رسالة المعاونة والمظاهرة والمؤازرة للراغبين من المؤمنين في سلوك طريق الآخرة
عفيف الدين عبد الله بن علوي بن محمد الحداد (1044 - 1132 هـ)
-رحمه الله تعالى-
وبهامشه رسالة المذاكرة مع الإخوان المحبين
لعبد الله بن علوي الحداد
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذه رسالةٌ نافعةٌ لطيفة، ووصيةٌ جامعةٌ منيفة، يدعو أكثرها إلى الهدى والخير والصلاح، وضعها الشيخ الحداد -رحمه الله -بطلب من بعض إخوانه المحبين، الراغبين في سلوك طريق الآخرة، وقد جاء كل فصلٍ منها مبدوءاً بقوله (وعليك كذا) وجعل ذلك خطاباً لنفسه، تأديباً لها، وحملاً لها على البر والتواضع وسلامة الدين والدنيا.
وقد جعل الشيخ الحداد كتابه هذا، على ثلاثة أقسام: القسم الأول يتعلق بالتوحيد وأموره إجمالاً، والثاني: يتعلق بآداب العبادات الظاهرة والباطنة، والثالث: يتعلق بآداب المعاملات. وبطبيعة الحال، فلا يخلو كتابٌ وعظيٌّ من حديث ضعيف، ولذلك اشتمل كتاب الشيخ الحداد على الكثير منها، بل وفيه بعض الموضوع، والواهي؛ لذا ينبغي التحرز من ذلك.
والشيخ "الحداد" رحمه الله، وإن كان أشعرياً، إلا أنك تلمس في رسالته هذه التواضع الجم، والأدب الكبير، والإيمان العميق، وحُسن القصد، وتلمُّس طريق الآخرة، والبحث عن مراضي الله تعالى، وقد اضطهده اليافعيون حكام (تريم) فكان ذلك سبب انتقاله إلى منطقة الحاوي -بحضرموت.
كما أنه درج على طريقة الذين يُحِّسُنون الظن بأصحاب الشطحات من أهل التصوف كابن عربي ونحوه، لأنه باعتقاده لم يبلغ ما يؤهله لفهم عبارته، وهو مع ذلك يُحذر أصحابه من مطالعة كتبه، كعادة المتقدمين من المتصوفة؛ فيقول (ص 9): "وينبغي أن تحترز من مطالعة ما يشتمل من رسائلهم على الأمور الغامضة، والحقائق المجردة، وهذه الأشياء توجد في أكثر مؤلفات الشيخ محمد بن عربي، وفي شيء من رسائل الإمام الغزالي كالمعراج، والمضنون به عن غير أهله، ومن جملتها مؤلفات عبد الكريم الكيلاني". ثم قال مُقرراً أن ما في كتب هؤلاء الشاطحين هو الضلال المبين: "ونحن إنما نخشى عليك أن تفهمه على غير وجهه فتضلَّ عن سواء السبيل، كما وقع ذلك لأقوامٍ عكفوا على مطالعة هذه الكتب، فصاروا في زندقةٍ وإلحاد، وقالوا بالحلول والاتحاد".
وليت بعض من يشتغل بالتأليف، يضع رسالةً على منوالها ونظمها، يذكر فيها هذه الآداب، ويستبدل الطريقة الأشعرية بطريقة السلف الصالح في المعتقد، ويُصلح ما جاء في هذه الرسالة من خطأ أو خلل، مع التحقيق والتنسيق؛ فإنها ستكون نافعةً جداً، وقد حاولت فعل ذلك فيما ذكرته هنا، متصرفاً ببعض كلام الشيخ -رحمه الله رحمةً واسعة.
ومن جملة النصائح الغالية التي جادت بها قريحة الشيخ، والتي لا يمكن لحروفي أن تستوعب بعضها فضلاً عن أكثرها:
(وعليك أيها الأخ الحبيب بتقوية يقينك … وهو قوة الإيمان، وثباته، ورسوخه، حتى يصير كأنه الطود الشامخ، لا تزلزله الشكوك، ولا تزعزعه الأوهام..)
(وعليك يا أخي بإصلاح النية وإخلاصها)
(وعليك يا أخي بمراقبة الله تعالى في حركاتك وسكناتك)
(وعليك بعمارة أوقاتك بوظائف العبادات)
(وعليك بالصدق ولزوم الوسط من كل أمر، وخذ من العمل ما تطيق المداومة عليه)
(وينبغي أن يكون لك وردٌ من كتاب الله العزيز تداوم على قراءته)
(وينبغي أن يكون لك وردٌ من قراءة العلم النافع، وهو الذي يزيد معرفتك بالله تعالى، وصفاته، وأفعاله، وآلائه… ويورثك زُهداً في الدنيا، ورغبةً في الآخرة، ويُبصرك بعيوب نفسك، وآفات أعمالك).
(وعليك بالإكثار من قراءة كتب الحديث، والتفسير، ومطالعة كتب السلوك عامة)
(وينبغي أن يكون لك وردٌ من ذكر الله تعالى، تحدُّه بوقت، أو تحصره بعدد من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير)
(وعليك بالمحافظة على الأذكار والأدعية الواردة في أدبار الصلوات، وعند الصباح، وعند المساء، والنوم، واليقظة)
(وينبغي أن كون لك وردٌ من التفكر في كل يومٍ وليلة، تُعيّن له ساعة أو ساعات، وأفضل الأوقات جوف الليل)
(وينبغي أن تتفكر في هذه الدنيا وكثرة أشغالها، ووبالها، وسرعة انقضائها وزوالها، وفي الآخرة وإقبالها، ونعيمها ودوامها)
(وينبغي أن تتفكر في نزول الموت، وحصول الحسرة والندامة بعد الفوت، وفائدة هذا التفكر: قصر الأمل، وإصلاح العمل، وإعداد الزاد ليوم المعاد)
(وعليك أن تتفكر في الأخلاق والأعمال التي وصف الله بها أولياءه وأعداءه وفيما أعده الله للفريقين من الخير العاجل والآجل)
(وينبغي أن يستحضر عند كل نوع من التفكر ما يناسبه من الآيات والأخبار والآثار)
(وينبغي أن تُسمي شيئاً تزيد عليه عند النشاط ولا تنقص عنه عند الكسل)
(واجتهد أن تجعل لربك سبحانه ساعتين: ساعة أول النهار وساعة آخره)
(وعليك بالتمسك بالكتاب والسنة)
(وعليك بعقيدة -أهل السنة والجماعة، أهل الحديث والأثر، بإثبات جميع الصفات الخبرية والفعلية، بمعانيها المعروفة في لغة العرب، من غير تكييف ولا تشبيه، ومن غير تمثيل ولا تعطيل)
(وعليك بحفظ متنٍ من متونها، كالواسطية، ونحوها، وانظر جامع متون عقيدة أهل السنة والجماعة، لعادل آل حمدان)
(وعليك بأداء الفرائض واجتناب المحارم، والإكثار من النوافل)
(وعليك بمعرفة كيفية فعل الواجب، فمن بلغ مسلماً وجب عليه أن يتعلم فوراً معنى الشهادتين، والطهارة، وأحكام الصلاة، فإن ملك نصاباً وجب عليه تعلم أحكام الزكاة، فإن أراد الحج وجب عليه تعلم أحكامه، ونحو ذلك من الواجبات العينية، وأن يعرف تحريم الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، والغيبة والنميمة…).
(وعليك بلزوم النظافة ظاهراً وباطناً، فإن من كملت نظافته صار بروحه وسريرته ملكاً روحانياً، وإن كان بصورته وجسمه بشراً جسمانياً)
(وعليك تنظيف فمك بالسواك، وكونه من الأراك أولى، ويتأكد عند الدخول في العبادات، وتنظيف ثيابك كلما تدنست من غير إفراطٍ وتشبُّهٍ بالمترفين، واستعمال الطيب والإكثار منه، ودهن شعر اللحية والرأس، ويتأكد عند حضور الجمعة وسائر جمع الإسلام)
(وعليك بالاحتراز عن النجاسات كلها؛ فإن أصابك منها شيءٌ مع الرطوبة؛ فبادر بغسله)
(وعليك بتجديد الوضوء لكل فريضة، واجتهد أن لا تزال على طهارة، وجدِّد الوضوء إن أحدثت)
(وعليك بصلاة ركعتين كلما توضأت، فإن لم تقدر أن تُداوم على الطهارة فاجتهد أن لا تدعها عند الجلوس في المسجد، وقراءة القرآن، والعلم، والقعود للذكر)
(وينبغي أن تغتسل في بعض الأوقات بنية التنظيف، وإن لم تُصبك جنابةٌ)
(واعلم أنه ينبغي أن تُصدِّرَ جميع أمورك "باسم الله"، فإن نسيت أن تُسمّي في أول الأمر، فقل إذا تذكرت: "باسم الله أوله وآخره").
(واجتهد أن لا تدخل في شيء من العبادات إلا بنية صالحة)
(وعليك بالتيامن في كل شأنك، إلا في إزالة النجاسات وإزالة الأقذار، والدخول إلى المواضع التي من شأنها الاستقذار)
(وإذا عطست؛ فاخفض بها صوتك، واستر فمك، وقُل: الحمد لله رب العالمين)
(ولا تبصق إلا عن شمالك، أو تحت قدمك اليُسرى)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق