المناهل السلسة في الأحاديث المسلسلة
محمد عبد الباقي الأنصاري الأيوبي اللكنوي
(١٢٨٦ - ١٣٦٤ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ الحديث المسلسل عند المحدثين هو ما توارد رجال إسناده واحداً فواحداً، على روايته في حالة معينة أو صفة واحدة سواء كانت الصفة للرواة أو للإسناد، ثم قد يتسلسل الحديث من أوله إلى آخره، وقد ينقطع بعضه من أوله أو آخره، وسواء وقع التسلسل في إسناده، أو في صيغ الأداء، أو تعلق بزمن الرواية، أو بمكان الرواية، أو يتعلق بأحوال الرواة وصفاتهم أقوالاً أو أفعالاً.
وفائدة التسلسل في الحديث هو اشتماله على مزيد الضبط من الرواة، وبعده عن التدليس والانقطاع، وقلما يسلم المسلسل عن خلل من نقصان تسلسله يقطع السلسلة في وسطه أو أوله أو آخره، أو من ضعف في وصف تسلسله -حتى لو كان المتن سالماً.
ولا شك أن أفضل المسلسلات هو ما كان متصل الإسناد، توفرت فيه السماع وعدم التدليس، وأصحُّ المسلسلات على الإطلاق (المسلسل بسورة الصف) كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وربما يكون إسناد الحديث المسلسل موضوعاً أو مُركباً لكن متنه صحيح، ولكن تروي المسلسلات الضعيفة على سبيل التبرك، وأما الموضوعة فيجب بيان حالها.
وقد ذكر اللكنوي في هذا الكتاب مائتان واثني عشر حديثاً مسلسلاً بالمكرر، ومن غير المكرر مائة وخمسة وسبعون حديثاً، ابتدأه بالأولية، وختمه بالمسلسل بختم الدعاء، ثم أردف هذه المسلسلات بإيقاظ واعتذار ووصية، وبين ذلك ذكر الفوائد الإعرابية وضبط الألفاظ وزيادتها، وما يصحُّ منها وما لا يصح، وذكر من خرّجه من الأئمة، مع بيان صحته وضعفه، وما له من الشواهد والمتابعات، وما فيه من اللطائف والفرائد، وبعض المسائل الفقهية والحديثية والتي قد يُوافق عليها، أو يُخالف فيها، وأوقات سماعه إن وجده.
أغلب شيوخ اللكنوي في هذه المسلسلات (ستة):
محمد صالح بن عبد الله العباسي السناري المكي.
علي بن السيد ظاهر الوتري المدني.
السيد أمين بن أحمد بن رضوان المدني الشافعي.
أبو الخير أحمد بن عبد الله مرداد المكي.
فالح بن محمد الظاهري المدني
محمد عبد الوهاب اللكنوي، وهو ابن عمه.
روايتي لهذا الكتاب:
قلتُ (محمد حنونة): وقد أخبرنا بثبت الإمام الكتاني إجازة جمعٌ من الشيوخ، منهم الشيخ العلامة المعمر عبد الرحمن بن محمد عبد الحي الكتاني، وشيخنا العلامة محمد بن الأمين بوخبزة التطواني المغربي، وشيخنا أحمد ومحمد أبناء السيد أبوبكر بن حسين بن الحبشي (صاحب الدليل المشير)؛ كلهم عن والد الأول حافظ العصر ومسند الوقت ومحدثه العلامة أبو الأسعاد وأبو الإقبال محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني المغربي الفاسي (صاحب فهرس الفهارس)، وهو يروي عن المؤلف مكاتبةً، ثم اجتمع به في المدينة المنورة.
وكذلك أروية إجازةً عن مُسند العصر محمد ياسين الفاداني المكي، عن الشيخ محمد عبد الباقي اللكنوي الأنصاري.
المسلسلات في هذا الكتاب:
١-المسلسل اببتداء المجالس وختمها: المسلسل بالأولية، والمسلسل بالآخرية، والمسلسل بالتأمين على الدعاء، والمسلسل بختم المجلس بالدعاء.
٢-المسلسل بالصفة الزمانية: المسلسل بالتحديث يوم العيد، والمسلسل بيوم عاشوراء، والمسلسل بالقنوت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح.
٣-المسلسل بالصفة المكانية: والمسلسل بالدعاء في الملتزم، والمسلسل بقراءة القرآن على الضرس.
٤-المسلسل بالتعليم: والمسلسل في صفة التيمم، والمسلسل بالقراءة في الوتر.
٥-المسلسل بفعل من الأفعال: المسلسل بقص الأظفار يوم الخميس، والمسلسل بمناولة السبحة، والمسلسل بالعد في اليد، والمسلسل بالقبض على اللحية، والمسلسل بوضع اليد على الرأس، والمسلسل بوضع اليد على الرأس عند ختم سورة الحشر، والمسلسل بوضع اليد على الكتف، والمسلسل بمسح الأرض باليد، والمسلسل بعض السبابة، والمسلسل بالضيافة بالأسودين التمر والماء، والمسلسل بتقريب الجبن والجوز، والمسلسل بالتلقيم، والمسلسل بالإطعام والإسقاء، والمسلسل بأكل الجرى وهو بكسر الجيم والراء مشددة وهو سمك طويل أملس ليس عليه فصوص لا تأكله اليهود كذا في القاموس.
٦-المسلسل بقول من الأقوال: المسلسل بقول كل راو الدعاء عبادة، والمسلسل بقول كل راو أنا أحبك فقل اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، والمسلسل بقول كل راو كتبته فها هو في جيبي، والمسلسل بقول كل راو الجنة دار الأسخياء، والمسلسل بقول كل راو يعجبني حديث، والمسلسل بقول كل راو في العزلة سلامة، والمسلسل بقول كل راوٍ جربته فوجدته كذلك، والمسلسل بقول كل راو جربته فوجدته حقاً، والمسلسل بقول كل راو ما زلت بالأشواق، والمسلسل بقول كل راو رحم الله فلاناً (كيف لو أدرك زماننا هذا؟)، والمسلسل بقول كل راو قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والمسلسل بقول كل راو ما تركتهن منذ سمعتهن، والمسلسل بقول كل راو ولا كذبت على فلان، والمسلسل بقول كل راو أرجو لك ذلك.
٧-المسلسل بأنواع من المصافحة: والمسلسل بالمصافحة، والمسلسل بالمصافحة العلوية وهي مسلسلة بالصوفية، والمسلسل بالمصافحة الخضرية، والمسلسل بالمصافحة المدينية، والمسلسل بالمصافحة المعمرية، والمسلسل بالمصافحة الحبشية، والمسلسل بالمصافحة المكية، والمسلسل بالمشابكة، والمسلسل بالمشابكة المغربية.
٨-المسلسل بحالة من أحوال الراوي: المسلسل بلبس الخاتم في اليمني، والمسلسل بالاتكاء، والمسلسل بالقيام، والمسلسل بالتبسم، والمسلسل بالضحك والتبسم معاً، والمسلسل بالإعجاب، والمسلسل بالبكاء، والمسلسل باتخاذ الديك الأبيض، والمسلسل بانفراد كل راو بصفة في زمانه.
٩-المسلسل بصفة الرواية: والمسلسل بالسماع، والمسلسل بالقراءة، والمسلسل بجلست معه وأخذت عنه الحديث.
١٠-المسلسل بكيفية من كيفيات الأداء: المسلسل بالسؤال عن السن، والمسلسل بالسؤال عن الإخلاص، والمسلسل بالسؤال عن علم الباطن، والمسلسل بالنظر في المصحف، والمسلسل بالوحدة، والمسلسل بحدثني وحدي، والمسلسل بالتوقير، والمسلسل بالإشارة، والمسلسل ببيان اسم الراوي، والمسلسل بالسؤال عن الإسم وتوابعه، والمسلسل بقول كل راو من أراد أن ينظر إلى سمتي وهديي فلينظر إلى فلان، والمسلسل بأخذ اليد.
١١-المسلسل بطائفة معينة من الناس: المسلسل بالشعراء، والمسلسل بالحفاظ، والمسلسل بالقراء، والمسلسل بالقضاة، والمسلسل بالأئمة، والمسلسل بالنحاة، والمسلسل بالزهاد، والمسلسل بالورعين، والمسلسل بالصوفية، والمسلسل بالمعمرين، والمسلسل بالخطباء.
١٢-المسلسل بقراءة شيء من القرآن: المسلسل بقراءة سورة الفاتحة، والمسلسل بقراءة آية الكرسي، والمسلسل بقراءة سورة النحل، والمسلسل بقراءة سورة الصف، والمسلسل بقراءة سورة الكوثر، والمسلسل بالسجود في سورة الانشقاق.
١٣-المسلسل بالدعاء على النفس: المسلسل بقول كل راو صمت أذناي إن لم أكن سمعت فلاناً يقول، والمسلسل بقول كل راو صمت أذناي وعميت عيناي، والمسلسل بقول كل راو أصم الله هاتين.
١٤-المسلسل بالحلف: المسلسل بقول كل راو وحلف، والمسلسل بقول كل راو والله، المسلسل بقول كل راو حدثنا والله وأخبرنا والله، والمسلسل بقول كل راو والله إني سمعته، والمسلسل بقول كل راو بالله العظيم، والمسلسل بقول كل راو والله إنه لحق،
١٥-المسلسل بالشهادة: المسلسل بقول كل راو أشهد بالله، والمسلسل بقول كل راو أشهد بالله وأشهد لله، والمسلسل بقول كل راو أشهد على فلان،
١٦-المسلسل باسم من الأسماء: المسلسل بالحسن، والمسلسل بحرف العين في أول اسم كل راو، والمسلسل بالمحمدين، والمسلسل بالأحمدين في أكثره، والمسلسل بالنون في آخره،
١٧-المسلسل بالأنساب: المسلسل بالإشراف في أكثره، والمسلسل باثني عشر أباً في نسق واحد، والمسلسل بعشرة آباء، والمسلسل بتسعة آباء، والمسلسل بعدة آباء،
١٨-المسلسل بالمذاهب الفقهية: المسلسل بالسادة الحنفية، والمسلسل بالسادة المالكية، والمسلسل بالسادة الشافعية، والمسلسل السادة الحنابلة،
١٩-المسلسل بالمذاهب العقدية: المسلسل بالأشاعرة، والمسلسل بالصوالحة والحنابلة في أكثره،
٢٠-المسلسل ببلد من البلدان: المسلسل بالمكيين، والمسلسل بالمدنيين، والمسلسل باليمانيين، والمسلسل بالمصريين، والمسلسل بالدمشقيين، والمسلسل بالعراقيين، والمسلسل بالمشاركة، والمسلسل بالمغاربة، والمسلسل بالفاسيين، والمسلسل بالتلمسانيين، والمسلسل بالإفريقيين، والمسلسل بكل راو من بلد،
٢١-المسلسل ببعض الطرق الصوفية: المسلسل بالطريقة القادرية، والجشتية (=ولها شعبتان: الصابرية والنظامية)، والسهروردية، والنقشبندية، والشاذلية، والخضرية،
ترجمة الإمام اللكنوي -رحمه الله -
اسمه ونسبه: هو محمد عبد الباقي بن ملا علي بن ملا محمد معين بن محمد مبين اللكنوي الحنفي المدني الهندي.
مولده: ولد في يوم الأحد الثامن عشر من رجب سنة (١٢٨٦ هـ) من الهجرة النبوية المباركة بمدينة "لكنو" وهي إحدى مدن الهند مشهورة بكثرة العلماء والمحدثين، وتوفي والده وهو في سن الرابعة من عمره، ولكن الله كلأه بعنايته فكفله شقيقه الأكبر إبراهيم.
أسرته: وتعد أسرته من الأسر الهندية المشهورة بالعلم والفضل وكثرت المحدثين فمن هذه العائلة العلامة محمد عبد الحليم اللكنوي (ت ١٢٨٥ هـ) صاحب التصانيف النافعة.
ومن هذه الأسرة ابن عم المترجم له المحدث المسند الشهير عبد الحي اللكنوي المولود سنة (١٢٦٤ هـ) العالم بالحديث والتراجم، ويعد من فقهاء الحنفية وجده العلامة ملا معين شارح سلم الثبوت في الأصول والسلم في المنطق، فهو من سلالة علم أباً عن جد.
صفته الخَلقية: وقد وصفه من عرفوه بأنه معتدل الجسم، مستدير الوجه، أسمر اللون، واسع العينين، خفيف الشارب، كث اللحية، يرتدي العمامة على رأسه دائماً والجبة في بعض الأحيان.
تعليمه بالهند: نشأ الشيخ اللكنوي في دار أخيه وفي كنف والدته حيث شرح الله صدره لحفظ كتاب الله وهو في السادسة من عمره وفرغ من حفظه وتجويده وهو في الحادية عشرة.
بعد أن أنهى حفظ كتاب الله التحق بإحدى المدارس ودرس بها بعض المبادئ وأخذ فنون الحساب والمساحة والجبر والمقابلة والنحو والصرف على ابن خالته وابن عمه علامة الهند عبد الحي اللكنوي المتوفى سنة ١٣٠٤ هـ.
ثم قرأ العلوم العربية والدينية والعقلية على بعض العلماء فقام بحفظ المتون، ثم قرأ على الشيخ الفاضل حفيظ الله البندوي، وبعد ذلك على الشيخ عين القضاة بن محمد وزير الحيدر أبادي، ثم قرأ الكتب الستة والفقه الحنفي وغيرها من العلوم على الشيخ فضل الله بن نعمة الله والشيخ محمد نعيم بن عبد الحكيم النظامي.
وقرأ بعض كتب البطولات على الشيخ عبد الرزاق اللكنوي، وقرأ عليه الموطأ والصحاح الستة ومشكاة المصابيح وتعلم منه طريقة الفتوى.
وقد تأثر الشيخ اللكنوي بالشيخ محمد عبد الرزاق كثيراً فسلك طريقه وتعلم منه الكثير، واعتنى رحمه الله باستجازة مشايخه إجازة معينة فيما قرأ عليهم وإجازة عامة ثم أجازوه بالتدريس فدرس وانتفع به العباد في المعقول والمنقول ببلدته واستمر يدرس سنوات عديدة.
هجرته الأولى إلى الحجاز: وفي عام (١٣٠٨ هـ) رحل إلى الحجاز قاصداً الحج والزيارة، وفي الحجاز التقى ببعض علماء الحرمين الأفذاذ وأجازوه عامة ومنهم الشيخ المفتي عباس بن صديق المكي، والعلامة الشيخ عبد الله بن حسن المكي، والعلامة أحمد أبو الخير مرداد الحنفي، والشيخ محمد علي بن ظاهر الوتري، والشيخ محمد الحريري، وقرأ الشاطبية على الشيخ عبد الله المكي وجود القرآن بالقراءات العشر على الشيخ المقري حبيب الرحمن الكاظمي.
وبعد ذلك عاد إلى بلدته وبقي فترة من الزمن يدرس في مدارسها الإسلامية العظيمة الكبرى، وعرف الشيخ اللكنوي بالعلم الواسع وتربى تربية ثقافية قوية وبالأخص في الناحية الدينية.
هجرته الثانية إلى الحجاز: ذكرت سابقاً أنه عاد إلى الهند واستأنف دروسه وبعد خمسة أعوام وفي عام (١٣١٣ هـ) رحل الشيخ اللكنوي إلى الحجاز مرة ثانية والتقى بجملة من العلماء الأفاضل، وتتلمذ على أيديهم فأجازوه إجازة عامة، منهم: الشهاب العلامة المؤرخ أحمد الحضراوي، والفقيه أحمد الميرغني الشهير بالمحجوب، وتحمل المسلسلات بأعمالها القولية والفعلية عن الشيخ صالح السناري، وقرأ بعض العلوم على الشيخ محمد سعيد بابصيل رحمه الله.
وعاد إلى الهند وقد أجازه كثير من العلماء وأعلوا شأنه أكثر وكثر طلابه وكبرت حلقته وتعددت أوقاتها لتمكنه من المسائل العلمية وأسلوبه الذكي في التدريس.
هجرته الثالثة والأخيرة إلى الحجاز: وبعد عودته استمر على حاله من التدريس وإفادة طلابه سلوكاً وأخلاقاً وبعد أن استسقى العلم من المنابع الصافية رحل إلى بغداد حيث تلقى كثيراً من العلوم عن بعض علمائها الأفاضل، واستمر في الهند ما يقارب عشرة سنوات ولكن نفسه تاقت إلى مجاورة الرسول صلى الله عليه وسلم فقرر الهجرة الأبدية إلى المدينة المنورة وكان ذلك سنة ١٣٢٢هـ.
وأجازه الشيخ محمد أمين رضوان والشيخ فالح الظاهري والشيخ أحمد بن إسماعيل البرزنجي والشيخ الشمس الشنقيطي والشيخ السلفي عبد الله القدومي، ونال من كل هؤلاء العلماء الأفذاذ علما وافراً وإجازات عالية لم ينلها أحدٌ من قبله.
دروسه بالمسجد النبوي: عندما استقر الشيخ اللكنوي بالمدينة المنورة جلس وتصدر للتدريس في المسجد النبوي الشريف، فأتى بكل نفيس وعقد سوقاً رائجة للعلم زود طلابه ببضاعة رابحة وتوسع في الرواية، وأخذ يلقى دروسه في الحديث وسائر العلوم الأخرى.
وقد كبرت حلقته رويداً رويداً حتى أصبحت من أكبر الحلقات بالمسجد النبوي، ولكن ظروفاً طارئة وقفت عقبة كأداء في طريق مواصلته التدريس بالمسجد النبوي -وهي مرضه -وكبر سنه فاقتصر على التدريس في منزله.
اللكنوي والمدرسة النظامية: وعندما استقر الشيخ اللكنوي في المدينة المنورة وفي حدود عام (١٣٢٤ هـ) افتتح مدرسته الشهيرة في منزله بحوش فواز وأطلق عليها "المدرسة النظامية " وكان يدرس فيها العلوم كلها، وقد أنفق عليها من ماله الخاص رغبة في إخراج جيل مثقف، إلا أن المدرسة لم تشتهر على مستوى الحجاز، ولم يعرفها إلا أهل المدينة، ولا يذكرها إلا الذين شاهدوها ولم يذكرها المؤرخون ضمن مدارس المدينة المنورة ولعل السبب يعود في ذلك إلى قلة طلابها.
ولكني أقول أنه صرح علمي شامخ وبالتأكيد أنه أفاد الكثير فإن فكرة تأسيس المدرسة يؤجر عليها المؤسس خير الجزاء ولعله لم يجد من يمد له العون فظل وحيداً يدعمها إلى آخر يوم في حياته فكانت بوفاته أغلقت المدرسة بعد أن تخرج منها عدة أجيال من أهل المدينة المنورة والوافدين عليها من أنحاء العالم الإسلامي فجزاه الله خيراً على عمله الجليل.
يقول الشيخ محمد عبد الباقي في ثبته عند حديثه عن هذه المدرسة والمقروءات فيها: وهذا الذي ذكرناه من مقروآتنا هو الدرس النظامي المروج عندنا أهل الهند المنسوب إلى جد جدة جدتى من الأمهات ملا نظام الدين الأنصاري أستاذ الهند وبه تحصل ملكة الاستعداد في جميع الفنون، ومن حصل له الاستعداد في الفنون يستغنى عن مراجعة الأساتذة في حل معضلاتها عند توسيع نظره فيها وتدريسه إياها و تحقيقه لها.
خروجه من المدينة: ولما أعلنت الحرب العظمى أجبر الشيخ اللكنوي على الترحال من المدينة؛ فقصد دمشق ومكث بها ما يقارب ثلاث سنوات وهناك تعرف على بعض العلماء، وأخذ يجالسهم ويروي عنهم المسلسل برواية الدمشقيين وروى المسلسلات برواية الصوالحة والحنابلة.
وعندما عاد توقف عن التدريس في المسجد النبوي وكانت هذه الرحلة سبب في مرض الشيخ وتعبه وضعف نظره.
تلاميذه بالحجاز: انتفع به جم غفير من العلماء وروى عنه علماء في شتى الأقطار الإسلامية فهو من كبار مسندي زمانه ولم يكن في المدينة عالم يشبهه في هذا الشأن فمن تلاميذه. والذين روى عنه الشيخ إبراهيم الختني المقرب إليه الشيخ عبد الحي الكتاني، والشيخ عبد الحفيظ الفاسي، والشيخ محسن المساوى، والشيخ أحمد الصديق الغماري، وأخويه عبد الله وعبد العزيز، والشيخ محمد ياسين الفاداني، والشيخ حسن المشاط، والشيخ علوي مالكي، والشيخ أبو بكر الحبشي، والشيخ محمد الحافظ النجاتي، والشيخ محمد سعيد دفتردار، والشيخ صالح إدريس الكلنتاني، والشيخ مختار بن عثمان مخدوم.
علاقته بالعلماء: حفل المسجد النبوي في تلك الفترة بفطاحلة العلماء الأخيار وجميعهم كانوا يعملون في سبيل رفعة هذا الدين الحنيف فالشيخ اللكنوي حسب ما روي أنه كان محبوباً من العلماء والطلاب وعامة الناس فجميعهم يسألونه ويسترشدونه في كل كبيرة وصغيرة.
مؤلفات الشيخ اللكنوي: لقد عمل الشيخ اللكنوي بتأليف الكتب طوال حياته فقد صنف أكثر من ثلاثين مصنفاً في المعقول والمنقول منها:
١- العقود المتلألئة في الأسانيد العالية.
٢- الإسعاد بالإسناد.
٣- المناهل السلسة في الأحاديث المسلسلة.
٤- نشر الغوالي في الأحاديث المسلسلة.
٥- إعلام الأنام بحكم سماع الصوفية الكرام.
٦- كشف رين الريب عن مسألة الغيب.
٧- إظهار الحق في بيعة مولانا عبد الحق.
٨- المنح المدنية في مذهب الصوفية.
٩- تحفة الأماجد بحكم صلاة الجنازة في المساجد.
١٠- الحقيقة في العقيقة.
١١- إزالة الغطاء عن حكم كتابة النساء.
١٢- آيات الكبرى في المعراج والإسراء.
١٣- تحفة الخطباء من خطب النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء.
١٤- تسهيل الميزان وبداية الميزان في المنطق.
١٥- خير العمل تراجم فرانكي محل.
١٦- بركة الباري في سلالة جدنا ملا حافظ الأنصاري.
١٧- رسالة في مناقب الأولياء الخمس.
١٨- شرح رسالة طاش كبرى زادة في الأدب.
١٩- توضيح الصرف وميزان الصرف.
وغيرها من التصانيف المفيدة النافعة والله أعلم طبع منه شيء والباقي لم يطبع فقد أفاد رحمه الله المكتبة الإسلامية بمؤلفاته.
مكتبته الموقوفة: أخلف الشيخ اللكنوي من بعده مكتبة كبيرة تحتوي على كثير من الكتب والمخطوطات النادرة وحلى الكتب الخاصة به بتعليقات جميلة تدل على إطلاعه الواسع وله حب في فرز الكتب وترتيبها في أماكنها بشكل جميل وقد أوقف بيته على أهل بلدته الوافدين لزيارة المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
ولم يخلف الشيخ ذرية أبداً وأوقف المكتبة الموجودة في منزله على طلاب العلم مشترطاً عليهم إبقاءها في منزله.
وقد حدثني أحد أقربائه الذين في المدينة أن مكتبته حملها أحد أقربائه إلى الهند، فرحمة الله عليه كان حتى بعد وفاته يبتغي فعل الخير.
وفاة الشيخ اللكنوي: وفي آخر حياته ظهر عليه أثر الجهد الذي قام به في حياته وبلغ الكتاب أجله ففاضت روحه إلى بارئها في الرابع من ربيع الأول سنة (١٣٦٤ هـ) ودفن في بقيع الغرقد وفقدت المدينة بموته عالماً من علمائها الصالحين فرحمة الله عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق