أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 11 أكتوبر 2021

رسالة في فضائل الخلفاء الراشدين لشيخ الإسلام ابن تيمية

رسالة في فضائل الخلفاء الراشدين
لشيخ الإسلام ابن تيمية

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ إليك أخي القارئ صفحات مضيئة من تراثنا النفيس، ما زال يسطع ضوؤها؛ لينير درب السالكين إلى وادي المعرفة واليقين، ورغم زلازل الأزمان، وأعاصير الأحداث، فإنه لم يَخْبُ نورها، ولم تخمد جذوتها، بل ظلت طوال السنين مشرقةً، مُتَّقِدة، تُعطي من فيضها الصافي الرقراق كنوز المعرفة، تلك هي مؤلفات شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحرّاني الدمشقيّ رحمه الله تعالى.

وقد تناول شيخ الإسلام في رسالته هذه موضوعاً من أهم الموضوعات التي تلبَّس بها كثيرٌ من الجُهَّال، من أصحاب الأقلام المسمومة، وهي قضية التفضيل بين الصحابة، وبالأحرى بين الخلفاء الراشدين!.

ومع أن القضية ليست من الأصول التي يُضلَّلُ بها المُخالف، ولكنَّ الروافض والنواصب وغيرهم من أصحاب الأغراض، قد خاضوا فيها على غير هُدى من الله، فمنهم من أراد أن يصل بتفضيل عليّ بن أبي طالب على أبي بكر وعمر إلى إبطال خلافة أبي بكر وعمر رضوان الله عليهم.

ومنهم من ناصب الإمام عليَّاً العداء والكُره، وأرادوا الحطَّ من شأنه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً..  فردَّ الإمامُ ابن تيمية في هذه الرسالة عليهم، سواءً كانوا مُغالين في حُبِّ عليّ، أو مُغالين في كراهيتهم له.

● أهمية هذه الرسالة:

١) أنها أسست لقاعدة منطقية ومهمة في قضية التفضيل، وهي: "أن الفاضل هو من له خصائص لا توجد في المفضول، فإذا استوى اثنان أو أكثر في الفضل، وكان لأحدهما خصائص تزيد على الآخر، كان هو الأفضل منهما".  و"أن الخصائص العامة المشتركة، لا توجب تفضيل إنسان على غيره"، ولا تعد من خصائصه، بل هي (مناقب، وفضائل، ومآثر) له، ولكن لا توجب تفضيله.

٢) أنها استندت إلى ما صحَّ من مناقب الخلفاء رضوان الله عليهم، دون الضعيف والموضوع، ووضعت قاعدة حديثية ثابتة في ذلك، وهي أنَّ "الصحيح الثابت لا يُعارض بالضعيف الموضوع".

٣) الرد على فرق النواصب الذين ناصبوا علياً العداء ورموه بالكفر، والروافض الذين غالوا فيه حتى ألهوه، ومع ذلك خذلوه.

 ● ومن الأمثلة على فضائل أبي بكر التي لم يُشركه فيها أحد:

- قوله ﷺ: "لو كُنتُ متخذاً من أهل الأرضِ خليلاً؛ لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلاً".
- و"لا تبقينَّ في المسجد خوخةٌ إلا خوخة أبي بكر".
- و "إن أمنَّ الناس عليَّ في صُحبته وذاتِ يده أبو بكر" (رواه البخاري ومسلم).

الشاهد/ في هذا الحديث ثلاث خصائص لأبي بكر، لم يُشركه فيها أحد، وهي:

(الأولى): أنه نصَّ على أنه لا أحدٌ من البشر يستحقُّ الخلة لو كانت ممكنة، إلا أبا بكر، ولو كان غيره أفضل منه، لكان أحق بالخلة، لو كانت واقعة.

(الثانية): تخصيصه لأبي بكر ببقاء الخوخة (فتحة تطل على المسجد)، دون سائر الصحابة، وقد حاول بعض الكذابين أن يروي لعلي رضي الله عنه مثل ذلك، لكن الصحيح الثابت لا يُعارض بالضعيف الموضوع.

(الثالثة): أنَّه بيَّن أنه ليس لأحدٍ من الصحابة حقٌّ في صحبته وماله مثلما لأبي بكر رضي الله عنه.

 ● أمثلة أخرى/ على فضائل أبي بكر التي لم يُشركه فيها أحد:
أ‌- أنه ﷺ لم يأمر أمته أن تُصلي خلف أحد في حياته وبحضرته، إلا خلف أبي بكر.
ب‌- أنه ﷺ أمَّر أبا بكر على الحج من المدينة؛ ليُقيم السُّنَّة، ويمحو أثر الجاهلية.

ت‌- أنه ﷺ أمر عائشة، فقال: "ادعي لي أباكِ وأخاكِ؛ حتَّى أكتبَ لأبي بكر كتاباً لا يختلفُ عليه الناسُ من بعدي"، ثُمَّ قال ﷺ: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (رواه مسلم).
ث‌- ولما جاءت امرأةٌ إلى النبيِّ ﷺ، وقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن جئتُكَ فلم أجدك؟ –كأنها تعني الموت-قال: "فإن لم تجديني فأتي أبا بكر" (رواه البخاري ومسلم).
ج‌- وفي الصحيح أن عمرو بن العاص، سأل النَّبيَّ ، عن أحبِّ الناس إليه؟ فقال: "عائشة"، قال: فمن الرجال: قال: "أبوها" (متفق عليه).

● سبب تأليف هذه الرسالة:
أن الإمام تقي الدين ابن تيمية رُفعت إليه مسألةٌ عن رجل سني شريف يرى تفضيل علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم، فأجاب عليه رحمه الله تعالى، وهي موجودة في ثنايا فتاوي الإمام الكبرى في الجزء الرابع منها (٤/ ٤١٤- ٤١٩)، مع بعض الزيادات والفوائد في هذه الرسالة التي خُصِّصت لذلك.

● الأحاديث التي يستند إليها السائل في تفضيله لعليٍّ على أبي بكر وعُمر:
ويستدل هذا السائل بأحاديث منها:
-  قوله ﷺ لعلي «أنت مني وأنا منك» (رواه البخاري).
-  وقوله ﷺ له لما استخلفه على المدينة في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» (رواه مسلم).
- وقوله ﷺ يوم خيبر: «لأعطينَّ الرابة غداً رجلاً، يُحبُّ الله ورسوله، ويُحبُّه الله ورسوله، يفتح الله على يده»، فأعطاها لعلي (رواه البخاري ومسلم).
- وقوله ﷺ: «من كنت مولاه فعلي مولاه » (صحيح، رواه الترمذي).
- وبقوله ﷺ يوم غَدِير خُم: «أذكركم الله في أهل بيتي» (رواه مسلم، وغدير خُم: وادي بين مكة والمدينة، وهو غدير يصبُّ في البحر، ولا يُفارقه ماء المطر) .

• الآيات التي استدلَّ بها السائل على تفضيل علي بن أبي طالب:
- قوله تعالى: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية /آل عمران: 61/.
- وبقوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم}/الحج: 19
- ويزعم أن {هَلْ أَتى على الإنسان}/الإنسان: 1/ نزلت في علي - رضي الله عنه -؟!.

•  منهج ابن تيمية في رسالته في الجواب على شبهات السائل:

قرر ابن تيمية رحمه الله الجواب عما سبق ذكره من أربعة وجوه، نذكرها مع التمثيل ما أمكن:
١) الأول: أن فضائل علي -المذكورة آنفاً- بالنسبة لفضائل أبي بكر وعمر وعثمان هي فضائل مشتركة معهم، أو مع غيرهم من الصحابة، ولا توجب تفضيله عليهم من ذلك الوجه.
٢) الثاني: أن أبا بكر وعمر وعثمان قد تفردوا بخصائص ومناقب تزيد على خصائص علي بن أبي طالب كماً ونوعاً، وهذا يؤيد مقولة: ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة.
٣) الثالث: بيان كذب الروايات التي تجعل لعلي من المناقب ما للثلاثة الخلفاء قبله مما تفردوا به، أو ما تجعله فوقهم.

مثال ذلك// 

قال ابن تيمية في قوله: «لا تبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر»، "وهذا تخصيص له دون سائر الصحابة، وقد أراد بعض الكذابين أن يروي لعلي - رضي الله عنه - مثل ذلك، لكن الصحيح والثابت لا يعارض بالضعيف الموضوع".

مثال آخر// 

في قوله -صلى الله عليه وسلم -يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه» فأعطاها لعلي. قال ابن تيمية: وقد زاد فيه بعض الكذابين أن الراية أخذها أبو بكر وعمر فهربا !!. 

مثال ثالث// 

قال ابن تيمية: وحديثُ التصدُّقِ بالخاتم في الصلاة، (وفيه أنَّ عليَّاً تصدَّق على السائل حال ركوعه، فقال النبيُّ: عليٌّ وليكم بعدي) كذبٌ موضوعٌ باتفاق أهل المعرفة، وذلك مُبيَّنٌ من وجوهٍ كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع.

٤) الرابع: بيان خطأ الاستدلال في بعض الألفاظ المحتملة التي لا دلالة فيها على أنه -رضي الله عنه- أفضل من الثلاثة الذين قبله، مع بيان الوجه الصحيح لتلك الأدلة في مواطنها، وذلك من خلال:

أ‌- بيان وجه الاشتراك في فضيلة ما ذكرت لعلي، وقد ثبتت لغيره من الصحابة.

مثال ذلك// 

قوله لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»، هو بمنزلة تشبيه النبي ﷺ: أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه عمر بنوح وموسى، وذلك في قصة أسرى بدر (رواه أحمد وغيره، وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود).

قال ابن تيمية: وهذا أعظم من تشبيه عليٍّ بهارون، ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة أولئك الرسل مطلقاً، ولكن تشابها بالرسل هذا في شدته في الله، وهذا في لينه في الله، وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته به من بعض الوجوه كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب.

ب‌- الرد على بعض الشبه التي قد تثار حول بعض النصوص التي ظاهرها التفرد بخصيصة معينة، والحق أنها من العام المشترك.

مثال ذلك// 

جاء في الأثر: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، وهو قول مخالف لأصول الإسلام؛ فإن القرآن قد بيّن أن المؤمنين إخوة حتى لو اقتتلوا وبغي بعضهم على بعض، فهم إخوة مؤمنون.

ج- بيان غلط بعض الفرق؛ كالرافضة والنواصب في مسائل الموالاة والمعاداة لأهل البيت، مع بيان مذهب أهل السنة في ذلك.

مثال // 

في قوله: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"  تبين بهذا أن عليا - رضي الله عنه - من المؤمنين المتقين الذين يجب موالاتهم، ليس كما تقول النواصب أنه لا يستحق الموالاة.".

د- بيان العموم اللفظي في تلك الفضيلة ومقارنتها بأدلة أخرى تحمل نفس الدلالة، ما يجعلها فضيلة يشترك فيها جميع المؤمنين.

مثال ذلك// 

أن قوله ﷺ: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، لا يعني أن حب الله ورسوله من خصائص عليٍّ وحده، بل كل مؤمن كامل الإيمان يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وقد جاء ذلك في آياتٍ كثيرة، 

منها قوله سبحانه: {فسوفَ يأتِي اللهُ بقومٍ يُحبُّهم ويُحبُّونه}/المائدة: 54/، وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر رضي الله عنه، وكذلك فإن هذا الوصف ثابتٌ لخلائق كثيرين؛ كأسامة بن زيد (حِبُّ رسول الله ﷺ)، وأبو بكر (أحبُّ الرجال إلى رسول الله ﷺ)، والأنصار الذين قال لهم رسول الله ﷺ: "والله إنِّي لأحبكم"(رواه البخاري ومسلم).

 ● الجواب على الشبهات السابقة:

أولاً: الجواب على حديث: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، (يفتح الله على يديه)»، قال عمر: "ما أحببت الإمارة إلا يومئذ"(رواه مسلم)". واستشرف لها عمر وغيره.

أ‌- نفهم من هذا أن استشراف عمر للإمارة؛ كان من أجل الوعد الصادق من النبي ﷺ بالفتح، على يد حامل تلك الراية، ولو كان فيها احتمال الهزيمة لما استشرف لها عمر.

ب‌- وليس في الحديث ما يدل على تفضيل عليٍّ على عمر؛ لأن الله أعز الإسلام بعمر، وقد فتح الله على يديه بلاداً كثيرة.

ثانياً: الجواب على حديث "أنتَ منِّي وأنا منك"، من وجهين:

أ‌- الوجه لأول: أنَّ هذه الفضيلة ليست خاصَّة بعليٍّ وحده، بل هي عامَّةٌ يشتركُ فيها جميع المؤمنين كاملي الإيمان. 

قال ابن تيمية (ص ٣٦): "وهذه العبارة تستعمل في النوع الواحد؛ فيقال: "هذا من هذا"، إذا كان من نوعه، فكل من كان من المؤمنين الكاملين الإيمان فهو من النبي ﷺ، والنبي ﷺ منه".

ومثل ذلك قوله سبحانه: {والذين آمنوا من بعدُ وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم}/الأنفال: 75/، فكل من حقَّق هذه الصفات من الإيمان والهجرة والجهاد، فهو من النَّبيِّ ﷺ، والنبيُّ منه.

وفي المقابل كل من لم يُحقِّق كمال الإيمان، فلا يستحقُّ هذه الفضيلة، وذلك كما في قوله ﷺ: «من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا» (رواه مسلم)، ونحو ذلك.

ب‌-  الوجه الثاني: وأن هذه العبارة قالها النبيُّ  لغيره من المؤمنين.
- فقد قالها لجُلَبيب الذي قتل عدة من الكفار: «هذا مني وأنا منه» (رواه مسلم).
- وقالها في الأشعريين الذين جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد، ثم قسموه بينهم بالسوية، «هم مني وأنا منهم» (متفق عليه).
وقالها ﷺ في قصة بنت حمزة: «أنتِ مني وأنا منك» .

ثالثاً: الجواب على حديث: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» من وجوه:

أ‌- أن هذا الحديث معناه أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؛ فتخلفني في أهلي كما خلف هارون أخاه موسى؟، ومعلوم أنه استخلف غيره قبله، وكان أولئك منه بهذه المنزلة، فلم يكن هذا من خصائصه. 

ب‌- ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخفَ ذلك على علي - رضي الله عنه !، ولم يخرج إليه وهو يبكي ويقول: "أتخلفني في النساء والصبيان؟ ".

ت‌-  وأن هذا الحديث لا حجة فيه على ضرورة استخلافه من بعده، ويؤيد هذا أن هارون المُشبَّه به لم يكن خليفة بعد موسى، بل توفي في حياة موسى، وقبل وفاة موسى بأربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصاص، وإنما استخلفه على قومه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة.

ث‌-  وأن هذا الاستخلاف منه ﷺ لعليٍّ ليس على إطلاقه، لأنه بعد هذا الاستخلاف أمّر عليه أبا بكر عام تسع، عند قفوله من تبوك على الحج، فكان مؤتمراً بأمر أبي بكر، يُصلي وراءه، ويصدر عن أمره.

ج‌- أن هذا الاستخلاف كان ضعيفاً، لأنه ﷺ لم يأذن لأحدٍ من المؤمنين القادرين في البقاء كي يستخلفه عليهم، فقد خرج جميع القادرين من المؤمنين مع رسول الله ﷺ، وبقي في المدينة الصبيان والنساء والشيوخ العاجزين، والمنافقون عدا الثلاثة الذين خُلِّفوا.

ح‌- وأنه لا دلالة فيه على أنه بمنزلة هارون من كل وجه، إذ لو كان كذلك لم يقدم عليه أبو بكر -لا في الحج ولا في الصلاة- كما أن موسى عليه السلام لم يكن يقدم على هارون أحداً غيره.

والمقصود: أنه ﷺ إنما شبهه به في هذا الاستخلاف خاصة، وهذا أمر مشترك بينه وبين غيره.

رابعاً: الجواب على حديث: "لا يُبلِّغ عنِّي العهدَ إلا رجلٌ من أهل بيتي"، من وجهين:

أ‌- كانت عادة العرب (والمسلمين على عهد رسول الله ﷺ) جارية على أنه لا يعقد العقود ولا يحلها إلا رجل من أهل بيته، وليس في هذا الحديث ما يدلُّ على تخصيص عليٍّ بهذا الأمر، بل  أيُّ رجٍ من عترته (وقرابته) يحصل به المقصود، ولا شكَّ أنَّ علياً أفضلُ بني هاشمٍ بعد رسول الله ﷺ؛ فكان أحقَّ بالتقدم من سائر الأقارب.

ب‌- وجاء في أنيس الساري (١٧٢٧): هذا الحديث أخرجه الجورقاني، وقال: هذه الرواية مضطربة، مختلفة، منكرة.

خامساً: الجواب على حديث «وأدرِ الحقَّ معه حيث دار» من وجهين:

أ‌- أن الشطر الأول من الحديث صحيح، وهي (من كنت مولاه فعلي مولاه)، وأما الزيادة على ذلك فليست من الحديث، وقد سُئل عنها الإمام أحمد، فقال: الزيادة كوفية، ولا ريب أنها كذبٌ لوجوه:

-  أن الحق لا يدور مع شخصٍ مُعيَّن بعد النبيِّ ﷺ، ولو كان كذلك، ولجبت له العصمة، ووجب اتباع قوله، ويحرم على المسلمين مُخالفته، ومعلومٌ أنَّ علياً لم يكن كذلك، فقد نازع أصحاب النبيِّ ﷺ في مسائلً والحقُّ معهم، كما نازعه أصحابه وأتباعه في مسائل كثيرة، وكان الصواب معهم.

ومثال ذلك// 

ما جاء عن عُمر، وابنه، وابن مسعود، وأبي هريرة رضي الله عنهم بأن الحامل تعتدُّ بوضع الحمل، وبهذا جاءت سُنَّةُ النَّبيِّ ، وكان عليٌّ رضي الله عنه، يُفتي بأنها تعتدُّ بأبعد الأجلين (من وضع الحمل، أو أربعة أشهرٍ وعشرا)، وفي الحديث أنه  قال لسبيعة الأسلمية: " قد حللتِ فانكحي"(رواه البخاري ومسلم).

- أن الحديث أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 271): من طريق عمرو ذي مُرّ، عن عليٍّ مرفوعاً، وأعلَّه بعمروٍ الكوفي هذا، قال البُخاريّ: "لا يُعرف".

سادساً: الجواب على حديث: "اللهم انصر من نصره، واخذل من خذله".

أ‌- هذه الزيادة لم تثبت عن النَّبيِّ ﷺ، كما أشرنا إليه في (الجواب الخامس).

ب‌- أن هذه العبارة خلاف الواقع، فإن الواقع ليس كذلك، بل قاتل معه أقوام يوم صفين، فما انتصروا، وأقوام لم يُقاتلوا معه فما خُذلوا؛ كسعد بن أبي وقاص الذي فتح العراق، لم يُقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية، وبني أُميَّة الذين قاتلوه، وفتحوا كثيراً من بلاد الكُفّار، ونصرهم الله تعالى.

سابعاً: الجواب على قوله: "اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه".

أ‌- أن المراد بالولاية هنا ليست الولاية الخاصة، وإنما هي الولاية العامة المشتركة، وهي ولاية الإيمان التي جعلها الله بين المؤمنين، وعليٌّ واحدٌ من المؤمنين الذين تجب موالاتهم، وقد قال تعالى: {إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا..}/المائدة: 55/ وهي موجبةٌ لموالاة جميع المؤمنين.

ب‌- أما جعل هذه الولاية خاصَّةً به دون غيره، فمخالفٌ لأصول الإسلام وقواعده، فإن القرآن بيَّن أن المؤمنين مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض هم إخوة مؤمنون.

ثامناً: حديث غدير خُم ليس من الخصائص:

وقوله ﷺ يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي» وهذا حديث رواه مسلم، وليس هذا من خصائص علي، بل يتساوى فيه جميع أهل البيت عليهم السلام، آل علي وجعفر وعقيل وآل العباس.  

قال ابن تيمية: "وأبعد الناس عن هذه الوصية الرافضة، فإنهم من شؤمهم يعادون العباس وذريته، بل يعادون جمهور أهل بيت النبي ﷺ ويعينون الكفار عليهم، كما أعانوا التتار على الخلفاء من بني العباس، فهم يعاونون الكفار ويعادون أهل البيت، وأما أهل السنة فيعرفون حقوق أهل البيت ويحبونهم ويوالونهم ويلعنون من ينصب لهم العداوة".

تاسعاً: بيان أن آية المباهلة ليست من خصائص عليّ:

وفي الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن عائشة أن النَّبيَّ ﷺ أدى زكاة عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين، وقال: "اللهم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً، فدعا لهم دعوةً خصَّصهم بها. والجواب على ذلك من وجهين:

أ‌- أنه لما كانت المباهلة بالنساء والأبناء والأنفس دعا هؤلاء، ولولا ذلك ما دعاهم.

ب‌- وأن هذا لا يمنع أن يكون في غير الأقارب من هو أفضل منه؛ كأبي بكر، وعمر، وعثمان، لأن المباهلة وقعت بالأقارب، فلهذا لم يُباهل بأبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم ونحوهم.

عاشراً: آية المخاصمة ليست من الخصائص:

وهي قوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم}//، والجواب من وجهين:

أ‌- في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه، أنها نزلت في المختصمين يوم بدر، وأول من برز من المؤمنين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، برزوا لعتبة وشيبة، والوليد بن عتبة (رواه البخاري ومسلم)، وهذه فضيلة مشتركة بين عليٍّ ومن معه (حمزة وعُبيدة)، بل سائر البدريين يشاركونهم في هذه الخصومة.

ب‌-  وعلى تقدير أنها نزلت في الستة المبارزين، فلا يدل ذلك على أنهم أفضل من غيرهم، بدليل أن النبيَّ  وأبو بكر وعمر والحسن والحسين أفضل من عُبيدة بن الحارث وحمزة باتفاق، فإذا وقع ذلك لواحدٍ منهم، انطبق الأمر على الباقين.

حادي عشر: بيان أن سورة الإنسان ليست خاصَّةً بأهل بيت عليّ:
والجواب على ذلك من وجوه:

أ‌- أن من نقل ذلك ذكر أنه لما تصدقت فاطمة (أو علي) بقوت الحسن والحسين، وتركتهم جوعى ثلاث ليالٍ، نزلت الآية، وهذا كذب! لأن سورة (هل أتى) مكيَّة بالإجماع، والحسنين ولدا بالمدينة، بعد غزوة بدر باتفاق أهل العلم.

ب‌- وعلى تقدير صحتها ،فليس فيها ما يدلُّ على أن عليَّاً هو أفضل الصحابة، بل الآية عامة مشتركة، في كل من فعل هذا الفعل، وهي تدل على استحقاقه لثواب الله تعالى على هذا العمل، وعلى كل عملٍ يُقصد به وجه الله، بل إن الإيمان بالله، والصلوات على مواقيتها، والجهاد في سبيل الله أفضل من هذا العمل بالإجماع.

● خلاصة الرسالة:
1) لا بُدَّ قبل البحث في مسألة التفضيل من العلم بأصول وقواعد التفضيل في هذا الشأن.
2) وأن للخلفاء الأربعة فضائل مختصَّة لكل واحدٍ منهم لا يُشاركهم فيها أحد، وفضائل عامة يشتركون فيها مع غيرهم.
3) أن عليَّاً رضي الله عنه ليس أفضل الصحابة، بل هو من أفضلهم وخيارهم، وليست له خصِّيصة تُميِّزُه عن الخلفاء الثلاثة قبله، ولا هو في مرتبةٍ فوقهم، بل ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة.
4) الحق لا يدور مع واحدٍ بعينه من أفراد الصحابة على جلالته، لأنه ليس معصوماً، ولعليّ بن أبي طالب فتاوى يخالف فيها الصحابة، بل ويخالف فيها السُنَّة النبويَّة الشريفة.
--------------------------------------
اختصره، وهذبه، ا. محمد حنونة.
دار الصحابة للتراث بطنطا. التحقيق والتعليق بقسم التحقيق بالدار. الطبعة الأولى، 1992م.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق