تطهير الطويَّة بتحسين النيَّة
الإمام علي بن سلطان القاري (ت ١٠١٤ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن الواجب على كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يُجرِّد نيته ويُخلصها لله تعالى، وأن يتبرى عن كل ما دون الله جل في علاه، فيكون طلبه للعلم، وعبادته، ومعاملاته، وسائر تصرفاته يبتغي بها مرضاته وحده سبحانه، فلا يريد بعلمه ولا عمله جاهاً، ولا منصباً، ولا ثناءً، ولا حطاماً من الدنيا زائل، وإنما يجعل هدفه نشر الدين والتوحيد، ونصرة السُّنة، ورفع الجهل عن الأمة، وأن يكون المسلمون يداً واحدةً على من عاداهم، وأما من نوى بعمله شيئاً من الدنيا فقد عرَّض نفسه للعقوبة.
والنية هي توجُّه القلب إلى العمل، ابتغاء مرضاة الله، أو هي انبعاث القلب نحو ما يراه المرء موافقاً لغرضٍ من الأغراض، من جلب نفعٍ أو دفع شر، حالاً أو مآلاً، وقد خصَّها الشرعُ بالإرادة المتوجهة نحو الفعل، ابتغاء وجه الله تعالى، وقد جاء التعبير عن النية "بالإرادة"، و"الهم"، و"العزم"، و"الإخلاص" ونحو ذلك.
ولتعلُّم النية الصالحة أهميةٌ كبيرة من حيث إنها: تغرس في نفوس المؤمنين معالم التربية الجمالية، التي" تؤدي بدورها إلى تطهير القلب والعمل والسلوك، وتُفضي إلى نظافة المظهر والجوهر، فهي مدعاةٌ لنظافة الضمير وطهارته، ونظافة الفرد مدعاة لنظافة المجتمع.
وهذا الجزء الحديثي يعرض لشرح حديث (نيَّةُ المؤمن خيرٌ من عمله)، وهو حديثٌ ضعيف كما عند العراقي في تخريج الإحياء (٥/٩١)، وابن حجر في فتح الباري (٤/٢٥٨)، لكنه بشواهده يرتقي إلى الحسن، كما قال السخاوي في (الأجوبة المرضية ١/٣٤٥): "روي من طرق فيها مقال لكن يتأكد بعضها من بعض ولا يبعد أن يرتقي بالنظر بمجموعها إلى الحسن"، وتابعه على ذلك الزُّرقاني كما في مختصر المقاصد (١١٥٤). وقد حكم عليه "القاري" بالوضع، كما في الأسرار المرفوعة (٣٥٩)، والصواب أنه ضعيف، كما حققه الألباني في ضعيف الجامع (٥٩٧٦).
وقد أجاب القاري عن سؤال طرحه المشككون، وهو: لم لا يُعذب الله الكفار في النار مدة من الزمن بمقدار كفرهم؟ وبعد ذلك: ذكر فضيلة النية في الكتاب والسنة، وتعرض بعد ذلك إلى: خطورة المعصية والشهوة والهوى، وإلى مدح العلم، وذم الجهل وذم علماء السوء، وتفقد علماء السلف أحوال من يتردد إليهم، وبيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
وأوضح أن مفهوم قوله (نية المؤمن خيرٌ من عمله) يؤدي إلى أن عمل الكافر خيرٌ من نيته، لعدم وجود شرط صحة العمل، وهو الإيمان، أو لعدم اقتران حسن النية بالعمل. وبيَّن أن الله سبحانه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وهذا الأمر في المنافق ظاهرٌ فإن عمله خيرٌ من نيته، أي: في الصورة.
ويمكن تلخيص ما جاء في هذا الكتاب، بقولنا:
أن (نية المؤمن خيرٌ من علمه) على أربعة معان:
الأول: أن نيَّة المؤمن خيرٌ من عمل الكافر؛ فلو نوى مؤمن عمل الخير أُثيب على نيته، ولو لم يعمله، بخلاف الكافر لو فعل الخير فإنه لا يُثاب عليه.
الثاني: أن نيَّة المؤمن خيرٌ من عمله الذي يدخله الرياء؛ وهذا بخلاف العمل الذي يكون خالصاً من الرياء، فإنه يكون خيراً من النيَّة المجردة.
الثالث: أن نيَّة المؤمن هي السبب في صلاح العمل أو فساده، وبالتالي تكون خيراً من العمل الذي هو نتيجة وثمرة.
الرابع: أن المقصود بالنيَّة هنا التوحيد والإخلاص، وهو خيرٌ من جميع أعمال الجوارح، باعتبار أنَّ نجاة المرء في الآخرة مُتعلَّق به، بخلاف أعمال الجوارح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق