جزء تمثال نعل النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن عساكر (٦٨٦ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: للنعل وما في معناه كالخُف أحكام كثيرة، ويتعلق بلبسه الأحكام التكليفية الخمسة، فمن المباح لبس النعل، وكذلك خلعه، وجواز المسح عليه، وجواز الصلاة فيه، ومن المكروه المشي في نعل واحدة لغير عذر، ولبس النعل قائمًا لغير عذر، ومن المستحب: لبسه على صفة غير مكروهة، وابتداء لبسه باليمين، وابتداء خلعه باليسار، ومن المحرم لبسه مغصوباً أو مسروقاً، أو نجساً كأن صُنع من جلد ميتة لم يُدبغ، أو من جلد الكلب والخنزير، أو صُنع من الحرير وكان لابسه ذكراً، أو من ذهب، ومن الواجب إذا كان ترك لبسه يترتب عليه ضرر في البدن أو في جزء منه ظناً أو يقيناً.
وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يلبس النعال، وكانت نعله مخصوفة، أي: مطروقة بعضها فوق بعض، وكان بعض الصحابة يحمل نعليه، حتى عُرف بصاحب نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، كما أولى العديد من العلماء والأئمة النعل النبوي الشريف اهتمامهم، وقاموا بمدحه ووصفه، وسال حبر كثير من المصنفين في مدح نعال النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي.
وقد جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم انقطاع شسع نعله من المصائب التي تحل بالإنسان، وامر عند ذلك بالاسترجاع، كما أمر أن يسأل العبد ربه حتى في أبسط الأمور وأهونها، وقدر ذلك بانقطاع شسع النعل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله وكان يخصف نعله، وروى أبو اليُمن بإسناده إلى عيسى بن طهمان؛ قال: ((أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين بقبالين، وهما جرداوان ليس عليهما شعرٌ، ولها قبالان -موضع النقطتين)).
وهذا الجزء الحديثي الصغير، جمع فيه أبو اليُمن بن عساكر جملة يسيرة من أخبار النعل الشريف، وصفته، وبعض الأشعار في مدحه، وكان أبو اليُمن شيخَ الحجاز في وقته، صاحب دين وعبادة وإخلاص، وكلّ من يعرفه يُثْني عَلَيْهِ ويصفه بالدين والزُّهد.
وكانت نعل رسول الله فيما يُروى عند السيدة عائشة رضي الله عنه،
ثم ناولته أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما،
التي ناولته زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي،
ثم ورثه عنه حفيده إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله،
وعنه أخذ الناس ((تمثال نعل النبيَِّ صلى الله عليه وسلم))، ولا نعرف أين بقي النعل بعده، وإلى من ورّثه؟!
وكان أول من صنع نعلاً على مثال النعل الشريف، هو أبو عبد الله إسماعيل بن أبي أويس "عبد الله" بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، ابن أخت مالك بن أنس =وعنه انتشر تسلسل مثال النعل، وممن أخذ عنه هذا المثال، اثنين:
١) أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين.
٢) أبو محمد إبراهيم بن سهل.
أما طريق أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين؛ فهي ما رواه أبو اليُمن عن شيخه: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السُّلمي، قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله البستي وغيره -بقراءتي على أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن التجيبي- ونقلت من فرعٍ وتمثالٍ نقل من أصل التجيبي تمثاله.
قال: أخرج إلينا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد تمثالاً -بالإسكندرية، قال: أخرج إلي الشيخ الأمين أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد الأكفاني -بدمشق- تمثالاً، وقال: أخرج إلي أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني تمثالاً، قال: أخرج إلي أبو طالب عبد الله بن الحسن بن أحمد العنبري، وذكر أن أبا بكر محمد بن عدي بن علي بن زحرٍ المنقري أخرج إليه تمثالاً، وذكر أن أبا عثمان سعيد بن الحسن التستري أخرج إليه تمثالاً، وذكر أنها تمثالٌ لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أحمد بن محمد الفزاري أخرج إليه ذلك بأصبهان، وحدثه به.
قال محمد بن عدي المنقري: حدثني سعيد بن الحسن التستري -بتستر-، أخبرنا أحمد بن محمد الفزاري قال: قال أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين به.
وذكر أبو اليُمن من بركات هذا النعل والأمور المجربة عنه، وهي أمورٌ لا تثبت؛ لكوننا لا نعرف هل هذا النعل هو النعل النبويُّ أم مثاله، كما أن الرجل الذي ذكر بركات هذه النعل لا يُعرف أيضاً.
ومن المصنفات في النعل الشريف:
١) ((تمثال نعل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم)) للإمام الحافظ مسند خراسان أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي (المتوفى : ٦١٨ هـ )
٢) ((نتيجة الحب الصميم وزكاة المنثور والمنظوم)) للإمام الحافظ العلامة أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي الأندلسي (المتوفى : ٦٣٤ هـ).
٣) ((قصائد في مدح نعل النبيّ صلى الله عليه وسلم)) للإمام أبو اسحاق إبراهيم بن محمد بن خلف السلمي المعروف بابن الحاج، البلفيقي الأندلسي (٦١٦ - ٦٦١ هـ)، نزيل دمشق، ويروي أبو اليمن بن عساكر في هذا الجزء عنه، وهو أحد شيوخه.
٤) ((جزء تمثال نعل النبي صلى الله عليه وسلم)) للإمام المحدث عبد الصمد بن عبد الوهاب بن أبي الحسن المعرف بـ أبو اليمن بن عساكر الدمشقي نزيل مكة (المتوفى : ٦٨٦ هـ )، ودفن في البقيع بالمدينة المنورة، وكتابه هو هذا الذي نتحدث عنه. وهو يروي في هذا الجزء عن الشيخ بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة اللخمي الشافعي، المعروف بابن الجُميزي المصري (٥٥٩ -٦٤٩ هـ) والذي مدحه ابن عصرون وأثنى عليه، ويروي أيضاً عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم السلمي أبو إسحاق المعروف بابن الحاج (ت ٦٦١ هـ).
٥) ((اللآلي المجموعة من باهر النظام وبارع الكلام فى وصف مثال نعلي رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام)) للإمام المحدث الفقيه عبد الله بن محمد بن هارون الطائي القرطبي الأندلسي (المتوفى : ٧٠٢ هـ)
٦) ((خدمة نعل القدم المحمدي)) للإمام المحدث شيخ الإسلام عمر بن رسلان سراج الدين البلقيني (المتوفى : ٨٠٥ هـ).
٧) ((قرة العينين في تحقيق أمر النعلين)) الإمام شمس الدين بن عيسى المقري (ت: ٨٩٦ هـ).
٨) ((خادم النّعل الشّريف)) للإمام الحافظ أبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (المتوفى : ٩١١ هـ)
٩) ((نور العينين في تحقيق النّعلين)) لأبي عبد الله محمد بن عيسى المغربي رحمه الله .
١٠) ((فتح المتعال في مدح النعال)) للعلامة المؤرخ شهاب الدين أبي العباس أحمد ابن محمد المقري التلمساني (المتوفى : ١٠٤١ هـ ) ويعد من أشهر الكتب في النعال الشريفة، واختصره ثلاث من العلماء؛ رياض الدين أبو الخير القادري (رحمه الله) و أبو الحسن الدمناتي (رحمه الله) والشيخ يوسف النبهاني (رحمه الله).
١١) ((كراسة لبعض المغاربة السبتيين)) وهي مشتملة على مقطّعات تقرب من الثلاثين، كما حكاه الإمام المقري
١٢) ((النفحات العنبرية في وصف نعال خير البرية)) للعلامة المؤرخ شهاب الدين أبي العباس أحمد ابن محمد المقري التلمساني (المتوفى : ١٠٤١ هـ )
١٣) ((نفحات العنبر في وصف نعل ذي العلاء والعنبر)) للعلامة المؤرخ شهاب الدين أبي العباس أحمد ابن محمد المقري التلمساني (المتوفى: ١٠٤١ هـ)
١٤) ((تاليف في زيارة النعال التي عند الشرفاء)) للعلامة الشيخ عبد السلام بن الطيب الشرفي المغربي (المتوفى : ١٣٤٨ هـ)
١٥) بلوغ الآمال مختصر كتاب «فتح المتعال في مثال النعال» للشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني (المتوفى : ١٣٥٠ هـ)
١٦) ((نيل الشفا بنعل المصطفى)) لأشرف علي التهانوي (المتوفى : ١٣٦٢ هـ))
١٧) ((جلاء الأبصار في صفة نعل النبيّ المختار))
١٦) ((المرتجي بالقبول خدمة نعل الرسول)) كلاهما للإمام عبد الله سراج الحنفي رحمه الله (المتوفى : ١٤٢٢ هـ)
١٧) نعلين شريف، ((نعلي الرسول - صلى الله عليه وسلم )) للشيخ شريف محمد عبدالقادر.
وذكر ابن السمعاني أنه لما قدم دمشق عند الشيخ عبد الرحمن بن أبي الحديد سنة ست وثلاثين وخمس مئة، رأى النعل عند والد الشيخ ابن قاضي شهبة في سنة خمس عشرة وست مئة بدمشق، ثم لما توفي أوصى بالنعل للملك الأشرف، ففرح به، وأقره بدار الحديث الأشرفية، إلى الفتنة التمرية، فأخذه تمرلنك، وأخذ الفردة الأخرى من المدرسة الدماغية، وكان العلامة بدر الدين بن مكتوم رحمه الله تعالى يقول: إن التي في الأشرفية اليسار، والتي في الدماغية اليمين، وكانت الشهرة للتي في الأشرفية، فشهر مكانها وعفى مكان الأخرى، فأخذ تيمورلنك الفردتين ولا قوة إلا بالله.
وأنشد أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعد الخير البلنسي لنفسه:
يا مبصراً تمثال نعل نبيه ... قبِّل مثال النعل لا متكبرا
وأعكف به فلطالما علقت به ... قدم النبي مروحاً ومبكرا
أو ما ترى أن المحب مقبِّلٌ طللاً ... وإن لم يلف فيه مخبرا
وذيّل على هذه الأبيات أبو أمية إسماعيل بن سعد السعود بن عفير رحمه الله؛ فقال مجيباً:
ولربما ذكر المحب حبيبه ... بشبيهه فغدا له متصورا
أو ما رأيت الصحف ينقل حكمها ... فيوافق المتقدم المتأخرا
والمرء يهوى بالسماع ولم يكن ... مجلي الذي قد هام فيه مبصرا
ويظن حين يرى اسمه في رقعة ... أن قد رأى فيها الحبيب مصورا
لا سيما في حق نعلٍ لم تزل صوناً ... لأخمص خير من وطئ الثرا
فعساك تلثم في غدٍ من لثمها ... كأس النبي إذا وردت الكوثرا
وأنشد أبو اليُمن لنفسه:
والثم ثرى الأثر الأثير فحبذا ... إن فزت منه بلثم ذا التمثال
أثرٌ له بقلوبنا أثرٌ بها ... شغل الخلي بحب ذات الخال
قبل -لك الإقبال- نعلي أخمصٍ ... حل الهلال بها محل قبال
فرأينا أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم، وحدَّث بذلك ثابت عنه.
وكان بعض السلف يصنعون أحذيتهم على مثال نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تسلسل ذلك عنهم،
الشسع: أحد سيور النعل، وهو الذي يدخله المنتعل بين أصبعيه، ويدخل طرفه في النقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام.
والزمام: السير الذي يعقد فيه الشسع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق