لباس الرسول والصحابة والصحابيات
مع نبذة من عيش النبيّ وصحابته الكرام
محمد يونس عبد الستار
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: من رحمة الله بنا أنه خلق لنا ما نستر به عوراتنا، وما يحمينا من برد الشتاء، وحر الصيف، وبأس الحرب، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَم قد أنزلنا عَلَيْكُم لِباسا يُوَارِي سَوءَاتِكُم وَريشاً}، ثم جعل خير ما يلبسه المرء في دنياه تقوى الله عز وجل، {وَلِبَاسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلك من آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ} (الأعراف: ٢٦)؛ قال القرطبي رحمه الله: بيّن سبحانه أن التقوى خير لباس، ولباس التقوى (هو) الحياء، وقال ابن عباس: هو العمل الصالح، وقيل: لباس التقوي: لبس الصوف والخشن من الثياب، مما يتواضع به لله تعالى ويتعبد له، وهو خير من غيره.
وهو في ذلك يُحذرنا من التشبه بالمشركين في لباسهم، أو التشبه بالنساء وما في معناهم من الشواذ والمخنثين، وحذرنا كذلك من لباس الشهرة، واللباس الذي فيه خرم المروءة، وكما لا يخفى على أحد أنه انتشر في السنوات الأخيرة مظاهر خلل كبير في أمر اللباس، وبدأت الأسواق تلفظ ألواناً من الألبسة السيئة، والعباءات المتبرجة، وللأسف رأينا من أشباه الرجال من يلبس تنانير النساء، بل تزايد الأمر مع ظهور الشواذ، الذين يضعون المكياج النسائي، ويلبسون لباس النساء.
ثم تزايدت هذه المخالفات الشرعية وعرفها كثير من النساء بسبب الجهل، وأصبح نقص الوعي في أحكام اللباس سيمة عامة بين الرجال والنساء؛ حتى بين كثير من الملتزمين، وكل هذا يستدعي هذا النوع من الكتب التي تعالج مثل هذه الظواهر الكارثية والخطيرة.
وهذا الكتاب يحدثنا عن صفة لباس النبيّ صلى الله عليه وسلم، والذي هديه أفضل الهدي، ولباسه ولبسه أحسن اللباس، والذي كان زينةً للثياب، بل زينةً للدنيا كلها، صلوات ربي وسلامه عليه، حتى وصفه أصحابه بأنه أجمل من القمر ليلة البدر، لم يقتصر الكتاب على لبس القماش، بل إنه ذكر لبس الخواتم، والخفاف، والنعال، والخوذ، والدروع، وغير ذلك، وفي هذا حثٌّ على اقتفاء هديه، والتماس آثاره حتى في اللباس.
وأعق ذلكه ذكر لباس أصحابه من الرجال والنساء، الذين كانوا أشدَّ الناس اتباعاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأشدهم حرصاً على امتثال أمره، واجتناب نهيه،
وقسم المؤلف كتابه إلى بابين رئيسين:
الباب الأول مشتمل على (٤) فصول:
الفصل الأول: أهمية السنة المطهرة في ضوء الكتاب والسنة، وذلك للترغيب فيها واختيارها في جميع شئون الحياة.
والفصل الثاني: صفة لباس الرسول والصحابة رضي الله عنهم وآداب لبسه.
والفصل الثالث: فصل هام جداً: في لباس الصحابيات وهو خاص بلباس النساء وزينتهن، وفيه صفة لباس الصحابيات رضي الله عنهن، واجتنابهن التبرج، لكي يسهل على بنات الإسلام الإقتداء بهن، لأنهن: إما أمهات أصحاب الرسول أو بناته، أو أزواجه، وقد قال تعالى في شأنهم: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} (التوبة: ١٠٠).
والفصل الرابع: صفة لباس أهل الجنة وحليهم ومناديلهم وفرشهم وسررهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم وآرائكهم وغير ذلك من حسن الجنة وجمال أهلها من الرجال والنساء.
والباب الثاني: نبذة من عيش النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، بالإضافة إلى جملة من الفصول المهمة المتعلقة بالزينة والتبرج والاختلاط ونحو ذلك.
لباس النبيّ صلى الله عليه وسلم في سؤال وجواب (١٦) سؤالاً:
١) هل لبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم العمامة، وما لونها؟
نعم، لبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم العمامة، وكانت عند عمامة تُسمى "السحاب"، وألبسها علياً بن أبي طالب، وكان يلبس تحتها القلنسوة، وأحياناً يضع القلنسوة فوقها، وأحياناً لا يلبسها وحدها دون قلنسوة، وفي الخديث عن جابر، قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء)، وفي روايةٍ: (قد أرخى طرفيها بين كتفيه).
٢) ما هي الأشياء التي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبسها؟
لبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم القميص: وهو اسم لما يلبس من مخيط الثياب، وله كمان وجيب، وكان من القطن، وكان قصير الطول، قصير الكمين إلى الرسغ، وهو أحب الثياب إليه؛ لحديث أم سلمة: (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص).
ولبس الجبة (وهي رداء مفتوح الصدر إلى الذيل، وكان يُصنع من الصوف أو الكتان)، ومنها الجبة الشامية أو الرومية، وكانت ضيقة الكمين، لخبر المغيرة بن شعبة: (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، توضأ وعليه جُبّة من صوف -شامية، وكان ذلك في غزوة تبوك).
ولبس الحلة -وهي البدلة -(وهي الثوب المجتمع من الإزار -وهو ما يوضع على أزر الإنسان أي وسطه وكشحه- وكان إزاره غليظاً من القطن، والرداء -وكان خشناً غليظاً أيضاً)، وسُمي حُلةً لأن أحدهما يحلُّ على الآخر، ودل على ذلك حديث البراء بن عازب، وأو رمثة التيمي (أنهما رأيا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ولبس المِرط (وهو العباءة من الشعر)، لحديث عائشة (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخرج ذات غداة، وعليه مرط من شعر أسود).
ولبس البُرود (وهي الشملة منسوج في حاشيتها)، وتُسمى الشملة وهي ما يلتحف بها، وتُسمى العباءة، وكانت تُصنع ربما من القطن، أو الصوف، أو الكتان،
ولبس الخميصة (وهي كساء من صوف مربعة الشكل، لها أعلام تشبه الزركشة في الثوب)، ولبس السراويل (وكان يشتريها ويلبسها)، والقباء (وهو ما له شقٌّ من خلفه، ويُسمى الفرجية؛ لأنه مُفرّج الظهر)، ولبس المستقة (وهي الفراء طويلة الأكمام).
٣) ما هي الألوان التي لبسها النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟
كان أكثر لباس النبيُّ صلى الله عليه وسلم البياض، وكان يحث على لبسه؛ فقال: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم)، ولا شك أن الثياب البيض تدل على النقاء والطهارة، وتكسب المرء المحبة والهيبة، وفي رواية: (فإنها أطهر وأطيب)، وهي أبعد الألوان علن الخيلاء، ولبس كذلك حُلة حمراء أي عليها خطوط حُمر، وثبت ذلك في حديث البراء بن عازب، وأبي جحيفة، وعمامة سوداء، لحديث جابر، وبردان أخضران أي عليها خطوط خُضر، لحديث أبي رمثة، والثوب الأسود، لحديث عائشة، والخميصة المعلمة لخبر ابن عباس، والساذجة (ليس بها نقش).
٤) هل يجوز لبس الثياب التي عليها صورة؟
نعم يجوز؛ إذا كانت الصورة مما لا روح فيه؛لحديث عائشة: (أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه مرط مُرحّل-ثوب عليه صورة الرحل-من شعر أسود)، والرحل هو ما يوضع على البعير.
٥) ما حكم إسبال الثياب وما في معناها من الملبوسات؟
ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: (من جرّ ثوبه خُيلاء -وفي رواية (عُجباً وبطراً) -لم ينظر الله إليه يوم القيامة)؛ فقال أبو بكر: يا رسول الله: إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فقال: (إنك لست ممن يفعله خُيلاء).
فالوعيد في هذا الحديث يتناول من جر ثوبه خيلاء، أي: كبراً على الناس وإعجاباً بنفسه، ولا يقتصر الأمر على إسبال الإزار، بل يتعدى ذلك إلى القميص والعمامة وكل ما يلبسه الإنسان؛ لحديث ابن عمر أيضاً: (الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جرّ ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة).
٦) من أراد أن يرفع إزاره إلى كم يرفعه؟
يرفعه إلى نصف الساق، وهو الأكمل، وإلى حذو الكعبين وهو القدر الجائز، وما فوق ذلك مكروه، لحديث جابر بن سُليم، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اعهد إليّ! فكان مما أوصاه: (وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين).
٧) ما حكم إسبال الإزار في الصلاة؟
إسبال الإزار في الصلاة مكروه، لحديث أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً مُسبلاً إزاره؛ فأمره بالوضوء، فتوضأ، ثم جاء -وهو مُسبل -فقال له: اذهب فتوضأ، ولما سئل عن ذلك؛ قال: (إنه كان يُصلي وهو مُسبلٌ إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مُسبل)، قلت (محمد): ولعل إسباله كان سبباً في عدم إسباغه الوضوء.
٨) ما حكم إسبال الثوب للنساء؟
لما سمعت أم سلمة حديث (من جرّ ثوبه خُيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، قالت: فكيف يصنع النساء بذيولهنّ؟ قال: (يُرخينه شبراً)، قالت: إذن تنكشف أقدامُهنَّ، قال: (فيُرخينَه ذراعاً لا يزدن)، واستدل بهذا الحديث من يرى أن القدمين ليستا بعورة.
٩) هل يجوز للإنسان أن يتميز بلباسه دائماً عن الناس؟
لا يجوز، لحديث معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك اللباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها).
١٠) هل أمر الإسلام بلبس الثوب البالي والمزري بالإنسان، حتى يكون ذلك أدعى لزهده وتقشفه؟
لا، بل أمر الإسلام بالتجمل في الملبس، من باب إظهار النعمة، لا تكبراً على الناس، وفي نفس الوقت أمر بلباس عامة ما يلبسه الناس، فلا يتميز عليهم. لخبر: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)،
١١) ما حكم لبس الحرير والذهب؟
الحرير والذهب لبسه مباح للنساء، محرم على الرجال، لحديث علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً، فجعله في يمينه، وذهباً فجعله في شماله، ثم قال: (إن هذين حرام على ذكور أمتي)، ولخبر عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)، وفي حديث حذيفة: (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه).
١٢) هل يجوز لبس الحرير لمن به حكة من الرجال؟
نعم، فقد رخص النبيُّ صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف، بلببس الحرير، لحكةٍ كانت بهما، ويجوز أيضاً لابسه لمن لا يجد ثوباً يستر عورته، ويكون في حقه رخصة.
١٣) هل يجوز لبس جلد النمور، أو افتراشها، والصلاة عليها، أو الركوب عليها؟
لا يجوز، وذلك مكروه، لأن فيه نوع من الكبر، وفي الحديث: (لا تركبوا الخز ولا النمار)، وفي خبر آخر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع).
١٤) ما هي النعال السبتية، وما سبب تسميتها بذلك؟
قيل، هي المدبوغة، أو التي نُزع عنها الشعر بالحلق ونحوه، وسُميت بذلك من السبت وهو القطع، وقيل لأنها تسبتت بالدباغ، أي: لانت، ولبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم النعال المخصوفة، أي: المخيطة والمخروزة، وقيل: المرقعة.
١٥) ما الحكمة من الأمر بالانتعال في كلا القدمين، والنهي عن المشي في نعل واحدة؟
ذكر العلماء حكماً كثيرةً لذلك، أبرزها:
-أنه يحتاج لأن يتوقى للأخرى من الشوك والحصا، وما قد يلقاه في الطريق، وهذا يخرجه عن سجية مشيه، ولا يأمن مع ذلك من العثار.
-لأنه لم يعدل بين جوارحه، وربما نُسب فاعل ذلك إلى اختلال العقل، وضعف الرأي.
-لأنها مشية الشيطان، وقد أخرج بها عن حد الاعتدال.
-لأنها مشية الشهرة، لما تلفت الأنظار إليه، وقد نهى النبيُّ عن لباس الشهرة.
١٦) من لبس ثوباً جديداً، ماذا يقول؟
يقول الدعاء الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: (اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له)، أما إذ كان الثوب قديماً؛ فيُسمي الله تعالى، ستراً ما بينه وبين أعين الجن، ويندب له أن يقول: (بسم الله الذي لا إله إلا هو).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق