كلمة الذات ونسبتها إلى الله تعالى
محمد بن شمس الدين
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا بحثٌ وجيز في بيان استعمال السلف لكلمة "الذات" في إطلاقها على الله تعالى، وأنهم توسعوا في استعمالها على جهة الإخبار، لصحة معناها اللغوي، وكان غرضهم البيان عن حقيقة مذهبهم في إثبات الصفات لله عز وجل؛ كالاستواء، والمجيء، والنزول، والعلو، وأرادوا من إطلاقها نفـس الموصـوف وحقيقته، لا على أنها صفةٌ من صفات الله عز وجل، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: (ويفرق بين دعائه والإخبار عنه؛ فلا يُدعى إلا بالأسماء الحسنى، وأما الإخبار عنه؛ فلا يكون باسم سيِّئ، لكن قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسيِّئ، وإن لم يحكم بحسنه؛ مثل اسم: شيء، وذات، وموجود...) (مجموع الفتاوى: 6/ 142).
هذا، مع كون كلمة (ذات) لم تكن العرب تعرفها إلا بالمعنى اللغوي، لأن "ذات" تأنيث "ذو" وهو سبحانه لا يصحُّ إلحاق تاء التأنيث به، ولكن المتكلمين نقلوا هذه اللفظة من كونها "كلمة" تُضاف إلى ما بعدها، وجعلوها اسماً للموصوف؛ وأضافوا لها (أل) التعريف؛ وقالوا: كل موصوفٍ قائمٍ بنفسه فهو ذات.
وجعلوا دلالتها على الذات المجردة من الصفات (واستعاضوا بها عن لفظ: الجوهر)، وأن الصفات زائدةٌ عليها، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: (ولا يمكن وجود الذات إلا بما به تصير ذاتاً من الصفات، ولا يمكن وجود الصفات إلا بما به تصير صفات من الذات، فَتَخَيُّلُ وجود أحدهما دون الآخر، ثم زيادة الآخر عليه تَخَيُّلٌ باطل) (مجموع الفتاوى: 6/ 206).
وخلاصته، أنه يصحُّ إطلاق كلمة (الذات) أو (ذات الله)، أو: (الذات الإلهية) على الله سبحانه وتعالى، على جهة الإخبار، وذلك إذا دعت الحاجة لإفهام أمرٍ مُلتَبَسٍ، لكن لا على أنَّ (ذات) صفة لله، وإنما على أن ذات الشيء نفسه. والأولى استعمال لفظ "النفس".
وقد وردت كلمة ذات في كتاب الله تعالى في مواضع كثيرة، منها: {إن الله عليم بذات الصدور}، و{وأصلحوا ذات بينكم}، {غير ذات الشوكة}، {تزَّوار عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال}، {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال}، {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا}، {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}، { فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ}، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ}، {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ}، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}، {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ، وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}، {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}، وكلها بالمعنى اللغوي، لا المعنى الحادث الذي أطلقه المتكلمون على الذات المجردة عن الصفات.
وكذلك لم ترد هذه اللفظ مع اسم الله تعالى في الحديث النبوي إلا في حديث "الكذبات" أن إبراهيم عليه السلام (لم يكذب إلا ثلاث كذبات كلها في ذات الله)، ولم يحملها أحدٌ من العلماء على أنه كذب في صفة الله، وإنما المعنى لأجله وفي سبيله.
وقد استعمل السلف كلمة "ذات الله" بمعانيها اللغوية، التي هي: مرضاة الله، وأحكامه، وسبيله، ودينه، وشريعته وديانته، ومنه قول خُبيب: "وذلك في ذات الإله"، فقوله: "في ذات الله"، يعني: من أجل الله، ووضع العلماء القواعد المشهورة، واستعملوا لها هذا اللفظ، فقالوا: "الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات فله صفات تتصف بها ذاته لا تشبه الصفات".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق