أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 2 فبراير 2023

شخصيات قلقة في الإسلام عبد الرحمن بدوي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

شخصيات قلقة في الإسلام

عبد الرحمن بدوي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ يعرض هذا الكتاب آراء المستشرقين الغربيين حول ثلاثة شخصيات تاريخية، الأولى شخصية فريدة لصحابيٍّ جليل وهو سلمان الفارسي -رضي الله عنه، والثنتان الباقيتان لشخصيتان صوفيتان كلتاهما أردأ من صاحبتها، وهما الحلاج والسهروردي المقتول، ويرى المستشرقون أن هذه الشخصيات الثلاثة ساهمت بشكل كبير في إثراء الحياة الروحية في الإسلام، وأن الأثر الذي تركته هذه الشخصيات مرتبط بأبعاد متعددة تاريخياً ودينياً وروحياً، مع انتمائها للعرق ذاته والمنطقة الجغرافية نفسها.

ولعل الدافع لهذه الدراسة هو أن هذه الشخصيات تناولتها الفرق المختلفة بحسب العوامل المشتركة، وكونت حولها صورة رمزية لبعض المعتقدات التي تؤمن بها، على أن كثيراً من هذه الآراء متهافتة ومتناقضة، وهي في جملتها إثارة لقضايا غير مفهومة بالنسبة لهم، أو تحليل غير منطقي وبعيد كل البعد عن حقيقة هذه الشخصيات والأحداث والتطورات والعوامل التي نشأت في ظلها هذه الفرق.

 وتبرز هذه الدراسة (الواهية) آراء مجموعة من الفرق الباطنية كالإسماعيلية والزيدية والإمامية والدروز، وتنحدر بقوة نحو الجذور التاريخية لهذه الفرق، وتعيد إلى الأذهان الخلاف المحتدم حول الخلافة والإمامة بطريقة تثير الوجدان وتلهب المشاعر بطريقة تشبه العبث بعيداً عن الحقائق التاريخية والدينية.

ويرى "بدوي" أن هذا الاختلاف في العقائد بين الفرق المختلفة له أكبر الفضل في إغناء المضمون الروحي في الإسلام، وكانت تربة خصبة وهبت هذا الدين البقاء والقوة، وجعلته بمعزل عن التحجر والجمود، ويرى أن الشيعة هم أكثر العناصر المؤثرة في هذا الجانب، باعتبارهم المكوّن الأول الذي حاول طرق الرمز الإسلامي والتعمق فيه، في مقابل الحركة السُّنية أو السلفية التي حاولت أن تأسر نفسها في ربقة الرمز الظاهر، وبجمودها مثّلت عللاً وأزماتٍ نفسية في تاريخ الحياة الروحية.

أما الشخصيات التي ناقشها هذا الكتاب؛ فهو شخصية (سلمان الفارسي) الذي يصفه بالباحث عن الحقيقة، وكان له الدور الأكبر في تكون الحياة الروحية في الإسلام، سيما وأنه ينتمي إلى البيئة الفارسية التي لها عمقها في المذهب الشيعي.

وأما الشخصية الثانية فهي شخصية الحلاج المقتول (أو شهيد الصوفية كما يحلو لهم تسميته). والشخصية الثالثة هي شخصية السهروردي المقتول، وجميع هذه الشخصيات إيرانية بامتياز، وتنتمي إلى نفس العرق تقريباً.

وفي المقدمة يترجم لشخصية (لويس ماسينون) ولأبحاثه الكثيرة عن الصوفية والشيعة المغالية وعن شخصيات كالحلاج وأضرابه، وقد استغرقت ترجمة لويس ماسينون العشر صفحات من المقدمة، مع تفصيل كبير فيها (ص ٩ -١٩).

وشرع "بدوي" في تحليل شخصية سلمان الفارسي رضي الله عنه تحليلاً تمحيصياً، باعتباره المبشر الأول للحياة الروحية في الإسلام، ويذكر ذلك تحت عنوان (سلمان الفارسي والبواكير الروحية في إيران) وتحليل الخبر الخاص بإسلامه، واختلاف المستشرقين حول حقيقة شخصية سلمان التاريخية، والإسناد السلماني لبعض الطرق الصوفية، بالإضافة إلى ملحق نشر فيه خمس نصوص للفرقة المغالية في سلمان والمسماة (بالسليمانية، أو السينية).

ثم يتطرق بعد ذلك إلى بعض الشخصيات الصوفية وهما شخصيتان:

الشخصية الأولى: الحلاج، فيطرق مبادي نشأته وتكون شخصيته، وبداية رحلاته وحجة، انتهاءً بقلته (أو مأساته!)، وخيوط الحلاجية في المشرق، وأسانيد الطرق الحلاجية، والشخصيات التي صنعت مأساة الحلاج على حد تعبيره وهم خمسة (حامد العباس، ومؤنس الفحل، والقاضي أبو عمر، والخليفة المقتدر، والوزير ابن عيسى)، ثم شهود هذه المأساة وهم أحد عشر: (عيسى الدينوري، وأبو العباس بن عبد العزيز، والعطوفي القاري، والقلانسي، وأبو الحسن البلخي، وإبراهيم بن فاتك، وهيكل، وابن عطاء، والشبلي، وابن خفيف، ونصر القشوري الحاجب).

الشخصية الثانية: السهروردي المقتول (وهو مؤسس المذهب الإشراقي)، وتحدث عن ظروف نشأته، وتفسيره للنصوص، وحكمته الإشراقية، ومراتب العرفان الصوفي عنده، وعقيدة الاتحاد، ورسائله (أصوات أجنحة جبرائيل).

ثم ملحق في المباهلة بين النبيّ صلى الله عليه وسلم ونصارى نجران.

وبعيداً عن شخصية الصحابي الجليل سلمان، وبالنظر في شخصية الأخيرين نجد لزاماً أن الكشف عن مثل هذه الشخصيات ونقدها لا بد أن يكون في إطار العلم وسلامة القصد، وضمن ضوابط شرعية محددة، بعيداً عن فذلكات الفلسفة، والمداعبات الوجدانية، وبعيداً أيضاً عن البُهت والإثم، وبعيداً كذلك عن العصبية والحميّة، التي قد تأخذ بأحلام بعض من يدافع عن مثل هذه الشخصيات بحق وبغير حق.

وإذا وسّعنا الدائرة قليلاً؛ فلتكن المحاكمة للنهج الذي ارتضاه هؤلاء الأشخاص، واختاروا السير فيه، وذلك -ولا شك -يعيدنا إلى النظر الصحيح فيما نقل من أخبارهم وسيرتهم، والتي تشكل بمجموعها جزءاً من الحكم عليهم، وحكمنا كما هو معلوم هو حكم دنيوي بناءً على قرائن تاريخية، وليس حكمنا حكمٌ إلهي قطعي؛ لأننا لا نعلم حقيقة عقائد هؤلاء.

وبالطبع ليس مرادنا الوقيعة في الحلاج أو السهروردي وغيرهما، أو السعي إلى فتنة الافتراء عليهم، أو إيصال التهم لهم بغير وجه حق، وكان الأحرى بالمتصوفة دفن مثل هذه الشخصيات بمجرد موتهم، لكن قدر الله أن يمتد حبل هذه الفتنة إلى طرق وأشخاص يأتوا من بعدهم ليكملوا دورهم في التمثيل والخبل، يقول شوقي:

وَقَد يَموتُ كَثيرٌ لا تُحِسُّهُمُ... كَأَنَّهُم مِن هَوانِ الخَطبِ ما وُجِدوا

الحسين بن منصور الحلاج

الحسين بن منصور الحلاج، ولد بفارس سنة (٢٤٤ هـ)، ونشأ بواسط العراق (أو بتستر) وانتقل إلى البصرة، وحجّ، ودخل بغداد وعاد إلى تستر. وهو صوفيٌّ، متكلم، وله اتصالٌ بالقرامطة، وله شطحات كثيرة، من أهل الحلول والاتحاد، اتهم بالزندقة، وكثرت الوشايات به على المقتدر العباسي، فأمر بالقبض عليه، فسجن وعذب وضرب.

قال ابن النديم: ولما قبض عليه سلم إلى أبي الحسن علي بن عيسى؛ فناظره فوجده صفراً من القرآن وعلومه ومن الفقه والحديث والشعر وعلوم العرب؛ فقال له علي بن عيسى: تعلمك لطهورك وفروضك أجدى عليك من رسائل لا تدري أنت ما تقول فيها. كم تكتب ويلك إلى الناس: ينزل ذو النور الشعشعاني الذي يلمع بعد شعشعته ؟! ما أحوجك إلى أدب، وأمر به فصلب في الجانب الشرقي بحضرة مجلس الشرطة.


قال ابن خلكان: وقطعت أطرافه الأربع، ثُمَّ حُزَّ رأسه، وأحرقت جثته، ولما صارت رماداً ألقيت في دجلة، ونصب الرأس على جسر بغداد. انظر: الأعلام (٢/ ٢٦٠).

وهو أول من قال بعقيدة وحدة الوجود، والتي تعني اعتقاد أن الوجود واحد، وليس هناك وجود للخالق ووجود للمخلوق، بل وجود ذا هو عين وجود هذا، ولكن لأصحابها في تقريرها عدة مذاهب:

الأول: مذهب ابن عربي، ويقوم على أصلين:

أحدهما: أن المعدوم شيء ثابت في العلم والعدم، والمظاهر: هي أعيان ثابتة في العدم، وأما الظاهر: فهو وجود الخلق. 

والثاني: قوله: إن وجود الأعيان نفس وجود الحق الذي فاض عليها، وابن عربي يفرق بين وجود الشيء وماهيته.

الثاني: مذهب الصدر الرومي، الذي لا يُفرق بين الوجود والماهية، وعنده أن الله هو الوجود المطلق الذي لا يتعين ولا يتميز.

الثالث: مذهب التلمساني، وهو لا يفرق بين ماهية الشيء ووجوده، ولا بين مطلق ومعين، بل عنده ما ثمَّ سواه، ولا بوجه من الوجوه، وإنما الكائنات أمواج البحر في البحر، وهذه المذاهب رتبها شيخ الإسلام ابن تيمية حسب أبعدها ن الحق، وأشدها كفراً.

وبعد أن ذكر شيخ الإسلام الأقوال الثلاثة، قال: "ولا ريب أن هذا القول (يعني قول التلمساني) هو أحذق في الكفر والزندقة، فإنه لم يميز بين الوجود والماهية. وجعل المعدوم شيئاً (وهو مذهب ابن عربي)، أو التمييز في الخارج بين المطلق والمعين، وجعل المطلق شيئاً وراء المعينات في الذهن (وهو قول الصدر الرومي)، قولان باطلان ضعيفان..". 

انظر: مجموع الفتاوي (٢/ ١٤٣، ١٦٠- ١٦١، ١٦٩).

السهروردي صاحب حكمة الإشراق

هو يحيى بن حّبَش بن أميرك،  فيلسوف صوفي، نسب إلى انحلال العقيدة. قال الذهبي: كان يتوقّد ذكاءً إلا أنه كان قليل الدين.

وقدَّم السهروردي المقتول فلسفة جديدة تعد تطويراً لنظرية الحلاج في وحدة الوجود أو الشهود، مع إدخال العنصر الفلسفي الإشراقي، والأفكار الفارسية القديمة المتمثلة بالنُّور الإلهي المتنقل.

أفتى العلماء بإباحة دمه، فسجنه الملك الظاهر غازي، ثم خنقه سنة ست وثمانين وخمسمائة في سجنه بقلعة حلب عن ست وثلاثين سنة، ثم صلب أيامًا.

قال السيف الآمدى: اجتمعت به فرأيته كثير العلم قليل العقل، وقال لى مرةً: لابد أن أملك الأرض لمنام رآه، ولما تحقق هلاك نفسه قال:

أرى قدمي أراقَ دمى ... وهان دمي فها ندمي

وقَالَ فخر الدّين المارْدِينيّ: ما أذكى هَذَا الشّابّ وأفصحه إلا أنّي أخشى عليه لكثرة تهوّره واستهتاره تلافَه.

وقال بهاء الدين ابن شداد: قتل ثم صلب أياما، قال: وأخرج من الحبس ميتا في سلخ سنة سبع وثمانين وخمس مائة، وقال بهاء الدين: فتفرق عنه أصحابه، وكان اسمه عمر، وكان أوحد في العلوم الحكمية جامعاً لفنون الفلسفة بارعا في أصول الفقه، مفرط الذكاء فصيح الركان، كأنه لم يناظر أحدًا إلا أربى عليه، وكان علمه من أكثر عقله، قال فخر الدين المارديني: ما أدل هذا الشاب وأفصحه إلا أني أخشى عليه لكثرة نهوله، وانبهاره هلاكه، وذكر أن الفقهاء لما قربه الملك الظاهر غازي صاحب حلب قاموا عليه، وكتبوا إلى الملك الناصر صلاح الدين أنه يخشى أن يفسد عقيدة ولده غازي، فكتب صلاح الدين إلى ولده الظاهر غازي بخط القاضي الفاضل أنه لا بد من قتله، ولا سبيل إلى أن يطلق ولا ينفى بوجه، فلما لم يبق إلا قتله، اختار هو أن يترك في بيته حتى يموت جوعا، ففعل به ذلك في أواخر سنة ست وثمانين، وعاش ستا وثلاثين سنة.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق