تحفة النساك في فضل السواك
عبد الغني الغنيمي الميداني الدمشقي
(١٢٢٢ -١٢٩٨ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: لم تقتصر عناية الدين الحنيف بالفرائض والواجبات دون الفضائل والمندوبات، ومن هذه الفضائل النظافة وتحسين الهيئة، والتي جعلها الإسلام عنواناً للمسلم، وعلامة على انتسابه لهذا الدين الحنيف، وقد أولت الشريعة الغراء نظافة الفم اهتمامها الكبير، من أجل الرائحة الطيبة، والحفاظ على نقاء الأسنان، فقد ورد في الحث على تنظيفه وتطييبه أكثر من ثلاثين حديثاً، ما بين صحيح وحسن وضعيف، وإذا وسعنا الدائرة لتشمل الآثار الموقوفة والمقطوعة فإن عددها يتجاوز السبعين حديثاً.
وأكدت على ضرورة التسوك في مواطن كثيرة، إما بعد كثرة الكلام، أو بعد السكوت الطويل، وفي المحافل والمواطن التي يجتمع فيها الناس، بل ودعت إلى استعماله بشكل متكرر في أوقات راتبة، في عدد من المناسبات، ويكفي في فضل السواك معرفة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استعمله وهو في غمرات الموت، في حالٍ يقبل فيها على الله، وبودع فيها الدنيا.
وقد اعتنى العلماء والمحدثون والفقهاء بأحاديث السواك، وبروايتها وسماعها وإسماعها، وتبويبها، وشرح معانيها وألفاظها، فمنهم من أدخلها في أبواب من كتابه، وجعلها موضوعاً ضمن موضوعاته؛ كالإمام مالك والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
ومنهم من أفردها وجمعها في تأليف مستقل، كالإمام أبي نعيم الأصبهاني، وأبي شامة المقدسي، وعلي القاري، وشمس الدين السفاريني الحنبلي.
ومن بين هذه الرسائل والمؤلفات كتاب (تحفة النساك في فضائل السواك)،والتي ضمنها صاحبها الكثير من الفرائد الثمان، والفوائد الحسان، وجعلها في مقدمة وثلاثة أبواب وجيزة، وخاتمة، أما الباب الأول: في وقته، والثاني: في كيفيته، والثالث: في منافعه، التي أوصلها بعضهم إلى تسعين منفعة، والخاتمة في بيان أفضل السواك.
وقد خدم الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة هذه الرسالة خدمةً جليلة، وعلق على مواضع منها بتعليقات نفيسة، وألحق فيها مسألة كثر الخلاف فيها، وهي: استعمال السوال باليمين أو باليسار؛ وذكر فيها أقوال العلماء، وبين مناط المسألة، وقول الجمهور، وأدلة كل فريق، ورجح فيه التسوك باليمين.
ثم ذكر مسألة دقيقة، وهي جواز الاستياك أمام الناس، وذكر جملة من الأحاديث الدالة على استياكه صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة والرعية، وفي مجالس متعددة.
والسواك اسم يُطلق على العود الذي يتسوّك به، ويطلق على استعماله أيضاً، وهو مشتق من الفعل ساكَ يسوكُ سوكاً بمعنى دلكه، ويقصد به" استعمال عود أو نحوه في الأسنان، تطييباً لها"، وقد شاع في شعر العرب قديماً في الجاهلية والإسلام ذكر السواك والمسواك والتغني بطيب نكهته في الفم، وضرب المثل بلذاذةِ رائحته في الشم، ورويت بعض الأشعار في ذلك.
وهو سنة مؤكدة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، لمواظبته على استعماله، بل هو من سنن الفطرة، وسنن المرسلين، وسنن الدين، وسنن الطهارة.. روى مسلم: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول االله صلى االله عليه وسلم " عشرة من الفطرة" أي الأعمال التي توافق أصل خلقة الإنسان السليمة التي خلق عليها، وهي أعمال اختارها قديماً أو أمروا بها، فاتفقت عليها كل الشرائع السماوية.
قال: "قص الشارب وإعفاء اللحية، والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء". وهذه الخصال من الأمور الواجب أن يعلم فقهها كل مسلم، لتطبيقها في حياته.
واعلم أنه يستحب فعله في جميع الأوقات، ويتأكد استحبابه في حالات، منها:
عند تغير الفم، وعند القيام من النوم. ومنها: عند الاجتماع مع الناس، كيوم عرفة، والمزدلفة ورمي الجمار وصلاة عيد، وغير ذلك. ومنها: عند القيام إلى الصلاة إذا لم يكن مستاكاً عند الوضوء، وأمِنَ من خروج الدم، وإذا لم يأمن فلا يُستحب. روى البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى االله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة".ومنها: عند قراءة القرآن والحديث.
«فائدة» قال الونائي: يجب السواك على المرأة إذا أمَرَها زوجها، وعلى الأمة والعبد إذا أمرهما السيد، وعلى من تغير فمه من أكل الثوم والبصل، أو من مص الدخان، وأراد دخول المسجد.
ومن فوائد السواك: أنه يطهر الفم،يرضي الرب، ويبيض الأسنان، ويطيب النكهة، ويسوي الظهر، ويشد اللثة، ويبطئ الشيب، ويصفي الخلقة، ويذكي الفطنة، ويضاعف الأجر، ويسهل النزع ، ويذكر الشهادة عند الموت، وقد ثبت علميا أن جذر نبات الأراك يحوي مواد مطهرة ومنظفة وقابضة وقاتلة للجراثيم،كما أنه يحتوي على مواد مضادة لنخر الأسنان.
السواك عند فقهاء الشافعية
والسواك: هو الآلة التي تدلك بها الأسنان، ويطلق على الفعل، وتحصل السنة باستعمال كل خشن يزيل الوسخ ، وعود الأراك المعروف بالسواك أفضل.
ويسن السِّوَاك فِي كل حَال؛ لمواظبته ﷺ على استعماله في أكثر أحيانه حتى في أواخر لحظات حياته، مع ورود نصوص عامة في الحث عليه، من ذلك:
١-عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي ﷺ وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبده رسول الله ﷺ بصره، فأخذت السواك فقضمته، ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي ﷺ فاستن بـه، فما رأيت رسول الله ﷺ استن استناناً قط أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول الله ورفع يده - أو : إصبعه - ثم قال : «في الرفيق الأعلى ثلاثاً، ثم قضى وكانت تقول: مات بين حافتي وذاقنتي». [البخاري: المغازي، باب: مرض النبي ﷺ ووفاته، رقم : ٤١٧٤] (فأبده: مد نظره إليه، وفي نسخة: فأمده. فقضمته : مضغته، والقضم الأخذ بطرف الأسنان، وفي رواية: فقصمته، أي كسرته وقطعته. طيبته: أي نظفته بالماء من استياك عبد الرحمن رضي الله عنه به. فما عدا أن فرغ: ما تجاوز الفراغ من السواك. حاقنتي وذاقنتي: أي مات، ورأسه بين حنكها وصدرها، والحاقنة: ما دون الترقوة من الصدر، وقيل غير ذلك. والذاقنة: طرف الحلقوم، وقيل غير ذلك).
٢-وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب». [النسائي: الطهارة، باب: الترغيب في السواك، رقم: ٥ . ورواه البخاري تعليقاً في الصوم باب: السواك الرطب واليابس للصائم. وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: الطهارة وسننها، باب السواك، رقم: ۲۸۹. وأخرجه أحمد في مسنده (۳/۱) من حديث أبي بكر رضي الله عنه] (تعليقاً: أي من غير سند، وهو محتج به إذا ذكره البخاري بصيغة الجزم، كقال وروى، كما هنا).
٣-وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «قد أكثرت عليكم في السواك». [النسائي: الطهارة، باب: الإكثار في السواك ٢ رقم : ٦]
ويتأكد للْوُضُوء وَالصَّلَاة لكل إِحْرَام؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة». وفي رواية عند ابن خزيمة والنسائي في الكبرى: «عند كل وضوء». أي لأمرتهم أمر إيجاب وهذا دليل الاستحباب المؤكد. [البخاري: الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة، رقم: ٨٤٧. مسلم: الطهارة، باب : السواك، رقم: ٢٥٢. صحيح ابن خزيمة: الوضوء، باب: ذكر الدليل على أن الأمر بالسواك أمر فضيلة لا أمر فريضة، رقم ١٤٠. النسائي في الكبرى الصيام، باب : السواك للصائم بالغداة ..]
وَإِرَادَة قِرَاءَة الْقُرْآن والْحَدِيث وَالذكر؛ قياساً على الصلاة، لأنها عبادات، ولعموم ما سبق من أدلة في طلب السواك.
وعند اصفرار الْأَسْنَان؛ لأن اصفرارها يدل على تراكم القلح عليها، وهو مضربها، فتطلب إزالته.
وَدخُول الْبَيْت؛ لحديث شريح، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: «بأي شيء كان يبدأ النبي ﷺ إذا دخل بيته ؟ قالت : بالسواك». [النسائي: الطهارة، باب: السواك في كل حين، رقم: ۸].
وعند الْقِيَام من النّوم وَإِرَادَة النوم، لما رواه البخاري ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه، قال: «كان النبي ﷺ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك». (يشوص: يذلك).
وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي ﷺ كان لا يرقد، من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ. [البخاري: الوضوء، باب: السواك، رقم: ٢٤٢. مسلم: الطهارة، باب السواك، رقم: ٢٥٥. أبو داود: الطهارة، باب: السواك لمن قام من الليل، رقم: ٥٧]
وَيُسنُّ لكُل حَال يتَغَيَّر فِيهِ الْفَم؛ كأكل ذي رائحة كريهة، أو سكوت طويل، أو كلام كثير، ونحو ذلك.
وَيكرهُ للصَّائِم بعد الزَّوَال؛ أي ميل الشمس عن وسط السماء إلى جهة الغرب، وبه يدخل وقت صلاة الظهر كما سيأتي، وكره السواك في هذا الوقت حتى لا يزيل الرائحة التي يخلفها الصوم في فمه، والتي وصفها النبي ﷺ بأنها أطيب عند الله تعالى من رائحة المسك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ، قال: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك». [البخاري: الصوم، باب فضل الصوم رقم: ۱۷۹٥. مسلم: الصيام، باب: حفظ اللسان للصائم، رقم: ١١٥١] والخلوف تغير رائحة الفم، ولا يحصل غالباً للصائم إلا بعد الزوال، واستعمال السواك يذهبه ، ولذلك كره.
وَيحصل بِكُل خشن لَا أُصْبُعه؛ لأنها جزء منه، وجزء الإنسان لا يسمى سواكاً له.
والأراك أولى ثمَّ النّخل. قال النووي رحمه الله تعالى في [ المجموع: ٣٤٢/١]: واستدلوا للأراك بحديث أبي خيرة الصباحي رضي الله عنه، قال: كنت في الوفد - يعني وفد عبد القيس ـ الذين وفدوا علـى رسول الله ﷺ، فأمر لنا بأراك، فقال: «استاكوا بهذا». [أخرجه بهذا اللفظ الطبراني، كما في مجمع الزوائد الأشربة، باب: جواز الانتباذ في كل وعاء : ٦٢/٥. وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (ترجمة أبي خيرة : ٢٣٥) من جزء الكنى، وابن سعد في الطبقات (۸۸/۷) بلفظ: (فزودونا الأراك نستاك به، فقلنا: يا رسول الله، عندنا الجريد، ولكنا نقبل كرامتك وعطيتك)].
وَيسْتَحب أَن يستاك بيابس ندي بِالْمَاءِ؛ حتى يكون ليناً، كي لا يجرح لثته، ويسيل الدم.
وَأَن يستاك عرضا إِلَّا فِي اللِّسَان؛ لقوله ﷺ: «إذا استكتم فاستاكوا عرضاً». [رواه أبو داود في مراسيله الطهارة، وأخرجه البيهقي مرسلاً ومرفوعاً عن ربيعة بن أكثم رضي الله عنه، في الطهارة، باب ما جاء في الاستياك عرضاً: ٤٠/١]، وفي الحديث - على إرساله - مقال.
ويسن البدء من الجانب الأيمن لأنه تنظيف وهو من المكرمات، ومن السنن، وهذه يبدأ فيها باليمين؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي يا الله يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله. [البخاري: الوضوء، باب: التيمن في الوضوء والغسل، رقم: ١٦٦ . مسلم: الطهارة، باب: التيمن في الطهور وغيره ، رقم : ٢٦٨] (يعجبه : يحب من الإعجاب، وهو الرغبة في الشيء لحسنه. التيمن : استعمال اليمين في تعاطي الأشياء، والابتداء أيضاً ،باليمين، وهو المقصود هنا. تنعله: لبس النعل. ترجله: دهن شعره وتسريحه. طهوره: تطهره من الحدث أو النجس شأنه كله: كل عمل من الأعمال الطيبة المستحسنة، لا الأعمال الخبيثة المستقذرة، فإنه يستعمل لها اليسار، ويبدأ باليسار، كالاستنجاء ودخول بيت الخلاء)
وفي حال استعماله للسواك مستقلاً عن عبادة أخرى كما مر في الأحوال السابقة - ينوي به السنة كي يحصل له الثواب فينتقل من كونه عادة في التنظيف إلى كونه عبادة. فإذا كان يستعمله ضمن عبادة، كوضوء أو عند الصلاة ونحو ذلك، فلا يحتاج إلى نية مستقلة، بل يندرج ضمن ما يقوم به من عبادة.
أما في اللسان فيستاك طولاً؛ لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: دخلت على النبي ﷺ وطرف السواك على لسانه، وفي رواية عند أبي داود: وهو يستاك وقد وضع السواك على طرف لسانه ـ وهو يقول: «أع، أع» يعني يتهوع. [مسلم: الطهارة، باب السواك، رقم : ٢٥٤ . أبو داود: الطهارة باب كيف يستاك، رقم: ٤٩ ] (يتهوع: أي يُخرج صوتاً كأنه يتقيأ).
ترجمة المؤلف
هو الإمام العالم العامل العابد الناسك، الفقيه الحنفي الأصولي، المحدث، النحوي: عبد الغني بن طالب بن حمادة بن إبراهيم الغنيمي، الدمشقي الميداني، رجل عامة في بلده وزمنه ولد بدمشق سنة ١٢٢٢، في حي الميدان - جنوب دمشق ، الذي ما يزال يُعرف بهذا الاسم، ونُسب إليه واشتهر بالميداني.
أبرز شيوخه وتلامذته:
بعد أن قرأ القرآن الكريم، أخذ العلوم عن كبار علماء دمشق في عصره ومنهم: الشيخ عمر المجتهد الدمشقي، وسعيد الحلبي ثم الدمشقي الفقيه الحنفي، المحدثُ، فقيه الشام في عصره، والشَّيْخُ الإمام ابن عابدين، وعبد الغني السقطي الفقيه الشافعي، والسيد محمد ابن عابدين فقيه الحنفية في عصره، صاحب الحاشية: رد المحتار على الدر المختار، ولازَمَهُ وعُرف بـالـتـلمــذة عليه، وعبد الرحمن بن محمد الكُرْبَرِي الشافعي محدث الديار الشامية - الكُزُبَرِي الصغير - صاحب الثبت المعروف المطبوع، وأحمد بيبرس، وحسن بن إبراهيم البيطار شافعي زمانه، ولازمه أيضاً وانتفع به، وله فيه مدائح نظماً، ذكرها الشيخ عبدالرزاق البيطار في ترجمته له في حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر.
وكان على درجة عالية في العلم والفضل والورع والزهد، وسعة العقل وبصارة الرأي، فحصل له قبول في قلوب الناس وإجلال في النفوس، وجاه وتعظيم، وحل المقام الكريم الرفيع بين أهل دمشق عامة، فلما وقعت الفتنة بين المسلمين والنصارى فيها سنة ١٢٧٧.
كان له الفضل الكبير المذكور في إطفائها وإخمادها، وكان ذلك من استنارة فقهه ورجاحة عقله، فحُمِدَ له هذا الموقف النبيل.
وتتلمذ عليه كثيرون من أهل الشام وغيره، وأخذوا عنه العلم والفقه وبصارة الفكر والدين، وكان من أشهر تلامذته والأخذين عنه: العلامة الإمام الجليل الشيخ طاهر الجزائري، صاحب المؤلفاتِ المُتقنة المحررة، والعلوم المفننة المتنوعة، قال العلامة الأستاذ محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي بدمشق في كتابه (المعاصرون) في ترجمة شيخه الشيخ طاهر الجزائري، وهو يتحدث عن أبرز شيوخه: ثم اتصل بعالم عصره الشيخ عبدالغني الميداني الغنيمي، وكان فقيهاً عارفاً بزمانه، واسع النظر، بعيداً عن التعصب والجمود على قدم السلف الصالح، لتقواه وزهده.
وقال الأستاذ كرد علي في كتابه المذكور أيضاً: في ترجمة الأستاذ سعيد الشرتوني اللبناني النصراني صاحب أقرب الموارد في اللغة: «وَأَخَذَ خِلالَ مُقامه بدمشق : الفقه الحنفي عن أكبر فقهاء عصره العلامة عبدالغني الغنيمي الميداني، تلميذ سيد الفقهاء المتأخرين العلامة السيد محمد عابدين صاحب الحاشية». انتهى
مؤلفاته:
لم يكن الشيخ الميداني رحمه الله تعالى من المكثرين من التأليف ولكن كان من المجودين فيه، والمتفنين في العلم، فأشهَرُ مؤلفاته: «اللباب في شرح الكتاب»، في الفقه الحنفي.
و(الكتاب) إذا أطلق عند السادة الحنفية يُراد به كتاب «مختصر القُدُوري»، والقُدُوري هو: الإمام الفقيه المحدث أبو الحُسَين أحمد بن محمد القُدُوري البغدادي، انتهت إليه رئاسة الحنفية في عصره بالعراق، ولد سنة ٣٦٢، وتوفي سنة ٤٢٨ رحمه الله تعالى، وهـو أحـد شيوخ الحافظ الخطيب البغدادي صاحب «تاريخ بغداد»، ذكره في «تاريخه» وأثنى عليه خيراً.
«وهذا المختصر من الكتب المعتمدة المحررة في المذهب متداول عند الحنفية من زمن مؤلفه إلى أيامنا هذه، ولهذا اعتنى به الشيخ الميداني وشرحه وحرره تحريراً، وبذل فيه الجهد الوافي مع الاختصار، والاعتماد على القول المختار، ولقي القبول في حياته وبعد مماته، وقد فَرَغَ من تأليفه - كما قال في آخره - ثالث عشر رمضان المبارك من سنة ست وستين ومئتين وألف».
ووقع في (هــدايــة العارفين) لإسماعيل باشا البغدادي. «وفي معجم المطبوعات لِسَركيس تأريخ للفراغ من تأليفه مغاير لهذا التاريخ، جاء فيهما فَرّغ من تأليفه سنة ١٢٦٨»، انتهى.
والاعتماد على الأول لتحديده اليوم والشهر للفراغ. وطبع هذا الكتاب في حياة مؤلفه في القسطنطينية: الآستانة سنة ١٢٧٤ - ١٢٧٥، ثم طبع طبعات كثيرة الأسف أن جُل طبعاته المصرية محشوة بالأغلاط غير الطبعة التي صححها الأستاذ محمد الدين عبدالحميد رحمه الله تعالى، فإنها قليلة متعددة، ومع محيي الغلط.
وقد وقفت في دمشق في ٢٠ من المحرم سنة ١٣٧٨، على مجموع ،مخطوط فيه عدد من مؤلفاته رحمه الله تعالى، فمنها: وهو أول المجموع شرح المراح في الصرف، في ۱۳۳ صفحة من القطع الوسط.
وثانيها: شرح عقيدة الإمام الطحاوي، في ١٠٠ صفحة.
وثالثها: كشف الالتباس عما أورده الإمام البخاري على بعض الناس في ٣٥ صفحة، وقد قمت بخدمته وطبعه.
ورابعها: المطالب المستطابة في الحيض والنفاس والاستحاضة، في ٢٥ صفحة.
وخامسها: تحفة النساك في فضل السواك، وهو هذه الرسالة التي أقدم لها بهذه المقدمة.
وسادسها: إسعاف المريدين في إقامة فرائض الدين، بخط الشيخ المؤلف نفسه، في ١٢ صفحة.
وهذا المجموع لحفيده الأخ الكريم يوسف بن محمد بن عبد الغني الغنيمي الميداني، المقيم في حي الميدان بدمشق أحسن الله إليه. وعنه نسخت رسالته: «تحفة النساك»، ورسالة كشف الالتباس».
وقد وقع للعلامة الزركلي في كتابه «الأعلام»، في ترجمة (عبد الغني الغنيمي الميداني) قـولـه الله تعالى: «له كشف الالتباس في شرح البخاري وهو وهم.
ومن مؤلفاته التي ذكرها الشيخ عبدالرزاق البيطار في ترجمته: «رسالةً وشرحها في الرسم. وسَلُ الحُسام على شاتم دين الإسلام. ورسالة في صحة وقف المشاع. ورسالة في مَشَدَّ المَسْكَة». انتهى. وهي نوع من أنواع الخُلُو والفراغ عن الأرض، يُعطى لشاغل الأرض، بمقابل تخليه عنها.
قال العلامة ابن عابدين في «رد المحتار»: «سُميت مسكة لأن صاحبها صار له مَسْكَةٌ بها، بحيث لا تُنزَعُ من يده بسببها، وتُسمَّى أيضاً: مَشَدَّ المَسْكة، لأن المَشَدّ من الشّدة بمعنى القوة أي قُوَّةِ التمسك ولها أحكامر.
وفاة المؤلف:
توفي الشيخ عبدالغني بدمشق سنة ١٢٩٨ رحمه الله تعالى. ووقع خطأ في «هدية العارفين، أنه توفي سنة ١٢٧٤، وهو تاريخ لبدء طبع كتابه في الآستانة، لا لوفاته رحمة الله تعالى عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق