال له: يا هذا إنما تفعلُ هذا الأعاجمُ بملوكِها ولست بملَكٍ إنما أنا رجلٌ منكم)، رواه أبو يعلى والطبراني وابن عدي، وضعفه الذهبي في "ميزان الاعتدال"، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال القسطلاني في "المواهب اللدنية": ضعيفٌ جداً.
بالإضافة إلى النهي عن التقبيل عامة، كما في حديث أنس، قال: قال رجلٌ يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أينحني له؟ قال: "لا" قال: فيأخذ بيده ويُصافحه، قال: "نعم"، وهو حديثٌ حسن رواه الترمذي، والبيهقي في الشعب والسنن، وغيرهما.
2-وذهب بعضهم إلى كراهة ذلك إذا كان لأجل الدنيا أو الملق والتعظيم، أو المال والجاه والسلطان والشوكة، وهو مذهب الإمام سفيان الثوري، ووكيع، والإمام أحمد، وحميد بن زنجويه. وتشتد الكراهة في حق المبتدع والظالم والفاسق والكافر،
نقد المصنف (كما أورده المحقق):
أولاً: أورد فيه أشياء ليست هي من تقبيل اليد مثل تقبيل الرجل والوجه، وذلك في (14 و 21 و 22 و 26 و 28 و 29).
ثانياً: اشتمال الكتاب على كثير من الآثار الضعيفة.
ثالثاً: لم يستوعب جميع ما في الباب؛ فقد فاته أشياء كثيرة ذكرها شيخة "ابن الأعرابي" في كتابه (القُبل والمعانقة والمصافحة)، بالإضافة إلى تكرار بعض الأحاديث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق