أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 18 فبراير 2023

أثر القرآن الكريم في سلوك المجتمع المسلم د. عبد القدوس أسامة السامرائي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

أثر القرآن الكريم في سلوك المجتمع المسلم

د. عبد القدوس أسامة السامرائي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة




تمهيد/ لقد كانت حياة السلف حياة قرآنية بامتياز، لأنهم شهدوا معانيه وأحكامه، وعاشوا مباديه وتنزلاته، وتفاعلت عقولهم مع سوره وآياته، وامتزجت نفوسهم بمواعظه وآدابه، حتى صار لهم منهجاً في الأخلاق والسلوك والمعاملة، ولذلك استغرق عندهم حفظ القرآن وقتاً طويلاً مقارنةً لبمن جاء بعدهم، وذلك لعظيم حرصهم على إتقان فهم النّص الكريم، وسعيهم إلى تطبيقه، والعمل بمقتضاه.

وتوجهت عناية السلف الكرام إلى التعرف إلى كل ما يتعلق بالقرآن من علوم؛ وذلك مثل أسباب النزول، وقصصه، ووعده، ووعيده، وعظاته، وعبره، وتوحيده، وسننه الكونية، وأحكامه الشرعية، وكيفية قراءة آياته، وضبط مخارجها، واختيار من يؤخذ عنه ذلك من أهل العلم والخبرة، دون أهل الادعاء والمن والغل والشهرة.

وهذا الكتاب النفيس القدر، الطويل النفس، يجمع الطرق الصحيحة لتعامل الأمة المسلمة مع القرآن الكريم من خلال شُعع السَّلف، الذين هم منارات الهدى وأعلام الطريق، ويبين الكتاب أثر القرآن الكريم على سلوك الفرد والأُسرة المسلمة، وهما البذرة الأساسية لتكوين المجتمع المسلم، كما فيه تذكير للأمة بعظيم ّ المسؤولية تجاه القرآن العظيم، 

ولا شك أن هذا الموضوع نافع لأبناء الجيل المسـلم، لا سـيما في بعثهم على فهـم مراد الله تعالى في كتابه، وتربيـة الـروح، وتنقية البدن، وانتقاء المنهـج الحق في السلوك، والتعرف على بعض آثار القرآن على أبناء المجتمع المسـلم من السابقين، من حيث انتفاعهم بتوجيهاته التربوية، وتعاملهم معه على أسـاس الفهم العميق لآياته، وإمضاء أحكامه على النّفس والمجتمع؛ ليكون له الدور الفاعل في إصلاح المنظومة الإنسانية، وسائر الشؤون الحياتية

وقد قسم المؤلف كتابه هذا إلى ثلاث محاور (أو ثلاثة شُعع) وعنها تصدر الأضواء والملامح القرآنية للجيل الفريد، وجعل تحت كل محور من هذه المحاور عدة فقرات تعالج الموضوع، وهذه المحاور هي:

المحور الأول: إشراقات في تعامل الأمة مع القرآن الكريم.

وبيان ذلك من حيث:

أ) التمسك بكتاب الله تعالى والتزامه قراءة وتعهداً، مع استحضار كامل هيبته، واستثارة الخشوع في كوامن الذات المتعاملة مع ألفاظه ومعانيه.

ب) انبثاق المدارس لتعليم القرآن الكريم، وحسن تفهمه، ومن هذه المدارس التي اتسمت بالفهم المتميز:

-مدرسـة النفسـير بمكة المكرمـة، والتي تأسست على يد ابن عباس رضي الله عنهما، وتبعه تلاميذه: مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وجابر الأزدي وغيرهم، رحمة الله عليهم أجمعين.

- مدرسـة المدينـة النبويـة المنورة، وقد أسسها الصحابي الجليل أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه، ولحقه فيها أبو العالية رفيع الرياحي، ومحمد القرظي، وسعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم وغيرهم، رحمة الله عليهم أجمعين.

- ومدرسـة الكوفـة؛ وقد أسسها الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ولحقه في إقامة دعائمها علقمة النخعي، ومسروق الأجدع، وابن حبيش، وأبو عبد الرحمن ابن حبيب السلمي، والأسود النخعي، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة السدوسي، وعبيد السلماني وغيرهم،رحمة الله عليهم أجمعين.

ت) تنوع المناهج في فهم القرآن والتعامل معه (وفق ضوابط صحيحة): ومما لا شك فيه أن دين الإسلام أتاح لجميع أهل العلم من المسلمين وغيرهم حرية الحركة الذهنية، والتأملية، والاستنباطية، بناء على توجيهاتّ القرآن الكريم ودعواته إلى التفكر والتدبر والنظر.

ث) تهيئة الأجيال وتأهيلها للتعامل مع القرآن الكريم: وذلك من خلال امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومراقبة الله في كل حركاته وسكناته.

والثاني: أثر الفهم الصحيح لتعاليم القرآن الكريم في السلوك العام.

من حيث:

أ- الالتزام بما جـاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، واعتبار الكتاب والسـنّـة المرجع الرئيس في الحياة.

ب- تقديم النصيحة لأهل القرآن الكريم وعموم المسلمين.

ت- الاستقامة، وموافقة الظاهر للباطن، وحفظ الأدب مع الخْلق.

ث- ملازمة الأُسس الصحيحة التي عليها قوام العبادات والمعاملات.

ج- الاستعانة بالصبر على طريق المعرفة وفهم القرآن الكريم.

والشعاع الثالث: شعاع في أثر تعاليم القرآن في سلوك الفرد والأُسرة والمجتمع.

من حيث :

أ- اتهام النفس وعدم الركون إليها، وإعمال الحذر منها.

ب- معرفة علامات السعادة والشقاء، وما يعد من أعظم الذنوب.

ت- المحافظـة علـى تذكير قـراء القرآن بواجبهم، ومكانة السابقين من أئمة المسلمين.

ث- تحقـق السـلوك السوي بناء عـلى تعاليـم كتـاب الله تعـالى وســنَّـة رسوله.

ج- الحرص على الدعاء وحسن الظن بإجابته، والاستغفار للنفس والولد.

ومن الأمور المعينة على الإجابة:

* أن يستحضر التالي لكتاب الله أنه من أهل الله تعالى.

* تذكر ما هو فيه من عظيم فضل الله تعالى، وأنه اختصَّه بتلاوة وحفظ كتابه.

* مباشرة الدعاء بما جاء في القرآن من دعوات ملؤها التضرع والإنابة. 

* تلمُّس الطعام الحلال، والملبس الحلال، والمأوى الحلال.

ح- تحقيق العز، ولاسيما لحملة القرآن، والشهادة بفيض نبلِهم .

خ- المحافظة على العقل وأفضلية الإيمان ببركة القرآن الكريم .

د- ثبوت أجر المتمسك بالحق إذا اتبعت الأهواء وآثر النّاس الدنيا .

ذ- تحريك النّفس والهمة في أن نلقى الله تعالى بأحب الصحف المرفوعة إليه.

ر- تحصيل بشارة من قرأ القرآن الكريم وحافظ على قراءته .

ز- استحقاق من يؤخذ عنه القرآن المدح والتشجيع، وكذلك المتصدر به.

س- تعلم التعامل مع أشد الأعمال.

ش- ظهور البركة على من عاش في ظلال القرآن وتعاليمه في حياته.

وتظهر هذه البركة من خلال:

* التأثير في سلوك الأمة والمجتمعات الإسلامية.

*  التقلل من الدنيا وأثقالها وهمومها.

* الأنس بالله تعالى في الحل والترحال.

* تحقق الاستلذاذ بمناجاة الله تعالى، وكثرة الخشوع له، والورع عن الشبهات

* انتشار الصلاح وإشاعة الزهد، والالتزام بأحكام الإسلام.

* الحرص على تلقي العلم وتحصيله، والإقبال عليه للتمكن من فهم القرآن.

* الحرص على تحصيل الفوائد، وانتظام السلوك، والاستقامة في الحياة.

* الحرص على تربية الروح وتنقية البدن.

* حفظ الأوقات واستثمارها في المفيد، واستعمال السنة في غالب الأمور.

ص- شفاعة القرآن وعودة بركته على المشتغل به بعد مماته.

ض- إصلاح منظومة الأُسرة حضارياً.

ط- رغبة المجتمع المسلم وسعيه إلى الكسب الحلال، والزهد بما سواه.

ظ- تنميـة ثقافة فهم القـرآن بلغة القرآن؛ للتأثر بمناهجـه التربوية والحضارية والسلوكية.

ع- ظهـور تفاعل أبناء المجتمع من الأعيان مـع القرآن وأهله، وتعزز مكانتهما عندهم.

غ- مكانة أهل القرآن عند الملوك والأمراء والوزراء والدولة.

ف- الأمل المتجدد بهذه الأُ َّمـة وأجيالها ومقدراتها 











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق