المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال
للإمام أبي حامد الغزالي
(٤٥٠ -٥٠٥ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذا الكتاب هو خلاصة تجربة الإمام الغزالي فيما يتعلق بدرك حقائق الأمور، وسبر أسرار المعتقد، وفهم مقاصد الفرق، ويُسجل الكتاب التطور الفكري للغزالي، بدءاً من الدراسة المستفيضة، ثم إلى الشك العنيف الذي وضع الغزالي في حالة نفسية حرجة، وصولاً إلى اليقين الحاصل بالكشف والذوق والممارسة، وقد ألفه الغزالي بعد الخمسين من عمره، أي قبل موته بخمس سنوات.
وقد تدرج في هذه الرحلة الفكرية من الإيمان بالمحسوسات، إلى الثقة بالعقليات، إلى السفسطة بواقع الحال لا في حقيقة المقال، ثم الخوض في الأذواق والأحوال، وسلوك طريق الزهد والتصوف، من خلال قراءاته في كتب القوم، والاطلاع على أقوال أئمتهم، إلى أن تم له التمييز بين العلم اليقيني الحاصل بمقتضى الفطرة الأصلية، وبين العقائد العارضة المكتسبة والموروثة، وتمثلت له هذه المكونات الحسية والذهنية والروحية حقائق لا شك فيها بحال.
ثم بين أن السالكون في طلب الحق من الناس، أربعة: الفلاسفة، والباطنية، والمتكلمون، والصوفية، وحاكم كل فرقةٍ إلى مُدّعاها، وقرر أنه سلك كل هذه الطرق، ليتبين صحة دعواها، مبتدئاً بالكلام، ثم الفلسفة، ثم الباطنية، ثم التصوف، ثم ذكر نفرته من ذلك كله، فبين مطالب الفلاسفة، وأقسام علومهم، وأن مجموع ما غلطوا فيه عشرين مسألة، كفروا في ثلاثة منها، وفسقوا في السبعة عشر الباقية.
ثم قيّد تجربته في السير إلى الله تعالى، بعد تجاذبات نفسية خاض غمارها ستة أشهر ببغداد، من سنة ٤٨٦ هـ، ترك بسببها التدريس، ولجأ إلى كهف العزلة، ثم نزع من بغداد سنة ٤٨٨ هـ، وأقام بالشام سنتين إلى سنة ٤٩٠ هـ، بعد أن كاد الهمُّ والغمُّ وحوادث الزمان تفتك به، فكان يختلي بمنارة دمشق، ثم انطلق إلى بيت المقدس، ثم زيارة قبر الخليل، ثم الذهاب إلى مكة للحج، وقصد المسجد النبوي الشريف، ثم عاد إلى الشام ودام على هذه الحال عشر سنين، ثم عاد إلى نيسابور ليستأنف التدريس فيها بعد انقطاعه عنه مدة طويلة، وذلك سنة ٤٩٩ هـ.
وقد أودت به هذه الحالة إلى أن سلك طريق الصوفية، وشرب من حياضه، بعد أن أجلاه من المعاني البدعية، وبيّن أنه لا يتم إلا بالعلم والعمل، غير أن لوثةً طفيفة لم تزل عالقة به، وهو في جملته جواب لسائل يطلب الحق فيما اختلف فيه الناس، من قضايا الاعتقاد والفرق، وقد حبَّره في سنيه الأخيرة، وبيّن فيه قضايا التوحيد.
ثم تطرق إلى حاجة الناس إلى النبوات، وأسباب ضعف إيمان الناس بها، وتحدث عن شفقة النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمته.
وقد تطرق الغزالي في كتابه هذا إلى عدد من مؤلفاته، منها: ((تهافت الفلاسفة))، و((فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة))، في الرد على الفلاسفة. و((فضائح الباطنية)) المعروف ((بالمستظهري))، و((القسطاس المستقيم))، و((حجة الحق))، و((مفصل الخلاف))، في الرد على الباطنية. و((المقصد الأسنى))، و((عجائب القلب)) من إحياء علوم الدين، في بيان أحوال الصوفية، و((كيمياء السعادة)) في الرد على أهل الإباحة،
ترجمة الإمام الغزالي
هو الإمامُ حجة الإسلام زين الدين، أبو حامد، محمد بن محمد بنُ محمد بن محمد الطوسيُّ الطَّابَرَانِيُّ، الشافعي، الغزالي.
ولد بطُوسَ سنةَ (٤٥٠ هـ)، وتوفي أبوه وهو صغير، وكانَ قد أوصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له صوفي، فما لبث إلا يسيراً حتى ضاقَتْ ذاتُ بدِهِ؛ فأدخلَهُما المدرسة يتعلَّمانِ ويتقوتان.
قرأ الغزالي رضي الله عنه على الشيخ الإمام أحمد محمد الراذاكاني بطُوسَ، وسافر إلى جُرجان، فقراً على الشيخ الإمام أبي القاسم الإسماعيلي، وعلق عنه (التعليقة)
ثم قدم نيسابور، ولازم الإمام أبا المعالي الجويني إمام الحرمين وتخرَّجَ بهِ، وعرض عليهِ باكورة مؤلفاته «المنخول» في أصول الفقه.
ولما توفي الجُوَيني خرج إلى المعسكر، وسمع به الوزير نظام الملكِ فقَدَّمَهُ في مجلسه، وحَظِيَ عندَهُ بالقبول، وبرعَ في المناظرة حتى ظهر اسمُهُ في الآفاقِ. فأُرسل إلى بغداد للتدريس في المدرسة النظامية بها سنة (٤٨٤ هـ).
وفي أثناء تدريسِهِ ببغدادَ تفرَّغَ للتأليف؛ فكثرَتْ مؤلفاتُهُ، وعلَتْ شهرتُه؛ حتى أضحى يُشار إليه بالبنانِ.
ثمَّ جَاءَتْهُ السعادة الحقيقية؛ فسلك طريق الزهد والتأله، ووافق ذلك اعتزاله الناس وخرج من جميع ما كانَ فيهِ، وتركَهُ وراءَ ظهرهِ، وقصد بيتَ اللهِ الحرام، فخرج إلى الحج سنة (٤٨٨ هـ).
ثم دخل دمشقَ سنةَ (٤٨٩ هـ)، فأقام بها نحو عشر سنين، أخذَ نفسَهُ فيها بالرياضةِ، والمجاهدة والخلوة، وألَّفَ فيها كتابه النفيس (إحياء علومِ الدِّينِ).
ثم عاد إلى طُوسَ، فاستدعاه فخرُ الملك إلى نيسابور، فدرس بها في المدرسةِ النِّظَامية. ثم ترك التدريس، وعادَ إلى بيته موزّعاً وقتَهُ بين تلاوة القرآن، والتدريس والإفادة، والنصح والإرشادِ، إلى أن وافته المنية بطوس سنة (٥٠٥ هـ).
ترك الإمامُ الغزالي رضي الله عنه مؤلفات مشهورة لم يُسبق إليها، مَنْ تأَمَّلَها .. علم فضلَهُ وقَدْرَهُ في فنونِ العلم، وقد قيل: (أُحصيتْ كتب الغزالي التي صنفها، ووُزَعَتْ على عمرِهِ؛ فخصَّتْ كلَّ يومٍ أربع كراريس، وذلكَ فضلُ اللهِ يؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ).
ومن هذهِ المؤلفاتِ النافعة: «إحياء علوم الدين»، و«الاقتصاد في الاعتقادِ»، و«مقاصد الفلاسفة»، و«بداية الهداية»، و«تهافت الفلاسفة»، و«المنقذ من الضلالِ» وهوَ كتابنا هذا، و«المنخول»، و«المستصفى»، و«البسيط » ، و«الوسيط» ، و«الوجيز»، و«الخلاصة»، و«الجام العوام ».
ثناءات أهل العلم في حقه : قال فيه شيخه الإمام الجويني : ( الغزالي بحر مغرق ) . وقال الحافظ ابن عساكر : ( كان إماماً في علم الفقه مذهباً وخلافاً ، وفي أصول الديانات ) . وقال الحافظ ابن النجار : ( إمام الفقهاء على الإطلاق ، ورباني الأمة باتفاق ، ومجتهد زمانه ) وقال الحافظ الذهبي : ( الشيخ الإمام البحر ، حجة الإسلام ، أعجوبة الزمان ) . وقال الإمام ابن السبكي : ( حجة الإسلام ، ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام، جامع شتات العلوم ، والمبرز في المنقول منها والمفهوم ) . رضي الله عنه ، واكرم مثواه ، ونفع بعلومه انه خیر مسؤول
ومن ثناءات أهل العلم في حقه : قال فيه شيخه الإمام الجويني : ( الغزالي بحر مغرق ) . وقال الحافظ ابن عساكر : ( كان إماماً في علم الفقه مذهباً وخلافاً ، وفي أصول الديانات ) . وقال الحافظ ابن النجار : ( إمام الفقهاء على الإطلاق ، ورباني الأمة باتفاق ، ومجتهد زمانه ) وقال الحافظ الذهبي : ( الشيخ الإمام البحر ، حجة الإسلام ، أعجوبة الزمان ) . وقال الإمام ابن السبكي : ( حجة الإسلام ، ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام، جامع شتات العلوم ، والمبرز في المنقول منها والمفهوم ) . رضي الله عنه ، واكرم مثواه ، ونفع بعلومه انه خیر مسؤول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق